د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
28.03.2025
النظام الكوني و القيادة
"إن الثمن الذي يدفعه الصالحون مقابل عدم مبالاتهم بالسياسة، هو أن يحكمهم رجال أسوأ منهم". أفلاطون
مسؤولية كل مواطن تجاه وطنه هي مسؤولية أساسية. يتوجب على المواطن أن يخدم مدينته، ويساهم في رفاهيتها، ويخضع لقوانينها، مع الوعي بدوره في عمل المجتمع.
يجب على المواطنين احترام قوانين المدينة والخضوع للسلطة الشرعية، لأن ذلك يساهم في تحقيق النظام والعدالة داخل المجتمع.
إن إعادة التفكير في القيادة مسؤولية أخلاقية بل كونية، وإذا لم تتحرك الشعوب يعني ذلك انهم غير مباليين او جهلاء. وللأسف هم الذين سيقودون اوطانهم، اما للقمة او الي الانحدار. اما القادة الحقيقيون، هم أولئك الذين يرشدون الآخرين إلى تعلم كيفية السير مع النجوم، والاستماع إلى الصمت بين حقيقتين. هم الذين يحكمون بالقلب والروح، ويستمعون الي العالم. ان القيادة الحقيقية تبدأ من حيث ينتهي الأنا. اما الكون، فهو روح العالم.
بين الضوء والمادة، يمثل الكون مجموع كل ما هو موجود: الابحاث العلمية، والتطور التكنولوجي، والقوانين الفيزيائية، والفضاء، والطاقة، والبشر وسلوكهم تجاه الكون. كما يتضمن الكون الزمن، وانعكاس الروح والإنسانية. ثم يأتي التقييم لأعمال الإنسان وما انجزه طول الوقت على الارض. ثم تظهر العلامة التي يستحقها الانسان، وذلك ردا على إنجازاته (الخيال والتمثيل عند أفلاطون، ماتياس ريفي رشون، 2024).
كما جاء في قوله سبحانه: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (البقرة:134،141). يعني ان: هذا هو الجيل الذي مضى قبل وجودكم والذي سوف يكافأ على الأعمال التي أنجزها. وستُكافأ كل امة على ما فعلت من خير أو شر، وستُكافأ أنت أيضًا على ما فعلت. لن تسأل عن الأعمال التي أنجزتها، ولن تسأل عن أعمالك. لن يعاقب أحد على خطايا الآخرين، بل سننال جميعاً جزاء ما فعلناه. ولا يشغلكم النظر في أعمال من قبلكم عن أعمالكم، فإنه لا ينفع الإنسان إلا عمله الصالح دون رحمة من الله.
بحسب أفلاطون، نجد في نفس الفرد هذه الصفات الثلاث: الاعتدال، والشجاعة، والحكمة.
كما يتدخل التأمل الاجتماعي في الفكر الفلسفي الشامل، الذي يركز على العدالة والحقيقة والنظام المثالي. ولتحقيق هذه الغاية، طوّر أفلاطون رؤية منظمة للغاية تتسم بالتسلسل الهرمي الصارم والسعي إلى الانسجام الجماعي. وفيما يلي النقاط الرئيسية لتأملاته الاجتماعية (الكتاب 3 و7) كالتالي: العدالة كأساس للمجتمع: العدالة ليس فقط للفرد، بل وللمدنيين أيضًا. بالنسبة له، المجتمع العادل هو المجتمع الذي يشغل فيه كل فرد المكان الذي يتوافق مع طبيعته والوظيفة التي تناسبه. فعندما نكون انقيًاء الفكر والروح، يمنحنا الله نورَه، والمحبة، والتوفيق في أعمالنا.
ومع العمر والتجربة، نكتشف أن "النية الصادقة" هي أعظم أسباب الخير للإنسان.
وفقا لأفلاطون، فإن الواقع المتجانس، هو الإدراك الفكري الذي يتجلى في العقل والحواس.
ولكن مرة أخرى، يقدم أفلاطون تحليلاً من خلال التأمل في الصورة المرتبطة بمعنى الوجود، والمتأصلة في نظام الجوهر وموضوع الخطاب. وذلك من اجل تثقيف المواطنين في الفضائل، والعلوم والتي تهدف إلى التفكير الإنساني والإلهي.
أما الصورة، فهي مفهوم هيكلي في فلسفة أفلاطون تعمل على توضيح موضوع الخطاب، واكتشاف ما هو غير مرئي من الروح، والتفكير في الإله، والإقناع بالخير، والحكم المدني.
إن أطروحة أفلاطون إذن هي أن هذا المبدأ أو ما يقاربه، يشكل العدالة المدنية (433أ-ب). وفي الوقت نفسه، يقدم وصفًا ثلاثيًا للروح، ويؤكد أن الفرد يكون عادلاً عندما يقوم كل جزء من روحه بإنجاز مهمته المناسبة.
كما ينقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات: 1ـالمنتجون (الحرفيون، التجار، المزارعون الذين يوفرون الاحتياجات المادية)،
2ـالحراس (الجنود) الذين يحمون المدينة
3ـ الحكام (الفلاسفة) الذين يحكمون بالحكمة. كل واحدة من هذه الفئات تتوافق مع جزء من الروح (الرغبة، الشجاعة، والعقل) والعدالة تضمن بقاء كل منها في مكانها..
4-الملكية المشتركة والأسرة: يعيش الأوصياء دون ممتلكات خاصة أو عائلة خاصة بهم: يتم تقاسم كل شيء لتجنب تضارب المصالح الشخصية. ويهدف هذا إلى ضمان التماسك والعدالة داخل الطبقة الحاكمة. والتعليم كأداة للاختيار الاجتماعي، حتى يسمح بالكشف عن الطبيعة العميقة للأفراد ويرشدهم نحو الدور الذي يناسبهم في المدينة. قوانين أفلاطون (المراجع الفرنسية لتاريخ الأفكار السياسية، العدد 2000،16).
كما يعتمد الفكر الاجتماعي عند أفلاطون على رؤية هرمية ومتناغمة للمجتمع، حيث يكون لكل فرد وظيفة محددة ويساهم في التوازن العام. فهو يقدر العقل والعدالة والكفاءة. ويضمن هذا التصميم الاستقرار والكفاءة، إلا أنه يعتمد على شكل من أشكال التسلسل الهرمي الجامد، وهو ما لا يتوافق كثيراً مع القيم الحديثة للحرية والمساواة. يرى البعض أن هذه الرؤية نخبوية أو حتى استبدادية، لأنها تشرع فكرة أن عددا قليلا فقط من الأفراد مؤهلون للحكم، مما يؤدي إلى استبعاد الآخرين من السلطة (أفلاطون، الجمهورية، العمل الرئيسي الذي يحدد فيه أفلاطون هيكل المدينة المثالية ـ ص من 2 الي 5).
كما يقترح أفلاطون نموذجا لمجتمع عادل، يقوم على النظام والتخصص الوظيفي. وإذا قارنا الآن القادة الحاليين وانعكاس الكون من منظور أفلاطوني، فسوف نلاحظ أن القيادة في السياسة والاقتصاد والثقافة ترتبط بالنجاح الشخصي والكاريزما، والهيمنة، والبطولية. وهوما يتناقض مع المسؤولية الأخلاقية التي يتحدث عنها أفلاطون. إن القيادة الحقيقية تتمثل في المواءمة المدنية مع النظام الكوني، وانسجام الكون في تنظيم المجتمع.
لقد ضاعت هذه الرؤية الآن، وأصبحت السلطة تُستخدم في كثير من الأحيان لتحقيق مصالح شخصية، واقتصادية، وأيديولوجية. القيادة في الوقت الحاضر مشوهة، والحقيقة يتم التلاعب بها، والشر يسود على الخير. إنه انعكاس لعالم مليء بالفوضى المادية والأخلاقية، حيث لا يسترشد القادة بالعقل والمعرفة.
وهذا هو الرابط بين الروح الفردية والنظام الكوني (العالم الصغير / العالم الكبير) وهذا ما يفسر لماذا يعكس الخلل الاجتماعي خللاً داخلياً وعالمياً.
607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع