الشهاب الحسني البغدادي
بانوراما القادسية وقفةقصيرة على مشارف التاريخ.... ثم اطلالة على الحاضر.
تمهيد:
في التاريخ الإسلامي أيام لا تنسى ، وذكريات لا تمحى ، ومواقف خالدة ، حفرها أصحابها في سجل التاريخ بمداد دمائهم ، لا بحبر أقلامهم ، ومن ثم فإن هذه الصفحات لا تنسى على مر التاريخ ، ولا تمحى على مرور الأيام وتعاقب الشهور والأعوام ،ومن هذه الأيام الخالدة يوم " القادسية "
فإذا كانت هناك أيامٌ تغير من التاريخ، فيوم "القادسية" من هذه الأيام ، وإذا كان هناك رجال يغيرون التاريخ، فرجال "القادسية" بمن فيهم أمير الجيوش، وبمن فيهم أصغر جندي لا نعرف اسمه، ولا نعرف نسبه.
هذا اليوم يُقاسُ في التاريخ بيوم بدر،لانه تضمن سبعين رجلاً أو أكثر من رجال بدر، وهذا أعطى للقادسية أهمية خاصة في التاريخ الإسلامي.
المسلمون الأولون-الذين تولى الهادي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمة الإسلام العظمى – كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام في إيمانهم، وطاعتهم لله، وأخلاقهم الكريمة، وسياستهم الحكيمة، وفتوحهم الرحيمة، وتكوينهم المجتمع الإسلامي الصالح، والدولة الإنسانية المثاليّة. وقد كافأهم الله على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم، وذيوع دعوته بين الأمم اقتداء بهم، واتباعا لهم.
ولما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية المباركة – فدخلت العراق وإيران شرقا، والشام شمالا، ومصر وإفريقية غربا – كان ذلك سعادةً للأخيار من أهل البلاد المفتوحة، وغذاء لعقولهم، وبهجةً وحبورا تطمئن بهما قلوبهم. وشجى للأشرار منهم، وغصةً ولظى في حلوقهم، ومبعث إحنةٍ وغلٍّ تسمّمت بهما دماؤهم وأرواحهم.
بعد موقعة القادسية اختلفت خريطة الأرض، واختلفت التوقعات بالنسبة لنتائج الحروب، واختلفت كل الموازين في الأرض بعد هذه المعركة الفاصلة بين المسلمين والفُرْس.
معركةالقادسية: تعتبر من المعارك المهمة في التاريخ العربي والاسلامي،فقد خلدتها الايام،وستخلدها على مدى الزمن،اذ شهدت نتائجها انتصار العرب على الفرس الطامعين والمعتدين على ارضنا،وحقوقنا،وتراثنا،وانفتحت امامهم ابواب العراق،وما ورائها،بدءاً من ايران وانتهاء بالصين. واستمر انتشار الاسلام بعد سقوط العرش الساساني، وانهيار الامبراطورية الفارسية سياسيا وعسكريا.
اولا- بانوراما القادسية:
كل أمة من أمم الدنيا لابد أن تعتز بتاريخها، وأن تجعل منه منارة أصيلة لأبنائها؛ مستلهمة منه العبرة والعظة.
واذا كانت الامة لا تَعتَزُّ بحضارتها وتاريخها، ولا تهتمُّ برمُوزِها، إِلاّ وكانَتْ أُمَةً تَزرَعُ عناصِرَ انهيارِها داخل ذاتِها، وتُجبِرُ التاريخ على نِسيانِها. وبذلكَ يَندرِسُ قِسمٌ مِنْ ماضِيها، ويَضيعُ جانبٌ مِنْ فكرها وثقَافَتِها وتُراثِها. ومِثُلُ هذهِ الأُمَّةِ يَذوبُ حُضُورُها تدريجيّاً، بَيّنَ وجُودِ الأُمَمِ الأُخرى، وتصبَحُ أَمامَ مُفتَرَقِ طَرِيقٍ، أَمّا أَنْ تَكُونَ تَابِعةً لأُمَّةٍ أُخرى، (أَو أُمَمٍ أُخرى). أَو أنْ تكونَ مُقلِّدَةً لها. وفِي كلتا الحالتينِ تَحكُمُ على نفْسِهَا بالتَّبعيّةِ للآخرين.
لهذا فإن أعداء الأمة يريدون أن يمحوا ذاكرتنا التاريخية حتى يسهل لهم فصل هذه الأجيال الناشئة عن ماضيها التليد.
فالأمة التي تجهل تأريخها وحضارتها لا يمكن لها أن تعيش حرة أبية ، أو تفتخر بأصالتها،ولا تستطيع أن تنطلق من زاوية حضارية تمنحها طاقة لإثبات وجودها وعمقها في الزمن ، ولقد أدرك أعداء العراق خطورة العمق الحضاري لهذا البلد فسعوا إلى فك ارتباط شعب العراق بحضارته وتأريخه ، وقد استخدموا مختلف الوسائل والطرق الخبيثة من اجل ذلك ، ومنها تفريغ العراق من أثاره وتحويل المناطق الأثرية والمتاحف إلى ثكنات عسكرية، ومن ثم إلى بيوت للعنكبوت وخفافيش ظلامهم ، فتعرضت الكثير من الآثار والمتاحف والمعالم الحضارية إلى عمليات السرقة المنظمة وغير المنظمة والتخريب على مرأى ومسمع الجميع، وتركت لنار الفساد والخراب والدمار الذي حل بالعراق وشعبه .
القادسية وما أدراكم ما القادسية معركة من معارك الإسلام الخالدة، تاريخ وأحداث، قصص ومواقف، يعجز عن تسطيرها القلم، وعن وصفها اللسان، وعن التعبير عنها خطيب، لكنه الإسلام الخالد، الذي يصنع من الرجال غير الرجال، ومن الأحداث والأخبار ما يشبه الأساطير والمعجزات، ولا تزال الأمة بخير ما دامت ترتبط بتاريخها ورجالاتها، لكن عندما تتنكر الأمم لصانعي تاريخها فإنها تنحدر من العلياء إلى الحطيط، وتبدأ تتخبط هنا وهناك. وإن أمة تستحي أن تفخر بتاريخها لهي أمة لا تستحق الحياة. وستبقى الأمة بخير ما بقي الفرد فيها يعرف عن خالد وسعد ويعرف عن محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعقبة بن نافع أكثر مما يعرف عن فلان وفلان ممن يروج لهم في سائل الإعلام.
1 - موقع المدائن - طيسفون:
على بعد حوالي 40 كلم متر جنوب شرقي بغداد تقع "المدائن" عاصمة كسرى، ويسميها العراقيون "سلمان باك" نسبة إلى أول الولاة المسلمين سيدنا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه الذين حكموا العراق بعد فتحها .
وتذكر المصادر التاريخية أن المدائن كانت تتألف من سبع مدن ذات أسماء معروفة، وأن خمساً من هذه المدن فقط كانت قائمة عامرة وهي المدينة القديمة (طيسفون) التي شيدها الفرثيون في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، بعد أن استولوا على العراق العام 141 قبل الميلاد، وشيّدوا لهم مدينة عرفت باليونانية باسم طيسفون. واستمرت فيها السكنى إلى فترة الحكم الساساني للعراق. وكان أول من نزلها أنوشروان.
وجاء في معجم البلدان: وإنما سمتها العرب المدائن لأنها سبع مدن بين كل مدينة وأخرى مسافة قريبة.
وعلى بعد 1.5كيلومتر من جنوب طيسفون كانت تقع مدينة (أسبانبر) وبجوارها مدينة (رومية). وهما في الجانب الشرقي لنهر دجلة، وفي الجانب الآخر كانت تقع مدينة (بهرسير) وهي تصحيف (به– أردشير) – أي بلدة الملك أردشير – وفي أسفل هذه المدينة كانت تقع (ساباط).
وأسبَانبر: بالفتح ثم السكون. هو اسم أجل مدائن كسرى وأعظمها وأصلها أسفانبر فعُربت على أسبانبر،وهي التي فيها (إيوان كسرى) .
جمعت المدائن بين السياحة الدينية لوجود مرقد الصحابي سلمان الفارسي وعبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان. وبين السياحةالتاريخة، لأثرها المتصدّع قائماً إلى الآن شاهداً على زوال الباطل ودوام الحق.
وعلى مقربة من الإيوان كان هناك بناء ضخم شيد قبل عام(2003) يسمى بانوراما القادسية.
2- وصف البانوراما:
ونحن هنا أمام منظر طبيعي شامل ممتد الأطراف في كُلِّ اتجاه (بانوراما) واسعة من معركة تتداخل فيها الاجساد البشرية والخيول ونشاهد وجود رسوم لبعض الفيلة التي استخدمها الفرس في معركتهم ضد العرب المسلمين في تلك المعركة، ويصور لنا الفنان الاكسسوارات وانواع السيوف المختلفة، والأزياء الحربية لكل جيش في المعركة ونشعر من التحام الجنود كأننا في معركة نسمع صوت صليل السيوف وصهيل الخيول وتكبيرات المسلمين في انتصارهم.
يمكن ان يطل المشاهد على احداث معركة القادسية بأيامها الاربعة ، بواسطة منصة دائرية على شكل شرفة، يصعد اليها بسلم حلزوني او مصعد كهربائي، صوّر فيه المبدعون من المثّالين على شكل دائري هذه المعركة الخالدة من بدايتها إلى نهايتها، فقد رُسمت على الجدران البعيدة أرض المعركة والمقاتلون من كلا الطرفين، فإذا ما اقترب المشهد وجدته ينقلب إلى شخوص وأجسام وشجر وصخور، ورمل.. منظر بديع يتجلّى فيه أمران اثنان:
الأول: جلال التاريخ وعظمته وقادة التاريخ ورجالاته.
الثاني: إبداع الفنانين الذين دمجوا بين الرسم البديع والنحت الرائع حتى لكأنك ترى المعركة وتسمع أصوات المقاتلين وصليل السيوف وقعقعة السلاح..
لقد صمم ونفذ احداث بانوراما القادسية في المدائن خبراء من كوريا الشمالية، بمعونة واشراف اساتذة وفنانين متخصصين من جامعة بغداد وغيرها من المؤسسات العراقية الاخرى.
والبناية بشكلها العام ،تضم اربع قاعات اعدت لاقامة متحف للاثار والتراث، ودار سينما لعرض الافلام التاريخية، ومكتبة، وقاعة للاجتماعات، ومرافق للادارة، والحراسة، والخدمات.وقد كلف المشروع بما فيه القرية السياحية، حوالي سبعة ملايين دينار ونصف.
وقد نفذ المشروع الكلي للبناية، شركة المقاولات العراقية، وتسلمت المؤسسة العامة للاثار هذه البناية من امانة العاصمة-التي كان لها الفضل في انجازها- كان يوم افتتاحها في الذكرى الثانية عشرة لثورة 17تموزمن عام1980.
بانوراما القادسية كانت تعد الخامسة من نوعها في العالم، حيث اثنتان منها في الاتحاد السوفياتي السابق(موسكو ولينينغراد) والثالثة في بلجيكا، اما الرابعة فهي في كوريا الشمالية.
وكانت تعد من الانجازات الرائعة،القومية والوطنية فضلا عن السياحية والتاريخية.صممت في شكلها الخارجي على غرار الابراج الدفاعية الحصينة، بقاعدة مربعة طول ضلعها من الاسفل50م ومن الاعلى40م.
بانوراما معركة القادسية تعني احداث المعركة، اول باول باسلوب فني مبتكر من جميع جوانبها العسكرية،والتعبوية،ونتائجها،بحيث يشعر المشاهد انه امام معركة حقيقية،واحداث جارية،كوجود الصوت والضوء والديكور ومختلف المؤثرات السمعية الاخرى،كصهيل الخيول وضجيج الجند،وقد وزعت بشكل فني مناسب،ورسمت على جدار دائري الشكل محيطه110م بارتفاع15م أي بمساحة 1650م2.
http://www.youtube.com/watch?v=u8Vy2t03gpU
3- ايام القادسية:
دارت معركة القادسية على مدى اربعة أيام وثلاثَ ليال, ابتدأت يوم الاثنين 6 محرم و انتهت يوم الخميس10منه سنة15هجرية المصادف19-22شباط من عام636م بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص،والفرس بقيادة رستم فرّخزاد.
كان جيش الفرس120الف مقاتل و(33) فيلا اماعدد الجيش الإسلامي فيزيد على (30) الفا وفيهم (70) صحابيا أو أكثر من رجال بدر.
وأيام القادسية أربعة ايام :
اليوم الاول ارماث _ وليله ( الهدأة).
عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.
ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).
وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.
استمر القتال في اليوم الأول من القادسية حتى آخر اليوم بعد غروب الشمس بقليل، ثم انفصلت الجيوش، وسميت هذه الليلة ليلةَ (الهدأة)؛ لأن الجيوش هدأت فيها ولم تقاتل، وليلة أغواث تدعى (السواد)، وكان شهداء المسلمين في هذا اليوم 500 شهيدٍ، وقُتِلَ من الفُرْسِ في هذا اليوم 2000 قتيل، وكان القتال فيه شديدًا على المسلمين.
وأن هذه الشدة كانت لوجود الفِيلَة في جيش فارس وعددهم 33 فيلاً، ولم يستطع المسلمون أن يسيطروا على المعركة إلا بعد أن أفلحت قبيلة تميم في قطع التوابيت التي كانت فوق هذه الأفيال، ففرت الأفيال من المعركة ولم يعُدْ لها قائد، وحينئذٍ بدأ المسلمون يتنفسون الصعداء.
اليوم الثاني يوم أغواث- وليله (السواد) .
وفي هذا اليوم أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي،
وإذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل. وفي هذه المعركة انهزم االفرس هزيمة نفسية فتركوا موتاهم في الميدان.
وقد سُمِّي هذا اليوم في التاريخ يومَ أغواث؛ لأنه جاء فيه الغوث من الشام على رأسه سيدنا القعقاع بن عمرو، وكان في ذلك غوث شديد للمسلمين وكان النصر حليفهم.
وقد استُشهِد في هذا اليوم من المسلمين 2000 شهيد، وقُتِلَ من الفرس نحو 10000 آلاف، وبذلك أصبح قَتْلَى الفرس في اليوم الأول والثاني 12000الف وشهداء المسلمين 2500.
اليوم الثالث يوم عماس او (عمواس).
وفي صباح اليوم الثالث كانت أرض المعركة كلها مملُؤَة بقتلى الفرس فقط، ولم يكن فيها شهيد من المسلمين، ذلك أن دين الفرس يحرم عليهم دفن الموتى. اماالشهداء من المسلمين كان قد امر سيدنا سعد بن أبي وقاص بعد منتصف الليل وانفصال الجيوش حملهم على الجمال، وسارت بهم من القادسية إلى عذيب الهجانات على بعد خمسة كيلو مترات جنوبي القادسية؛ لكي يدفن الشهداء فيها.
فأثَّر ذلك المشهد تأثيرًا نفسيًّا شديدًا على الفرس؛ فهم لم يعرفوا كم استُشهِد من المسلمين؟ وكم قُتِلَ منهم؟ .
وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، واستمر القتال حتى منتصف الليل.
ليلة اليوم الرابع تدعى ليلة الهرير.
كان الفريقان يقاتلون منذ أكثر من أربع وعشرين ساعةً متصلةً، ولم ينقطع القتال إلا نحو ساعة واحدة بعد صلاة العشاء,وفي هذه الليلة حمل الجيش على الفرس بعد صلاة العشاء ،وكأنهم في بداية القتال، وبدأ المسلمون في الهجوم الشديد على الجيوش الفارسية، فكان القتال حتى الصباح. وكان المسلمون مصممين على إنهاء إمبراطورية الفرس في هذه المعركة.
وفي بداية ذلك اليوم مال النصر إلى حَدٍّ كبير إلى صفِّ المسلمين. قال ابن الأثير: "وسميت ليلة الهرير بذلك لتركهم الكلام إنما كانوا يهرون هريرا" وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.
اليوم الرابع يوم القادسية.
فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم ويسمى يوم القادسية، كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.فانهارت حينئذ معنويات الفرس، وأسلموا رقابهم للمسلمين، فانسحبت فلولهم نحو المدائن،وعبروا النهر فتبعهم المسلمون يخزونهم برماحهم، وقتل في هذا اليوم من الفرس ثلاثون ألف قتيل، عدا من سقط منهم في النهر .
انتهت المعركة بانتصار العرب و هزيمة الفرس هزيمة ساحقة. ووقعت الذلة والهوان في قلوبهم وقوعًا شديدًا؛ حتى إنه يقال: إن المسلم كان ينادي على الفارسي، فيأتيه فيعطيه سيفه، فيقتله به.فكان شهداء المسلمين ثمانية آلاف وخمسمائة شهيدٍ طوال أيام القتال. أما في يوم القادسية فلم يستشهد من المسلمين عدد يذكر مع شدة هجوم المسلمين على الفرس، إلا أن الله مَنَّ بالنصر على المسلمين دون شهداء في ذلك اليوم، وقُتِلَ من الفرس من بداية القتال وحتى نهايته نحو أربعين ألف قتيل.
هذه هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في التاريخ ، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، انها معركة إسترداد العراق من أيدي الفرس.
http://www.youtube.com/watch?v=gIMx0jEunZI
4- من نتائج معركة القادسية:
انتهتْ معركة القادسية بعدَ قتال شديد بين المسلمين والفُرْس، دام أربعةَ أيام وثلاثَ ليال بنصرٍ حاسِم للمسلمين، وقد ترتَّب على انتصار المسلمين في القادسية نتائجُ مهمَّة على مجريات الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة، وعلى سَيْر الدعوة الإسلامية فيها، ومِن تلك النتائج ما يلي:
اولا- تُعدُّ معركة القادسية من المعارك الفاصِلة في تاريخ الشَّرْق، فقد نَتَج عن انتصار المسلمين في المعركة نتائجُ مهمَّة على جوانب الحياة السياسية والدينية والمدنية في تاريخ الشَّرْق بصورة عامة، وفي تاريخ الفُرْس على وجه الخصوص، فقد تقلَّص نفوذ آل ساسان عن العِراق، فباتَ إحدى الوحدات السياسية والجغرافية لخريطة الدولة الإسلامية.
ثانيا- قرَّرت القادسيةُ مصيرَ العراق، ومصيرَ الدعوة الإسلامية فيه، فقد خضع خضوعًا مباشرًا لدولة الخِلافة الراشدة، ممَّا ساعد المسلمين على نشْر الدعوة الإسلامية، وإبلاغها للناس في العراق، فقدِ اعتنق الإسلام أربعةُ آلاف من جُند رستم عَقِب المعركة مباشرةً، وكذلك الكثيرٌ من قبائل العرب المقيمة على ضِفاف الفُرات، فأعلنوا إسلامهم، وكذلك أسلم عددٌ من سكَّان العراق ودهاقينه [1].
ثالثا- كان انتصار المسلمين في القادسية بدايةً لانتصارات إسلاميَّة لاحِقة في المنطقة، كان من أهمها فتْح "المدائن" - عاصمة الفُرْس - في شهر صفر، ووقوع معركة جلولاء، وفتح حلوان في ذي القعدة من السَّنَة نفسها [2].
رابعا- كانت بلاد العراق التي فتَحَها خالد والمثنَّى قد نقضتْ عهودها وذممها سوى أهل بانيقيا وبسما، وأهل أليس الآخِرة، فلمَّا انتصر المسلمون في القادسية عاد الجميع، وادَّعوا أنَّ الفُرْس قد أجبروهم على نقْض العهود، فقَبِل منهم المسلمون ذلك، وصدَّقوهم تألفًا لقلوبهم [3]، فصار أهل السواد من الفلاَّحين وغيرهم أهلَ ذِمَّة وعهْد، وبذلك استتب الأمن في العراق، واستقرَّت الأوضاع العامة فيه، وصار دارَ إسلام وأمن وسلام.
خامسا- غَنِم المسلمون في معركة القادسية غنائمَ كثيرةً كان مِن ضمنها رايةُ فارس الكبرى - درفش كابيان - وهي رايةٌ مصنوعة من جلود النمور، طولها اثنا عشر ذراعًا، في عَرْض ثمانية أذرع على خشب طوال موصول، وكانتْ مرصَّعة بالياقوت واللؤلؤ، وأنواع الجواهر [4].
لانها ارض مباركة هذه التي ندافع عنها.. ولانه زمن مبارك هذا الذي انجب لنا قائدا لايقل عن ابن ابي وقاص روعة وقوة ونبلا..فلقد اضحى علينا ان ننحني بهاماتنا مرتين.. مرة لروعة الحدث ولاصالته..ومرة اخرى للانتصار ولقائد الانتصار ولكل جنوده الابطال.الذين ارتفعت هامتهم حتى ناطحوا الجبال، وتوجت رءوسهم السماء، ودانت لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها.
ورضي الله عن سيدنا عمر وارضاه...يعرف رجاله معرفة دقيقة، وكان يحيط بالمعارك، ويخطط لها، وهو على بعد مئات الأميال عنها.
لست أدري بأيّ وجه نقابل ربنا غداً، وبأيّ لسان نجيبه إذا سألنا: هل نحن أحفادكم؟ وإذا كنا أحفادكم، فلماذا فرّطنا بالأرض التي سقيتموها بدمائكم؟
إن الرجال الذين يعلمون قليلون والذين يعملون أقل، وإن الذين يجاهدون أندر وأغرب، وإن الذين يصبرون على هذا الطريق لا يكادون يذكرون.
ثانيا- حقائق لابد ان تعرف
لقد تنازع الناس - ممن سلف وخلف في عام القادسية فذهب كثير من الناس إلى أن ذلك كان في سنة ست عشرة، ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كان في سنة خمس عشرة، ومنهم من رأى أنه كان في سنة أربع عشرة، والذي قطع عليه محمد بن إسحاق أنها كانت في سنة خمس عشرة.
وجاء في كتب التاريخ : فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم ويسمى يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من محرم سنة15هـ!!
وهي ارجح التواريخ لمعركة القادسية التي دارت على اربعة ايام، ابتدأت يوم الاثنين السادس من المحرم وانتهت في اليوم العاشر منه في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النبوية الشريفة الموافق التاسع عشر الى الثاني والعشرين من شباط سنة 636م [5]
يحق لنا ان نسأل بعد ذلك ..هل عندما قتلوا الحسين في اليوم العاشر من محرم سنة 61 هـ كان ذلك صدفة ؟؟
وهل كان اختيارهم ليوم مقتل ابيه على بن ابي طالب رضي الله عنه ...يوم انتصار بدر في السابع عشر من رمضان سنة 40 هـ صدفة ايضا ؟؟
وهل عندما عبرت جيوش التتار بقيادة (باجو) أحد قادة (هولاكو) نهر دجلة في العاشر من المحرم عام 656هـ ،واستولت على الجانب الغربي من بغداد بعد أن ألحقت الهزيمة بالجيش العباسي ؟" كان صدفة كذلك؟؟
العجيب ان الفرس انفسهم اكدوا كل هذه القرائن و الهواجس عندما اختاروا اول ايام عيد الاضحى .. لينفذوا حكم الاعدام, والاضحى عيد موحد لكل امة الاسلام.
وظلوا على الأنقاض موتى فعالهمْ ** وسُدتْ عيونُ الحقدِ من ظلمهم سدّا
وأضحى شهيدَ الحجِّ ، أسرى لربه ِ** وقد أصبحتْ في الناس قامتُهُ طودا
فألبسَهمْ ثوبا ً من العار شأنهمْ ** كشأن الكلابِ السود وامتلكَ المجدا
ثالثا- اطلالة على الحاضر
مثلما امتحنت الامة في رسالتها الاولى على يد المنافقين والحاقدين والطامعين والجهال والكذابين الذين باؤوا بعد صراع دموي وفكري بالخسران والخزي، وخرجت الامة منتصرة مرفوعة الرأس والرايات..
امتحنت الامة العربية في عصرها الحديث وهي تؤدي رسالتها بالفرس الجدد الذين يقومون بنفس ما قام به اجدادهم. اليوم وبروح طائفية بغيضة تحاول دولة فارس فى العراق تدمير روح الانسان العراقى وطمس هويته العربيه وتاريخه الملىء بالانتصارات والانجازات على ايدى قادة تارييخين عظام.
امتحنت بالطامعيين وشذاذ الافاق والخونة من حملة جنسيتها، الذين قبلوا بساطيل جنود الاحتلال وتمطوا دباباته وهمراته ، هؤلاء الذين سفكوا الدماء وتأمروا وقتلوا الملايين من الابرياء ليجلسوا على الكراسي والمناصب،.. الذين جمعتهم المصالح ووحدتهم روح الحقد والعداء للامة العربية. فحشدوا لهذه المهمة القذرة نظام الجهل والنفاق والشعوذة من سدنة الاقبية المظلمة ،
فانظروا اي عراقاً نرى في عهدهم .. العراق الذي كان منارة الحضارات الانسانية ، منارة العلم والثقافة والفن والإبداع صار عراقاً لا يحدث فيه إلا كل ماهو متخلف ، كل ماهو غير انساني .. عراق يتحكم فيه الجهلة والأميين والمتخلفين والمعتوهين وأشباه الرجال ..طبلوا زمروا ، تأمروا سنيين ولم يتركوا وسيلة إلا وتأمروا فيه على العراق وعلى شعبه المسالم ، وهم ينبحون ليل نهار بأنهم يسعون لبناء عراق ديمقراطي متطور متحضر .. فإذا بهم يعودون بالعراق الى عصور التخلف والانحطاط ..
ماذا نجد من بغداد اليوم ، اين نجد بغداد الرمز هذه الايام ، هل نجدها في الفهم المتخلف للدين لدى الكثير من اتباع الدين والمحسوبين عليه ، ام نجدها في التقوقع على الذات واستعداء الاخر بكل ما يحمله هذا من مشاعر الخشية والشعور بضعف الثقة حيال هذا الاخر ، بغداد ليست هي هذا السعار الذي نشهده اليوم بأسم الدين وانما ما نشهده اليوم هو في حقيقة الامر يمثل ارتكاس لمرحلة ما قبل الدين ، وبعدها عن روح الكفاح من اجل البناء .
منذ العام 2005 حيث شكلت ايران لجنه اوكلوا لها مهام ازالة معالم حضاريه ومعمارية في بغداد بحجه علاقتها بالنظام السابق في العراق قبل الاحتلال ومنذ ذلك الحين وممارسات هذه اللجنه الحاقدة التي تحاول تدمير الارث الحضاري في العراق عامة وبغداد خاصه وهم مصرون على اقتلاع الحضارة العراقيه لينشئوا جيلاً لا يعلم شيئ سوى الثقافه الفارسية التي تجتاح العراق جائونا همجا ً رعاع حمتلهم اشد وحشيه وهمجيه من حملة هولاكو على بغداد يحاولون ازاله بغداد من الوجود .
إن العراق يتعرض لحملة فرسنة، لا تهدف إلى إسقاطه سياسيا وحسب، بل ايضاً إلى إزالة معالمه التاريخية،وإنفاذاً لهذا المخطط الذي يريد فرض الفرسنة على الحياة السياسية والاجتماعية العراقية، تعمل أدوات النظام الإيراني إلى إزالة كل المعالم العربية في الحياة المجتمعية العراقية وضرب كل الإرث التاريخي المتراكم لنضال الشعب في العراق. فمضوا في مواصلة العداء على كل معالم التاريخ والحضارة والمدنية.
ولا يتوقف الدور إلى إزالة معالم الحضارة العربية في عصرها الحديث و حسب، بل يهدف أيضاً إلى الدخول إلى التاريخ العربي لإعادة كتابة بعض فصوله بما يخدم الخلفية الفكرية لهذا النظام الذي ما تزال تتحكم به شعوبية مجبولة بكل الحقد التاريخي على العرب.
إن إزالة معالم جدارية القادسية(البانوراما)،ونسف نصب أبي( جعفر المنصور)،وإزالة جدارية( الشهيد) في ساحة المستنصرية، واغراق المدن العراقية بالجداريات الفارسية، هي نماذج حسية للأهداف الإيرانية لإزالة المعالم العربية عن العراق، تاريخاً وحاضراً ومستقبلا. و اذا ما استمر هذا النهج الإيراني فإن الوقت لن يطول كثيراً لنرى تمثالا لأبي مسلم الخرساني مكان نصب أبي جعفر المنصور، وأيضاً إسقاط أسماء الكندي وابن سينا وابن الهيثم عن المؤسسات المعروفة بأسمائهم.
النظام الإيراني يعتبر أن مصدر قوته هو اضعاف العرب، والمدخل إلى ذلك اضعاف العراق. انه منسجم مع نفسه لان عداءه للعروبة متجذر فيه.
لئن اجهزت القادسية على الجاثوم الفارسي ومحقته عقيدة وامبراطورية، الا انها اثقلت ذاكرة الفرس بحقد مسعور ظل يتجذر مع الزمن ميراثا اسود، من جد مهزوم خَضْمُ الحنظل في القادسية الاولى، الى حفدة لئام غاب الفجر عن لياليهم في القادسية الثانية.
انهم بقدر حقدهم على امير المؤمنين عمربن الخطاب كرّموا قاتله المجوسيّ أبا لؤلؤة ،وبقدر حقدهم على الاسلام ، فانهم يسبّون صحابة سيدنا الرسول الكريم الذين ثلّوا عرش كسرى، ومحوا إمبراطوريتهم من الوجود .ولم يشفي غلهم، الا تخريب هذا المعلم الذي يذكرهم بمهانتهم وذلهم وانكسارهم.
و قد خيل اليهم انهم قادرون على وقف مسيرة التاريخ، بعد ان ملأ الحقد الاسن والكره والموت قلوبهم ونفوسهم الخبيثة المريضة الحاقدة, في ازالة معالم هذا الموقع الذي ترتسم فيه جدارية القادسية الأولى(البانوراما) ، لكونه على مرمى النظر من ايوان معبودهم (كسرى) في المدائن.
لكن يبدو انهم لم يتعلموا من عبر الماضي و الحاضر. وهو أن أمة هزمت الفرس يوم كانوا في عز قوتهم، في ذي قار والقادسية الأولى، واستطاعت أن تهزمهم في القادسية الثانية وهم في ذروة شحنهم التعبوي السياسي المجبول بالمذهبية، وأن أمة هزمت أعتى قوة عسكرية واقتصادية في العالم، هي قادرة على هزم المشروع الفارسي الجديد. ولن تسكت على ضيم،ولن يمرر، وكل احتلال إلى زوال. ولن يكون مصيره بأفضل من مصير الاحتلال الأميركي.
ولئن دخلت الوحوش "المتحضرة" العراق الآن فإن مصيرهم إلى زوال بإذن الله، ما دام في العراقيين عرق ينبض وأرحام الأمهات ينجبن ابطالا شامخون كشموخ الجبال فسيكونّ حال الغاصبين أسوأ من نهاية التتار.. وإن غداً لناظره قريب، وما ذلك على الله بعزيز.
فلله الامر من قبل ومن بعد
لتتأكد من حقدهم التاريخي على العرب شاهد هذا التسجيل:
http://www.youtube.com/watch?v=a7Zfq2eyFXk
[1] - فتوح البلدان للبلاذري،والدهقان: هو كبير القرية، أو مَن له مركز أدبي واجتماعي ومالي في القرية.
[2] - الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص: 5، 6، 8، 23، 24
[3] - يراجع ابن كثير، البداية والنهاية،ج7، ص: 47
[4] - المسعودي، مروج الذهب ج2، ص: 417 و328
[5] - العراق في التاريخ- الفصل الاول – تحرير العراق ص
581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع