تشيخوف والادب العالمي

                                                      

                              أ.د. ضياء نافع

     

تشيخوف والادب العالمي

تشيخوف والادب العالمي - هو عنوان كتاب روسي كبير بثلاثة اجزاء , صدر الجزء الاول منه عام 1997 والجزء الثاني والثالث عام 2005 , والاجزاء الثلاثة للكتاب تقع في حوالي (1900) صفحة من القطع الكبير , ومن الواضح تماما , ان هذا الاصدار يعتبر جهدا علميا موسوعيا مدهشا ولا نظير له في المكتبة الروسية عن تشيخوف , وليست المكتبة الروسية فقط , وانما في مجال الدراسات العالمية عن تشيخوف بشكل عام , وقد ساهم في اعداد هذا المصدر و المرجع المهم عن تشيخوف مئات ( نؤكّد على كلمة مئات !) المتخصصين من روسيا وبعض الدول الاجنبية الاخرى ( بالاساس الدول الاوربية ) , هؤلاء الذين يتابعون ويدرسون نتاجات تشيخوف الادبية ومكانة هذا الابداع المتميّز وانعكاساته وتفاعلاته في الاداب العالمية .

منهج الكتاب ينطلق من مفهوم محدد لمصطلح ( الادب العالمي ) , وجوهر هذا المفهوم يكمن في ان الادب يعدّ ظاهرة قومية من ظواهر الفنون ,لأنه يرتبط باللغة القومية ( اي انه يبقى في اطار تلك الامّة فقط مهما يكن عظيما ) , ولكن هذه الظاهرة القومية تتحول الى ظاهرة عالمية عندما يستطيع القراء خارج تلك الامّة من متابعة ذلك الادب بلغاتهم القومية ( اي يقوم المترجمون بترجمته الى اللغات الاخرى وايصاله الى شعوبهم ), وغالبا ما يتحدث الباحثون في هذا المجال ونقاد الادب بشكل عام عن شكسبير , ويعتبرونه نموذجا مثاليا واضح المعالم لمصطلح الادب العالمي , لان القراء في العالم يستطيعون – ومنذ زمن بعيد - قراءة نتاجات شكسبير بلغاتهم المتنوعة والمختلفة , وتتفاعل تلك النتاجات مع الاداب القومية في تلك البلدان (تذكّرت سامي عبد الحميد وهاملت عربيا , وهو غيض من فيض كما يقول تعبيرنا الطريف ) . ومن هذا المفهوم المحدد والدقيق ينطلق كتاب ( تشيخوف والادب العالمي ) بأجزائه الثلاثة , اذ انه يتناول كيفية تعامل الشعوب الاخرى مع نتاجات تشيخوف من قصص قصيرة وطويلة ومسرحيات , وكيف اصبح هذا الكاتب الروسي أحد أعلام الادب العالمي نتيجة لترجمة نتاجاته الى لغات عديدة متنوعة , مع التأكيد , ان مختلف الشعوب هذه قد تقبّلت نتاجات تشيخوف , لأن تلك النتاجات ذات (وجه انساني ناصع !), وبالتالي , اصبحت هذه النتاجات جزءا لا يتجزأ من آداب تلك الشعوب ( تذكّرت بدري حسون فريد وتحويره لقصة تشيخوف ( الحرباء) , حيث اصبحت مسرحية , وتذكّرت عادل كاظم , الذي حوّل قصة (المنتقم) لتشيخوف الى مسرحية ايضا , وكل ذلك حدث قبل اكثر من خمسين سنة في عراقنا الحبيب ).
لنتوقف الان قليلا عند هذا الكتاب الكبير . يجب القول بدءا , باستحالة عرض هذا المرجع المهم عن تشيخوف بكلمات وسطور محددة , مهما تكن هذه الكلمات والسطور , وأظن , انه من الكتب النادرة في تاريخ الادب الروسي , الذي يمكن ان يتحول الى موضوع لمؤتمر علمي متكامل عن تشيخوف , مؤتمر يتناقش فيه المشاركون حول كل فصل من فصول هذه الاجزاء الثلاثة , فمثلا , تناول الجزء الاول ( الذي يقع في 614 صفحة من القطع الكبير) كيف تعاملت كل من فرنسا والمانيا والنمسا وانكلترا وايرلندا وبلجيكا مع ابداع تشيخوف , ويكفى الاشارة هنا , الى ان الجزء الخاص بفرنسا يشغل حوالي 111 صفحة , ويوجد فيه فصل خاص بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي الفرنسي يشغل حوالي 50 صفحة , وقد استخدم الباحث المصادر الفرنسية الصادرة حول تشيخوف من عام 1960 الى عام 1983 ليس الا لكتابة هذا الجزء , ( تذكرت , اننا انجزنا اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد باشرافي العلمي بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي العربي قبل اكثر من عشرين سنة , ولكن الفرق بيننا وبينهم يكمن , في انهم نشروا بحثهم هذا في مصدر عالمي , حيث يمكن للمهتمين كافة الاطلاع عليه , أما بحثنا فقد طواه النسيان , ولم يعد يتذكره أحد لا في العراق ولا في جامعة بغداد ) .
الجزء الثاني من هذا الكتاب تناول ابداع تشيخوف في بولندا و بلغاريا وتشيخيا و سلوفاكيا و صربيا وكرواتيا وهنغاريا ورومانيا واليونان واسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج وفنلندا , وتم تكريس الجزء الثالث للدول الشرقية مثل الصين والهند واليابان وكوريا وفيتنام ..الخ , ويوجد في هذا الجزء فصلان عننا , نحن العرب , الاول بعنوان – تشيخوف في البلدان العربية , كتبته المستشرقة المعروفة المرحومة الميرا علي زادة , وهو بحث يعتمد مصادر عربية قديمة نسبيا عن تشيخوف ( رغم اني فرحت عندما رأيت هناك صورة فوتوغرافية لكتاب دار اليقظة العربية في دمشق لمؤلفات تشيخوف المختارة بترجمة الاخوين فؤاد وسهيل ايوب , الصادر في الخمسينيات) , اما الفصل الآخر , فكان بعنوان – تشيخوف في العراق , وهو البحث الذي كتبه الباحث السوفيتي جوكوف , والمنشور قبل اكثر من أربعين سنة , وهو بحث يتكلم عن تاثير تشيخوف في ادب شاكر خصباك وادمون صبري , والآراء المنشورة عند جوكوف حول هذا التأثير لا تعدّ وقائع دقيقة , ويمكن ان تخضع للمناقشة حتما , الا ان هذا موضوع خارج اطار مقالتنا . وفي ختام الجزء الثالث توجد مراسلات تشيخوف مع مترجميه الاجانب ( من 11 دولة اوربية ) , وهذه المادة جديدة في المصادر الروسية عن تشيخوف , ويمكن ان تساهم – بلا شك - في الدراسات المستقبلية عن عالمية تشيخوف .
كتاب تشيخوف و الادب العالمي – وثيقة في غاية الاهمية تثبت , بشكل علمي واضح , مكانة تشيخوف في مسيرة الادب العالمي ....

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع