الباميا وحكايتها.. الجزء الأول


الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



الباميا وحكايتها.. الجزء الأول

تُعد الباميا (البامية) من الرموز التي توحّد الشعب العراقي من زاخو الى الفاو، وهي سيدة المائدة الصيفية بلا منازع في العراق وفي معظم البلدان العربية والشرقية. اسمها في الإنكليزية Okra وباللغة الفرنسية La gambo، كما تسمى أيضا (أصابع السيدة Lady's fingers) للذتها.

تشير المصادر إلى أن موطن الباميا الأصلي هو مرتفعات مناطق الحبشة في شرقي القارة الأفريقية، ومنها اتخذت مسارين للانتشار شمالاً وشرقاً وعبر البحر الأحمر، وانتقلت إلى مناطق جزيرة العرب وإلى مصر شمالاً عبر نهر النيل، ومن مصر انتشرت في شمال القارة الإفريقية، وصولاً إلى غرب القارة، ومنها انتقلت شرقاً وشمالاً إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط.

تُعد الباميا مصدرا غنيا جداً بالعديد من العناصر الغذائية، ومفيدة لمن يعانون من ارتفاع الكوليسترول وزيادة الوزن، كما تعمل كمضاد للأكسدة، وكذلك هي مفيدة للبصر والبشرة. والباميا في المنام ترمز للنجاح وتيسير الأمور، كما تدل رؤية الباميا في الحلم على المال الحلال، والباميا الخضراء في المنام أفضل من الباميا اليابسة.

للباميا حضورها الواضح في كل المجتمعات العربية، ولا عيب فيها سوى ما قد تُحدثه من نفاخ وغازات في المعدة، فيقال عنها في المثل الشعبي في الأردن وفلسطين: (عَ اللسان بلابل وفي المعدة قنابل). كما يتغنون بها هناك ويقولون:

أخضر يا عرق الباميا .. أخضر يا عرق الباميا
جـوزي اتجـوز عليا … وأنا صـبية وغـاوية
أخضر يا عرق الباميا .. أخضر يا عرق الباميا
جـوزي تجـوز عليا … والحنّـة لـسـا بإيديـا

لقد تحدث عن الباميا الشيخ جلال الدين السيوطي (1445-1505م) في كتابه (مقامات السيوطي) قائلا: "الباميا وما أدراك ما الباميا، باردة رطبة في الثانية وهي أرطب من سائر البقول، والدم المتولد عنها رديء الفضول، موافقة لأصحاب المزاج الحار. وغذاؤها غاية في القلة والإستندار، والتوابل الحارة تدفع ما فيها من المضار، وفيها أقول:

وبامية لها طعم لذيذ ... ومنظرها مبدع في الجمالِ
تحاكي وهي تزهو في رياض ... حقاق زمرد ملئت لآلي"


ولأمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932) قصيدة خاصة عن الباميا، ومما يقوله فيها:

وما الذي اشتريت يا حسنى لنا من الخُضَرْ
الباميا كأنها الزمرد الخام الحجرْ
الباميا منذ متى هذا الخضار قد ظهرْ
جديدة قلت عسى سيدتي بها تُسرْ
نادى المنادون عليها منذ أسبوع عبرْ
ترفُل في شوكتها وفي شبابها النِضرْ
أجل لقد أكلتها في منزل الشيخ عمرْ
كالذهب الأبريز والثوم عليها كالدررْ


ويقول شاعر آخر:

اضعت وقتي في الزحف وفي ومدح النساء
و نسيت وصف الباميا وما أروعها من حساء

لقد وصف خبير تغذية مصري الباميا بـأنها (سيدة الخضروات التي لا تحب الشريك)، وذكر أن (الباميا اللي فيها شوك هي الأكثر فائدة من الناعمة الخالية من الأشواك).

الباميا وهى الأكلة المفضلة في صعيد مصر، وأجود أنواع الباميا في مصر هي الباميا الصعيدية. ويقال أن الباميا أم الحكة (ام الشوك) أجود وأطيب من الأخرى، وهي مشهورة في صعيد مصر وعندهم اغنية عليها تقول (الباميه شوكتني)، وهي من الأغاني التراثية الشعبية الصعيدية وتشاهدونها في الفيديو المرفق بصوت الحاجة نبيلة وهيثم أبو السعود.

والحاجة نبيلة أطلق عليها الزعيم عادل إمام لقب (بلبلة الشرقية) وهي تقول: "صرفت على أولادي وجوزتهم من شغلي في الغيط، ولما جوزي تعب وما عرفش يشتغل كنت بشتغل وأجيب في اليوم 60 جنيه علشان علاجه".

لقد عبّرت الحاجة نبيلة عن حبها لزوجها بقولها: "عميت بعد ما مات، كان هو اللي بيعمل كل حاجة، لكن لما تعب ثماني سنين حسيّت إني عميت".


https://www.youtube.com/watch?v=FATEZM77CKo

للباميا حضور قوي في العراق على المائدة العراقية، وتكون اسعار الباميا في أول قطافها غالية، وقد وصل سعر الكيلو هذا العام 20000 دينار، ثم تنزل اسعارها تدريجيا لتصل إلى 4000 دينار للكيلو.

 وفي العراق هناك عدد من أصناف الباميا: فهناك في بغداد وجنوب العراق الباميا الحسيناوية التي تكون رشيقة، وهناك أيضا الباميا الهلوبة، وفي الموصل هناك بامية الموصل البترا التي تتميز بقصرها وطراوتها ولونها الأخضر الزاهي، حيث يتم قطفها مبكرا كي لا تتصلب وتتخشب كما يقال عنها في المثل الشعبي (امخشبي)، وعادة يكون سعرها أغلى من بامية بغداد. وفي الشمال هناك الباميا الكوردية التي تتميز بقصر طولها وحجمها الضخم الذي يصل إلى حجم البصل، وقد رأيت منها في مصيف سرسنك.

يذكر أحد جيراني، وهو مزارع معروف في منطقة الرشيدية بالموصل، أن هناك أيضا باميا مال كركوك تكون حبة الباميا قصيرة وسمينة، وهناك أيضا باميا مال بغداد تكون رفيعة وطويلة وكان يأتي بها التجار من بغداد يوميا سيارة أو سيارتين.

وفي السنوات بعد ١٩٩٥ بدأ المزارعين في الموصل يزرعون بامية بغداد وهي مرغوبة بالزراعة بسبب قصر قامة النبتة مما يسهل جني ثمار الباميا وخاصة في أيام الصيف الحارة، عكس الباميا المصلاوية حيث تكون النبتة طويلة أطول من طول العاملات بمتر أو أكثر مما يضطرهن للوي النبتة لأجل جني ثمارها. كما أن باميا الموصل تسبب حكّة في الجلد بعكس الباميا البغدادية التي لا تسبب حكّة.

وفي البصرة وأبو الخصيب هناك باميا تدعى (باميا الديرة) وتمتاز بضعفها وحدتيها وطعمها. وفي الناصرية هناك نوعين: الحسيناوية والبترة، والبترة مفضلة من الكثيرين ويحبون تناولها بايتة مع التمن.

وفي بريطانيا هناك باميا هندية طويلة امسرته او امخشبه والهنود يقطعوها مثل البورانية أو الفاصوليا، حيث يصل طولها الى 20 سم وتشبه بسامير سكة القطار.


الباميا في فصل الشتاء:
كما هو معروف فإن الباميا محصول صيفي، لقد كانت أمهاتنا رحمهم الله يخزنون الباميا لفصل الشتاء، فيقومون بتجفيفها بالصيف ويعملون شاكوك بالخيط مثل المسبحة ويعلقوه بالسطح بالفي، أما في الوقت الحاضر فيتم تجميدها بالبرادات.

هناك من يفضل الباميا المجففة في الشتاء على المجمدة حيث يضع معها قشور البرتقال الجافة لتعطيها نكهة مقبولة. وفي بعض البلدان يقومون بطحن الباميا المجففة لكي يطبخوها في فصل الشتاء.


قبل دخول الطماطة بعد الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 كان مرق الباميا المطبوخة يميل إلى الاصفرار وكانوا يضعون معها بعض الطحين لجعلها أثخن. ثم زُرعت الطماطة عام 1920 وأصبحت عنصرا أساسيا في إعداد طبق الباميا.

ومن العناصر الأساسية الأخرى في دست الباميا: اللحم والثوم وتمر الهند والفلفل الحار (الفليفلة). الغالبية يأكلون الباميا مع الرز (التمن)، وهناك من يفضلها باردة مع الخبز أو خبز الرقاق، كما يفضلها البعض في وجبة الإفطار.

للباميا العديد من الفوائد الصحية، فهي مفيدة لمرضى الضغط والسكري ومكافحة نمو الخلايا السرطانية، خاصة عندما يتعلق الأمر بسرطان الثدي. وهي تحتوي على العديد من العناصر المفيدة مثل البروتينات والصوديوم والفيتامينات مثل فيتامين "سي" والكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم. كما تعتبر الباميا مصدراً جيداً للحديد والفسفور والنحاس ومضادات الأكسدة المختلفة.


وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

527 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع