وفيق السامرائي
أسهمت شخصية أوباما الخطابية على طريقة الوعظ السياسي والديني، في تقهقر شديد للدور الأميركي المعتاد على الساحة الدولية، ابتداء من الانسحاب السريع من العراق، ورفض المشاركة الفعالة في الملف الليبي، والنأي بالنفس «عمليا» في الحرب السورية، والسكوت تجاه القمع والعدوانية التي تتعرض لها شعوب تقع تحت السيطرة الروسية، والتصرف بعجز في المواقف الدولية.
ولا يختلف الوضع كثيرا إن حدث هذا بسبب الرئيس أو نتيجة متغير استراتيجي في السياسة، بعد أن أشبعنا بعض المفسرين العرب سابقا من سذاجة قناعاتهم بأن السياسة الأميركية ثابتة لا تتغير.
ومقابل ضعف أوباما، تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعطيل مجلس الأمن وإصابة المؤسسات الدولية بالشلل، بعد فشل معارضته لاستقلال كوسوفو، التي تعرضت لمعاناة كبيرة، تحملت بسببها أوروبا مشكلات كثيرة، من بينها مواجهة استقبال موجات نزوح العاطلين عن العمل. وحرص بوتين على التحذير من الاعتراف بكوسوفو، التي تعادل نفوسها ثلاثين مرة نفوس أوستيا، التي انبرى للدفاع عنها تجاه جورجيا عام 2008، وحربه العدوانية على جمهورية جورجيا البلد المتحرر من الشيوعية، لمحاولة فرض الهيمنة على الدول القريبة، ولحماية نفوذ أسطوله في البحر الأسود.
وأراد بوتين في حرب جورجيا توجيه رسالة تحدٍ باتخاذ قرارات التدخل العسكري وشن الحرب، حيثما توافرت له قابلية الحركة خارج نطاق الردع الدولي، وإثبات القدرة العسكرية، وإمكانية التحرك خارج مجلس الأمن، مما اعتبر في حينه خطوة نحو تكوين محور استقطاب تبلور لاحقا، بعد حربه على الشيشان في ولايته الأولى، التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من مواطني البلد الأصليين، باستخدام آخر ما توصلت إليه مصانعه العسكرية من معدات القتال الثقيلة.
وبمراجعة سريعة لمعظم المواقف الدولية، تلاحظ غطرسة استخباراتية وعسكرية واضحة، ومشاكسات سياسية متوالية من قبل دولة الاستخبارات الروسية في كثير من المواقف والأزمات الدولية، التي تطلبت تدخلا دوليا منسقا لصالح الأمن وحماية الشعوب المتطلعة إلى الحرية والأمن ومقومات الحياة الكريمة. ولم يسجل بوتين موقفا واحدا لنصرة الشعوب في أي مكان من العالم، ولم يبرهن عمليا كل ما قيل من دعايات في البلاد التي يحكمها، عن الحرص على السلام وحق الشعوب في الحياة والحرية، بل أثبت العكس تماما، باتباعه نهجا مبنيا على القسوة والاستخدام المفرط للقوة بكل أشكالها، واتباع الأساليب البوليسية وعمليات الإيقاع بمعارضيه الأكثر نفوذا وتأثيرا.
ويقف الرئيس الأميركي حائرا مترددا عاجزا تجاه رئيس يمكن أن ترهقه إرادة شعوب تعيش تحت سلطة القوة، لو أعادت أميركا العمل بسياسة الحرص على حقوق الإنسان لتأمين القدر الأدنى من دعم الشعوب المتطلعة إلى الحرية، ومن بينها شعوب القوقاز وغيرها، بدل إطلاق يد بوتين ليتصرف كيفما يشاء ولإعادة نفوذه بطرق مختلفة في مجموعة الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي المنحل. وكان مفترضا التحرك تجاه هذه الدول من قبل الغرب والعرب بجهد مشترك أو متوافق، للحد من مجال روسيا الحيوي في هذه المنطقة، وتعقيد إعادة هيمنتها غير المباشرة عليها، وتخليص الدول المعنية من الشعور بالتبعية الموروثة من الحقبة السابقة وتعزيز استقلالها.
لقد ساعدت الحرب الباردة التي شنتها الدول الغربية بدعم خليجي قوي، لهزيمة الجيش الأحمر في حرب أفغانستان، في تفكك الاتحاد السوفياتي، وكان ممكنا استثمار النتائج بشكل أفضل لو بقيت الرئاسة الأميركية على مستوى التأثير الدولي الذي أربكه باراك أوباما، فتحولت نتائج الحرب الباردة بعد ربع قرن من انتهائها إلى وجع رأس شديد، بتخلص روسيا من الترهل المدمر الذي سببه لها الاتحاد السوفياتي، وتحولها إلى دولة رشيقة تزداد قوة في كل المجالات يوميا، بطريقة تشكل عبئا حقيقيا على العالم الحر والشعوب المتطلعة إلى الحرية والأمن والسلام.
إن نظرة التقاطع السلبي مع أميركا التي تنتهجها أطراف معينة ليست الطريق الصحيح في معالجة الأزمات، فالمطلوب هو قيام الأطراف المعنية ببلورة فسلفة جديدة لتضافر الجهود للحد من عدوانية الزعامة الروسية تجاه الشعوب الساعية إلى الحرية، وعرقلة توسيع نطاق تحالفاتها، وكشف دسائس مخططاتها التي يمكن رصدها على الساحة الخارجية. إلا أن جهدا كهذا يحتاج إلى زعامة أميركية قوية، لها خبرة واسعة وليست بعيدة عن فكر ممتزج بالعسكرة والاستخبارات والمناورة السياسية، وليس على طريق «الملا غير الثوري» باراك أوباما.
884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع