الحجامة في الـطــب الحديث والطب النبوي

                                                 

                  الدكتور محمود الحاج قاسم محمد

الحجامـة في الـطـب الحديث والطب النبوي

الحـجـامـة Scarification : الحجم في اللغة هو المص ، وفي الاصطلاح تعني إخراج الدم من مواضع محددة من الجسم . وهي على نوعين :

أ – الحجامة المدماة ( أو الرطبة ) : وهي تعني استنزاف الدم بقطع الجلد من دون قطع وريد أو شريان ، وهي تشبه الفصد إلاّ أنها أقل خطراً . وطريقتها هي بعد تحديد مكان القطع وطوله وعمقه حسب الحالة والسن يمرخ المكان تمريخاً قوياً لينجذب إليها الدم ، ثم يقطع الجلد بالمبضع ، ويقوم بالعمل الحجامون أو الفصادون .
ب – الحجامة الجافة ( Cupping ) : وهي عبارة عن وضع أكواب ( محاجم ) من الزجاج أو المعدن ، يتم تفريغ الهواء منها عن طريق شفطه أو حرقه بشمعة مشتعلة أو قطعة قماش محترقة.
ومن أجل الإحاطة بموضوع الحجامة بشكل كامل نقسم الموضوع إلى :
أولاً – استنزاف الدم في الطب العربي الإسلامي :
مارس الأطباء العرب القدامى في العصر الجاهلي استنزاف الدم كوسيلة علاجية للعديد من الأمراض ، وكانت أهم وسائل الاستنزاف عندهم الحجامة ، وكان غالبية من يقوم بها هم الحجامون ، الذين اكتسبوا الخبرة بالممارسة.
وفي العصر الإسلامي وبعد أن تمت حملة ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية والتي كانت قد ابتدأت منذ أواخر القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي اطلع الأطباء العرب على كتب الطب اليونانية وخاصة كتب أبقراط وجالينوس .
(( ولما كان لجالينوس منزلة كبيرة في قلوب أطباء العرب ، فلقد اقتبسوا كل ما جاء عنده من نظريات وأساليب ووسائل طبية وعلاجية ، وأهمها استنزاف الدم بكل وسائلها ، ومواضعها وطرقها ودواعي
إجرائها ، وشروطها والاحتياطات اللازمة لسلامتها ، وكل التفاصيل المرتبطة بها ، ثم أضافوا لها ما لديهم من خبرة ، وما اكتسبوه من تجارب )) .
فاشترط الأطباء العرب والمسلمون بشكل عام ، أن لا يحجم الأطفال دون الثلاث سنوات والكبار بعد الستين ، وأن تكون الحجامة في وسط الشهر العربي وفي وقت ضحى وقبل الطعام والاستحمام . وجاء في كتبهم مواضع الحجامة ودواعي إجراءاتها بالتفصيل لا يتسع المقال لسردها ولمن يود التفصيل يمكنه مراجعة كتب الطب العربية .

ثـانياً – استنزاف الـدم فـي عصـر النهضة وحتى اليوم :
ولما انتقلت العلوم الطبية العربية من العالم العربي إلى دول أوربا وترجمت الكتب العربية إلى اللاتينية واللغات الأوربية الأخرى ، وبذلك تعرف الغرب على وسائل العرب الطبية والعلاجية .
كان استنزاف الدم بالفصد أو الحجامة أو بديدان العلق من الوسائل العلاجية التي اقتبسوها وساروا في استعمالها كما جاءت في الكتب العربية لعلاج الأمراض التي تنشأ من زيادة كثافة الدم أو غلظته ، وبقي الحال كذلك حتى عصر الطبيب الفرنسي بروسيه ( 1772 – 1838 م ) الذي عارض نظرية الأخلاط ، فبعد ذلك أخذ العلاج باستنزاف الدم يتضاءل وتـقل أهميته . ثم حدث تطور كبير في وسائل استنزاف الدم بعد عام 1853 م وذلك عندما اخترع الطبيب النمساوي Prava الحقنة ذات السن المعدني المدبب سنة 1853 حيث اتجه الأطباء إلى استعمالها في استنزاف الدم من الوريد .
وفي السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين كان أسباب الأمراض قد عرفت وكان تركيب الدم وسريانه وقياس ضغطه وعناصر مكوناته قد اكتشفت ، مع زيادة كبيرة في المعرفة الطبية والوسائل العلاجية . ولذلك تعرف الأطباء على الأخطاء الكبيرة التي ارتبطت باستنزاف الدم ووسائله ودواعي إجرائه ، وعرفوا أن كثيراً منها شابه الجهل والخطأ لذلك تغيرت تماماً صورة العلاج باستنزاف الدم .
ثالثاً : الحجامة في الطب الحديث :
ومع استمرار التقدم الطبي في القرن العشرين وظهور وسائل علاجية حاسمة وفعالة لشفاء العديد من الأمراض ، انحصر العلاج باستنزاف الدم إلى علاج مرض واحد ، وهو مرض كثرة كريات الدم الحمراء Polycythemia Vera حيث يتم استنزاف كمية محددة من الدم كل أسبوعين أو أكثر بجانب الوسائل العلاجية الأخرى لهذا المرض . وبذلك كاد ينتهي عصر العلاج باستنزاف الدم الذي استمر لأكثر من ألفين وخمسمائة عام ، وكان وسيلة علاجية أساسية لمئات من الأمراض ، إلى أن جاء الزمن الذي أصبح فيه هذا العلاج أثراً تاريخياً .
وعلى الرغم مما ذكرناه من رفض الطب الحديث لعمل الحجامة إلا أنه في الغرب وفي الصين وأماكن أخرى من العالم لا زال هناك من يمارس الحجامة . كما قد بدأت الحجامة تدخل إلى مجتمعاتنا من جديد وأصبحت تمارس كنوع من العلاج وبدأت تصدر عنها الكتب وينشر عنها على صفحات الانترنيت كجزء من حركة الطب البديل ويدعي ممارسوا ذلك بأن للحجامة فوائد كثيرة منها :
1 – أنها تثير وتنبه مناطق الألم وتنبه المناطق التي لها اتصال بالجلد أو بمعنى آخر الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد في مراكز واحدة . وكذلك بإجراء الحجامة كنوع من استخدام ردود الأفعال ( reflex) حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد فيحدث ذلك ردود فعل في الأعضاء الداخلية مثل تنبيه الغدد وتنبيه إفرازات الجهاز الهضمي .
2 – ويدعي هؤلاء بأن الحجامة تأتي بنتائج أفضل عشرة أضعاف من الإبر الصينية ، وأن الحجامة تعمل على خطوط الطاقة نفسها المستعملة بالمعالجة بالإبر الصينية ، كما تعمل على تقوية المناعة وتنشيط مراكز المخ .
وكل هذا القول يعوزه السند العلمي حيث ليس هناك حتى الآن أبحاث وفق المعايير العلمية الحديثة تثبت فائدة الحجامة . كما وأن الحجامة لم تدخل حتى الآن في الكتب المدرسية الطبية كطريقة علاجية يمكن لها أن تشفي بعض الأمراض .
وأخيراً نقول للحجامة لا حتى يثبت من يدعون فائدتها بالطرق العلمية المعروفة عكس ما نقول .
رابعـاً – الحجـامـة فـي الطـب النـبـوي :
بعد أن تناولنا تاريخ ووسائل استنزاف الدم بأنواعها ورأي الطب الحديث حولها ، خلصنا إلى أن هذا الأسلوب في العلاج إضافة لعدم جدواه يسبب اختلاطات لا تحمد عقباها . وإكمالاً للموضوع لابد من ذكر شيء عما جاء حوله في الطب النبوي فنقول وبالله التوفيق :
وردت في كتب الصحاح أحاديث صحيحة وكثيرة في الحجامة ، فائدتها ، الأيام المفضل إجراؤها فيها ، أجور الحجّام ، والنهي عنها للصائم والأطفال … لا يتسع المقام لسردها جميعاً نذكر فيما يلي بعضاً منها :
 عن أبي هريرة أن رسول الله ص قال : (( إن كان في شيء مما تتداوون به خير ففي الحجامة )) رواه أحمد ( 8157 ) .
 وفي حديث آخر عن سمرة قال سمعت رسول الله ص يقول : (( إن من خير دوائكم الحجامة )) رواه أحمد ( 19340 ) .
 وعن ابن عباس (رض) أن رسول الله ص (( احتجم صائماً محرماً فغشي عليه ، فقال لذلك كره الحجامة للصائم )) رواه أحمد ( 2117 ) .
 وفي حديث آخر يقول ص : (( الشفاء في ثلاث : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار وأنا أنهي أمتي عن الكي )) رواه البخاري ( 5248 ).
ومن أجل تبيان الحكم بالنسبة لهذه الأحاديث الشريفة لابد من سرد مواقف الفقهاء من أحاديثه  بشكل عام .
في بحث سابق استعرضنا الآراء والمواقف المتباينة حول الأحاديث التي وردت في الطب نذكر منها خلاصة موجزة لتلك الآراء :
1 . (( الأصل في أقوال النبي محمد ص وأفعاله وتقريراته أنها حجة شرعية على عباد الله ، إذا ثبتت بطريق صحيح وهذا واضح كل الوضوح فيما كان من ذلك مبيناً لأمور الدين كالإيمان بالله تعالى … والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ، وكالأحاديث المبينة لأحكام الله تعالى من الحلال والحرام والفرائض وأنواع التعبدات والمعاملات وغيرها من أمور الشريعة )) .
2 . ما كان من الأحاديث الواردة في حكم أصل العمل بالطب ومعرفة المرض والمريض والمعالجات ووجوب تناول الأدوية هي شرع وحجة يجب اعتقادها واتباعها . وكذلك أن إرشاداته ، وتوجيهاته في ممارسة الأعمال الحياتية كتجنب البول وقضاء الحاجة في المياه وتحت الشجر ، واستعمال السواك والتداوي بالعسل والزيت … الخ فهو شرع كما يؤخذ غيره من الشرع .
3 . (( إذا نص القرآن على أمر دنيوي فهو حق لا مرية فيه ، لأنه من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض . فإذا كان الحديث النبوي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلق بذلك الأمر فيكون الفعل بياناً أو امتثالاً للقرآن ، ويحمل على الشرعي ))
(( وشبيه بذلك ما أخبر ص أنه فعله عن وحي من الله تعالى )) .
4 . (( لم يُبعث ص طبيباً يداوي أسقام الأبدان ، فإن هذه الوظيفة قد أوكلها الله إلى الخلق ، ينظرون في قوانين الكون وسنن الله في الصحة والمرض. والرسول ص بوصفه بشراً كأذكى وأنبه ما يكون إنسان على وجه البسيطة قد باشر العلاج وأشار بصفته هذه أعني البشرية لا الرسالة أشار ببعض الأدوية حسب المستوى المعرفي الذي كانت عليه الإنسانية في ذلك العصر )) .
5 . الأحاديث الطبية التي يرجع فيها للأطباء هي سائر الأحاديث النبوية الواردة في الطب والعلاج ، وليس فيها ما يشعر أنها من قبل الله تعالى ، أو أنها من قبيل الشرع ومن الأمثلة على ذلك : حديث إذا وقع الذباب في إناء ، وحديث إن في أبوال الإبل شفاء ، وأحاديث الفيل ، وأحاديث الجذام .
وأحاديث الحجامة تدخل ضمن هذه المجموعة فهذه الأحاديث المذكورة من هذا النوع ، ونحوها التي تدخل في صلب الأمور الطبية والعلاجية ، يرجع فيها إلى أهل الطب فهم أهل الاختصاص في ذلك ليبينوا مدى مطابقتها للطب الحديث من عدمه .
والدليل على ذلك قوله  في قصة تأبير النخل ، ففي صحيح مسلم عن رافع بن خديج ، أنه قال :
(( قدم النبي ص المدينة ، فإذا هم يأبرون النخل – يقول : يلقحون النخل فقال ما تصنعون ؟ قالوا : نصنعه. قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً . فتركوه ، فنفضت – لم تثمر – فذكروا ذلك له ، فقال : إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر )) .
نخرج من كل ما سبق بأنه قد أشار في أحاديثه عن الحجامة اقتناعاً بما كان معروفاً عند بعض أهل الطب من بني قومه ، واجتهاده فيها كان اجتهاداً دنيوياً ولم يكن بياناً أو امتثالاً للقرآن أو وحياً من الله تعالى ، لذا وبعد أن أثبت الطب ضرر كل أنواع استنزاف الدم ومنها الحجامة فإن أحاديث الحجامة لا تعتبر ملزمة للمسلمين ، بل القيام بها يدخل في دائرة الإضرار بالنفس المنهي عنه في قوله :
(( لا ضرر ولا ضرار )) رواه أحمد وابن ماجة وبإسناد حسن . والله أعلم

1 - شحاتة ، د. مصطفى : ( تاريخ العلاج باستنزاف الدم ) بحث قدم في المؤتمر الدولي السادس والثلاثين _ تونس
6 -11 / 9 / 1998 .

2- شحاتة : المصدر نفسه .
3 - لمن يود التفصيل يرجى مراجعة : محمد ، الدكتور محمود الحاج قاسم : آراء ومواقف حول الطب النبوي – مجلة منار الإسلام ، العدد 4 ، السنة 25 ، 1999 .
4 - الأشقر ، الدكتور محمد سليمان : مدى الاحتجاج بالأحاديث النبوية في الشؤون الطبية والعلاجية – أبحاث المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي ، الكويت 1986 ، ص 108 .
5 - الأشقر : المصدر نفسه – ص 115 .
6 - السلامي ، محمد المختار : الطب النبوي – أبحاث المؤتمر الرابع عن الطب الإسلامي ، الكويت 1986 ، ص 94

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1240 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع