فارس حامد عبد الكريم*
المحامي شو السومري
اقدم محامي معروف في تاريخ البشرية هو المحامي السومري (شو) وقد ورد اسمه مسجلاً في إحدى الوثائق السومرية التي تعود إلى أواخر الألف الثاني قبل الميلاد .
فعند السومريون القدماء ( 2850 ـــ2400 ق . م )، كما يؤكد صموئيل كريمر في كتابه (هنا بدأ التاريخ)، وردت أول سابقة قضائية في تاريخ البشر مسجلة في إحدى الوثائق السومرية تعود إلى أواخر الألف الثاني قبل الميلاد مدون فيها وقائع محاكمة كاملةلثلاثة أشخاص قتلوا موظفاً من موظفي المعابد حوالي سنة 1850 قبل الميلاد.
وتعود بداية اكتشاف الواقعة التاريخية إلى عام (1950ميلادية)، حين عثرت بعثة مشتركة من المؤسسة الشرقية في جامعة شيكاغو والمتحف التابع لجامعة بنسلفانيا، على لوحَيْن من الطين في مدينة نفر السومرية جنوب العراق سُجل فيهما محضر لمحاكمة خاصة بجريمة قتل.
والحادث كما روته ألواح الطين يقول إن ثلاثة رجال هم حلاق وبستاني، وشخص ثالث لم تُذكر صنعته، قتلوا لسبب ما، أحد موظفي المعابد واسمه (لو أنانا). ولأسباب غير معروفة أخبر هؤلاء زوجة القتيل المسماة (نن دادا) بمقتل زوجها، لكن المرأة سكتت واحتفظت بسر القتلة ولم تبلغ السلطات الرسمية بالأمر.
إلا أن خبر الجريمة وصل إلى أسماع الحاكم (أور نينورتا) في العاصمة، فأحال القضية للنظر فيها إلى مجلس المواطنين في المدينة الذي كان أشبه بهيئة محلفين.
وعندئذ نهض تسعة رجال من هذا المجلس لمقاضاةالمتهمين كممثلين للحق العام أمام المحكمة، وقدموا للمحكمة شرحاً للقضية في مجمل تفاصيلها،وتوصلوا إلى أن الجريمة لا تقتصر على القتلةالثلاثة المباشرين للجريمة، بل يلزم مقاضاة الزوجة بسبب بقائها ساكتة، كاتمة الأمر بعد علمها، الأمر الذي يجعلها شريكة في الجريمة.
وعندئذ تطوع محاميان للدفاع عن الزوجة وكان احدهم يدعى (شو) وهو أحد موظفي معبد الإله (نتورا)، معلناً لهيئة المحكمة أن المرأة لم تشترك في قتل زوجها، لذلك ينبغي تبرئتها، مبرراً ذلك بان المرأة كان لها من الأسباب ما حملها على السكوت لأن زوجها لم يكن قائماً بإعالتها.
وعندئذ نهض ممثل هيئة المحلفين من جديد معلناً أن الذين قتلوا الرجل لا يستحقون الحياة، وإن أولئك الرجال الثلاثة وتلك المرأة يستحقون القصاص.
ولكن محامي المرأة نهض من جديد وأكد مرة أخرى، قائلاً مع الاعتراف بأن الزوج قد قتل وقد علمت المرأة بذلك وسكتت، فما هو ذنبها حتى تستحق القصاص؟
وهنا تدخل القاضي معلناً أن زوجة لم يقم زوجها بإعالتها، مع الافتراض بأنها كانت تعرف أعداء زوجها، وأنها بعد مقتل زوجها علمت بالأمر، ولم تشترك في الجريمة، فلماذا نعاقبها على سكوتها، ينبغي قصر العقوبة على أولئك الذين ارتكبوا القتل فعلاً.
وبعد مرافعات مشوّقة بين الجانبين قضت المحكمة بإدانة القتلة الثلاثة وبرأت الزوجة، وسببت المحكمة حكمها بأن الاشتراك غير متوفر في حقّها لأنها لم تقترف الجريمة معهم ومجرد علمها وسكوتها عن التبليغ لا يُعدُّ اشتراكاً.
-----
*استاذ جامعي - النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية.
780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع