زينب حفني
هناك مشروع يُناقش حاليّاً في مصر، يُجرّم الكتابة على الجدران ويتعرّض مرتكبها لعقوبة السجن، وذلك للحد من كتابة الألفاظ النابية والخارجة عن حدود الأدب، التي شاعت بمصر بعد سقوط حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وتمادي شباب "الإخوان" في استخدامها للنيل من رموز مصر السياسيّة.
جميعنا ضد الكتابات البذيئة، والعبارات السفيهة التي يستخدمها البعض، للإساءة إلى حكومات وأنظمة بلادهم، لكن في الوقت نفسه هناك خوف وتوجّس من أن يختلط الحابل بالنابل، ويتم تقليص مساحة الحريات، بمعاقبة كل من يتجرأ ويقوم بالرسم على الجدران ليحدد موقفه من سياسات بلاده!
هذا المشروع المحتمل تطبيقه قريباً، يتعرّض لبعض الانتقادات من قبل عدد من المثقفين، الذين اعتبروا مناقشة هذا القرار، تعدياً على حرية التعبير وتقييد لفن "الجرافيتي" تحديداً، الذي أصبح بالسنوات الأخيرة في العالم بأسره وسيلة من وسائل التعبير المهمة.
هل الثورات التي قامت بها الشعوب ببلدان "الربيع العربي" من أجل إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية، قد عادت للدائرة المغلقة نفسها، و«كأنك يا زيد ما غزيت؟!».
من المعروف أن مصر ليست دخيلة على هذا الفن، فقد استخدم الفراعنة الرسم على الجدران منذ آلاف السنين، وكذلك الإغريق والرومان لتوثيق تاريخهم، وقد تمَّ تطويره على مر العصور، وكانت مدينة نيويورك الرائدة في ذلك على يد فريق الموسيقى «الهيب هوب». اليوم تُعتبر مدينة برلين الألمانية، العاصمة الأولى في أوروبا لاحتضان هذا النوع من الفنون، الذي فتح الباب على مصراعيه لممارسة حرية التعبير من خلاله. ومن يمشي داخل أنفاق القطارات هناك، سيجد رسومات تُعبّر عن فكر أصحابها. وأصبح فن الرسم على الجدران من الفنون المهمة في صناعة الرأي العام السياسي، وهو ما دفع الشباب في كل أرجاء العالم إليه، للتنفيس عن غضبهم، وإبداء آرائهم، تجاه كل ما يجري من سلبيات بمجتمعاتهم، وفي توصيل رسائلهم المباشرة لمسؤوليهم.
ساهم القرار المزمع تطبيقه في مصر، في خلق المزيد من الانقسام حوله! وقد دافع البعض الآخر عن القرار بحجة أن مصر تمر بحالة من عدم الاستقرار، تستوجب الحذر تجاه كل ما يجري على ارضها من ناحية، ومن ناحية أخرى أن طابع السخرية الذي يستخدمه باسم في برنامجه لم تألفه مجتمعاتنا العربية، التي لم تزل تُضفي القداسة للشخصيات السياسية المهمة، على الرغم من أن الغرب تجاوز هذه المرحلة، وأعتبر فن "الكاريكاتير" المرئي وسيلة ممتعة لنقد الأوضاع الداخلية!
ملاحقة الصوت الحر ظاهرة مرضيّة تحتاج لمراجعة جديُة! ومنع مقال من النشر، أو إيقاف برنامج تليفزيوني من العرض، أو منع مُعارض من التحدّث بوسائل الإعلام، ليس حلاً سحريّاً! الحل في أن ندع الحرية تمشي في شوارعنا، كم دون أن نسمح لها أن تُمارس فعل الوقاحة العلنيّة!
وعودة إلى فن «الجرافيتي» أرى بأنه فن جميل لا يجب طمسه! فهو «تابلو» جميل في شكل رسومات ناطقة، تُعبّر عن مكنونات الشباب، الذي يُريد باندفاعه تغيير سلبيات مجتمعه، بأسلوب راقٍ بعيد عن العنف. تُرى أيهما أفضل: التعبير برفع السلاح، أم بأدوات الرسم؟! بالتأكيد شتّان ما بين الاثنتين. لا تقفوا في وجه الحريات.
1110 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع