وفيق السامرائي
تراودني على الدوام شكوك في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أسير موقف عقائدي يمنعه من اتخاذ مواقف معينة، وسيبقى حريصا على إخفائه.
ومع أن هذا الهامش يشغل حيزا لا يطغى على فلسفة إدارة الصراع المتبعة في دوائر القرار فإن تأثيره يبقى قائما بحكم الصلاحيات الدستورية. وقد طرح أسلوب إدارة أزمة غوطة دمشق المزيد من التساؤلات، وكشف بعض ملامح المستقبل الإقليمي، وعكس إصرارا - متعمدا كان أو مفروضا - على قبول مبدأ استمرار معاناة السوريين، بما يجعل سوريا عبئا على الآخرين، لأسباب فرضتها الأحداث والمعتقدات والمواقف.
لم أر في قصة الاتفاق الروسي - الأميركي عملا محبكا خلف الكواليس، وأرجح حكم الصدف، الذي ابتدأ بسؤال «عابر» وجه إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري عما إذا كان تسليم الأسد لأسلحته الكيماوية سيجنبه الضربة. فجاء رد كيري بالإيجاب، كمن يبحث عن حبل نجاة من مأزق كبير. وتلقف رجل المخابرات الروسية نبرة كيري بسرعة غير معتادة، فتغير كل شيء خلال عصر يوم واحد، ليبدأ مشوار جديد، فقدت فيه نهايات التنبؤ بالفترة المتبقية من الحرب السورية «الطويلة»، وفرضت روسيا نفسها لاعبا قويا من دون أي تخفيف في الوضع القتالي على الساحة السورية.
وسواء دمرت الأسلحة المحظورة كلها أو أخفي قسم منها، فإن تدميرها لن يترك أثرا مهما على سير العمليات القتالية المستمرة، وإن كان سيبطل جانبا من مبررات رغبة أميركية واضحة في بقاء النظام، تتناغم مع هواجس عدة، منها ما يتعلق بأمن إسرائيل فعلا، ومنها ما يرتبط بتجنب حالة الانفلات العام في ضوء الخلافات بين «الجيش الحر» وكتائب المسلحين الأخرى، والخوف من قوة المتشددين، وما يمكن أن يسببه الانفلات من تعقيدات إقليمية ودولية. وكانت هذه الهواجس سببا جديا في «حرمان الجيش الحر» من الحصول على ما أطلقوا عليه تسمية السلاح النوعي، وهي تسمية سطحية استهلاكية.
الأحداث الأخيرة أثبتت بما لا يقبل الشك أن تفكير ونيات الإدارة الأميركية ورئيسها في واد، وخصوم الأسد وحلفائه في واد آخر. وبينما كان خصوم الأسد من الجانب العربي حريصين على عدم إظهار مبالغة في التفاؤل، أطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان العنان لرؤيته للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الضربة، مما يدل على خلل في فهم السلوك الأميركي. وقدم رئيس وزراء العراق مبادرة علنية في توقيت حساس، تأكيدا على وجود العراق رغم ظروفه الأمنية الصعبة. ولا أميل إلى اعتبار ما قامت به الإدارة الأميركية عملا بارعا سيؤدي إلى تدمير سلاح محرم، فمثل هذه الخطوة كان ممكنا فرضها بعد ضربة الغوطة مباشرة من دون حشد للقوة، وليس وفق سيناريو مضطرب قادت إليه الأحداث. والحقيقة هي أن سياسة الإدارة الأميركية تضمنت جوانب فشل كبير، ليس الآن فقط، بل في كثير من الوقائع الدولية الكبرى التي أشغلت العالم.
منتصف سنة 2014 سيكون هناك استحقاق انتخابي سوري، وكل الدلائل تشير إلى أن كل هذه الفترة ستشهد عمليات نزع السلاح الكيماوي، ولا يبدو أن سقف التصعيد والخلافات اليومية سيكون عاليا إلى مستوى التفجير العام، ولا وجود لما يشير إلى أن تسليح قوات المعارضة سيأخذ بعدا حاسما، واجتماعات جنيف ستأخذ وقتا طويلا، ومعاناة السوريين تزداد قسوة، والخسائر البشرية تتفاقم، ومدد معدات القتال سيستمر بما يحفظ حالة التوازن النسبي، بما لا يؤدي إلى تفوق ساحق لأحد الطرفين المراد وصولهما إلى حالة إنهاك قوي، ليصبح الحل السياسي خيارا مرجحا وربما وحيدا.
إنها حلبة صراع، تريد روسيا وحلفاؤها رجحان كفة النظام في سوريا بقوة، ويريد كثيرون من العرب والأتراك فوز قوى المعارضة «والجيش الحر» بإسقاط النظام، ويقف الأميركيون كلاعب «يحاول التحكم» في ما يجري. وبما أن اللاعبين يمتلكون عناصر القوة المالية والعسكرية والبشرية، فإن التسوية السياسية ستفرض على السوريين، إن لم تحدث متغيرات يصعب على أقطاب الصراع التكهن بها إلا بمعجزة، وخلال الفترة التي عشناها لم نر معجزة. وفي كل الأحوال، فإن أميركا لم تعد قادرة على فرض إرادتها بعد أن فقدت مقومات الزعامة في عالم أصبح التحكم فيه مستحيلا، وبات من الواجب الإنساني والأخلاقي الاهتمام باللاجئين السوريين، الذين سيزيدهم الشتاء قسوة ومرارة.
805 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع