الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
المولد النبوي الشريف.. عيد للبشرية جمعاء
تحتفل البشرية جمعاء هذه الأيام بذكرى ولادة فخر الكائنات ومعِّلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وسط أجواء مشحونة بعد أن تطاول البعض على مقامه السامي.
لقد تساءل قبل ثلاثة قرون الفيلسوفُ الفرنسيّ فولتير عن الشخصية العالمية الأكثر تأثيراً في التاريخ، فجاء الجواب عام 1978 من عالم الفلك والرياضيات الإنكليزي الدكتور مايكل هارت في كتابه الموسوم: (المائة الأعظم تأثيرا في التاريخ The 100: A Ranking of the Most (Influential Persons in History، مستنداً إلى مقولة لفولتير: (إنّ الذي يتحكّمُ في عقولنا من خلال قوّة الحق، لا الذي يستعبدُها من خلال العنف، هو مَن ندينُ له بتعظيمِنا). وتضمن الكتاب قائمة بأهمّ وأعظم شخصيّات العالم، وكان رسول الإسلام النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم في موقع الصدارة، يليه إسحاق نيوتن، ثم النبيّ عيسى المسيح عليه السلام.
يقول المؤلف الايرلندي الشهير جورج برنارد شو George :Bernard Shaw "لقد درستُ الإسلام وحياة نبيه (صلى الله عليه وسلم) بعناية فائقة، وتوصلتُ إلى استنتاج مفاده أن محمد (صلى الله عليه وسلم) كان بالفعل رجلاً عظيماً ومنقذاً ومحسناً للبشرية التي كانت حتى ذلك الحين تتلوى تحت وطأة ألم مؤلم".
وأما أمير الأدب الفرنسي فيكتور هوغو Victor Hugo فقد أُعجبَ بالإسلام وتعاليمه ورسالته العالمية في عدالته وسماحته، وقد حظي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بمكانة كبيرة عنده. ويقال أنه أشهر إسلامه في مدينة تلمسان الجزائرية، ولكنه أخفى الأمر لظروف واعتبارات تتعلق بحياته ومصيره. وقد كتب فيكتور هوغو عدة قصائد للثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومما قاله فيه من الشِّعر (ما ترجمته):
على الثرى يجلس والثياب قد يخيطها بخلقه الرفيع
وربما حجارة يحزمها ببطنه من وخزات الجوع
فوق صوم الناس كان صومه وهو ليس ناهض الضلوع
ثلاثة بعد الستين انقضت وجاءته حمى الموت والتوديع
يكرر القرآن مثلما أنتهى إليه محفوظا من الينبوع
وقام عند الباب ملك الموت في المساء يرنو للهدى المتبوع
وحينها أضاء النبي مثلما أضاء يوم المولد البديع
قال له الله العظيم طالب لقياك عند عرشه المرفوع
قال نعم ورعشة طافت به في جسمه المتعب والضلوع
وعندما أرسل نفسا كان قد مات النبي رحمة الجميع
الإسلام أقوى من فرنسا:
لقد تلقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام صفَعة قوية وهو منْتَشٍ عند استقباله في مطار باريس الرهينة الفرنسية (صوفي بترونين) بعد تحريرها من مختطفيها على مدى أربع سنوات في مالي (24 ديسمبر 2016-10 أكتوبر 2020). وقد أعلنت بترونين أمامه أنها اعتنقت الإسلام وأصبح اسمها (مريم) وليس (صوفي)، قائلة: "تقولون (صوفي)، لكن (مريم) هي التي أمامكم". وأضافت "سأصلي من أجل مالي وأنا أطلب البركات والرحمة من الله لأنني مسلمة".
وعاش ماكرون الذي وصف الإسلام (بالمأزوم) صدمة قوية سرَّعتْ من مغادرته للمطار غاضباً، ملغياً خطاباً كان قد حضره لإلقائه أمام الرهينة المحررة وأمام وسائل الإعلام الذين بقوا فاغرين أفواههم لا يلوون على شيء مما كان يحدث في مطار باريس، وهم الذين واصلوا شحذ أقلامهم ضرباً في الإسلام والمسلمين على مدى أربع سنوات؛ مدة اختطاف الرهينة (بترونين) التي أعلنت أمامهم أنها اعتنقت الإسلام.
في سنة 1930، وبعد أكثر من عقد من الزمن مِن التكوين الموجه لطمس هوية الفتيات الجزائريات المنتقاة بعناية فائقة، هيأت الدولة الفرنسية لهن حفلة تخرُّج حضرها مسؤولون حكوميون وشخصيات وازنة وصحفيون. وحين بدأ الحفل وطُلب من الطالبات الخروج أمام الحضور، فوجئ الجميع بارتداء الفتيات الجزائريات لباسهن الإسلامي الجزائري، فأصاب الحضور صعقة كبيرة، وذهلوا من هول ما شاهدوه، وثارت ثائرة الصحافة الفرنسية، ووجهت سؤالاً إلى وزير المستعمرات الفرنسي آنذاك- وكان اسمه (لاكوست): ماذا كانت تصنع فرنسا في الجزائر طيلة مائة وعشرين عاماً من الاستعمار؟ عندها قال (لاكوست) قولته الشهيرة: "وماذا عساي أن أفعل، إذا كان القرآن أقوى من فرنسا"؟!.
وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه مع الرهينة الفرنسية (مريم بترونين) التي أجهد الرئيس نفسه في إطلاق سراحها، وكأني بالرئيس (ماكرون) يردد ما قاله الوزير (لاكوست) بعد مرور تسعين عاماً: (وماذا عساي أن أفعل، إذا كان الإسلام أقوى من فرنسا)؟!
إن الصور التي ينشرونها بقصد الإساءة لسيد البشرية تعكس ضحالتهم وسوء أخلاقهم، والإناءُ ينضح بما فيه:
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ ... يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حا ... لَ سناً مِنك دونَهم وسَناءُ
تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو ... بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ
وليسمع ماكرون وكل مَن حوله النشيد الذي يردده قرابة الملياري مسلم في العالم الممتد من طنجة لجاكرتا:
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي ... إنّا بغير محمَّدٍ لا نقتدي
مولد فخر الكائنات:
وُلد محمّد عليه الصلاة والسلام فجرَ الاثنين الثَّاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل في دار عقيل بن أبي طالب، والموافق شهرِ نيسان أو أبريل لعام خمسمئةٍ وواحد وسبعينَ ميلاديَّة، وكانت قابِلَتُه الشِّفاء أم عبد الرحمن بن عوف.
لقد حضي المولود المبارك بخصوصيات ما كانت بالصدفة: آمنة حملته، والشفاء قابِلَتُه، وحليمة أرضعته. وقد قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في مولد ابن أخيه عليه الصلاة والسلام:
وأنتَ لمَّا وُلدتَ أشرقت الـ ... أرضُ وضاءت بنوركَ الأفُقُ
فنحن في ذلك الضِّياء وفي ... النُّور وسبل الرشاد نخترقُ
وقال حسان بن ثابت فيه عليه الصلاة والسلام:
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ... وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ... كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
تاريخ الاحتفال بالمولد:
حسب أبو شامة المقدسي (1202-1267)م فإن شيخ الموصل في عهده معين الدين الإربلي الموصلي، المعروف بالملاّء (توفي 570 هـ/ 1174م) هو أوّل من اعتنى بشكل منظم بالاحتفال بالمولد. فيما يذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين.
وفي عهد السلطان صلاح الدين كان الملك مظفر الدين كوكبوري يحتفل بالمولد النبوي بشكل منظم احتفالا كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. ويصل إليه من البلاد القريبة عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ والشعراء. وكانت الإبل والبقر والغنم تُزف بالطبول والأناشيد، ثم يشرعون في ذبحها وطبخها.
وكانت الدولة العثمانية لها عناية بالغة بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكان السلطان عبد الحميد الثاني يقيم الاحتفال في الجامع الحميدي.
من ذكرياتي الخاصة في إنكلترا، كان الإخوة الباكستانيون يخرجون بمسيرات مرخَّصة تجوب الشوارع حاملين أعلام ولافتات ويلبسون ملابسهم الوطنية وينشدون أناشيد دينية ويقيمون احتفالات في المساجد يلقون فيها الكلمات ويوزعون الأطعمة والحلويات. أما الإخوة الماليزيون فكانوا يعملون احتفالاتهم في المساجد أو يستأجرون القاعات لهذا الغرض.
وكانت الموصل تشهد احتفالات واسعة في الزمن الجميل في الجوامع، كما كان كل صنف من المهن يعمل سرادق كبير خاص به ويقيم الموالد النبوية ويُقدّم الطعام وحلوى المولد.
أغاني في مدح سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام:
في سنة 1946غنت السيدة أم كلثوم ثلاث روائع لأحمد شوقي في مدح النبي الكريم، وهي من الحان الموسيقار رياض السنباطى: ولد الهدى، ويقول فيها:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ... وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ... لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
https://www.youtube.com/watch?v=cBE9trv6hEA
و (نهج البردة) و (سلوا قلبي).
ومن إبداعات (شيخ مداحي رسول الله صلى الله عليه وسلم) الدكتور أحمد الكحلاوي ما تجدوه في الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=2KCW3sVwGMI
467 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع