علي المسعود*
فيلم “ميرال “يكشف الممارسات القمعية لجيش الاحتلال والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني
الكاتبة والصحفية الفلسطينية “رولا جبريل” قامت بتكييف روايتها الخاصة وهي سيرة ذاتية تؤرخ لفترة من تاريخ النضال الفلسطيني، المخرج الامريكي” جوليان شنابل” في عام 2010 عمل على تحويلها الى فيلم بعنوان ( ميرال) . يحكي الفيلم قصة ثلاثة أجيال من نساء عرب اسرائيل تتداخل حياتهن خلال بحث انساني عن العدل والامان والحرية في وقت سادت فيه لغة القتل والتهجير والسجن.
ثلاث من النساء يجسدن دورة حياة تلك الأجيال، هند الحسيني (الممثلة هيام عباس) ونادية (ياسمين المصري) وميرال الممثلة الهندية (فريدا سيلينا بينتو). سرد مؤثر للأحداث التي وقعت من عام 1947 حتى إبرام اتفاقات أوسلو عام 1993. يبدأ الفيلم بتقديم ميرال نفسها،” اسمي ميرال شاهين ولدت في عام 1973، ولكن تاريخي يبدا من عام 1947”. وهذه إشارة الى امتداد مسيرة هذه الشابة الى شخصية “هند الحسيني” التي لعبت دوراّ مهما في تشكيل وعيها وشخصيتها. “هند الحسيني” من رائدات التربية والعمل التطوعي والاجتماعي في فلسطين، ولدت في القدس وتلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة البنات الإسلامية قرب المسجد الأقصى، التحقت سنة 1932 بالكلية الإنكليزية للبنات وتخرجت منها سنة1937. عملت مُدرّسة في (مدرسة البنات الإسلامية) لمدة عام واحد. وتوقفت عن التدريس في إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية لفترة قصيرة، ثم واصلت التدريس فيها حتى أواخر العام الدراسي 1945-1946. بدأت هند الحسيني التركيز على العمل الاجتماعي التطوعي في عام 1948، شاركت في تأسيس “جمعية التضامن الاجتماعي النسائي” في القدس التي انتشرت فروعها في جميع أنحاء فلسطين. وقامت هذه الجمعية بدراسة أحوال النساء والأطفال في المدن والقرى الفلسطينية وأنشأت روضات للأطفال، كما نظّمت حملات لمحو الأمية ومراكز لتعلم الخياطة. يبدأ المخرج والرسام الامريكي " جوليان شنابل” فيلمه من المقبرة وينتهي منها ، وفي مشهد لامرأتين في دكة غسل الموتى يقومان بتغسيل السيدة (هند الحسيني) ويترحمان على روحها ، وهي أول الشخصيات النسائية التي يبدأ منها المخرج (شنابل ) سرده للفيلم ، وباستخدام تقنية “الفلاش باك” يعود بنا المخرج من مشهد وفاة هند الحسيني عام 1994 إلى سرد حكايتها .
من مدينة القدس وفي بيت عائلةٍ ثرية مع شجرة عيد الميلاد عام 1947، وضيوف كثيرون يلتقون في أجواءٍ أرستقراطية، يبدأ المخرج جوليان شنابل فيلمه سرده عابرًا تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال حكاية مجموعة من النساء. يفتتح الفيلم بشخصية هند الحسيني عند حضورها الحفلة التي أقامتها بيرثا سبافورد (فأنيسا ريد غريف) في عام 1947 للاحتفال بعيد الميلاد، ضيوف من مختلف الجنسيات يلتقون في أجواءٍ أرستقراطية، تشارك هند الحسيني أيدي (الممثل وليام دافو) والممثلة فانسيا ربد غريف الرقص والغناء على اغنية (يا شادي الحان) ، إلا أنَّ إيقاع الحياة الهادئة سرعان ما يتغير بعد بضعة أشهرٍ مع قيام دولة إسرائيل وتعرُّض قسمٍ كبيرٍ من الشعب الفلسطيني للمذابح والتشريد الذي عانى منه في تلك الفترة . ينتقل بنا المخرج الى لقطة أرشيفية لحظة أنهاء الانتداب البريطاني وقيام دول أسرائيل على ارض فلسطين المغتصبة، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنت خطة التقسيم (قرار الأمم المتحدة رقم 181 (29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947). بعد قيام الحرب ضد الكيان الصهيوني في عام 1948. يرتكب الكيان الغاصب جريمة مذبحة دير ياسين. في شهر نيسان/ أبريل 1948، (هند الحسيني) في طريقها لحضور اجتماع للجمعية في البلدة القديمة في القدس، تصادف مجموعة من الأطفال اليتامى المشردين في الشارع (عددهم يقارب ال 55) ، أكبرهم في التاسعة من العمر وهم في حالة مأساوية وتفطر القلب ، كانوا فارين من قرية دير ياسين بعد المذبحة التي ارتكبتها المجموعات الصهيونية فيها بعد أن قتلوا ذويهم وأهلهم . ودفعتها هذه الحادثة إلى تأسيس جمعية خيرية لخدمة الأطفال الفلسطينيين الأيتام والمحتاجين، وأطلقت عليها اسم (دار الطفل العربي) . عملت هند الحسيني وبمرور الوقت وبفضل جود العشرات من الداعمين والمحسنين على توسيع مشروع البناء المخصص للمدرسة وأضافه العديد من المرافق الأساسية والضرورية لها بعد أن كانت البداية متواضعة ثم نمت إلى أن أصبحت خلال الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، مؤسسة تربوية وطنية مرموقة تضم الحضانة ورياض الأطفال، ومكافحة الأمية والتدبير المنزلي. وخلال العدوان الإسرائيلي في حرب حزيران/ يونيو 1967، حوّلت هند الحسيني مقر “دار الطفل العربي” مستوصفاً لعلاج الجرحى، ولم يسلم هذا المقر من اعتداء القوات الإسرائيلية، إذ تم قصفه وتدمير نصفه بالكامل.
وبعد حرب الايام الستة ونكسة 67 قامت إسرائيل بضم الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والقدس الشرقية الى الاراضي المغتصبة. وفرضت قوات الاحتلال منعا للتجوال من الساعة 7 مساءاّ حتى الساعة 7 صباحاّ، وأصبحت هند الحسيني على الجانب الشرقي من مدينة القدس. بدأت مهمة هند الحسيني الانسانية وهدفها السامي في تعليم الاطفال وتعزيز الامل في نفوسهم تزداد صعوبةّ، وبدأت تتعرض للعديد من المعوقات مثل ، الحصول على أذن للوصول الى مناطق نابلس وبيت لحم وأريحا لاحتضان الايتام ، وكذألك يتطلب منها اصدار وثائق لغرض الحصول على الموافقات من سلطات الاحتلال، ورغم ذالك كبرت مدرستها واصبحت تضم صفوف دراسية لمراحل مختلفة . في مشهد وصول جمال شاهين أحد أئمة المسجد الاقصى الى الدار حاملاّ على يديه طفلة متروكة على باب الجامع، وفي الحال تمنحها (هند الحسيني) اسم هداية لأنها تريد ان تحتفظ الفتيات بهويتهن الفلسطينية.
ينتقل المخرج الى الشخصية الثانية نادية وتقوم بدورها (ياسمين المصري) ويكشف عنها لحظة فرارها من بيت أمها بعد محاولات زوج أمها اغتصابها. لكن حالة التشرد تقودها الى أحد الملاهي لتعمل راقصة شرقية، وحين تتعرض الى أهانه من أمرأه اسرائيلية تضربها وتكسر أنفها. ترمي بالسجن ويحكم عليها ستة أشهر، في السجن تتعرف على الممرضة فاطمة التي تساعدها عندما تتمرض في السجن، نسمع صدى قصيدة الشاعر سميح القاسم بصوت المناضلة فاطمة بروناي:” مِن كوّة زنزانتي الصُّغرى.. أبصرُ أشجاراً تَبسمُ لي.. وسطوحاً يملأها أهلي.. ونوافذَ تبكي وتصلي من أجلي.. من كُوّةِ زنزانتي الصغرى.. أبصرُ زنزانَتَكَ الكُبرى “. المخرج جوليان شنابل يكشف لنا جانب من شخصية المناضلة فاطمة بروناي وتقوم بدورها الممثلة “ربى بلال” التي كانت تعمل رئيسة ممرضات في المستشفى وفي حرب الايام الستة في عام 1967 ساعدت في تهريب الجنود الأردنيين الجرحى والذين هم أسري حرب. بعد طردها من العمل، تعود الى القدس الشرقية وتقوم بوضع قنبلة في دار سينما، ورغم إنها لم تنفجر القنبلة، ولكن حكم عليها مرتين بالسجن المؤبد وحكماً أضافيا لأنها لم تقف في المحكمة كما طلب منها القاضي. وعند زيارة الشيخ جمال للمناضلة فاطمة في السجن يتعرف على نادية (وينتظرها). وبعد خروجها من السجن يتزوج منها، ثم يبدا صوت الشاعر الراحل محمود درويش ينشد قصيدته الجميلة (أنتظرها) مع العزف الممتع لثلاثي جبران. لكن نادية تشعر بوساختها امام نقاء وطهارة الشيخ جمال وتقرر ان تنهي حياتها وتنتحر برمي نفسها في البحر لكونها امرأة تعيش على أنقاض ذاكرتها المؤلمة وعلى سلوكها المنحرف، تاركة طفلتها ميرال تحت رعاية الشيخ جمال هنا تحديدا يجد الشيخ جمال في “ميرال” ابنة له، حتى لو لم تكن من صلبة حيث يأخذها إلى مدرسة هند الحسيني كي تتلقي تعليمها.
تبدا حكاية الشخصية الثالثة ميرال من أمام دار الطفل العربي حين يسلم الشيخ جمال شاهين الطفلة ميرال (يولاندا الكرم) الى مدير الدار هند الحسيني، الشيخ جمال الذي تعود حمل الأطفال الذي يتركون امام الجامع الى الدار، لم يتخيل يوما انه سوف يقود ابنته التي يحبها اكثر من حياته الى تلك الدار، لكنه لا يريدها ان تكون مثل أخته فاطمة أو زوجته نادية. ثم يقفز المخرج بالأحداث الى عام 1987 بعد ان أصبحت ميرال فتاة مراهقة وتقوم بدورها في تلك المرحلة الممثلة الهندية (فريدا بينتو). في اجتماع المدرسة تخاطبهم مديرة الدار هند الحسيني” في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ شعبنا الفلسطيني، وبعد سنوات من الاحتلال الصهيوني لبلادنا اندلعت ثورة وهي الانتفاضة الفلسطينية ولابد إنكنّ سمعتنّ عنها، شعبنا لن يتحمل الانتهاكات والتجاوزات الاسرائيلية ، حتى قامت بغلق المدارس، واجبنا في مساعدة الاطفال في تعليمهم وسوف ارسلكنّ الى مخيمات اللاجئين لتعيدوا افتتاح الصفوف وسوف تقومنّ بتدريسهم “. تذهب ميرال الى مدينة رام الله لغرض تدريس الاطفال وتشاهد وحشية الجيش الاسرائيلي حين يقوم بهدم بيوت المواطنين الفلسطينيين العزل في رام الله وتبدأ تتساءل، اين ستنام تلك العائلة بعد هدم دارها؟ ،ولماذا لم يقاوم هذا الفعل الإجرامي؟ ، علينا نحن ان نقوم بشيء حيال ذألك “.
وعندما تلاحظ المديرة هند الحسيني غضب ميرال وثورتها من جريمة الكيان الصهيوني، تطلب منها ضبط النفس والسيطرة على غضبها وعدم الانسياق وراءه لأنها لا تريد ان يقمن بفعل اي شيء يسبب الضرر للمدرسة ولهذا تقرر منعهن المشاركة في التظاهرات السلمية. لكن ميرال لا تمتثل لأوامر مديرة الدار وتشارك في المظاهرة مع صديقتها (هديل)، يرد جنود الاحتلال بالرصاص على المتظاهرين المسالمين وتقتل صديقتها المقربة في الدار “هديل” وتسقط شهيده. بعد ان تتعافى من الصدمة تتحدث معها هند الحسيني وتخبرها بانها تحبها وتحب الشهيدة وأنها لا تلومها على مشاركتها في التظاهرة، ولكنها تريد الحفاظ عليهن، لذا أي تورط في السياسية سوف لن يكون خطر عليها فقط، بل على المدرسة كلها، لذا تطلب منها التوقف عن هذه الافعال وألا لن تتمكن من حمايتها أو بقاءها في الدار. ثم يعرض المخرج مشاهد مؤثرة من ثورة شعبنا البطل وصمودهم بوجه وحشية للكيان الصهيوني ، تتعرف على مجموعة من الشباب الثأرين من اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ، وتقع في حب احد المناضلين وهو الشاب هاني (عمر متولي) عضو منظمة التحرير الفلسطينية والذي يهديها كتاب الشهيد أبو أياد (فلسطين بلا هوية) ويحدثها عن المستوطنين القدمين من أمريكا وروسيا ودول أخرى الذين استوطنوا بعد تهجير أصحاب الأرض وهم سرطاننا الحقيقي ، لانهم يستعمروننا لانهم يحصلون على حقوق محروم منها الفلسطيني صاحب الارضّ ، “أنهم يمنحوهم منزلا وحديقة وجندين لحماية كل مستوطن ، انهم يريدون كل فلسطين ، ولهذا علينا أن نناضل الى أن يدركوا بأن لاوجود لمستقبل لهم من دون مستقبل لنا “. تشارك حبيبها المناضل هاني في أدخال سيارة مفخخة الى داخل مستعمرة صهيونية وتفجيرها، بعدها تقوم السلطات باعتقالها وتتعرض لشتى صنوف التعذيب وهي أبنة 17 عشر عاماّ، بعد خروجها من السجن تحاول ميرال أن ترمم نفسها وتساعدها السيدة هند الحسيني ووالدها جمال شاهين الذي أنهكه المرض وتعتذر منه لما سببته من ألم وتعب وتعده سوف تبقي تعتني به في مرضه. بعد عودتها من فترة النقاهة في بيت عمتها تخبرها صديقتها بان الرفاق يشكون بها لسرعة خروجها من السجن ويجب ان تكون حذرة ، وتحذرها من حبيبها هاني الذي اتهموه رفاقه بالخيانة وانه سلم اسماء الرفاق الى الاسرائيليين ، لكن ميرال لم تصدقهم ، وعند لقاء حبيبها هاني يخبرها الحقيقة بانها محاولة لتشويه سمعته ، لأن البعض من الرفاق وهو واحداّ منهم قد تغير موفقه من المفاوضات التي تجري مع الجانب الاسرائيلي قبل اتفاقية أوسلوا التي أحدثت شرخاّ كبيراّ بين اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية بين الرافض والقابل لهذه المفاوضات ، وهو الأن مطارد من من الاسرائيليين ورفاقه في نفس الوقت .
بعد وفاة والدها واغتيال حبيبها هاني تذهب ميرال الى ماما هند الحسيني وتجدها قد هرمت وحيدة في دار الطفل العربي، تحدثها عن الاتفاق الذي سوف يوقع بعد اشهر مع الإسرائيليين، ويمنح 22% من الارض لنا والاكيد ستعود غزة والضفة الغربية وكذألك ستعود منظمة التحرير الفلسطينية وستشكل حكومة وطنية، رغم الحلم بكامل الارض. وتفاجئها السيدة هند بترتيب منحة دراسية لها الى ايطاليا لدراسة الاعلام، تسافر أميرال للدراسة، وينتهي الفيلم بوفاة هند الحسيني في 13 سبتمبر 1994 تاركة أرث كبير من العطاء، وتم التنويه في النهاية إلى أن المدرسة ودار الأيتام ما تزال موجودة حتى الآن، والخاتمة كانت عبارة عن مواد أرشيفية وقعت أحداثها بعد اتفاقية السلام، وعودة منظمة التحرير إلى فلسطين بقيادة الرئيس ياسر عرفات. يستند الفيلم إلى قصة حقيقية من كتاب السيرة الذاتية لرولا جو بريال وهي صحفية وروائية وكاتبة سيناريو ومحللة سياسية للشؤون الخارجية، عملت كمذيعة في قناة إم إس إن بي سي الأمريكية، نشرت روايتها الاولى في عام 2003 بعنوان (ميرال) . يتمحور الفيلم حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بين عام 1948 عندما تم إنشاء الكيان المغتصب وفترة حرب الأيام الستة في عام 1967 حتى الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993. يركز جزء كبير من القصة على مدرسة البنات للأيتام الفلسطينيين (التي لا تزال موجودة حتى اليوم) والتي افتتحتها هند الحسيني واستقبلت الأطفال الأيتام بعد مذبحة دير ياسين. وتنقسم الرواية إلى نصفين، الأول يركز على قصة هند الحسيني، يحكي عن تضحيتها وتحقيق هدفها، قبل أن تنتقل القصة الى عام 1978 عندما تصل ميرال التي تبلغ من العمر سبع سنوات الى دار الطفل بعد انتحار أمها نادية. وعندما تصل ميرال الى عامها السابع عشر تكون الانتفاضة الفلسطينية في الاراضي المحتلة قد بلغت ذروتها وتعرف الفتاة مذاق الغضب والاحباط بعد أن تتعرض لقمع الشرطة وارهاب قوات الاحتلال. تكبر ميرال لتصبح شابة جميلة ولكنها عنيدة ومندفعة (فريدا بينتو) ، ممزقة بين إرادة والدها الشيخ المقدسي جمال( يجسد الشخصية الممثل والمخرج الانكليزي السوداني المولد – الكسندر صديق) وهند الحسيني (التي تجسدها هيام عباس) وكان أداءهما بشكل متميز وجميل ، الذين يحثوها على التركيز على دراستها ، كما إن ولع ميرال المتزايد بالشاب المناضل في منظمة التحرير الفلسطينية هاني (عمر متولي) يقودها إلى خيار حاسم بين متابعة التعليم والأمل في حياة أفضل أو المضي قدما في طريق التمرد العنيف . يركز الفيلم على فكرة هند الحسني في ضرورة التعليم وأهميته للفلسطينيين، مع ضرورة أن لا ينسوا قضيتهم الاساسية وعدم التفريط بالحق الفلسطيني العادل، كذألك عدم الابتعاد عن القيم الوطنية الفلسطينية، ولكن سرعان مما تشهد ميرال كيف تلقى زميلة لها مصرعها برصاص القوات الإسرائيلية أثناء قمع الانتفاضة، كما تشهد هدم منازل قريتها بواسطة الجرافات الاسرائيلية وتشريد العشرات. بعد مقتل هديل صديقة ميرال، تتحول ميرال الى الثورة، ترتبط بعلاقة مع شاب من الثوار، تشارك في عملية تفجير داخل مستوطنة إسرائيلية عام 1990، يتم اعتقالها (مع مائة آخرين) والتحقيق معها وتعذيبها لكي تعترف على زملائها، إلا أنها تصمد وتتمكن من الخروج بعد أن تتعهد بعدم المشاركة في العمليات ضد اسرائيل . في النهاية تقنعها هند بمغادرة البلاد بعد ان تكون قد دبرت لها سبيل لمواصلة تعليمها.
قدمت هوليوود الكثير من الأفلام المناصرة للصهيونية، وكانت تدعمها وبشكل مستمرة بتأسيس دولتهم ومناصرتها، في الوقت نفسه تسعى هذه السينما إلى تبرير سلوكيات إسرائيل، في حين جعلت من الفلسطينيين إرهابيين. تلك الصورة ساهمت في تشكيل الرأي العام بحيث بات ينظر الى الحق الفلسطيني بطريقة غير منصفة. وهذا يجعل “ميرال” لجوليان شنابل أكثر أهمية لكونه يطرح صورة مختلفة وربما مساندة للقضية الفلسطينية. لا يدور الفيلم حول الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي بقدر ما هو قصة عن المرأة والتعليم. “فريدا بينتو،” الممثلة الهندية قدمت دورأ كبيراّ في تجسيد شخصية ميرال. الممثلة “فريدا بينتو” تحدثت عن استعداداتها لتمثيل الدور قائلة” أقمت مع أسرة فلسطينية نحو ثمانية أيام. قضيت وقتا تعلمت اللغة ونوع الطعام الذي يأكلونه ثم ذهبت الى دار الطفل وهي دار الايتام التي نشأت فيها رولا، كان هناك زهاء 20 أو 25 منهن. علمنني شيئا اسمه الدبكة وهي رقصة فلسطينية”. وأوضحت الكاتبة رولا جبريل” أن قصة ميرال لم يقدم مثلها في السينما قط من قبل رغم أنها تروي حكاية كل الفتيات التي يعشن في مثل ظروفها”. في حين ذكر المخرج جوليان شنابل أنه لم يقتنع بسيناريو الفيلم في بادئ الامر فطلب أن يقرأ القصة الاصلية ليتعرف عليها على نحو أفضل. واضاف” بعد أن قرأت كتابها أرسلت اليها خطابا وكتبت لها مشروعك الخاص بالتعليم هو في حقيقة الامر جوهر رسالة الفيلم”. يضع شنابل بصمته على الفيلم، شنابل الفائز بجائزة مهرجان كان وجائزة الغولدن كلوب. هو أولا وقبل كل شيء رسام متميز، لوحات شنابل تمتلك حضورا ملموسا حيث صنفت أعماله التشكيلية أنها تعبيرية جديدة من قبل نقاد الفن ، وفي هذا الفيلم تميز بواقعية صادقة . وفى المؤتمر الصحفي بعد عرض الفيلم، قال المخرج جوليان شنابل إنه كفنان أمريكي يهودي كان يتلقى دائماً المعلومات والآراء عن القضية من خلال وجهة النظر الإسرائيلية فقط، وعندما قرأ رواية (ميرال) شعر أن من واجبه معرفة وجهة نظر الجانب الآخر”.
قصة الفيلم هي في الأساس كيف تؤثر الحرب على حياة الناس وكيف يتعايش الناس مع الحياة اليومية من حواجز ونقاط التفتيش وهدم البيوت والاستيلاء على الاراضي بالقوة من قبل جنود الاحتلال الصهيوني، من خلال الشخصيات الثلاث والإبحار في تفاصيلها ونتابع تطورات الصراع منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولغاية اتفاقيات السلام عام 1993. نجح المخرج (جوليان شنابل ) في تناول جوانب القضية الفلسطينية ونضال شعبنا الفلسطيني المقاوم رغم المرور السريع عليها، منها الاجتياحات، والمستوطنات، ونقاط التفتيش والمعابر، وهدم المنازل، والتعذيب في السجون ، ولكن المخرج استطاع تعريف المشاهد بتجربة المقدسية هند الحسيني التي أنشأت دارا للأيتام ومن ثم مدرسة للفتيات بمبادرة شخصية عقب تشرّد أطفال فلسطينيين في أزقة القدس بعد أن ارتكبت العصابات الصهيونية مجازرا بحق عائلاتهم في نكبة العام 1948، وكذلك سلط الضوء على جانب من نضال المرأة الفلسطينية من خلال المناضلة فاطمة برناوي ، التي رحلت في شهر مارس من عام 2022 ، بعد مسيرة نضاليّة شكّلت نموذجا استثنائيا للمرأة الفلسطينيّة وهي أول أمراه قامت بعملية فدائية وأول أسيرة للثورة الفلسطينية في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، قضت خلالها 10 سنوات حتّى تحرُّرها عام 1979 . كشف الفيلم همجية وغطرسة الاسرائيليين. عند عرض الفيلم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجه انتقادات إسرائيلية كثيرة، بل وشكاوى رسمية واتهامات بتواطؤ في الأمم المتحدة لتسويق الفيلم. الفيلم يقدم صورة عادلة فيما يخص القضية الفلسطينية حين ركز المخرج على المعاناة الإنسانية والسياسية، قدم المخرج الأميركي جوليان شنابل رسالة “السلام والتعايش” المباشرة حتى المشاهد الأخيرة التي اختتم رمزيتها بعبارته الصريحة “الفيلم مُهدى لمن ما يزال يؤمن بالسلام من كلا الطرفين”.
*كاتب عراقي - مقيم في المملكة المتحدة
4265 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع