ذكريات بعيدة وحبيبة بمناسبة "يوم الجيش العراقي": في السادس من كانون الثاني/ يناير
قصيدة جيش العراق
للشاعر العروبي السيد صادق الأعرجي
نُشرتْ في جريدة العراق البغدادية في 11/1/ 1946، بالمقدمة التالية:
أذاع الأستاذ الكبير السيد صادق الأعرجي قصيدته العامرة هذه من دار الإذاعة اللاسلكية للحكومة العراقية، يحيي بها الجيش العراقي بعيده الفضي وذلك صباح يوم 6من الشهر الحالي وكان لها اصداء استحسان واسعة في الأوساط الأدبية والثقافية.
جيش العراق
الحُكْمُ للسَيْفِ إنْ لم يَحْكُم القلَمُ
والفصل بالكَلْمِ إنْ لم يَفصِلِ الكَلِمُ
فَحَكِّمِ السَيْفَ لا تَرْضَى به بَدلاً
إنْ جارَ في حُكْمِه أو أنصفَ الحَكَمُ
والمرءُ إنْ رامَ أن يُمْضِيْ صَرَامَتَهُ
فليس يُجديهِ إلّا الصارمُ الخذم
الجيش للشعبِ، إن رامَ البقاء، يدٌ
فتاكـــةٌ ولِسَانٌ ناطـــــقٌ وفمُ
كم عُظِّمتْ بمواضي جيشها دولٌ
ونُعِّمَتْ بأيـــــادي جَيْشها أممُ
فَدُمْ لِشَعْبَكَ يا جيشَ العراقِ حِمَىً
وَدُمْ له خافقاً بالنصرِ يا عَلمُ
فالشعبُ يَفْدِيكَ بالأرواحِ مُبتهجاً
وَفيه تُفدى لك الأموالُ والنِعَم
يا عَمْرَكَ اللهُ ، كمْ يوم ٍ وقفتَ به
والشعبُ يرجوكَ والنيرانُ تَضْطَرِمُ
فكنتَ عِصْمَتـَهُ في يوم ِ مِحْنَــتِــه
لذا غدا كلَّ يوم ٍفيكَ يعتصمُ
وأنت حامي حماه إن ألمَّ بِـــهِ
الخطبُ العظيمُ أو اشتدتْ به الأزَمُ
بطائراتِكَ كمْ فَــرَّجْت َكُربتَه
وكمْ بها كُشِفَتْ عن وجهه غُمَمُ
إنْ عَبَّسَتْ أوجهُ الأعداءِ يومَ وغىً
فجيْشُنا لزؤام ِ الموتِ يَبتسمُ
أنَّــى وفيه من الأبطالِ كلُ فتىً
عالي الجنابِ عِراقيٌّ به شَمَمُ
بالعزم ِمعتَقِلٌ بالحزم ِ مُشْتَملٌ
بالمجدِ مُتَزرٌ بالنُبلِ مُلتزمُ
في صدره من أغاريدِ الردى طَرَبٌ
في صوته من أناشيدِ الوغى نَغَمُ
سميدعٌ ذو سجايا كلُّها شرفٌ
يوم اللقا ومزايا كلُـــها شِيمُ
وقائد في الوغى يبني معالِمَها
كأنه حين شبتْ نارُها علَمُ
فعززوا يا شباب العُربِ جيشكمو
فإنه لكمو عِزٌّ ومعتصَم ُ
وجددوا وأعدوا للوغى عُدداً
من قوة العزم كي تخشَاكُمُ الأممُ
وكوِّنوا وحدة ً للشعبِ جامعةً
فبالجماعةِ عِـقدُ المجدِ ينتظمُ
وشيِّدوا باتفاقٍ صرحَ مَجدِكمُ
فبالشتاتِ بناءُ المجد ينهدمُ
فانتمو كنزُ هذا الشعبِ مُدخَراً
ليوم ِحاجاتهِ إنْ تُنقض الذِممُ
جيش عليه لواءُ النصرِ مُنعقدٌ
عِتادُه العلمُ والإيمانُ والنُظمُ
يُنمى إلى الصِيْدِ من عليا بني مُضرٍ
قومٌ سَمَا فوق هام النجمِ مَجْدُهمُ
إنْ أزمعوا الأمرَ أو هموا بمكرُمةٍ
تُـزيل شُمَّ الرواسيْ مِنهمُ الهِمَمُ
ففي بواديهُمُ الأعلامُ خافقةٌ
وفي نواديهُم ُ الأحْكامُ والحِكَمُ
صواعقاً في الوغى تُلقى سيوفُهمُ
وفي الندى للورى أيديهُمُ دِيَمُ
فما يُصَدُ لهمْ جيشٌ إذا هجموا
ولا يُردُ لهمْ حُكمٌ إذا حَكَمُوا
فاسلمْ لشعبِكَ يا جيشَ العراقِ حِماً
إذا سَلِمْتَ فكلُّ الناسِ قد سَلِموا
تعريف بالشاعر الصحافي المناضل السيد صادق الأعرجي.
منذ مطالع القرن العشرين كافح الشاعر العروبي بعناد وبسالة ، ضد الحكم العثماني، ولاسيما ضد سياسة "التتريك" التي اتبعتها الدولة العثمانية ضد العرب . وذلك من خلال افتتاحياته الملتهبة التي ينشرها في جريدته "الرصافة"، فيتلقفها مريدوه وقراؤه بنهم شديد . فأغلقها الوالي المستبد جمال باشا الملقب بالسفاح. ولكن الأعرجي بقيّ ملتزماً بعهده تجاه الأمة العربية وقرائه البغدادين، فلم يتوقف بل ركب أصعب مركب، إذ أصدر صحيفة أخرى باسم "الصاعقة" لتكون صاعقة على الوالي والحكم العثماني. فأمر الوالي باعتقاله على ذمة التحقيق لأجل غير مسمى. ومع ذلك لم يَرف للأعرجي جـَفنٌ ، بل ظلّ يكافح من داخل السجن. فيعمد بمساعدة أعوانه، إلى تهريب مقالاته النارية ، ضد الوالي خصوصاً، والحكم العثماني الجائر عموما ً. فتنشر في اليوم التالي في الصحف المحلية البغدادية على نطاق واسع. حاول الوالي قتله داخل السجن. فعمّد إلى اختيار اثنين من الأكراد المحكومين بحرائم قتل، الذين لا يعرفون شيئاً عن الأعرجي. أقنعهما بقتل الأعرجي مقابل وعد بتخفيف العقوبة تمهيدا لإطلاق سراحهما. و يكون ذلك بعد تدبير مُشادة مفتعلة تتطور إلى معركة بين السجناء، يَعمَدُ خلالها هؤلاء إلى قتل الأعرجي طعناً، أثناء الفوضى و الهرج والمرج. ولكنهما رفضا بإباء هذا العرض، بعد أن علما أن الأعرجي "سيد" من ذرية الرسول(ص).
استدعاه الوالي، وكانت مقابلة مثيرة تحدى خلالها الأعرجي ،الذي كان مكبلاً بالأغلال، جمال باشا السفاح بشجاعة نادرة ، بشهادة بعض المقربين من الوالي، ممن حضر تلك المقابلة التاريخية، التي تحتاج إلى مقالة خاصة. بعد ذلك حُكم على والدي بالاعدام . ولكنه استطاع أن يهرب من السجن بتدبير مُحكم بواسطة عُصبة من أعوانه الكُثر.
علاء الدين صادق الأعرجي
نيويورك، في 6/1/2014
581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع