التعذيب انتهاك خطير للعدالة ولحقوق الانسان وجريمة لا تسقط بالتقادم

                                                

                        أكرم عبدالرزاق المشهداني
                         مستشار قانوني وأمني

  

التعذيب انتهاك خطير للعدالة ولحقوق الانسان وجريمة لا تسقط بالتقادم

أعادت قضية وفاة شاب في البصرة نتيجة التعذيب الذي تعرض له اثناء التحقيق معه في قسم مكافحة الجرائم بشرطة البصرة، موضوع التعذيب في مراحل التحقيق الى الواجهة، ورغم انكار جهاز شرطة البصرة لصحة كون الوفاة حصلت بسبب التعذيب وعزو سبب الوفاة الى تناول المتهم جرعات زائدة من المخدرات.. والسؤال الذي يثار بهذا الصدد: كيف سُمح لهذا الموقوف بادخال المخدرات معه الى مركز المكافحة؟

التعذيب بين مسؤولية القضاء ومسؤولية الشرطة:
كما اصدر مجلس القضاء الأعلى، بيانا ادان فيه حالات التعذيب التي تمارس من قبل بعض الأجهزة الأمنية أثناء التحقيق مع المتهمين المطلوبين، ولوّح باتخاذ إجراءات قانونية بحق من تصدر عنه أفعال تعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. واوضح المجلس إنه يرفض أي ممارسة من حالات التعذيب التي تحصل من قبل بعض منتسبي الأجهزة الأمنية أثناء التحقيق مع المتهمين المطلوبين للقضاء. وأضاف المجلس في بيانه أن تلك الممارسات الخاطئة مرفوضة بالمطلق. واشار الى تصدى القضاء لهذه الحالات من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية بحق من تصدر منه أفعال تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان حسب أحكام قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل. ولفت النظر إلى أن «هناك العديد من القضايا التي تم بموجبها محاسبة عدد من ضباط شرطة بسبب تجاوز أعمال وظائفهم بتصرفات تعد جرائم يعاقب عليها القانون.
بيان المجلس الاعلى للقضاء لا يعفي القضاة من مسؤوليتهم عن موضوع تفشي التعذيب في دوائر التحقيق، التي يفترض انها تعمل تحت مسؤولية واشراف وقرار القضاء، وتحديدا قضاء التحقيق الذي ينفرد بامتلاك السلطة التحقيقية لتدوين اقوال المتهم ومناقشته ومناقشة الادلة التي يقدمها المحقق في الاوراق التحقيقية والتي تثبت صلة المتهم بالجريمة موضوع البحث، كما ان من اولى مهام قاضي التحقيق ان يميز الادلة المنتزعة من المتهم خلال التحقيق من اقوال واعترافات ومبرزات جرمية وهل انها اخذت بشكل قانوني ام باستخدام العنف والتعذيب. كما ان محامو الكثير من المتهمين اكدوا ان اعترافات موكليهم المدانين قضائيا انتزعت من قبل المحققين بالتعذيب والقسوة والارغام.. وهناك المئات من المتهمين الأبرياء الذين صدرت عليهم ادانات في جرائم لم يرتكبوها نتيجة التعذيب في مكاتب التحقيق دون ان يقوم القضاء بتحري صدق الاعترافات.
(التعذيب) جريمة من الجرائم الكبرى خصوصا حين يُمارس على معتقلين من أجل إنتزاع أقوال وإقرارات غير صحيحة تحت ضغط العنف والتهديد والإرعاب، وبالرغم من أن العراق ومعظم دولنا العربية قد إنضمت لهذه الإتفاقية ونصّت دساتيرها على (حرمة) التعذيب، إلا أننا شهدنا ومانزال في أروقة التحقيق العربية كيف أن إعترافات غير صحيحة تنتزع بواسطة الإكراه والتعذيب من أبرياء أدت إلى تدليس القضاء وخداعه بأدلة زائفة، ومن ثم صدرت أحكام قاسية (كثير منها الإعدام) عن جرائم لم يرتكبها من وقع عليهم القصاص.. فالتعذيب فضلا عن كونه ممارسة لاقانونية ولا إنسانية وغير شرعية، فإنه يؤدي إلى إفلات الفاعلين الحقيقيين وتماديهم في جرائمهم، ولدينا أمثلة على أناس أبرياء صدرت بحقهم أحكام الإعدام نتيجة إنتزاع إعترافات غيرصحيحة عن طريق التعذيب..
إن إستشراء فنون التعذيب في مقار الحجز في وطننا العربي على مثل هذا النطاق الواسع ليست كما توصف بأنها (تجاوزات فردية) أو تعدي صلاحيات!! بل باتت (عملاً مُمنهجاً) تقع مسؤوليته على عاتق (زبانية التعذيب) ورؤسائهم، الذين يحمونهم وبالتالي لايمكن أن تُبَرّأ الرؤوس عما يجري في على يد تابعيهم! ..
ورغم التأكيدات المتكررة التي تصدر عن الاجهزة المسؤولة بشأن رفض الانتهاكات والتعذيب الجسدي التي يتعرض لها المتهمون الموقوفون على ذمة التحقيق، إلا أن ذلك «هو سياق متبع في غالبية التحقيقات المتعلقة بقضايا الإرهاب والإجرام»، حيث ان ثقافة القهر والتعذيب صارت منهجا تحت دعوى وذريعة ان المحققين لا يتمكنون من الحصول على اعترافات المتهمين المتمرسين في قضايا من هذا النوع، إلا عن طريق وسائل التعذيب والعنف الجسدي والبعض الاخر يتذرع ان هذه أساليب شائعة وموروثة منذ عقود طويلة ولم تتغير بعد عام 2003، رغم الرقابة التي تفرضها بعض الجهات الحقوقية، وفي أحيان كثيرة يستطيع المحققون إخفاء آثار التعذيب من جسد المتهم. ولا يتوقع هؤلاء «انتهاء هذا النوع من الأساليب في ظل ثقافة أمنية تؤمن بالعنف أكثر من إيمانها بحقوق الإنسان.
الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب:
توصل المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة إلى إعلان دولي لحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من خلال اعتماد (إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة). وإنضمت إليها بلدان عديدة بينها دول عربية كثيرة من بينها العراق.
تعريف (التعذيب):
تنص المادة الأولى من الإتفاقية الدولية المذكورة على: (( يقصد "بالتعذيب" أي عمل ينتج عنه ألم/ أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على إعتراف، أو معاقبته على عمل إرتكبه أو يشتبه في أنه أرتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أوعندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.))
ويماثله كثيرا تعريف ميثاق الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بأن التعذيب هو ((كل فعل مقصود يسبب الماً او معاناةً سواءٌ كانت جسدية ام نفسية لشخص ما بغرض الحصول على معلومات او إعتراف منه أو معلومات عن شخص آخر، او لفعل قام به او مشتبه في أنه قام به هو أو شخص آخر، أو بغرض تخويفه، هو أو شخص آخر، أو لأي سبب آخر قائم على التمييز/ عندما يكون مثل هذا الألم أو المعاناة قد أوقع بإيعاز/ أو بموافقة من موظف رسمي، أو أي شخص له صفة رسمية، ولايتضمن ذلك الألم/ أو المعاناة التي حدثت بالمصادفة/ نتيجة تطبيق العقوبات القانونية)).
منظمة العفو الدولية:150 دولة يمارس فيها التعذيب!
سجلات منظمة العفو الدولية ودراساتها المسحية تشير الى أنها تلقت أنباء وتقارير حول التعذيب وإساءة المعاملة من موظفي الدولة في أكثر من 150 بلدا مورس فيها تعذيب للسجناء الجنائيين، وفي أكثر من 70 بلدا كان من بين الضحايا سجناء سياسيون، وأن هناك 80 بلدا وردت منها تقارير عن وفاة معتقلين بسبب التعذيب. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (5) والمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أنه لايُعَرّض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وإعتمدت الأمم المتحدة من خلال مؤتمراتها لمنع الجريمة والعدالة الجنائية وغيرها من المحافل ضمانات تفصيلية لمنع التعذيب ووضعت آليات لمواجهة المشكلة، ودعت الحكومات لإجراء إصلاحات قانونية وتشكلت منظمات غير حكومية لمحاربة التعذيب ومساعدة الضحايا. لكن إستمرار التعذيب في شتى أنحاء العالم يؤكد أنه مايزال هناك الكثير مما يجب فعله.
وماذا عن التعذيب في معتقلات الميليشيات المسلحة؟
بدورها، حذرت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، من حالات التعذيب في السجون ومراكز التحقيق. وأعربت المفوضية في بيان عن «بالغ أسفها، لتكرار حالات التعذيب والانتهاكات اللاإنسانية في مواقف الاحتجاز والسجون وأثناء التحقيقات، ومنها ما مؤشر عن حصول حالتي انتهاك ووفاة لموقوفين في محافظة البصرة. وقال بيان مفوضية الحقوق: إن «حالات التعذيب والإكراه الجسدي، تمارس على نطاق واسع في العراق، سواء على مستوى عناصر الشرطة والأمن في مراكز الأمن الرسمية، أو على مستوى بعض عناصر الفصائل والميليشيات المسلحة، إذ يتداول ناشطون هذه الأيام وعلى نطاق واسع «فيديو» لشاب وهو يخضع إلى عملية تعذيب شديدة القسوة على يد بعض العناصر بذريعة أنه أساء كلاميا لزعيم تلك الجماعة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

502 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع