علي المسعود
" هل نحن أمة غابت عنها القيم ..؟؟؟
قيمة الحياة والثقة المتبادلة بين الناس تعتمد في المقام الأول على القيم الأخلاقية ولهذا تغني الشعراء بها وحث عليها الدعاة والوعاظ ، واهتمت الأمم المختلفة بها وجعلتها في مقدمة اهتماماتها من خلال التربية والتعليم ، ولعلني أذكر ما قاله الشاعر المصري أحمد شوقي في بيته الشهير عن الأخلاق حيث قال :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا،
ومن هنا يتجلّى الإشكال الأهم والمتعلق بهذا الموضوع والذي يتمثل أساسا في أسباب هذا الانحطاط الأخلاقي ومظاهره وارتداداته على الفرد والأسرة والمجتمع عموما. وهذه من المواضيع الساخنة في أيامنا هذه والتي استطاعت أن تجمع حولها توافقا فريدا، موضوع الانحدار الأخلاقي في المجتمعات العربية بشكل لافت للنظر، حيث غدت المنظومة الأخلاقية هشة وفي طريقها إلى التحلل، والمؤشرات الدالة كثيرة بل اتخذت شكل الظواهر الاجتماعية التي تنخر في صلب النسيج العائلي والمجتمعي . كما هو معروف في كل الدول الاوربية أو في أمريكا أوحتى في كوكب اليابان ، في هذه الدول لم تنهض بالشعارات الوطنية ولا بالفكر الوطني.. بل (بالقيم الاخلاقية والانسانية). . بعد اكتواءهم بشعارات الوطنية والافتخار القومي البائس.. التي ولدت النازية والفاشية وقبلها الصراعات الدينية والمذهبية باوربا لقرون ، فاوربا تطبق (القيم الانسانية الاخلاقية).. بعد ادراكهم ان الوطنية لا دخل لها (بالامانة والنزاهة).. بل هي (قيم اخلاقية). أما في عالمنا العربي وبعد الازمات السياسية التي عصفت به بدأ الحديث عن ( أزمة في الأخلاق ) ، رغم علم الجميع ان الازمة السياسية هي أزمة أخلاق ، كما أن الممارسات مثل الفساد ، أو الرشوة، والمحسوبية ، وسرقة المال العام ، هي التي تُشكِّل في نهاية الأمر الأزمة السياسية وهي السبب في خراب النظام السياسي قبل خراب منظومة الاخلاق وهو نتيجة حتمية له. فعندما تتحول الحكومة عن أداء واجباتها تجاه المجتمع وينشغل مسئولوها باختلاف مناصبهم بسرقة ونهب المال العام، فأنه من الطبيعي جدا أن يفقد المجتمع تماسكه وتنهار المرتكزات الأخلاقية والاجتماعية التي يقف عليها، فالفساد الإداري في العراق متفرد في نوعه ، فساد ليس له نظير في العالم بأسره ، إذ لا همّ للمسئولين إلا السرقة والنظام الحكومي بمجمله ينخر فيه الفساد، والمنظمة العالمية للشفافية ولخمسة أعوام علي التوالي، صنفت العراق ضمن الدول الثلاث الأكثر فسادا من بين حوالي 180 دولة. وفي بلدي العراق انحدرت فيه القيم والاخلاق منذ اكثر من خمسين عاما، وتلوثت العلاقات الاجتماعية وغلبت عليه المصالح والانانية والرياء والنفاق وهو ألافة الكبرى التي تنخر في مجتمعنا العربي والعراقي على وجه الخصوص ، وحلت الاحقاد والكراهية بدل المحبة والطيبة بين الاصحاب ووصلت الى الاهل والاخوة، فالصداقات والعلاقات بين الأجيال وبين الكبار والصغار وبين الرجال والنساء أصبحت تقودها المصالح لا غير في غياب شبه تام للخصوصية والمفاهيم الأخلاقية المبنية على الاحترام المتبادل . أذكر اني قرأت ذات مرة ، في مذكرات أنديراغاندي ذكرت إنها سألت والدها الزعيم " جواهر لال نهرو " :
ماذا يحدث في الحرب ؟ ـ رد عليها : ينهار الإقتصاد ..!! ،
قالت : وماذا يحدث بعد إنهيار الإقتصاد ؟ ، أجابها : تنهار الأخلاق !! .
قالت وماذا يحدث أيضاً لو إنهارت الأخلاق ؟ . رد عليها بمنتهى الحكمة : وما الذي يبقيك في بلد انهارت أخلاقه ؟ ، يستطيع الإنسان أن يتعايش في أي مجتمع فيه بعض النقص الغذائي الإقتصادي الترفيهي إلا انعدام الأخلاق والسبب يسود اللئام والسفلة وتذهب الأعراف والقوانين والخير ويتحول كل شيء إلى غابة ، وبهذا و تصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة ...ّ!!.
سأروي لكم قصة منسوبة للدكتورعلي الوردي(ولو أني أشك في صحة نسبها للوردي) القصة باختصار: ان الجنرال ستانلي مود عندما دخل احد المناطق العربية عام ١٩١٧ صادفه راعي غنم معه كلبه الذي كان يساعده ويحمي له الأغنام من الحيوانات المفترسة. طلب الجنرال من مرافقه ان يطلب من الراعي ذبح الكلب على ان يعطيه جنيها استرلينيا بدلا ذلك . قام الراعي بذبح الكلب دون تردد تحت اقدام الجنرال لان بالجنيه الاسترليني في ذلك الوقت يشتري نصف قطيع . بعد ذلك طلب الجنرال من الراعي ان يسلخ جلد الكلب مقابل جنيه اخر، فأخذ الراعي الجنيه وسلخ الكلب . عاد الجنرال وطلب من الراعي ان يقطع الكلب مقابل جنيه اخر، الراعي قطع الكلب إلى قطع صغيرة فأعطاه الجنرال الجنيه وانصرف. ركض الراعي وراء الجنرال ومرافقة وقال تعطيني جنيه اخر واكله؟ ، قال الجنرال لا أنا أردت فقط ان افهم طبيعتهم . فأنت ذبحت وسلخت وقطعت أغلى صديق عندك ورفيقك من اجل ٣ جنيهات ومقابل جنيه رابع مستعد لأكله. هذا ما احتجت معرفته ، والتفت بعدها الى جنوده وقال لهم: "ما دام هناك الكثير من هذه العقليات هنا فلا تخشوا شيئاً..." . هذه الصورة هي من مخلفات الانظمة الديكتاتورية والاحتلال الأمريكي وسلطة رجال الدين أيضًا ، فهؤلاء جميعا من زعزع الثقة بين المجتمع العراقي وإنسانه وأصبح العراقي ينظر إلى مجتمعه الذي يعيش فيه أنه مجتمع مفكك ومجتمع عاجز وهو مجتمع لا يعبر عن طموحاته وتطلعاته المستقبلية، وينظر البعض لهذا المجتمع ويقولون في تفاصيل كلامهم عن هذا المجتمع: "المجتمع العراقي يسير نحو الهلاك بسبب قياداته وأقطابه التي هي في أغلب الأحيان تكون قيادات دينية متخلفة ، إضافة لقادة سياسيين فاسدين كذابين حين وعدوا الشعب بالإصلاح وعملوا عكس ما وعدوا به، كل هذا قاد العراقيين إلى مجتمع طائفي وعنصري ليس هذا فحسب فهناك من قاد العراق وحطم روح المواطنة في هذا المجتمع وأبعدها عن روح التعايش المشترك كأفراد في مجتمع له دوله .
نحن أمة غابت عنها القيم
فضاعت بين الجنرال وراعي الغنم !!! .
3484 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع