عائلة شيت خطّاب - الجزء الثالث

                                                 

            الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط

    

عائلة شيت خطّاب - الجزء الثالث
بعد نشرنا قصة معركة جنين سنة 1948؛ والتي خاض غمارها الجيش العراقي الباسل والدور الفاعل الذي قام به الرئيس (النقيب) نوح عبد الله الجلبي مع رفاقه في سوح الوغى في فلسطين: أمثال عمر علي ومحمود شيت خطّاب، فقد إتصل بي أحد أحفاد نوح الجلبي من الموصل وأرسل لي صور لجده مع صورة لمصحف شريف أهداه له أهالي جنين تثميننا لدور الجيش العراقي الباسل في معركة جسر (خروبة) و (القلعة) في جنين. الكتابة على المصحف عمرها أكثر من سبعة عقود وهي غير واضحة كلها، وقد وضعنا نقاط (...) مكان الكلمات غير الواضحة.

مما كُتب بذلك الإهداء: "نوح عليه السلام أنقذ قومه من الطوفان كما جاء في القرآن الكريم، وأنت يا نوح أنقذتَ جنين من احتلال اليهود لها في 1948 ... ولولا إخلاصك للمدينة التي كانت بحمايتك، ولولا رأفتك بالأطفال، بالنساء بالشيوخ الذين احتموا بك في القلعة، لولا هبه العاطفة الشريفة ... نعم لولا ذلك لبقيت جنين إسرائيلية ولما ... فأنت بطل جنين يا نوح وها أنا أستوهب لك هذا القرآن الكريم ... ".

الكاتب محمود شيت خطّاب:
لقد كان محمود شيت خطّاب أحد عمالقة العراق والأمة العربية في عالم الفكر والعسكرية والتاريخ الإسلامي والأدب واللغة، وطغت شهرته في الآفاق لما تركه وراءه من مؤلفات فاقت العشرات.

ولم يكن محمود شيت خطّاب قائدا عسكريا فذا فحسب، بل كان مجاهدا يحمل سيفه في كتبه، وكان خطّاب كاتبًا غزير الإنتاج، عميق الفكر، قدّم للمكتبة العربية والإسلامية سلسلةَ كتب لتراجم قادة الفتح الإسلامي، مدفوعًا برسالة حملها في نفسه بعد أن لمس أن هؤلاء القادة على عظمتهم وقيمة تضحياتهم لا تُعرف حتى أسماء أكثرهم، وما يُعرف عن بعضهم لا يتجاوز بعض المعلومات السطحية، فنهض لهذه المهمة السامية.

لقد أصدر محمود شيت خطّاب اثنين وأربعين كتاباً، من أشهرها:
الرسول القائد 1958؛ وقد تُرجم إلى الإنكليزية والفرنسية والإندونيسية والتركية، قادة فتح العراق والجزيرة 1964، ارادة القتال في الجهاد الإسلامي 1964، المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم 1966، الرسالة العسكرية للمسجد 1968، دروس في الكتمان من الرسول القائد 1969، غزوة بدر الكبرى 1972، العسكرية العربية الإسلامية 1983.

وقد صدر في بغداد سنة 1967م كتاب (الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها 1967): وهو مجموعة من الدراسات العسكرية كتبها ونشرها بين يومي 30 من شهر مايو/أيار، والخامس من شهر يونيه/حزيران سنة 1967م. وفي هذا الكتاب حدّد اللواء الركن محمود شيت خطّاب اليوم الذي ستقع فيه المواجهة بين العرب واليهود يوم 5 حزيران 1967م، وهذا ما حدث فعلا!.

كما صدر لخطّاب ومضات من نور المصطفى (مختصر السيرة) 1972، أقباس روحانية 1976، نفحات روحانية 1988، جيش الرسول 1980، الرسول والنصر 1972، عدالة السماء (قصص) 1972، تدابير القدر (قصص) 1980، الأدلة الرسمية في تعابي الحربية (تحقيق) 1988، المشير فون رونشتد 1962، التدريب الفردي 1954، القضايا الادارية في الميدان 1952، السفارات النبوية 1990.

يضاف إلى ذلك مجموعة من المخطوطات، فضلا عن ذلك فلديه عشرات الدراسات والمقالات المنشورة في ثلاثين مجلة عراقية وعربية.

كما قدَّم خطّاب أحاديث في الإذاعات المسموعة والمرئية العراقية والعربية عن التاريخ الإسلامي العسكري في موضوعات تاريخية وعسكرية بين عامي 1966-1980.

لقد عني محمود شيت خطّاب عناية خاصة بدراسة التاريخ العربي الإسلامي، ولا سيما تاريخ البطولة والحروب والفتوحات. واوضح في كتابه (الرسول القائد) أهمية الرسول الكريم قائداً عسكرياً وواقعيته وأنه إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه وبين دوره في الحروب التي قادها ضد المشركين مبيناً قدرته الفائقة على أعدائه من الناحية القيادية والإدارية والحربية. وكان هذا الكتاب العلمي المُنصف (الرسول القائد) السبب في شهرة محمود شيت خطّاب بين قرائه في أنحاء العالمين العربي والإسلامي.

وفي مجال المعاجم اللغوية المتخصصة، فقد قدّم محمود شيت خطّاب عددًا من الأعمال التي تشهد له على تضلعه باللغة العربية، يشهد على ذلك عضويته في المجامع اللغوية العربية، ومن هذه الأعمال: المعجم العسكري الموحد (عربي ـ إنجليزي)، المعجم العسكري الموحد (إنجليزي ـ عربي)، المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم.

وإلى جانب هذه المؤلفات كان محمود شيت خطّاب يكتب دراسات ومقالات متنوعة في عدد من الصحف والمجلات العربية والدوريات الرفيعة المستوى، مثل مجلة مجمع اللغة العربية بمصر، مجلة الأزهر، مجلة العربي، مجلة الوعي الإسلامي، مجلة معهد البحوث والدراسات العربية، مجلة المجمع العلمي العراقي، وغيرها.

محمود شيت خطّاب في الهيئات والمجامع العلمية:
لقد كان محمود شيت خطّاب معروفًا في الأوساط العلمية كما هو معروف في الأوساط العسكرية والسياسية، فسعت إليه المجامع العلمية بعضويتها، فكان عضوًا في المجمع العلمي العراقي منذ سنة 1963، واختير عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر سنة 1968، وهي الهيئة التي أنشئت بديلاً عن هيئة كبار العلماء بالأزهر، واختير عضوًا مراسلاً في مجمع اللغة العربية المصري سنة 1966 ومجمع اللغة العربية بدمشق في السنة نفسها، ثم اختير عضوًا في مجمع اللغة العربية الأردني سنة 1979م، وكان عضوًا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وفي المجلس الأعلى للمساجد بمكة المكرمة من سنة 1975م، ثم انضم إلى أعضاء المجمع الفقهي بعد ذلك بعامين بمكة، وهو المجمع الذي يضم أساطين الفقه في العالم الإسلامي.

    

الوزير محمود شيت خطّاب:
خلال فترة حكم عبد الكريم قاسم تعرض محمود شيت خطّاب إلى الحبس، ثم أفرج عنه عام 1961 خشية أن يلقى حتفه في السجن جراء التعذيب الشديد.

وبعد الاطاحة بحكم عبد الكريم قاسم على يد عبد السلام عارف الذي أصبح رئيسا للعراق عام 1963، قرَّب الرئيس عارف محمود شيت خطّاب منه لما يكن له من احترام وتقدير.

لقد أصر الرئيس عبد السلام عارف على أن يكون خطّاب معه في المسؤولية لأمانته وكفاءته، ثم انتهز خطّاب أول فرصة سنحت له، فاستقال عام 1964، وآثر على نفسه أن يتفرغ للعلم.

وفي العام 1968 اُختير خطّاب وزيرا للمواصلات، وكان في ذلك الوقت في القاهرة يعمل رئيسا للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، فاعتذر عن قبول المنصب وآثر العمل في المجالات العلمية على العمل في المناصب الحكومية.

وعندما عاد إلى بغداد عام 1973 عرض عليه الرئيس أحمد حسن البكر عدة مناصب حكومية رفيعة، لكنه اعتذر عنها وتفرغ للعمل العلمي وتأليف الكتب.

لقد ذكر محمود شيت خطّاب اللواء أن الرئيس عبد السلام عارف كان يتصل به عند بداية الشهر ويقول له: هل عنك رغبه نقوم بجولة ربّانية؟ فأذهب معه لوحدنا ويدخل إلى أخواته في بيوتهن ويعطي كل منهن مبلغا بسيطا من راتبه كمساعدة لهن في العيش . ويضيف خطّاب قائلا: ذهبتُ يوما لزيارة والده (الحاج محمد عارف البزاز) فوجدت الرئيس عبد السلام هو من يُقدّم القهوة لي لأن أهل البيت كانوا في خارج البيت.

لقد أقيم في بغداد حفل تكريم لمحمود شيت خطّاب، وقد ألقى الشاعر وليد الأعظمي قصيدة بالمناسبة، ومما جاء فيها:
اليوم أنشد في تكريم (محمودٍ) ... شعرًا يُعبر عن حب وتمجيدِ
وذكريات له في (القدس) باقية ... لا ينمحي ذكرها من قلب (محمودِ)

يا رب بارك له في سعيه وأدم ... عليه فضلكَ بالإنعام والجودِ


وفاته وبعض ما قيل فيه:
لقد قضى اللواء محمود شيت خطّاب حياته في خدمة العروبة والإسلام، وشارك في التنوير والوعي وكشف اللثام عن جوانب مع تاريخنا المشرق، وقدّم نماذج وضّاءة من أعلام التاريخ الإسلامي.

لقد شاء الله تعالى أن تمتد حياته ويرى ما حلّ ببلده من ظروف صعبة من حروب مُدمرة وحصار ظالم حتى لقي ربه وقلبه مخزون من أحوال أمته المتردية في صباح يوم 23 من شعبان 1419هـ الموافق 13 من ديسمبر 1998م.

لقد توفي محمود بعد أن سمع سورة "يس" من ابنته وهو يردد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. وكررها مراراً ثم سكت، وابنته تنظر إليه وتردد معه شهادة الحق وقد أسلم الروح لبارئها.

لقد مات محمود شيت خطّاب وترك ذكرا طيبا فضلا عن أكثر من 120 مؤلف قيّم في المجالات العسكرية والمواعظ والأخلاق وحب الوطن والإسلام.

لقد نشر الكاتب والأديب السوري الحلبي (عبد الله محمود الطنطاوي) كتابا بعد وفاة اللواء الركن محمود شيت خطّاب بثلاث سنين عنوانه (اللواء الركن محمود شيت خطّاب المجاهد الذي يحمل سيفه في كتبه).

وبعد غزو العراق رثاه الشاعر الفلسطيني لطفي الياسيني بقصيدة قال فيها:
ما مات (محمود)، كيف اليوم أرثيهِ... ما زال حيا قباطيتي تناديهِ
قد كان شهما رفاق الدرب تذكيهِ... ابن العراق، لواء المجد بانيهِ
طوبى لموصِلنا أرض الرفاق بها... عاش الفقيد، وقد كانت مواضيهِ
رفيق دربي بساح الحرب يا بطلا... لم ينجب الشرق لا والله ثانيه
ابن الأسود وفي الجبهات ناصرها... وسام فخر على صدري سابقيه

رحم الله محمود شيت خطّاب بواسع رحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته فقد كان رجلا شامخا بشموخ العراق وأهله.. تفانى لخدمة بلده وأمته، أميننا على المسؤولية وشرفها، فجزاه الله كل خير على سيرته العطرة التي تكتب بماء الذهب.

(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).

https://www.youtube.com/watch?v=8dfqx3OVEQ8

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

634 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع