علي المسعود
فيلم المخرج الكردي "هونر سليم"- أرضي ذات الفلفل الحلو- ينتقد المجتمع الكردي ويعكس تناقضاته.
My Sweet Pepper land
قبل الخوض في تفاصيل فيلم (أرضي ذات الفلفل الحلو) لابد من الحديث عن الهوية الكردية في السينما الكردية ، أو بمعنى أخر كيف تناولت السينما الكردية القضية الكردية ؟. دخلت القضية الكُردية أطواراً عديدة منها السياسي والاحتجاجي في البلدان التي يتوزع فيها الكُرد طامحين إلى حلمهم بالهوية التي قد تحققها الدولة الكُردية. والهوية في جانب منها هي الثقافة، ومن قدّم ثقافة شعبه هو من يستطيع نقل رسالة شعبه إلى العالم . وقد عانى الأدب الكردي من الاضطهاد الثقافي ضد لغاتهم وهويتهم الفردية خارج غالبية السكان . حيث تم تهجير الهوية الكردية بشكل أكبر نظرًا لأن العديد من الأكراد يعيشون في الخارج ، وبشكل رئيسي في أوروبا وأمريكا، هذا الشعور بانعدام الأرض والبحث عن هوية وطنية هو أمر أساسي في الأدب والسينما الكردية. كان على الروايات والشعر والرسم والأفلام الكردية وباقي الفنون في القرن العشرين البحث عن هويتهم الخاصة أيضًا . السينما الى جانب الادب و الفن التشكيلي كانت واحدة من الوسائل للإيصال صوت الشعب الكردي الى العالم ، وفي هذا الجانب أنتج االسينمائيون الأكراد عدة أفلام في السنوات الأخيرة والتي إتسمت بالواقعية وتناولت المعاناة الكردية الطويلة، ومن هذه الاسماء يلمع إسم المخرج التركي – الكردي"يلمازغوناي"- (1937– 1984) ويمكننا القول بأنه الأب الروحي للثقافة السينمائية في كردستان الذي حصل فيلمه" القطيع "على جوائز عالمية مثل جائزة فيمينا البلجيكية وجائزة من مهرجان لوكارنو الدولي الثالث والثلاثين والجائزة الكبرى من مهرجان فالنسيا. أما فيلمه المعنون ب "الطريق" فقد حصل هو الآخر على عدة جوائز عالمية ، منها جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي الخامس والثلاثين مناصفة مع المخرج اليوناني"كوستا غافراس". يقول غوناي عن القضية الكردية:"هي قضية في غاية الصعوبة والتعقيد، ذات يوم سأحقق فيلماً أحكي فيه حقاً حكاية نضال شعب من أجل ولادته أو بعثه، أما اليوم فالأمر عسير كما إن القضية نفسها عسيرة، ومع هذا على المرء أن يحكي ذات يوم كيف تم تشتيت الشعب الكردي وتقسيمه، وما هي الآفاق المستقبلية المطروحة أمامه. على أي حال اعتقد إن من الأمور الشديدة الصعوبة الحديث عن مثل هذا بموضوعية، فالتاريخ ليس حافلاً بالانتصارات فقط ، بل هو حافلٌ كذلك بالهزائم والأخطاء وخيبات الأمل". وفي حوار آخر يقول " لم يكن هدفي من الحياة مزاولة الفن، بل محاولة تحرير شعبي من خلال هذا الفن". أما المخرج الكردي بهمن قبادي، صاحب فيلم" زمن الخيول المخمورة "، فقد استطاع أن يحقق نجاحاً عالمياً وخاصة بعد فيلمه المتميز "السلاحف أيضاً تطير"، حيث حصد هذا الفيلم أكثر من سبع وعشرين جائزة عالمية ـ وتجدر الاشارة إلى أن فيلم" السلاحف أيضاً تطير" هو أول فيلم يتم تصويره في كردستان العراق منذ ست وعشرين عاما ، أما بالنسبة للمخرج السينمائي"هونر سليم" فيمكننا القول بأنه قد نجح في ابراز خصوصيته في تناول تاريخ النضال الكردي والتأمل لرصد حركة الانسان الكردي الطويل الممتد من الماضي إلى الحاضر. المخرج الكردي هونر سليم (بالكردية: هونهر سەلیم) مخرج عراقي كردي وهو كاتب سيناريو ومنتج أفلام وملحن وممثل ويحمل الجنسية الفرنسية، ولد في يوم 9 آذار 1964 في مدينة عقرة شمال العراق، ترك العراق بعمر ال17 سنة وسافر إلى إيطاليا وأكمل تعليمه هناك وإنتقل بعد ذلك إلى فرنسا، غادر الفتى هذا الشرق الأوسط الذي يسمّيه (الشرق الأسود) إلى فرنسا حيث "وجدتُ عالماً إنسانياً متسامحاً، يسمح لك أن تعبرعما تريد بمنتهى الحرية" وحسب تعبيره . في هذا المناخ الجديد تمكن سليم من أن يثبت نفسه وأن يحقق نجاحات عبر أفلام عدة، مثل "فودكا بالليمون" وفيلم "الكيلومتر صفر"وصولاً الى فيلمه "إن متَّ سأقتلك"، فاز بجائزة سان ماركو في مهرجان البندقية السينمائي لسنة 2003 لفيلمه "فودكا ليمون"، يمتاز هذا الفيلم الطويل بسرده لمأساة الشعب الكردي من خلال حكاية حب بين عجوزين أرملين، يعيشان في قرية كردية نائية وبائسة كأغلب القرى الكردستانية. وقبل ذالك ، قام هونر بإخراج عدة أفلام عن القضية الكردية منها فيلم الحرية لكردستان في سنة 1992 وألذي عمل به أثناء الإنتفاضة الكردية في سنة 1991، وأيضاً كتب رواية"بندقية أبي"، روايته هذه الرواية كتبها في عام 2004 وصدرت بالفرنسية وتترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة ، ويشير العنوان الى بندقية والده الذي كان ثائراً ضمن صفوف الثورة الكردية (البيشمركه )التي قادها الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني، وهو يستعيد تفاصيل تلك السنوات ، يستعرض المخرج الكردي العراقي هينر سليم في هذه الرواية محطات هامة من تاريخ الكرد بدءاً من قيام جمهورية مهاباد في إيران (1946)، وصولاً إلى سقوط نظام صدام حسين (2003 ) ، وهو يروي فيه ذكريات عن تلك السنوات القاسية؛ سنوات الحرمان والتنقل والقلق الدائم، ويتحدث عن قصص العشق الأولى، الخائبة، وعن اكتشافه للمرة الأولى جهازاً اسمه التلفزيون كان يخاطبه بلغة عربية يصعب عليه فهمها، فتساءل الفتى آنذاك وحيرة بريئة تلف أعماق الطفولة: لماذا لا يتحدث هذا الجهاز الكردية أيضا؟! كان السؤال، على عفويته، كبيراً على طفل صغير يتلمس دروب الحياة على وقع الثورات والانتفاضات وقصص الشهداء، ووسط بيئة تعاني الفقر والخيبات، بيئة تغفو وتصحو على الأسى. "هونرسليم "سينمائي ذو بصمة مختلفة ، يتبدّى ذلك جلياً في أفلامه التي جالت المهرجانات وحصدت الجوائز. في سنة 2013 ترشح فيلمه "أرضي ذات الفلفل الحلو" لنيل جائزة آسيا الهادئ كأفضل فيلم وهو من بطولة الممثلة الإيرانية "غوليشفتي فرحاني" في دور المدّرسة غوفند، والكردي "كركماز أرسلان" في دور قائد الشرطة . تدور أحداث الفيلم في كردستان بعد وقت قصير من سقوط نظام صدام حسين وإعلان كردستان العراق إقليما مستقلا. أماعنوان الفيلم " أرضي ذات الفلفل الحلو" فهو مشتق من اسم المطعم الوحيد في البلدة الجبلية والتي يضع صاحبها لافتة بأضواء النيون الملونة بالإنجليزية وكأنها مطعم فاخر في مدينة غربية لكنها تبدو كئيبة . وهي مكان التجمع الوحيد في هذه القرية ذات الحصان الواحد والهاتف الواحد الموجود في مقر ضابط الشرطة (باران). يقول المخرج هينر سليم لـ(الشرق الأوسط) حول عنوان الفيلم إن اختياره جاء لسببين، أولهما ملاءمته لقصة الفيلم، والثاني وجود مطعم في إحدى قرى كردستان بهذا الاسم (أرض الفلفل الحلو). الفيلم يذكرنا بأفلام الغرب الأميركي في الستينيات وتدور أحداثه في جبال كردستان الشاسعة الخضراء وفي طبيعة خلابة والفيلم (إنتاج كردي ألماني فرنسي). يبدأ الفيلم في مشهد حيث يظهر مجموعة من الرجال يتجادلون وهم يستعدون لتنفيذ حكم الإعدام لسجين بائس وحول طريقة التنفيذ، يفتتح الفيلم في لقطة مقرّبة لرجل كردي يبكي منتظراً حكم الإعدام شنقاً بحبل غسيل عادي، وسط غياب أدنى شروط عملية الإعدام ،"لا ديمقراطية بدون امن ولا امن بدون عقاب " هكذا يصرخ الرجل المسؤول عن تنفيذ الاعدام . ويلتف حبل المشنقة حول رقبة المجرم ، لكن بدلاً من مشهد الموت المروع ، يحوله سليم إلى كوميديا من الأخطاء وبإسلوب كاريكاتيري يسخر المخرج من عميلة الاعدام شنقا من خلال عدة مواقف منها ، حين يُترك الرجل واقفًا على صندوق اقتراع متبقي من انتخابات عام 2006 لتنفيذ تلك المهزلة ، ولكون حبل المشنقة قصير ، يتم إحضار موظف لجره في محاولة خنقه بشكل أسرع لكن لم يفكر أحد في مكان شنقه. ويعاد تنفيذ الاعدام مرة اخرى مما يعترض على هذا القرار المقاتل السابق ورجل الامن الحالي باران (كوركماز أرسلان) ، وكان مناضلاً من أجل الحرية منذ أن كان عمره 15 عامًا. وبعد عام 2003 أصبحت كردستان منطقة حكم ذاتي وتحاول الحكومة تنظيم الأمن والنظام. لذلك يجب أن يصبح باران جزء من منظومة حفظ الامن. الرجل الذي شُنق لم يمت لأن حبل المشنقة انقطع ولا يجوز إعدامه مرتين الأمر،قد تكون دقائق هذا المشهد الأكثر تعبيراً في الفيلم، وقد تخللها نقاش عبثي بين رموز السلطة الجديدة حول قرار إعدام المتهم، وتساؤلات حول أي سلطة يريدون. سخرية سوداء ومأساة عبثية تعكسان مأزق السلطة الجديدة ، يرفض "باران" - وهو ثائر كردي- سلوكيات هذه السلطة وطريقتها في الادارة ، على الرغم من أنه يدرك بشدة الحاجة إلى القانون في وطنه المشكل حديثًا ، إلا أنه يسخر من الطريقة التي يتم بها تنفيذ هذا القانون . يقدم إستقالته وتتم الموافقة على الاستقالة . صوّر المخرج مشاهد فيلمه في تلك الجبال، عدا مشهد الإعدام الذي صُوِّر في أربيل . يبدو أن المخرج الكردي"هونرسليم أراد أن يقول "هذه هي حالة كردستان الحديثة". باران (كوركماز أرسلان)هوالرجل النبيل الوحيد في المجموعة وهو مقاتل كردي سابق في المقاومة و طُلب منه الانضمام إلى الشرطة والمساعدة في إرساء العدالة في أرض ينعدم فيها القانون وأصبح الآن مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى ولكن الروتين وطريقة الادارة وربما الفساد المتفشى بين مؤسسات الدولة بعد نيل هذا الاقليم إستقلاله دفع بالرجل المناضل أن يقدم استقالته ويعود الى حضن قريته الوديعة وقرب أمه الطيبة. التي تبدأ في ألالحاح عليه بالزواج ، وفي كل يوم تستعرض له أحدى فتيات القرية وترشحها زوجة له ، لكن باران يرفض طريقة ألام في اختيار الزوجة رغم إنه مرهق من تجاربه في الحرب ويبحث عن حياة هادئة ، لكنه يجد أنه غير مناسب للحياة في المنزل مع أم حريصة على رؤيته متزوجًا. ونتيجة لضغط أمه وهربا من إلحاحهاعليه بالزواج يعود باران الى الوظيفة وينتهز فرصة عندما عُرض عليه العمل (ضابط شرطة) في قمرلان، وهي بلدة صغيرة في شمال كردستان وعلى الحدود التركية وهي مركز تجارة الأسلحة والمخدرات التي تبعد ساعتين سيرًا على الأقدام من أقرب طريق الآن بعد قاموا الأتراك بقصف الجسر الوحيد في البلدة . تلك القرية لا تعرف القانون ويكثر فيها تهريب المخدرات والأدوية والكحول. وتبدأ مشكلة مسؤول الأمن الجديد في القرية بعدما يصطدم ب(أغا غازي) وهو زعيم قبيلةٍ شرس ولا يعرف الرحمة ويتخذ من التهريب والإجرام منهجًا. في مكان آخر من كردستان، تجهد الشابة "غوفند" تلعب الدور الكردية الإيرانية (غُلشيفته فرحاني) في إقناع والدها بضرورة سفرها إلى قمريان المحرومة من معلمة للأطفال، وحيث يقوم حارس المدرسة شبه الأمي بتعليم الأطفال ، يوافق الأب الذي يمثل نموذجا للكردي الحر على سفر ابنته الوحيدة رغم احتجاج بعض أشقائها السبعة. وسبق ذالك رفضها الزواج بناءً على رغبة إخوانها والتمرد على ما يعتبرونه سلطتهم المشروعة ، لذا تصرخ بهم حين يحاصروها ويريدون اجبارها على الزواج من ابن عمهم تقي الدين" إنكم تعيبون على صدّام حسين لكنكم تفعلون مثله!". غوفند هاوية بالنقر على الطبل المعدني الذي تعلقه على ظهرها بشكل جميل . تعيش أيضًا في القرية من أجل تعليم أطفالها في المدرسة وهي معلمة قوية الإرادة ، وتواجه أيضًا مشكلة في التعامل مع الفساد الراسخ في القرية، هكذا تلتقي غوفند الحالمة بمستقبل وتعليم مشرقين لأطفال القرى النائية في كردستان مع "باران" الثائر الذي ناضل من أجل استقلال شعبه ويريد تطبيق النطام في هذه البلدة النائية. الكيمياء بين الاثنين فورية ويمثل الاثنان مستقبل كردستان الذي يحلم به المخرج "هونرسليم" الذي سبق وأن عبّر عنه في أفلام سابقة وضعته على طريق العالمية ، يلتقي باران بالمُدرسة كوفيند التي تعمل بمدرسةٍ بالقرية ويتم رفضها هي أيضًا من قبل أهل القرية، حيث أنها غريبة ولا تتبع قانون القرية. في القرية ، يدعو "آغاعزيز" الضابط باران لتناول العشاء وهي مناسبة ليحذره مما ينتظره، فيُذكِّره بما حل بالضابط السابق وكيف قُتل بطريقة بشعة. بهذه الدعوة يضع الآغا الضابطَ أمام خياريّ الترغيب والترهيب، لكن هذه اللغة لا تُثني باران عن محاولاته في فرض سلطة القانون، مما يثير دهشة نائبه ريبر (سوات أوستا) حين يتحدى الضابط" باران" أغا عزيز ويخبره بأنه موجود هنا لدعم القانون وهذا ما سيفعله. في هذه القرية الصغيرةالتي يقاتل الكردي أخاه الكردي، فالمشكلة في الأساس كما تلمح أحداث الفيلم هي مشكلة داخلية كردية – كردية وقبل أن تكون مشكلة خارجية . إن تركيا لا تحتاج إلى ذريعة للاصطدام بالأكراد، أو كما جاء على لسان جوفند: "عندما تكون كرديًا وأنثى في تركيا فهذا في حد ذاته تمرُّد." ويأتي الحل على لسانها وهي تخاطب باران في إمكانية الاختلاف في القضايا السياسية وضرورة الاتفاق في القضايا الأخلاقية. تقول له جوفند: "كلنا أكراد." فيقتنع باران بوجهة نظرها ويعمل على توفير الأدوية للمقاتلات الكرديات اللواتي يحاربهن آغا عزيز ورجاله ويصفهن بالمتمردات. هذا الموقف يُعبِّر عن رؤية المخرج للقضية. إذ يقول في إحدى لقاءاته: " أرى كردستان بعين جمالية أخلاقية. إن القضية بالنسبة إليّ هي قضية إنسانية أخلاقية دون أن تشغلني السياسة وألاعيبها". تناضل جوفند من أجل التعليم ومن أجل تحقيق هدفها تواجه أبوها وإخوتها وتنتقل من المدينة إلى القرية لتعليم الأطفال. في الوقت نفسه تمنحها هذه الوظيفة الفرصة للابتعاد عن إلحاح أسرتها بالزواج من تقي الدين. باران كذلك يبحث عن مكان يفر إليه من إلحاح أُمه بالزواج. يلتقيان وهما في طريقهما إلى القرية لاستلام مهامهما. وأولى بوادر التعاون بينهما تظهر من خلال تقديم باران يد المساعدة لجوفند لتركب خلفه على ظهر الحصان. تلك القرية التي لا يمكن الوصول إليها إلا مشيًا أو على ظهور الخيول بسبب قطع تركيا للجسور وهذه أول علامات العزلة التي فُرضت على القرية من الخارج سيتبعها علامات أخرى لفرض العزلة من الداخل ومن أهل القرية أنفسهم . وعندما لا تنفع لغة التهديد يلجأ عزيز آغا ورجاله إلى نشر الشائعات التي تنال من سمعة باران وجوفند . فتصل الشائعات إلى أهلها الذين يحاولون إعادتها إلى البيت وإقناعها بالزواج من تقي الدين . وما تحتاجه هذه القرية هو التعليم ودولة القانون ولكن انتشار التعليم وتحقيق الأمن يشكلان خطرًا على مصالح الآغا. ولهذا السبب يحارب الآغا التعليم ممثلًا بالمعلمة جوفند (جولشفته فرحاني) ويحارب الدولة أو القانون ممثلًا بالضابط باران (كوكماز أرسلان). لايمكن للدولة أن تفرض القانون بالإقناع وإنما بالقوة، وهذا ما يحدث في النهاية. فتنتقم المقاتلات الكرديات لمقتل رفيقتهن على يد رجال الآغا وذلك بقتل رجاله وإصابته هو شخصيًا. ويتلقى "تاجدين" إذنًا من آغا عزيز بقتل الضابط ، فيذهب إلى قسم الشرطة لينفذ المهمة لكنه يُقتل على يد باران ، بعدها يذهب إلى منزل آغا عزيز ويقتله، وهو في الحالتين لا يقتلهما إلا بعد أن يرفعا السلاح عليه فيكون قتلهما دفاعًا عن النفس. وتفرض جوفند شخصيتها القوية بالتمرد على قرار إخوتها بإعادتها إلى البيت. وفي آخر مشهد نرى باران وهو يبحث عنها ويناديها بصوت يتردد صداه في البراري، وينتهي الفيلم بابتسامتها التي تعد بواقع مختلف بعد أن أزيلت أهم عقبة تعترض طريقهما . تعكس النهاية العنيفة المأزق المؤلم بين الانسان المثالي والفاسد بين المناضل الثائر والانسان الانتهازي ، مع الاعتراف بأنه بينما يمكن تحقيق المكاسب ستكون هناك خسائر أيضًا . يرصد المخرج الكردي"هونر سليم" تناقضات المجتمع الكردي بعد سنوات من سقوط نظام صدام ، لا يكتفي المخرج بتسليط الضوء على عصابات المافيا والجريمة المنظمة بل إنها يتطرق بكثير من السخرية المرة إلى الوضع السياسي والاجتماعي والأخلاقي القائم اليوم في إقليم كردستان العراق . ويصور الفيلم رحلات طويلة على الخيل وسط طبيعة خلابة في كردستان العراق التي يقول المخرج انه وبعد عشر سنوات على حكمها الذاتي لم تسجل اي تقدم في المجال الاجتماعي وبقيت محكومة بتقاليد بالية لا تتماشى مع الوضع الجديد للاكراد في الشمال العراقي ، ولا يزال أمراء الحرب الأكراد يسيطرون على المنطقة وشعبها ، حيث أن الدولة العراقية المستقلة حديثًا لم تفرض سلطتها القانونية والإدارية في جميع أنحاء البلاد . يجوب باران الجبال على حصانه بعدما سقطت الجسور نتيجة قصف الطائرات التركية، ويعلن الحرب على الفساد ، ولكن العصابات اكثر تعنتاً منه في حماية الفساد واهانة المرأة وتكريس منطق القوة . يقول المخرج هونر سليم متحدثا عن فيلمه "عندما كان الفيلم في مرحلة الشروع تصور البطل الذي يكون محور الأحداث في ثوب أحدى قدامى الحرب في إقليم كردستان العراقي وهو يتمتع بقدر من النزاهة ونظافة اليد والضمير الأمر الذي يجعله يثور عل آفة الفساد التي تنخر إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي في الشمال العراقي". الفيلم عرض في مهرجان أبوظبي السينمائي ـ كما عرض في مهرجان كان بفرنسا في نفس العام . على الرغم من أن قصته تتبع نمطًا مألوفًا ، إلا أن المخرج هونرسليم أشار أيضاً الى نضال المرأة الكردية من خلال مجموعة من الثائرات اللواتي يقاتلن من أجل تحرير الأكراد في تركيا ، والعداء بين هؤلاء النسوة وبلطجية آغا عزيز هو أيضًا معركة بين الحق والباطل ، بين القيم النبيلة السامية وبين الرذيلة والفساد المتمثل بسلطة الاقطاعي الآغا عزيز و عصابته. وفق سليم في اختيار بطلة فيلمه التي تجسد المعركة بين التطوروالتخلف، كما يجسد باران الصراع بين الفوضى والقانون. معلمة القرية غوفيند ضحية لحملة تشويه ، لكنها أيضًا غير راغبة في التخلي عن استقلاليتها وعدم رغبتها في تقديم تنازلات مع إضافة جميع النساء المناضلات من أجل الحرية يعزز رسالة تمكين المرأة في التغير. مدرسة القرية"غوفينيد" أخذت على عاتقها مهمة ضخمة بنفس القدر حين تبدي مساعدتها لمجموعة من المقاتلات من أجل الحرية والمختبئات في التلال . الممثلة(جولشيفتي فرهاني) التي تقوم بدور"غوفيند" أصبحت رمزا لتحرر المرأة بعد أن منعت من العودة إلى إيران لتحديها تقاليد المجتمع ، وعن غوفيند تقول فرحاني "إنها امرأة تريد أن تتحرر. لقد كنت أريد هذا الدور بشدة لأنني أحب أن ألعب دور المتمردة" . ألايرانية فرهاني (1983) متمرّدة، تركت بلدها بعد مشاكل مع سلطة الملالي في ايران ، بعد أن ظهرت في الفيلم الأميركي "أكاذيب دولة" (2008) لريدلي سكوت من دون حجاب وهي تعيش في إيران. لم تتحمّل التحقيقات الكثيرة والمحققين الكثيرين، فغادرت بلداً لا يسمح للمرأة للعمل بحرية ويضع قيودا وشروطا عليها ، كما تقول" هي هكذا، خُلقَت لتفعل ما تهوى وتكون حرة، وإنْ عشقها للحرية منعها من العودة إلى بلدها"، بينما تعد فرهاني واحدة من أكثر الممثلات الإيرانيات إثارة للإعجاب ، اشتهرت بدورها في فيلم أصغر فرهادي عن إلي (2009 ) ، وكذالك فيلم ("إذا متّ، أقتلك" (2011) ، مع الكردي العراقي الفرنسي هونر سليم ، لديها نوع من الحضور العاطفي والجذاب على الشاشة الذي يجعلها تبدو فنانة أكثر منها ممثلة. تدربت فرهاني كموسيقي ، لكنها رفضت فرصة الدراسة في المعهد الموسيقي في فيينا. طوال هذا الفيلم ، كانت تعزف على آلة موسيقية محلية تسمى الطبل المعلق ، والتي تمتاز بصوت ناعم ورخيم بشكل مدهش. تحب الكاميرا وجه غولشيفتي تمامًا ، والذي وضعه المصور السينمائي باسكال أفري عن قرب في المقدمة وفي المنتصف. وهناك أكثر من القليل من صورة الممثل الشهير كلينت ايستوود في أداء "باران" (يلعب الدور الكردي التركي المقيم في ألمانيا كوركماز أرسلان) وهو يرفع حواجبه ببرود في الخدع التي تدور حوله. تتراوح الموسيقى التصويرية من الأغنية الكردية التقليدية إلى رعاة البقر تونغ وإلفيس بريسلي ، جنبًا إلى جنب مع فواصل مؤثرة لعزف غوفيند على الطبلة الفولاذية. في فيلمه الجديد "أرضي ذات الفلفل الحلو" لم يبتعد المُخرج العراقي الكردي هنير سليم عن المسألة الكردية، وطرح الأسئلة حول استقلال الأكراد والعلاقات الاجتماعية والسياسية في إقليم كردستان المحكوم بقوانين عشائرية . وعندما سئل المخرج الكردي (هونر سليم) ، من أين حصلت على فكرة أرض الفلفل الحلو؟ ، أجاب سليم" في السنوات الأخيرة ، رغبتُ في العودة إلى السينما في كردستان العراق وإخراج فيلم باللغة الكردية، لذا كتبت هذه القصة عن شريف يحارب الفساد في قرية مفقودة وعندما أنظر إلى كردستان العراق اليوم أرى بلداً وُلد أمام عيني حيث كل شيء تحت الإنشاء ، فنحن نبني الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات ونوصل الكهرباء الى كل مكان، كما نعمل على سيادة القانون والنظام وهذا يذكرني بأميركا في القرن التاسع عشر كما هو موضح في الغرب وهذا هو المكان الذي استلهمتُ منه فيلمي". في هذا الفيلم يجول بنا المخرج في قلب كردستان بلوحاتِه الطبيعيّة على إيقاعاتِ آلةِ الهانغ الموسيقيّة. كما أن هذا الفيلم مختلف عن أعمال المخرج هونر سليم السابقة من حيث نوعية القصة وأسلوب وفن الإخراج كما صرح هو لاحدى الصحف بعد عرض فيلمه . الهوية الكردية لـ سليم لا يمكن ردها إلى العقدين الذين قضاهما في بلاده فقط ، بل إلى مجمل أعماله السينمائية التي تحظى بإجماع مفاده بأن قضية الكرد وسلسلة عذاباتهم تشغل قلب أفلام ومواقف وتصريحات المخرج"هونر سليم" . تم تصوير أحداث الفيلم وسط الجبال الذهبية والوديان البرية في قرية (قمريان) بمنطقة خليفان في كردستان العراق بمجموعة من الممثلين الشباب الصاعدين من جنسيات مختلفة، من تركيا وإيران وسوريا وأوروبا، وبالطبع من كردستان. وهم يتحدثون 3 لهجات كردية في الفيلم، هي الكورمانجية والسورانية والزازاكية .
في الختام :
يرصد المخرج الكردي "هونر سليم " في فيلمه تناقضات المجتمع الكردي بعد عشر سنوات من سقوط النظام السابق. فرغم غياب السلطة المركزية إلاّ أن القانون لم يجد طريقه إلى غالبية المناطق الكردية النائية مثل قمريان وبقية القرى . في فيلمه يتناول"هونر سليم" الوضع في كردستان العراق وبصيغة تنتقد المجتمع الكردي وتعكس تناقضاته ، متناولا في مزيج من السخرية والرومانسية علاقات الحب والحرب وصراع الخير والشر وبين الحداثة والتقاليد، فيلمٌ يضعُ مفهوم "الشرف" تحت مجهر مجتمعٍ غارقٍ في العادات البالية . بين رجال قانون وبين خارجين عن القانون. ويدافع الفيلم ايضا عن نضال النساء مجسدا ليس فقط بالمعلمة التي ترفض الخضوع لكن ايضا المقاتلات التركيات اللواتي يزرن تلك المنطقة من العراق بحثا عن الدواء والامداد بالطعام والسلاح .
4755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع