علي عبدالأمير
أرض خيابر
لطالما شكلت أرض خيابر حضناً للكثير من الأساطير والخرفات، فغموضها وموقعها، يشكلان خيوط الخرافات التي غزلها الناس عبر سنين..
تقع منطقة خيابر في جنوب العراق شمال محافظة البصرة، وقد سميت محلياً بإسم (خيابر) و عالمياً بإسم (خاراكس)، وهي أرض عالية نسبياً، جرداء، لا نبت فيها،
ولا سكن، وترابها يتلون باللون الأحمر الفاتح،
كل ذلك ساعد في تألف الأساطير حول ماهيتها وماذا تضم بداخلها، فالإنسان منذ الأزل حاول أن يفسر الأشياء ويغذي فضوله حسبما ينتجه خياله..
إحدى الخرافات التي تعود للقرن الماضي
تقول بأن هذه الأرض تضم بداخلها كنوزاً من الذهب، ولكن هناك حارس خفي يحرس الأرض ليل نهار، وأسموه خيابر على إسم الأرض، وهو يكسر كل المعاول والألآت الضخمة ويجرح كل من يجرؤ على الحفر أو التنقيب، وما ساهم في تثبيت هذه الخرافات هو أن بعض الأشخاص يذهبون كل ما يهطل المطر إلى هذه المنطقة ليجمعوا الأحجار الكريمة، وقد روى لي أحدهم وأقسم بأغلظ الأيمان أنه وجد فيها أحجاراً ثمينة..
وقد حكوا أيضاً عن رعاة الأغنام الذين يتأخرون في العودة إلى أهلهم، حيث تقول الخراف أن أحد الرعاة أضطر أن يبيت في خيابر، وحين عاد إلى أهله قد أصابه الجنون، وقد بدأ بالهذيان ويحكي لهم عن رجل غريب ضخم الهيئة، أسود البشرة، أفطس الأنف، قيده بالسلاسل الثقيلة وأخذ يأمره بالركض..
يسرد الأهالي الساكنين قريباً من المنطقة، تفسيرات أخرى ميتافيزيقية، ودينية، أفضل ألا أنقلها هنا..
لابد لنا أن نعرف حقيقة هذه الأرض، بالأدوات العلمية والمنطقية بعيداً عن الخيال الشعبي..
منذ أن بلغ الإسكندر الأكبر ربيعه الثلاثين كان قد أسس أكبر الإمبراطوريات على وجه الأرض، حيث أمتدت إمبراطوريته من البحر الآيوني حتى سلسلة جبال الهملايا وكان يريد أن يفتح المزيد من الأراضي ويضمها تحت جنح مملكته المترامية الأطراف، من الإسكندريات التي فتحها وأسس فيها مدينة ضخمة هي أرض خيابر وذلك قبل الميلاد بـ ٣٢٤ سنة، كما أعتبرها عالم الآثار (هانزمان) بأنها عاصمة لمملكة ميسان القديمة، وكانت تطل على رأس الخليج العربي، ولها مركزاً تجارياً مع البتراء وتدمر، وفيها من القوة العسكرية الضاربة التي ساعدت في إحتلال بابل والسيطرة على إقليم الأحواز ومناطق عديدة،
في عام ١٦٦م, زارها الإمبراطور الروماني (تراجان)، وقد ذُهل من إعمارها وقوتها التجارية والعسكرية،
حكم هذه المدينة ٢٦ ملكاً، دام حكمهم حوالي ٤٠٠ عام، لحين سقوط المدينة على يد الفرس الساسانيين وقد دمروا أسسها وأحرقوا الحرث والنسل، حتى بارت تجارتها وخارت قوتها
العسكرية، وأصبحت خاوية على عروشها، لا تملك من إعمارها سوى هياكل البنايات،
مكتشف هذه الأرض هو عالم آثار عراقي إسمه (خاراكس سباسينو) عام ١٩٥٧م، والتي سميت الأرض بإسمه.
وقال علماء الآثار بأن الجزء البارز من المدينة المطمورة هو سور يمتد سبعة كيلومترات وبإرتفاع يصل إلى أربعة أمتار،
زار فريق آثار جامعة (مانشستر البريطانية) أرض خيابر قبل خمسة أعوام، وأجروا للمكان تصويراً رادارياً أكدوا من خلاله أن هذه الأرض تحوي على بنايات كبيرة، مقسمة بشكل هندسي جيد، وفيها طرق وأزقة،
(ماري شيبرسن) منقبة آثار التي تعمل في هذا الفريق قالت:
بعد إنتهاء البحث أو المسح الراداري وجدنا بناية كبيرة فقررنا أن نعمل مجس بحث للتأكد من الجدران ويقع هذا المجس خارج البناية، وقد وجدنا بعض الهياكل العظمية، لكن لا يمكننا الآن تحديد إلى أي فترة تعود..
تفتقر أرض خيابر حالياً إلى الحماية ولمزيد من الدراسات، فهي كما بينا أرض أثرية قيمة، تحفظ الكثير في ذاكرتها الكثير من حكايا التاريخ..
622 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع