هذيان الأحزاب السياسية الكلاسيكية أمام سلطة المعلومة في عصر الوسائط

                                                        

                           د.سامان سوراني

من المعلوم بأن المشروعية السياسية المتعلقة بممارسة الحرية لاتتحقق من خلال التمثيل الديمقراطي ، بل بقدرة كل فرد علی تشكيل سلطته وممارسة فاعلیته علی مسرح وجودە.

العالم يعيش اليوم تراجع العقل الأكاديمي الحديث أمام العقل المُحَوْسَب أو المُعَولم بعد أن تم ردم الفجوة بين الإنسان والآلة وبعد أن ازدادت التغييرات وتراجع العقل النخبوي أمام العقل الميديائي لنشطاء الإعلام المرئي والمسموع و المختصين علی الشبكات الإلكترونية والآلات الإفتراضية.  
في ظل المتغيرات الجديدة كما تشهد الخريطة السياسية في غير مكان بدأ حق الاختلاف والاجتهاد والتمايز بين القوی السياسية والاجتماعية المختلفة يتجلؔی لإنهاء مبدأ التنظيم الواحد وحقبة الصوت الواحد أو الزعيم الأوحد وتدريم أظافر وسائل التنشئة بأساليب التعبئة والحشد الخالي من الاختيار الطوعي والإقناع السياسي والتي كانت تعتبر التعددية نوعاً من الإنقسام والشرذمة والفرقة والحريات الفردية والعامة مسألة غير مشروعة بإعتبارها لاتخدم الهدف القومي الأسمی أو الأكبر.
الأحزاب القديمة أو الکلاسيكية تعيش اليوم في قمقم الماضي المتخلف وفي عزلة عن التطورات ، بداخلها خوف نابع من الموروث القديم والتقاليد المعتادة والأساليب المجربة ، بغض النظر عن مستوی صحتها أو فعاليتها أو حتی تكيفها مع الواقع المعاصر المتجدد ، بعيدة عن التواصل مع الشارع ناهيك عن التواصل مع القوة الثقافية الطليعية الشابة أو القدرة علی إقتحام أي جديد أو تجربة ما هو مخلتف.
إن مراجعة القواعد الثابتة المستقرة بشكل مستمر وكسر حاجز التقاليد القديمة في عصر الوسائط أمر ضروري للتقدم والأحزاب التي لا تخضع أفعالها وتاريخها السياسي للمراجعة والمحاسبة أو للجدال والمناقشة ولا تستطيع أن تتحر من قيود الماضي تكون مصيرها بشكلها و تكوينها الغير متحول إما التفكك والضمور والزوال و دخول متاحف التاريخ أو التحول الی أرصفة تجارية للقيادة والحاشية أو الی زوايا وصومعات يتجمع فيها المخضرمين من كوادرها لإستذكار الماضي التليد والحاضر المأزوم.
التاريخ لن يعيد نفسه وإرث الماضي مهما ثقل لايستطيع أن يتحكم في صياغة الحاضر ولا في سجنه أو تقييده ، لذا نراه من الضروري أن تلعب الأحزاب السياسية التقليدية دوراً فاعلاً في عمليات الإصلاح والتحديث والتطوير الديمقراطي والتي تستوجب تغيير أو مراجعة الكثير من المنطلقات الفكرية والسياسية وكذلك التنظيمية والمؤسسية. فالعمل علی إدماج أجيال جديدة من الناحية العمرية لا تعني شيئاً إذا لم تكن تلك الأجيال مجهزة بأفكار نيرة وإختيارات وبدائل جديدة عصرية لكي يكتسب التجديد الی جانب محتواه الجيلي معناه الفكري والسياسي. الحزب الذي يفكر بالمشكلات بعد إستحكامها و يأتي الی المسرح بعد فوات الأوان ويستخدام العدة المستهلكة لمعالجة قضايا راهنة وينفي الوقائع ويتحجر ويذعر من المتغيؔرات و يبرأ ذاته ليرمي المسٶولية علی الغير يهمشه التحولات والتغيؔرات.
نحن نعلم بأن الأحزاب السياسية في العالم الغربي كانت الوليد الطبيعي للمرحلة الصناعية وللحداثة ، عاشت الثورة الصناعية والتغيرات الإجتماعية والإقتصادية الجذرية التي رافقتها بجانب التكوين المٶسساتي الحديث والمتين للدولة مما أدت الی تزايد أسباب و عوامل المشاركة السياسية بعد إجتياز وحدات الانتماء الأولية مثل العائلة أو القبيلة أو العشيرة أو المذهب والطائفة ، بعد ترسيخ الإنتماء السياسي وإنتشار الثقافة الليبرالية والدستورية القانونية ومبادئ الحقوق والحريات المدنية وهذا من جانبه عزز البنية المؤسسية للدولة. إن العبور الی مرحلة حزبية جديدة يحتاج الی رٶية جديدة متكاملة ترسم معالم الطريق القادم بخطاب سياسي جديد يعبر عنها.
المتغيرات علی المسرح الدولي والإقليمي والمحلي تطورت واختلفت جوهرياً في شكلها ومضمونها ونظمها وقوعدها عما ساد من قبل ، اليوم مع إزدياد سلطة المعلومة لا يمكن تعامل مع القضايا الاقليمية بالمنطق القديم أو عدم التواءم مع روح العصر الجديد. حتی الصورة الداخلية تغيرت الكثير من ملامحها ولم تعد هي ذات الصورة الساكنة أو الباهتة التي تجمدت لسنوات في الماضي سواء القريب أو البعيد فالمرونة والقدرة علی التكيف مع الواقع المتغير والتجدد تضمن نجاح الحزب السياسي وتفتح الآفاق للإنطلاق نحو مستقبل أفضل.  
وختاماً: هناك دوماً فرص سانحة أمام الأحزاب الكلاسيكية لدرس أزماتهم للإسهام في تجديد شبكات الفهم وصياغة العقلنة بعد التحرر من خرافة المماهاة وعقيدة الإصطفاء وعقدة الضحية وعقلية المٶامرة أو من جرثومة التضاد.
علی الأحزاب التقليدية التي تريد الإستفاقة من سباتها تشكيل علاقات تكون أقل عنفاً وتسلطاً وتفاوتاً بل أقل عبثاً وجنوناً. فالإنفراد والطغيان والإستقواء لا تعالج شيئاً ، لأن المعالجة تكمن في عقلية المشاركة ومنطق المداولة وسياسة الإعتراف ، إنطلاقا من الوعي بالمسٶولية المتبادلة عن الحياة والمستقبل والمصائر.
الدكتور سامان سوراني.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

667 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع