احمد الكناني
قصة قصيرة - الفقد
يرن هاتفه المحمول في الصباح الباكر، انها اخته فينقبض قلبه ويلتقط الهاتف برغم كونه مازال بين اليقظة و النوم..
يضع الهاتف على أذنيه وما إن أحس بتواتر أنفاسه في سماعة الهاتف و يكاد يقف قلبه من توقع سبب المكالمة" أمك تعبانه جداً ولازم تنزل تشوفها" فيرد قبل أن ينهي عبارته " وقد تساقطت الدموع من عينيه وكأنها كانت تقف خلف جفنيه، يجاهد نفسه ليبدو متماسكاً بعض الشيء "ماتت أمته؟".
فيبدأ يقص عليهم كيف أمضت الليلة الأخيرة من عمرها وكيف فاضت روحها في المستشفى في الساعات الأولى من صباح اليوم ودموعه تنهمر بينما يحاول أن يظهر أكثر صلابة وقد مر شريط طويل من ذكرياته وحكاياته ومواقفه مع أمه، فيطرق للحظات وفي صوت اكثر ثباتاً ..
ها هو منبه التليفون يرن لوقت الاستيقاظ من النوم، يطرق لثوانٍ وهو يتنازعه حزنه الشديد وفرحة دفينة أنها أخيراً استراحت من هذا المرض اللعين فلكم دعاء الله في سره وعلانيته أن يرحمها برحمته الواسعة..
يضع قدمه على الأرض بجانب سريره وكأن قدمه تغوص أو تهوي رأسه بين قدميه فيمسك بترابيز جانبيه حتى يستجمع قواه وهو في طريقه إلى الاستحمام وتبدأ المياه في التساقط على رأسه فتسابقها دموعه اللاإرادية حتى أنها تزاحم ماء "الدش" على أرض الحمام لتتوقف عند آخر قطرات المياه من سماعة الدش.
يستعد كعادته للذهاب إلى عمله في مثل هذا الوقت كل يوم ولكنه ما إن يطأ قدميه ويبدأ في الحركة يغلبه البكاء الشديد مرة ثانية ورعشة تتملكه حتى يحس أن قلبه يرتعش بين ضلوعه وهو يلوم نفسه كيف لم يستزد من الوقت الذي كان يقضيه معها هي ثمانية عشرة عام مضت من و لكنه أحس أن روحها تنظر إليه من السماء...
يمضي الساعات الأولى من وقته في العمل وهو يكتم دموعه وحزنه إلا من مسحة من وجيعة الفراق ترتسم على وجهه أحيانا...
ينطلق إلى الى بيته ليبدأ طريق طويل حتى منزله وكل كلماتها وحركاتها ومواقفها تمر أمام عينيه كأنه يمشي على طريق من الذكريات بطول هذه المسافة، و هو لا يكف عن البكاء والدعاء والرجاء فيمر اليوم عليه كلمح البصر إلا من تعب بدأ يدب في بدنه فقل البكاء وخفت النحيب وهو ينادي بأسمها وكأنها تسمعه في الطرف الآخر من العالم..
يصل إلى شارعهم ليجد المعزيين على جانبي الطريق وما إن يلحظوه حتى يقف الجميع ليقدموا واجب العزاء وهو يكفكف ما تبقى من دموعه تحت هذا الحزن العميق الذي يرتسم في كل قسمات وجه، ليجلس مطرقاً يلفه حزنه في عباءةٍ سوداء وهو يقلب بصره في كل ركن من هذا الشارع، فقد صنعت كل ذاكرته وذكرياته هنا فيترحم عليها وهو يستند بظهره على جدار بيتهم وكأنه يحس بدفئها مازال يشع من هذه الجدران وهو يأخذ نفساً عميقاً ينتهى منه بفراغ الصوان وانفضاض المعزيين ليدخل بيتهم لأول مرة وشمسها لا تشرق من كل جنباته ولا يسمع عبارات ترحيبها التي طالما اشتاق إليها وسكن بها ليعم الظلام ويصمت الكلام في هذا اليوم.
4765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع