فهمي هويدي
وصف المفتى السابق الذين خرجوا للتظاهر من شباب الجماعات الإسلامية (الإخوان وحلفائهم) بأنهم أوباش. واتهمهم بالنجاسة وبأن رائحتهم نتنة في الظاهر والباطن، وأنهم مثل الخوارج يعدون ضمن كلاب النار. وهو حين فعل ذلك في تسجيل متداول هذه الأيام، أهان العمامة التي فوق رأسه والعلم الذي ينتسب إليه.
وليست هذه هي الكارثة الوحيدة، لأنه قال هذا الكلام الجارح أمام حشد من كبار الضباط والمسؤولين، يتقدمهم وزيرا الدفاع والداخلية.
أزعم أنني أعرف شيئا عن لدد أهل العلم وعن استخدام بعضهم النصوص الشرعية والآراء الفقهية في اغتيال معارضيهم والفتك بهم ونهش لحمهم وأعراضهم، إلا أنني اعتبرت ما قاله المفتى المذكور كلاما فريدا في بابه، ليس فقط للمستوى المفجع الذي عبر عنه، ولا المدى الذي ذهب إليه في الهجاء والتجريح.
ليس فقط لطبيعة قذائفه التي يفترض أن يتأبى عليها أهل المروءة ناهيك عن أهل العلم، ولكن أيضا لأنه تكلم عن أناس يعرفهم جيدا وقد خبرهم حينا من الدهر، وأنا شاهد على صلاته الوثيقة معهم قبل أن يتولى منصب المفتى وقبل ان يلتحق بركب السلطة.
لست أدعى أن أولئك الناس الذين اعتبرهم الدكتور علي جمعة أوباشًا فوق النقد، لأن نقدهم واجب لا ريب، لكن ما صدر عن الشيخ لا علاقة له بالنقد، ولا علاقة له بأدب الحوار ولا أخلاق العلماء. إذا كانت تلك كارثة بالمقاييس الأخلاقية قبل العلمية أو الفقهية، فإن أم الكوارث أن يتحول ذلك الخطاب الذي صدر عن صاحبنا مدرسة في الخصومة ونهجا في إدارة الخلاف قام الشيخ بدور الريادة فيه. وهو الذي أفتى في السابق بجواز قتل المتظاهر الذي يحمل السلاح، علما بأن بيانات الداخلية تدعى في كل مرة أن المتظاهرين يحملون السلاح، وأنها قتلت من قتلت دفاعا عن النفس. وهو ما حدث في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وصولا إلى فض اعتصام رابعة العدوية.
وذهب به اللدد حدا جعله يفتي ببطلان حجة أي شخص يرفع أثناء أداء المناسك صورة الشعار الذي ذاع أمره بعد اعتصام رابعة (الكف المرفوعة التي تظهر الأصابع الأربعة).
لقد سار على دربه شيخ آخر نافسه في اللدد فأفتى أخيرا بحرمة التعامل مع المحال والمشروعات التجارية التي يملكها أفراد ينتمون إلى الإخوان،
واحتج في ذلك بالنص القرآني الذي يدعو إلى التعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان. وقد اعتبر صاحبنا أن الشراء من تلك المحال من قبيل ذلك التعاون المنهي عنه.
هذا الانخراط في الشيطنة المقترن بالحض على كراهية الآخر ومخاصمته ليس مقصورا على الشيخين، ولكن لهما نظائرهما من الخطباء الذين تسابقوا في الذم والتجريح، خصوصا حين أدركوا أن ركوب هذه الموجة يحظى بالرضا ويفتح الباب للنجومية والشهرة. فضلا عن الترقي وتحقيق الطموح الوظيفي.
كنت قد دعوت من قبل إلى إنقاذ القضاء من أهواء بعض القضاة. وكثيرا ما انتقدت الردح الإعلامي الذي يمارس من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، فيشوه إدراك الناس ويصرفهم عن المشكلات الحقيقية التي تواجه المجتمع، وها هو الوباء ينتشر في أوساط بعض شيوخنا الذين يعتلون المنابر.
ولأن ذلك الخطاب له صداه في مجالات أخرى (سمعت أغنية تنتقد آخرين وتصفهم بأنهم أولاد الكلب!)، فلعلي لا أبالغ إذا قلت إن ذلك التدهور ليس منسوبا إلى فئات بذاتها ولكنه من سمات مرحلة استخرجت من كثيرين أحط وأسوأ ما فيهم، وهو ما سبق أن انتقدته ذات مرة حين كتبت عن «الوحش الذي ظهر فينا».
عندي سؤالان اختتم بهما:
الأول يتعلق برد فعل الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي تصادف أنني شاهدت الشريط للمفتي السابق في نفس اليوم الذي طالعت فيه الحلقة الثالثة من حواره المنشور الذي قال فيه إنه ليس من المنافقين الذين انتقدهم الحديث النبوي وعدد منهم الذي «إذا خاصم فجر»،
وسؤالي هو: هل ما قاله الشيخ المذكور يعبر عن ذلك النوع من الخصومة أم لا؟
سؤالي الثاني موجه إلى وزير الأوقاف وغيره من المسؤولين الذين حذروا الخطباء من التورط في الشأن السياسي، وسؤالي هو: أليس ما صدر عن المفتي السابق نموذجا لتوظيف الدين في الصراع السياسي، وهل الحظر مقصور على المعارضين وحدهم أم انه يشمل مؤيدي النظام أيضا؟
سوف يفحمني الوزير أو غيره إذا قالوا لي إن الحظر قائم على الجميع، لكنه ينصرف إلى الخطب وحدها، وما صدر عن الشيخ وصلة سباب وليس خطبة،
الأمر الذي يخرجه من نطاق الحظر لأن أمره مفروغ منه.
878 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع