د.عبدالرحمن الشبيلي
جريدة الدستورالبصرية والشؤون السعودية والكويتية فيها
تزامن صدورُ أكثر الصحف في الولايات العربية الخاضعة للحكم العثماني في بعض أنحاء الجزيرة العربية، مع إقرار الدستور العثماني الثاني في شهر يوليو - تمّوز عام 1908م، الذي أعقبه بعد عام واحد صدورُ نظام المطبوعات العثماني (يوليو - تمّوز عام 1909م)، وهو قانون فتح الباب لتأسيس المطابع والمطبوعات الأهليّة والحكوميّة في تلك البلدان.
ففي اليمن - التي عرفت الطباعة منذ عام 1877م في أيام السلطان عبدالحميد الثاني - صدرت بعد ذلك بعام واحد جريدة (صنعاء) الرسمية الأسبوعية، وهي أول جريدة يمنيّة، وقد طُبعت في أربع صفحات.
وفي ولاية الحجاز - التي تأسست فيها أولُ مطبعة أميرية عام 1883م - صدرت في مكة المكرّمة في عام 1908م جريدةُ (حجاز)، أولى الصحف فيما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية، ثم لحق بها عددٌ من الصحف الأخرى، في كل من مكة المكرمة والمدينة المنوّرة وجدة.
وفي ولاية البصرة، كان الوضع مختلفاً إلى حدّ ما، فلقد شهدت صدورَ صحيفة مبكّرة كانت الأولى في تاريخها؛ وهي صحيفة (البصرة) التي صدرت - باللغتين العربية والتركية - في مطلع عام 1895م وأشرف عليها محمد علي باش كاتب في أيام الوالي التركي حمدي باشا، ثم تلتها بعد عام 1909م بقية الصحف الأخرى متتابعةً، كما سيأتي.
وكانت السمةُ الغالبة على الصحف المُبكّرةِ الصدور - وبخاصةٍ في الحجاز - هي البدائية والركاكة، وأنها قد تطبع وتحرّر بأيدي فنيين أتراك، وتصدر باللغتين التركية والعربية، ولم تكد تمضي سنوات قليلة حتى تحسّن المستوى التحريري والفني لمعظم تلك الصحف، وهو ما لوحظ على جريدة (الدستور) البصرية، محلِ هذا الموضوع.
وفي هذه المحاضرة، يدور الحديث على أربعة محاور مترابطة الشأن، وهي:
- الصحافة المبكّرة في ولاية البصرة.
- الصحف التي حملت اسم (الدستور) في تركيا والعراق مما له صلة بالبحث.
- النشاط الصحفي لأسرتي الزهير والطباطبائي.
- جريدة (الدستور) البصرية، ومحتواها في الشؤون السعودية والكويتية.
الصحافة المبكّرة
في ولاية البصرة:
تشير المصادر التاريخية - وبخاصة ما كتبه فيليب دي طرازي (المتوفّى عام 1956م) في كتابه القديم (تاريخ الصحافة العربية) الصادرِ عام 1913م، وروفائيل بطي (المتوفى سنة 1956م أيضاً) في كتابه المعروف: تاريخ الصحافة في العراق الصادر عام 1955م، والمحامي الصحفي رجب بركات الرديني، المقيم حاليّاً في الأردن(1)، في كتابه (من تاريخ الصحافة العراقية)؛ جرائد البصرة في مئة عام الصادر عام 1990م، وكتاب فائق روفائيل بطي: صحافة العراق، الصادر في بغداد عام 1968م، وغيرها من المصادر - تشير إلى أن البصرة قد شهدت في عام 1889م تأسيس أول مطبعة أميرية، طبعت فيها صحيفة (البصرة) الرسميّة، ثم شهدت الولاية - بُعيد إقرار الدستور العثماني في عام 1908م وحتى انتهاء الحكم العثماني في العراق عام 1914م - صدورَ الصحف القديمة الآتية، مسلسلةً وفق تاريخ صدورها:
في عام 1909م، صدرت صحيفة (الإيقاظ) لصاحبها سليمان فيضي الموصلي، وصحيفة (التهذيب) لأمين عالي باش أعيان، وصحيفة (إظهار الحق) لصاحبيها من أسرة جلميران، والصحيفة الساخرة (مرقعة الهندي) لأحمد حمدي مُلَّا حسين المشراقي، وقد تحوّلت الأخيرة في العام التالي إلى صحيفة باسم (البصرة الفيحاء) للأخوين المشراقي.
وفي عام 1910م، صدرت جريدة (الفيض) بالعربية والتركيـة لمنشئهـا داوود نيــازي، وجريدة (الرشاد) ليوسف السامرّائي، وصحيفة (الآتي) للمحامي عمر فوزي، وفي العام الذي تلاه (1911م)، صدرت صحيفة (التاج)، وهي صحيفة سياسية فكاهية أنشأها محمد نجيب المشراقي، والصحيفة السياسية (المنبر) لأحمد جودت كاظم.
وفي عامي 1912 و1913م، صدرت تباعاً صحيفتا (الدستور) لعبدالله الزهير، و(صدى الدستور) لعبدالوهّاب الطباطبائي، وبهما انتهت حقبة الصحافة الصادرة في ظل الحكم التركي، وخضع العراق بعدها للاحتلال البريطاني.
إن من المعروف، أن صحافة البصرة في تلك الفترة، كانت - بحكم القرب الجغرافي - تلامس شؤون الخليج، وأن العديد من مثقّفي بلدان الخليج - من أمثال هاشم الرفاعي الذي كتب في جريدة (الأوقات) البصرية الصادرة عام 1915م - كانوا يمارسون الكتابة في تلك الصحف، ولذا، فإن من المؤمّل أن تتضافر جهود الباحثين والموثّقين والدارسين في مجال التاريخ والإعلام والعلوم السياسية، لدراسة مخزون هذه الصحف، خاصة وأن منطقة الخليج كانت في تلك الفترة تخلو من أي صحافة محليّة.
النشاط الصحفي لأسرتي
الزهير والطباطبائي:
بالرغم من شيوع شهرة هاتين الأسرتين قديماً وحديثاً في موطنيهما، فإنه لا توجد مع الأسف، معلومات وافية عما يتصل بسيَر شخصيّات منها تصدّت للعمل الصحفي في مطلع القرن الماضي.
تنتمي أسرة الزهير إلى مدينة حريملاء(2) السعودية، التي نزح كثير من أهلها - ضمن من نزح من نجد - طلباً للعلم أو بحثاً عن الرزق في الهند والعراق وإمارات الخليج، وكان ممن هاجر منها حتى منتصف القرن الماضي أفرادٌ من أسرتي الزهير والإبراهيم (الراشد من آل أبو ربَّاع) استقرّوا في جنوب العراق، وتنافسوا على إمارة الزبير.
أما بالنسبة لأسرة الزهير، فكانت هجرة بعضهم منذ نحو قرنين إلى العراق، من سلالة جدهم الأعلى (شيخ الزبير) يحيى الزهير أول نازح منها إلى جنوب العراق كما تقول الروايات، وأصبح من استقر بهم المقام أو ولد هناك أسراً عراقية، ومع اضطراب الأوضاع في العراق وازدهار أحوال بلدان الخليج عاد معظمها إلى السعودية في حدود منتصف القرن الماضي، كما استقر عدد من أفرادها في الكويت، وقد عُرف من هذه الأسرة أربع شخصيّات برزت - على وجه الخصوص - على صعيد السياسة والصحافة في تركيا والعراق، وهم: أحمد وعبدالله وسليمان وعثمان الزهير.
أما بالنسبة لأحمد الزهير، فلم يتمكّن المحاضر من الحصول على معلومات وافية عنه، بالرغم من دوره الريادي في المجال الصحفي بين أبناء الجزيرة العربية خارج بلادهم، وهو في الغالب أحمد بن إبراهيم (بن عبداللطيف بن يوسف بن يحيى) الزهير، وربما تطلَّب الأمر البحث عن سيرته في الوثائق التركية، وبحسب المصادر فهو نائب عن ولاية البصرة في مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني) في إسطنبول، وتوفي فيها سنة 1910م.
وكذلك الشأن بالنسبة لعبدالله الزهير منشئ جريدة (الدستور) البصرية، حيث لم يعثر المحاضر على معلومات كافية عن اسمه الثلاثي أو صورته وسيرته، بل إنه لم يجد في الأعداد المعثور عليها من الجريدة نفسها أي معلومات شافية عنه.
وفي المقابل، وجد المحاضر أن بعض الترجمات التركية الواردة في الأعداد الأولى من الجريدة كانت تحمل توقيع شخص يُدعى (عبدالله زهدي) ثم تضمّن العدد الثالث والعشرون إشارة إلى شخص اسمه عبدالله زهدي بك الزهير حضر استقبالاً في منزل طالب النقيب(3)، وقد توقّف المحاضر عند هذه المعلومة، لاحتمال أن يكون نفسه هو صاحبَ الدستور، وذلك لما هو ظاهر من علاقة الزهير الوثيقة بالنقيب، ولسبب معرفته باللغة التركية وقيامه بالترجمة في الجريدة بدءاً من العدد الحادي والعشرين، كما سيرد لاحقاً.
وقد بقي الشك قائماً حول اسم عبدالله زهدي هذا، حيث لم يؤدّ التحري الأوَليّ عن الاسم - عبر التواصل مع أسرة الزهير وعبر الاطلاع على شجرة العائلة، وعلى أسماء الأعضاء العرب في مجلس المبعوثان، إلى غير هذه المراجع والاحتمالات - لم يؤدّ إلى نتيجة، إلاّ أن المعلومات تواترت من الأسرة مفيدةً بعدم وجود اسم زهدي فيها، بينما ترجّح أن اسم صاحب الدستور هو عبدالله عيسى (عبدالله صالح سليمان يحيى) الزهير، وهو وارد في شجرة العائلة، ويعتقد المؤرِّخ والباحث الكويتي المعروف الأستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم أن عبدالله زهدي هو لقب مركَّب، كما هو الحال مع سليمان فيضي، فزهدي ليس والده بل لقبٌ مضاف للتمييز عن اسم مشابه، والموضوع بحاجة إلى مزيد من البحث، خاصة وأن العدد الأول، الذي ربما حمل معلومات عن صاحبها، ما زال مفقوداً.
وكان الناشر يحيى الربيعان - في كتابه عن محمد بن لعبون الصادر عام 1996م - نشر صورة لعبدالله عيسى الزهير، المتوفّى في الزبير عام 1932م، وقد رجّحتُها لصاحب الجريدة، فنشرتُها في كتابي: صفحات وثائقية من تاريخ الإعلام في الجزيرة العربية، الصادر عام 2002م، مقرونةً بمقالي عن أسرة الزهير ودورها في عالم الصحافة في العراق وتركيا.
من جانبه، أضاف الأستاذ يعقوب الإبراهيم في تعليق على الموضوع، بعثه إلى مكتبة البابطين بالكويت، بتاريخ 2 فبراير 2013م، قال فيه:
(إن لقب عبدالله الزهير كان (بك) وليس (باشا) كما ظهر في بعض الكتب، غير أنني وجدت في كتاب بلدية البصرة لرجب عبدالمجيد بركات - من إصدار جامعة البصرة - أن عبدالله الزهير فاز بمئة وأربعة وأربعين صوتاً في انتخابات المجلس البلدي في البصرة، وكان عضواً عن حزب الحرية والائتلاف عام 1911م، كما انتخب عضواً عن الحزب نفسه في مجلس المبعوثان في إسطنبول عام 1912م مع السيد طالب النقيب، وفاز معهما عن جمعية الاتحاد والترقي عبدالوهاب باشا القرطاس، وبالإضافة إلى ذلك كان الزهير عضواً في المجلس العمومي لولاية البصرة عام 1913م، مع كل من يوسف رجب النقيب، وهاشم أحمد باشا النقيب، وعبد اللطيف باشا المنديل(4)، وصالح باش أعيان وغيرهم، وقد تعزَّزَت هذه المعلومات في مذكّرات سليمان فيضي الصادرة عن دار الساقي عام 1998م).
وأما سليمان الزهير، فأصدر في عام 1915م الطبعة العربية من جريدة (Basrah Times) باسم (الأوقات البصرية) وكانت الجريدة - في ظلّ الاحتلال البريطاني للعراق - تصدر بالإنجليزية والعربية والتركية والفارسية، وقيل إن فيلبي شارك عندما كان مقيماً في البصرة في تحرير نسختها العربية، ويوجد لدى مكتبة البابط ين المركزية للشعر العربي بالكويت نماذج من الطبعتين العربية والإنجليزية(5).
وأما الرابع والأخير من هذه الأسرة، فهو عثمان بن يوسف باشا بن قاسم باشا الزهير، الذي أصدر جريدة (المرقب) البغدادية في أواخر عام 1923م.
وقد حصل عدد من أفراد الأُسَر الخليجية على لقب (باشا) وهو تقدير فخري تركي، يعادل لقب (لورد) في النظام الإنجليزي، يمنحه السلطان العثماني للمبرّزين من الجنرالات والسياسيين الذين يقدّمون خدمات للدولة، وتضمن كتاب (الأوسمة العثمانية) لمؤلفه د. سهيل صابان، من إصدار مركز حمد الجاسر الثقافي (2007م)، ومقالٌ نشره عبدالله محمد منصور العبيد في جريدة (القبس) بتاريخ 3 نوفمبر 2012م، معلوماتٍ عن الأوسمة والألقاب التي كانت تُمنح في العهد العثماني، وأسماءَ بعض من مُنحت لهم في الكويت ونجد وولاية البصرة.
وأما بالنسبة لعبدالوهاب الطباطبائي، فهو من العائلة المعروفة في الكويت والبصرة، وكان ناشطاً سياسيّاً اقترن اسمه مع طالب النقيب وعبداللطيف المنديل وغيرهما، عند تشكيل حزب الحرية والائتلاف المعارض عام 1911م، حيث شارك معهما في تأسيس فرع ولاية البصرة.
ويذكر الأستاذ يعقوب الإبراهيم، نقلاً عن كتاب تاريخ الكويت لعبدالعزيز الرشيد، أن الطباطبائي كان قد غادر الكويت في أعقاب مقتل الشيخ محمد الصباح وشقيقه جراح سنة 1896م.
وبالرغم من كثرة ما كُتب عن ولاية البصرة وعن الزبير بخاصة، فإن المحاضر - كما تبيَّن - لم يعثر على تراجم كافية لهؤلاء الخمسة، كما أن خير الدين الزركلي لم يورد شيئاً عنهم في كتاب (الأعلام)، الصادر في طبعته الثالثة المكتملة في ثمانية أجزاء عام 1969م، وكذا الشأن مع كتاب (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) الصادر عام 1995م لحميد المطبعي في ثلاثة أجزاء.
الصحف التي حملت اسم «الدستور» في تركيا والعراق:
يمرّ البعض من القراء على الصحف القديمة الصدور التي تحمل عنوان (الدستور) دون أن يربط الاسم بإقرار الدستور العثماني في عام 1908م، كما أشير سابقاً.
وفيما يتعلق بهذا البحث، صدرت في عاصمة الدولة العثمانية (إسطنبول) جريدة (الدستور) التركية، التي انبثقت عنها صحف تحمل ترجمات لها بلغات عدة من بينها العربية، وكان أحمد باشا الزهير قد تولّى مسؤوليّة تحرير الطبعة العربية الصادرة بتاريخ 4-10-1908م، وكانت تناصر جمعية الإخاء العربي العثماني وتنطق باسمها.
ولا توجد - مع الأسف - معلومات كافية عن هذه الجريدة التي لا بد أنها موجودة في مكتبات إسطنبول، لكن إقدام شخصية أخرى من أسرة الزهير - وهو أحدُ أبناءِ عمومته عبدالله الزهير - على إصدار جريدة (الدستور) في البصرة بعد أعوام، يحمل على الاعتقاد بأن الثانية نظيرةٌ للأولى، والأمر على أي حال يستدعي القيام بمزيد من البحث والاستقصاء.
أما أهمية هذه المعلومة - بالنسبة لموضوع المحاضرة وللمحاضر - فهي أن المحرر وهو من الأصول النجدية، قد احترف الصحافة قبل عامين من قيام سليمان صالح الدخيل - وهو من بريدة - بإصدار جريدة (الرياض) في بغداد في عام 1910م، وكان العلاّمة الشيخ حمد الجاسر يظن أن الدخيل كان أول صحفي من نجد احترف الصحافة في خارج شبه الجزيرة العربية(6)، وهنا يتبيّن أن الأسبقية الواضحة تحتسب لأحمد الزهير في تركيا، يليه في ذلك صحفي آخر من أصل نجدي، وهو عبداللطيف ثنيّان، الذي أصدر في عام 1909م صحيفة (الرقيب) في بغداد.
وكان مما قاله عبدالرزاق الحسيني عن (الدستور) البصرية في كتابه: تاريخ الصحافة العراقية الصادر عام 1971م في طبعته الثالثة الموسّعة، ما يأتي:
[جريدة (الدستور) جريدة عربية سياسية أنشأها في البصرة عبدالله الزهير في 22 كانون الثاني - يناير 1912م، لتكون لسان حال جمعية الإصلاح التي أسسها في البصرة السيد طالب النقيب، وبعد انتخاب الزهير عضواً في مجلس المبعوثان، تنازل عنها للسيد عبدالوهاب الطباطبائي، بعد أن جعل الأخير اسمها (صدى الدستور)، فلبثت تصدر بانتظام إلى يوم احتلال الإنكليز للبصرة، فباع مطبعتها لتكون نواةً لمطبعة التايمس في البصرة].
وقال عنها كتاب: صحافة العراق (الصادر عام 1985م) لمعدّه سامي بطي من نتاج والده روفائيل بطي:
[.... إلا أن هناك جريدةً جليلةً في الفيحاء - يقصد البصرة - هي (الدستور) التي أنشأها أولاً عبدالله بك في 22 كانون الثاني عام 1912م، فلما أصبح نائباً - والصحافة سُلَّم النيابة في الغالب وقد تكون سُلَّم الوزارة أحياناً - انتقل امتيازها إلى الأستاذ عبدالوهاب الطباطبائي، وهو اليوم كاتب تحريرات البلدية في البصرة، فنفخ فيها حياةً جديدةً، وتضافر على الكتابة فيها نخبة أدباء الثغر - يقصد البصرة أيضاً - وسياسيِّيه، منهم أخوا صاحبها عبدالمحسن وعبدالعزيز والسيد إسماعيل السامرّائي، وكانت لسان حال حزب الائتلاف والحرية، وجلب لها الحزب مطبعة من أوروبا، وهو ما لم يفعله حزب آخر في قطرنا، وأصبحت دار (الدستور) ندوةً لأحرار الكتاب والسياسيين المفكرين.. وقد عُطّلت (الدستور) فصدرت باسم (صدى الدستور).. وبقيت حيّة إلى حين احتلال البريطانيين للبصرة في 10 نوفمبر 1914م].
(الدستور) البصرية ومحتواها في الشؤون السعودية والكويتية:
كان سبب اهتمام المحاضر بهذه الجريدة، أن خير الدين الزركلي أورد في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) الصادر في عام 1970م في أربعة أجزاء، إشارةً إلى أن الجريدة نشرت في عام 1913م(7) مقابلة مع الملك عبدالعزيز في إثر دخول إقليمي الأحساء والقطيف في الحكم السعودي، أجراها معه في القطيف مثقف نجدي من أهل عنيزة مقيم في البصرة (هو إبراهيم العبدالعزيز الدامغ)(8)، وقد أهداني د. علي أباحسين مدير مركز الوثائق في ديوان ولي عهد البحرين عام 1999م، عدداً من الجريدة (هو العدد 42) كان موجوداً في المركز، لكنه لم يكن العدد الذي نشرت فيه المقابلة.
ومن جانب آخر، كان الشيخ حمد الجاسر نشر - كما سلف - نبذة عن حياة سليمان الدخيل، وقال عنه إنه أول نجدي مارس مهنة الصحافة في خارج الجزيرة العربية، فبدأتُ بعدها في تتبّع النشاط الصحفي المبكّر في الخارج لأبناء شبه الجزيرة العربية في مطلع القرن الماضي، نشرتُ نتائجَهُ في العديد من كتبي التوثيقية، وتبعاً لذلك، كتبت في سبتمبر 2010م على صفحات جريدة الشرق الأوسط(9)، مقالاً بعنوان: الملك عبدالعزيز في حوارات صحفية، وعند إيراد اسم جريدة (الدستور) ذكرتُ أن تلك المقابلة (التي نُشرت في العدد 67 من جريدة الدستور) ربما كانت أول حديث صحفي أُجري مع الملك عبدالعزيز، وقد تبيّن في هذه الأثناء أن الجريدة كانت قد نشرت كذلك حديثاً (في العدد 38) مع الشيخ مبارك الصباح.
وظل هاجس البحث عن المقابلة والجريدة، منذ نَشْرِ ذلك المقال يشغل البال، بدءاً من مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة أحَدِ مظانّ العثور عليها فيه، وكانت مكتبة الجامعة تعرّضت أثناء الحرب الأخيرة لحريق أتى على بعضها، كما امتدّ البحث عنها في دول الخليج إلى مكتبات شتّى وإلى مراكز التوثيق فيها، وفي الأرشيف العثماني وفي مكتبتي السليمانية وبايزيد الشهيرتين في إسطنبول.
ثم بدأ التعاون بين المحاضر ومكتبة البابطين في الكويت، بُغية الوصول إلى مكتبة (العباسية) في البصرة التي تؤول ملكيتها لأسرة باش أعيان، حيث وعد بعضُ رموزها المقيمين في السعودية وفي العراق، بالبحث عنها متى سمح الظرف الأمني بذلك، وكانت المكتبة مغلقة طيلة السنوات الماضية خوفاً عليها، والمكتبة، كما هو معلوم، أسّستها أسرة الباش أعيان في القرن السادس عشر الميلادي، وتضم كثيراً من المخطوطات العربية والإسلامية.
ولقد أثمرت جهود المتابعة المتواصلة من الأخوين عبدالعزيز وعبدالكريم سعود البابطين ومن المديرة العامة للمكتبة سعاد عبدالله العتيقي، في العثور - عند بائع للصحف والمجلات القديمة في بغداد - على واحد وخمسين عدداً أصليّاً من الجريدة، بما فيها العددان (38 و67) المتضمّنان تباعاً حديثي الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز، حيث اشتراها الأستاذ عبدالعزيز البابطين لتستقر تلك الأعدادُ المعثورُ عليها في مكتبة البابطين بالكويت، التي بدأت مرحلة بحث جديدة عن بقية الأعداد المفقودة، والأمل معقود على المكتبة أن تتمكّن - بإذن الله - من العثور على بقية أعدادها، وأن يمتدّ البحث - إذا أمكن - إلى صحيفة (الدستور) التركية الرائدة التي كان يحررها أحمد باشا الزهير في إسطنبول، وإلى جريدة (صدى الدستور).
وباستعراض موضوعات الأعداد الإحدى والخمسين التي صارت في حوزة المكتبة، فإنه يمكن تقسيم المعلومات التي ستعرضها المحاضرة إلى فئات ثلاث: الطابع العام للجريدة، والموضوعات السياسية فيها وكذا الشخصيّات.
كان رجب بركات في كتاباته، وهو من أسرة معروفة في البصرة، من أكثر من تحدث عن جريدة (الدستور) البصرية هذه، وذلك في كتابه السابق ذكره عن جرائد البصرة، وقد استلّ منه مقالاً مفصّلاً نشره في جريدة (الجزيرة) عام 1999م(10).
كانت (الدستور) البصرية، جريدة أسبوعية من أربع صفحات مناصفةً بالعربية والتركية، صدرت في البصرة بتاريخ 22-1-1912م، وظهرت في البداية يوم جمعة، ثم صارت تصدر في كل يوم أربعاء، ثم في يوم الثلاثاء، ثم عادت إلى يوم الجمعة، وذكرت في ترويستها (عنوانها) بأنها (جريدة سياسية أدبية اقتصادية إصلاحيّة)، وكان عبدالله الزهير - كما تقول الترويسة - هو صاحبَ امتيازها ومديرَ سياستها، يعاونه في شؤون التحرير محرر رمز لاسمه بحرفي (أ.خ)، ثم صار عبدالوهاب الطباطبائي بدءاً من العدد الرابع عشر مديراً مسؤولاً عنها، وبقي الزهير صاحب امتيازها فقط، وقد ظهرت افتتاحية ذلك العدد وما تلاه من أعداد باسم الطباطبائي بينما اختفى اسم محررها المجهول، وأصدر الزهير بياناً في ذلك العدد يوضح فيه أنه مغادر إلى إسطنبول، وأنه أسند مهمة الإ شراف على الإدارة والتحرير للأديب الطباطبائي.
عاد الزهير للكتابة فيها بعد العدد الحادي والعشرين، مضيفاً في الترويسة أنه صاحب الامتياز ومسؤول اللغة التركية فيها، ولوحظ في العدد الثالث والعشرين - كما سبق - ورود اسم شخص يدعى عبدالله زهدي بك الزهير ضمن حضور استقبالات طالب النقيب، على أن الاسم المختصر (عبدالله زهدي) وعبدالله الزهير كانا كثيراً ما يردان في ذيل المقالات والأخبارالتركية المترجمة، وكانت الجريدة قد أوردت في بداية العدد العشرين، اعتذاراً لتأخرها عن الصدور بضعة أسابيع بسبب تغيّب محررها التركي، وأنها - بعد إخطار الولاية - قررت الاقتصار على الطبعة العربية، وقد لوحظ في الترويسة إبراز اسم عبدالوهاب الطباطبائي بخط ثلث واضح، وذلك في إثر انتقال طباعتها من مطبعة الولاية إلى المطبعة المحمودية بدءاً من ذلك العدد.
أما في العدد الأربعين، فأضيفت صفة محرر الجريدة مع صفة المدير المسؤول إلى اسم الطباطبائي، وتبادل الموقع من اليمين إلى اليسار في الترويسة مع الزهير، أما في العدد الثاني والأربعين فقد اختفى اسم الزهير من الترويسة وظهر في نهاية الصفحة الأخيرة، وبقي اسم الطباطبائي ظاهراً مع عنوان الجريدة بوصفه محرراً ومديراً مسؤولاً.
وقد غيّرت (الدستور) بعد العدد الخمسين مقر مكتبها في البصرة لتكون قريبةً من المطبعة في محلَّة السِيف، وأعلنت أن ذلك يتطلب تأخير صدورها بضعة أسابيع لغرض التنظيم.
وبعد انضمام الزهير إلى مجلس المبعوثان، كان العدد الثالث والستون آخر عدد ظهر فيه اسمه بوصفه صاحب الامتياز، ثم ظهر العدد الرابع والستون باسم الطباطبائي بوصفه - كالعادة - محرراً ومديراً مسؤولاً، أما في العدد الخامس والستين فظهر اسمه بوصفه صاحبَ الامتياز، خلفاً للزهير.
وكان العدد التاسع والستون هو الأخيرَ بين أيدينا، ويبدو أن الجريدة قد أُغلقت بعد ذلك، بدليل ما ورد على الصفحة الثانية من العدد من تذمّرها من ناظر الداخلية، بسبب ملاحقته القضائية، ومن متابعة الحكم الصادر ضدها.
وبهذا يكون الموجود واحداً وخمسين عدداً من مجموع الأعداد التسعة والستين، ويكون المفقود من الجريدة ثمانية عشر عدداً، من ضمنها الأعداد الأربعة الأولى.
أما حجم الجريدة، فقد صدرت منذ البداية بالحجم المعتاد للصحف، وهو ما يوضّح أن مطبعتي الولاية والمحمودية كانتا مصمّمتين أساساً لهذا الغرض، كما لوحظ أن الصحيفة قد حافظت طيلة صدورها على أربع صفحات دون زيادة أو نقصان، كما لم يُلحظ صدورُ أي أعداد خاصة منها.
وكانت الجريدة منذ بدأت، تعتمد أحياناً في مادتها الإخبارية على ما يردها من تلغرافات، وتنقل موضوعات تحريريّةً من جريدتي (المؤيّد والأهرام)، ويمكن القول بوجه عام، وباستثناء الارتباك في معلومات الترويسة كما سلف: إن الجريدة كانت على درجة مقبولة من جودة التحرير والخلوّ من الركاكة، وكان الانطباع عند المحاضر من قبل، أن (صدى الدستور) كانت جريدة مختلفة إلا أن الكتابات توضح أنها كانت امتداداً لجريدة (الدستور)، وليس من سبيل للتأكّد من ذلك إلا بعد العثور على كامل الجريدتين.
أما بالنسبة للموضوعات ذات الطابع السياسي فيها، فكانت الصحيفة تعبّر - تلميحاً - بلسان حال حزب الحرية والائتلاف في ولاية البصرة بزعامة طالب النقيب، وتنتقد جمعية الاتحاد والترقي التركية، وقد نُشر فيها كثيرٌ من الافتتاحيّات التي تدعو إلى الإصلاح، إلا أن غالب مضمون المادة الصحفية في الجريدة، كان يُمجّد السلطة السياسية العليا للدولة العثمانية، والمعروف أن جمعية الاتحاد والترقي كانت بدأت منظمة سرية في عام 1889م من مجموعة من الطلبة ثم تحولت عام 1906م إلى منظمة سياسية، ثم سيطرت على الحكم بين عامي 1908 و1918م، أما حزب الحرية والائتلاف (فرع ولاية البصرة) فقد تشكّل من شخصيات بارزة، وكان يهدف للإصلاح السياسي، ويدعو لتحقيق حكم ذاتي لا مركزي للعراق.
وبحكم انتماء صاحب الامتياز (الزهير)، اهتمّت الجريدة بأخبار البيئة الخليجية المحيطة، من نجد والأحساء والكويت والبحرين والمحمّرة ولنجة (على الساحل الإيراني المقابل) وبالمعلومات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية عن تلك المرحلة، وكان في طبيعة ما ينشر فيها من أخبار اجتماعية ما يؤكد عمق التواصل الأسري والاقتصادي بين هذه البلدان المتجاورة برّاً وبحراً.
كما كانت الجريدة على درجة من الحريّة في النقد الاجتماعي والإداري اللاذع، وذلك بالرغم من كون العراق في تلك السنين خاضعاً للحكم العثماني، فلقد طالعتنا الأعداد الأولى - على سبيل المثال - بالحديث عن اختلال الأمن في مدن جنوب العراق، كما ظهرت كلمة التحرير - التي كان يكتبها عبدالله الزهير باسمه الصريح - تنتقد أداء وزير خارجية الدولة، على خلفية توتّر الحدود مع إيران.
وباستعراض نماذج من الأعداد المعثور عليها من هذه الجريدة، نجد أنها كثيراً ما كانت تحمل ثناءً على الزعامة السياسية والمكانة المجتمعية للسيد طالب النقيب، المعروفة أسرته في الكويت والبصرة.
وأورد العدد الرابع عشر أخباراً من الكويت يفيد أحدها بوصول البارجة الإنجليزية التي تحمل نيشان (وسام) نجمة الهند الذي أهدته إنجلترا للشيخ مبارك الصباح، وخبراً آخر يفيد بأن الشيخ مبارك قام بزيارة المدرسة الكويتية (التي سميت المباركية على ما يبدو) والتي كانت تعدّ أول مدرسة نظامية بعد الكتاتيب وافتُتحت أواخر عام 1911م، وكانت مشروعاً قام به المحسنون الكويتيون، وقد أبدى الشيخ مبارك إعجابه بها.
ونشرت الجريدة في عددها الخامس عشر خبراً عن تعيين الحكومة راتباً للشيخ مبارك، وخبراً مماثلاً في عددها الثاني والأربعين عن تعيين راتب للأمير عبدالعزيز آل سعود، وتضمّن العدد التاسع عشر أول أخبار ذاتِ طابع سياسي عن شريف مكة المكرمة، وعن الأمير عبدالعزيز.
كانت الجريدة نشرت الحديث الآنف الذكر للشيخ مبارك الكبير في عددها الثامن والثلاثين (الصادر في الخامس والعشرين من محرم عام 1331هـ الحادي والعشرين من يناير 1913م)، وكان في أساسه عبارة عن حوار جرى بين الشيخ مبارك وقنصلي إنجلترا في البصرة والمحمّرة، وأدلى به الشيخ مبارك - وهو على ظهر بارجته - أمام جمع من أعيان البصرة، من بينهم عبدالله الزهير، الذي استأذن الشيخ مبارك في نشر الحديث في جريدته (نصّ الحديث ملحق في آخر المحاضرة).
على صعيد آخر، نشر العدد الثامن والعشرون خبراً يفيد بأن الباب العالي، قد وافق على قيام الشيخ مبارك والشيخ خزعل بشراء الأراضي وبساتين النخيل من جديد في البصرة ونواحيها.
ودبّج العدد الأربعون الثناء للشيخ مبارك نظير تبرّعه بإحدى عشرة آلاف ليرة للدولة العليّة إسهاماً منه في المجهود الحربي، ونشرت الجريدة في العددين الحادي والأربعين والثاني والأربعين قصيدتين تمجّدان هذه المبادرة من سموه، واحتوى العدد الثاني والأربعون على خبر زيارة الشيخ مبارك للبصرة، ثم تكررت في (الدستور) أخبار الزيارات المتتالية التي كان يقوم بها الشيخ مبارك لكل من البصرة والمحمّرة.
وفي العدد الثاني والأربعين أيضاً، خبر عن قدوم صالح العذل، أحد رجال الأمير عبدالعزيز آل سعود كما وُصف، والمعروف أنه كان ممن حصل على لقب الباشوية، وصدر عن سيرته في عام 2007م كتاب من جزأين، من تأليف ابنه سلطان.
وفي العدد السابع والأربعين، نشرت (الدستور) خبراً من الكويت، يفيد بأن (شكسبير) الذي وصفته بأنه قنصل إنجلترا إلى البلاد النجدية قد قرر السفر إليها، وأن حكومة الكويت قد اتخذت الوسائل لصدّه - لسخونة الأوضاع في نجد على ما أظن - فلم تفلح، وفي العدد الرابع والخمسين نشرت الجريدة خبراً منقولاً من الكويت أن شكسبير وصل بلدة المجمعة قاعدة سدير، وأنه قابل أميرها عبدالله العسكر وقدّم له هدايا من بينها نظّارة وساعة، وتجوٌل في المدينة على مضض من أهلها..إلخ، ويستفاد من العدد الخامس والخمسين أنه عاد إلى البصرة من رحلته الاستكشافية تلك، والمعروف أن الكابتن ويليام شكسبير قُتل في معركة جراب التي وقعت في أثناء رحلته الثانية بين قوات ابن سعود وابن رشيد في يناير عام 1915م.
وفي العدد السابع والأربعين أيضاً، خبر عن قدوم مهندس إنجليزي لحفر آبار ارتوازية في الكويت بناءً على طلب من الشيخ مبارك.
وفي العدد السادس والخمسين، نشرت (الدستور) تفاصيل خبر دخول الأحساء في حكم ابن سعود، ثم أتبعت ذلك في الأعداد اللاحقة بأخبار عن وصول الموظفين الترك الذين كانوا يعملون في ولاية الأحساء، وبنشر تفاصيل دخول القطيف في الحكم السعودي، وأخبار عن أَسْر السعوديين خمسين من القوة التركية التي دخلت ميناء العقير ثم أَمْر ابن سعود بإطلاق سراحهم، وتضمَّن العدد برقية أرسلها ابن سعود إلى سلطان مسقط يقول فيها:
(لقد فتحنا بحمد الله الأحساء والقطيف والعقير التي هي ملك آبائنا وأجدادنا، وأنتم كونوا كما كنتم، ولله عاقبة الأمور).
وقد تضمّنت الجريدة معلوماتٍ مفصلةً أخرى تفيد الباحثين في هذا الموضوع.
ومن الواضح بالرغم من خضوع ولاية البصرة للنفوذ العثماني، أن الجريدة كانت تنشر أخبار دخول الأحساء في الحكم السعودي واستتباب الأمن فيه بكثير من التعاطف، وهو ما اتضح من نشر مقابلة الملك عبدالعزيز السياسية - السالفة الذكر - التي تمّت في القطيف قبل قرن (1913م)، ونشرت في العدد السابع والستين كما سلف، وكان حينها يلقّب بأمير نجد، وتضمنت المقابلة موضوعاتٍ توثيقيةً عن أجواء تلك الفترة، آخذاً بالاعتبار الزمن والظروف التي أُجريَت فيها المقابلةُ بُعيد انضمام إقليمي الأحساء والقطيف إلى الحكم السعودي في نجد، وذلك قبل عقدين من اكتمال توحيد المملكة سنة (1932م).
فلقد أفاض محرر الجريدة - الدامغ - في بداية المقابلة، في وصف الحالة السياسية في الأحساء والقطيف والعقير، مقارِناً وضعها في ظل الحكم التركي في زيارته الأولى بما آلت إليه أمنيّاً واقتصاديّاً بعد دخولها في الحكم السعودي، وهو ما جعل المحرر يفكر في العودة ثانية لزيارة هذه الأنحاء والالتقاء بالحاكم الجديد في أثناء تواجده - أي الملك عبدالعزيز - في القطيف، فحظي منه بحديث أوضح فيه دواعيَ إقدامه على ضمّ الإقليمين، والأسبابَ الموجبةَ لتحريرهما من إهمال قبضة الأتراك، والتشجيعَ والتسهيلاتِ التي لقيها من قبلُ ومن بعدُ من أهاليهما، كما تحدث عن الرأفة التي تعامل بها مع جند الترك، والعلاقة مع لواء البصرة والباب العالي، مبقياً الباب موارَباً لعلاقة متوازنة مع الحكومة التركية، تعترف بموجبها بسلطته على الإقليمين (أُلحق نصّ الحديث في آخر المحاضرة).
واستكمالاً لاستعراض محتوى الجريدة من الموضوعات ذات الطابع السياسي فيما يتصل بالشؤون السعودية والكويتية، نشرت في العدد السابع والخمسين خبرَ الاتفاق بين تركيا وإنجلترا بشأن إمارات الخليج والذي يتضمّن اعتراف تركيا بالحماية البريطانية للكويت وموافقتَها على أن تمدّ بريطانيا خط سكة الحديد من بغداد إلى البصرة.
ونشرت الجريدة في العدد الثالث والستين، خبراً عن وصول أحمد الثنيان آل سعود في طريقه إلى إسطنبول، وهو أحد أقدم المستشارين السياسيين للملك عبدالعزيز، وفي العدد نفسه إعلانٌ عن فقد ختم صادر من حمد الحمّاد الشبل وهو أحد وكلاء الملك عبدالعزيز في البصرة، والمعروف أن في الكويت والعراق عدداً من الوكلاء والممثلين السياسيين للملك عبدالعزيز، وفي مقدمتهم عبدالله بن حمد النفيسي في الكويت وعبداللطيف باشا المنديل في البصرة، وعدد من أسرة الشبيلي والشبل في البصرة، وآل الذكير في البصرة وبغداد.
وتضمّن العدد الرابع والستون تقريراً مطوّلاً منقولاً من بعض الجرائد العربية بعنوان: الكويت وإنجلترا.
وأما بالنسبة للشخصيّات التي ورد ذكر لها في الجريدة مما له علاقة بموضوع المحاضرة، فطالعتنا الجريدة في العدد العاشر بانتقاد تجار البحرين - وفيهم سعوديون من أمثال الذكير - لحثّهم على الإسهام بفاعليّة أكثر في العمل الاجتماعي والخيري، وفي العدد الرابع عشر ظهر خبر في الجريدة يشير إلى أن الوجيه مقبل العبدالرحمن الذكير المقيم في البحرين سعى لجمع ثلاثين ألف روبية لدعم المجاهدين في ليبيا، بعثها بواسطة الحاج سليمان الذكير المقيم في البصرة.
وفي العدد الحادي عشر، أوردت الجريدة خبراً يفيد بعودة عبدالوهاب باشا القرطاس مبعوث ولاية البصرة في مجلس المبعوثان من الإستانة إلى البصرة، وكان القرطاس عضواً في مجلس إدارة ولاية البصرة عام 1909م، وتوفي فيها عام 1922م، وكان قد تزوج من أسرة الزهير.
ورثت الجريدة في العدد الخامس عشر الإخوة الثلاثة فهد وسعود وزيد الخالد الخضير، الذين توفّوا تباعاً في ذلك العام (1912م) وتحدّثت عن مآثرهم.
وخصّصت الجريدة في عددها السادس عشر مقالاً من أربعة أعمدة، عن مآثر الوجيه قاسم الإبراهيم، ووصفته بالمحسن العربي الكبير، مذكّرة بالأعمال الخيرية التي أسهم فيها، مثل سكة حديد الحجاز والمدرسة الكويتية.
ونشرت الجريدة في العدد نفسه خبر وصول الشيخ محمد رشيد رضا قادماً - كما تقول المصادر - من الهند عن طريق الكويت، وهو - كما هو معروف - العالم السلفي وصاحب مجلة (المنار) المتوفّى عام 1935م، كما تضمّن العدد إشارة إلى وصول الوجيه محمد العبدالله البسام قادماً من دمشق، ووصول أخيه الحاج سليمان من الهند، وهما من وجهاء عنيزة بالقصيم.
وورد في العدد الخامس والعشرين ترحيبٌ بزيارة سليمان أفندي الدخيل - السابق ذكره - صاحب جريدة (الرياض) البغدادية، وظهرت له في الأعداد اللاحقة افتتاحياتٌ ومشاركاتٌ تحريريةٌ سياسية.
وفي العدد الثلاثين، ظهر خبر يفيد بأن الأديب عبدالعزيز محمد العتيقي قد بدأ الدراسة في الزبير على يد الشيخ محمد رابح أفندي(11)، والعتيقي كما هو معروف شخصية سعودية كويتية تعليمية تعود أسرته إلى محافظة المجمعة في إقليم سدير (شمال الرياض)، وكان له دور سياسي وإعلامي بارز إبّان فترة دخول إقليم الحجاز في الحكم السعودي عام 1925م، وتضمّن العدد الخامس والثلاثون بياناً بالمبتعثين للدراسة في تركيا وبيروت ومصر من أهالي البصرة والكويت ونجد، وظهر اسم العتيقي بينهم مبتعثاً إلى مدرسة الدعوة والإرشاد بمصر، وقد تضمّن العدد الأربعون تفاصيل المواد الدراسية التي اشتمل عليها برنامج دراسته في دار الدعوة والإرشاد.
ونشر العدد الثامن والثلاثون خبراً مفاده قدوم الشاب يعقوب يوسف الإبراهيم وابن عمه أحمد بن مشاري آل إبراهيم من بومباي، وتجدر الإشارة، بعيداً عن الخوض في الأنساب، أن الإبراهيم في الكويت والبصرة والزبير وفي نجد، هم ثلاث أسر من عنزة أو تميم أو الفضول.
وفي العدد الحادي والأربعين، خبر عن قدوم يوسف بن عيسى القناعي، وعبدالقادر الشيخلي المعيّن معلّماً في المدرسة الكويتية، حيث أبحرا قاصدَين الكويت، ونُشرت في العدد نفسه وفي أعداد لاحقة قوائمُ المتبرعين في البحرين للمجهود الحربي، ومن بينهم أعداد من الوجهاء الكويتيين والسعوديين المقيمين فيها.
وعلى صعيد العمل الخيري، نشرت الجريدة في عددها السادس والأربعين خبراً من الكويت كتبه سليمان العدساني عن تأسيس عدد من الشبّان جمعية عربية خيرية في الكويت برئاسة الشاب ناصر مبارك الصباح الذي طلب في العدد التالي نشر خبر بهذا الخصوص، وفي العدد الخامس والستين، نشرت الجريدة تقريراً يشيد بمساندة الشيخ مبارك للجمعية وتخصيص طبيب لها، مع تكليف الشيخ مبارك لمندوبه محمد السديراوي في بومبي لتوفير كل ما يلزم الطبيب من الأدوية والمعدات.
وفي العدد الرابع والخمسين، نشر خبرٌ يقول إن ياسين الطباطبائي، العضو العامل في الجمعية الخيرية بالكويت ذهب إلى (قصبة سيدنا) الزبير واتفق مع العالم محمد أمين الشنقيطي على التدريس فـي الجمعية، وتوجّهـا إلى الكـويت، وكان الشنقيطي تولّى فيما بعد تأسيس مدرسة النجاة الشهيرة في الزبير، وتوفي فيها عام 1932م.
وورد في العدد الخامس والخمسين خبر أفاد بسفر صباح محمد الصباح إلى الكويت لزيارة عمه الشيخ مبارك بعد إبلاله (شفائه) من مرضه.
ومما يلاحظ في تحرير جريدة (الدستور) في تلك الفترة شيوع ألقاب مثل (جلبي) مقروناً ببعض الذوات، وهو لقب فارسي تركي تفخيمي يعني (السيد) ويعادل كلمة (أفندي) اليونانية، استخدم في العصر العثماني للتدليل على مكانة صاحبه، وقد أطلق على شخصيات مثل أحمد جلبي الصانع وعبدالمحسن جلبي البدر، وسالم بدر القناعي.
الهوامش:
(1) صحفي ومحام من البصرة، التقيت به في الرياض بعد تقاعده، وكان قد تولى بلدية البصرة نحو ثلاثين عاماً، وألّف كتاباً بعنوان: بلدية البصرة، صدر عام 1984م عن مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، وهو متزوّج من أسرة الزهير.
(2) حاضرة جميلة هادئة، تقع على بعد نحو (80كم شمال غرب الرياض) تنتمي إليها جملة من الأسر المعروفة (منها آل ابن عدوان، والمبارك والإبراهيم الراشد من آل أبو الربّاع، وآل الخريّف، وآل صالح بن سلطان، وآل الزهير)، وردت في الشعر الجاهلي، وفي الموروث الشعبي الشفوي المحلي مثل يتردّد كثيراً يقول: (خلّ حريملاء بكبد أهلها)، والمعروف أن الشيخ محمد بن عبدالوهّاب قد استقر فترة في حريملاء قبل نزوحه إلى الدرعية.
(3) زعيمٌ عراقي عروبي، من مواليد البصرة عام 1871م، كان أول وزير لداخلية العراق عند تشكيل الحكومة الوطنية عام 1920م، وتوفي مستشفياً في ألمانيا عام 1929م، ودفن في مقبرة الحسن البصري بالزبير.
(4) شخصية سياسية مرموقة، من أسرة انحدرت من نجد، تولى حقائب وزارية مختلفة، وكان قبلها وكيلاً للملك عبدالعزيز، توفـي بالبصرة عام 1940م.
(5) هو بحسب الأستاذ يعقوب الإبراهيم: سليمان بن عبدالرزاق (بن سليمان بن عبدالرزاق بن يوسف بن يحيى) الزهير، وهذا الفرع يطلق عليه لقب (الشيخ) حيث تعاقب كل من سليمان وأبيه عبدالرزاق وجده يوسف ووالد جده (يحيى) على مشيخة الزبير في فترات متقطعة.
(6) العدد الخامس شباط (فبراير) 1967م.
(7) العدد (67) يوم الجمعة 13 رمضان المبارك عام 1331هـ - 3 أغسطس 1913م.
(8) لمعرفة سيرة الدامغ، انظر مقالات بدأها الدكتور عبدالله العثيمين في جريدة الجزيرة، العدد 9987 في 23-1-2000م.
(9) العدد (11620) في 21 سبتمبر 2010م.
(10) العدد (9947) في 23-12-1999م، وذلك تعليقاً على مقال للمحاضر بعنوان: أسرة الزهير السعودية تمتهن الصحافة في العراق وتركيا قبل تسعين عاماً، نُشر في الجريدة نفسها (العدد 9924 في 30-11-1990م)، وكان بركات نشر قبل ذلك مقالات مماثلة في الصحف العراقية.
(11) شخصية مغربية أسند إليها الإشراف على جامع مزعل باشا السعدون ومدرسته في الزبير.
(12) رشيد بن ناصر بن ليلى شخصية سياسية بارزة من حائل، كان من رجالات ابن رشيد الموثوقين، وحاز على ثقة الأتراك ومُنح لقب باشا، ثم التحق بالملك عبد العزيز بعد ضمّ حائل، وصار عضواً في مجلس الشورى القديم وقنصلاً في دمشق، وهو جد د. ناصر إبراهيم الرشيد، تُوفي عام 1942م في دمشق.
الگاردينيا: المادة اعلاة نشرت في جريدة الجزيرة وارسلها لنا الدكتور طلعت الخضيري فشكرا له.
1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع