د.سعد العبيدي
منذ أن برزت فكرة الجهاد الاسلامي السياسي في ثمانينات القرن الماضي على الارض الافغانية لغاية قوامها مقاتلة السوفيت في محاولتهم التجاوز على تقاسم النفوذ المتفق عليه بين المنتصرين الكبار في الحرب العالمية الثانية،
أثار الموضوع نقاشا واسعا بين العارفين والمتابعين الى المستوى الذي عد الكثير منهم أن الغرب هو من نصح ورتب استخدامه سلاحا ضد الجهد العسكري السوفيتي الذي حسبَ تدخله دعما لصالح الحكم الشيوعي آنذاك، وحسبه الغرب محاولة للتقرب الى الخليج العربي ذات النفوذ البريطاني في الأصل، فحققوا أي الغرب بنصحهم هذا تفوقا على السوفيت في ساحة قتال معقدة دون أن يزجوا بجيوشهم التي أبقيت تتدرب لتحقيق التفوق ودون أن يخسروا دولارا من مالهم الخاص، فكانت خسارة للسوفيت عدت من بين الاسباب التي أسهمت مع غيرها بنهايته دولة عظمى. أما العرب والمسلمين فمن جانبهم قد رحبوا بالفكرة وشمروا عن سواعدهم لدعمها مشروعا ينعش في ذاكرتهم البعيدة آمالا في تحقيق أهداف المسلمين كما كان تحقيقها بفعله "الجهاد" بداية الدعوة الاسلامية ونشر الدين خارج محيط الجزيرة العربية، وبالتدريج وجدوا أنفسهم ممولين لهذا السلاح ماليا حيث الحاجة الملحة لاستمراره الى أموال طائلة تستنزف فائض العوائد النفطية للدول العربية الغنية مثل السعودية أقوى الممولين ومن بعدها الدول الخليجية وتبقيهم دول تدور في دوامات الشك بالاستهداف والاتكال على الغرب في تبديد هذه الشكوك. وكذلك ممولين بشريا حيث الحاجة الى مقاتلين لتعويض الخسائر التي تحدث في ميادين القتال المتعددة، وبالنتيجة أصبحوا مجتمعا منتجا للمجاهدين المتطرفين المشحونين بأفكار الموت في الدنيا من أجل الحياة الآخرة، ومجتمعا مستهدفا من قبل ذات المجاهدين على المدى الاستراتيجي.
ان النظر الى فكرة الجهاد بالطريقة التي تنفذها داعش في العراق والنصرة في سوريا وطالبان في افغانستان والقاعدة في عموم المنطقة العربية الاسلامية بالوقت الراهن يرى الناظر اليها بتمعن أنها فكرة حرب نفسية يستهوي وجودها:
المتطرفون العدائيون لابقاء الكره نارا تحرق جميع الاطراف (مستهدفون وممولون وداعمون ومتفرجون) تضعف الجميع أي تجعلهم بوضع واهن مهيئين لعملية الاجهاز بالوقت المناسب (ليس البعيد من الآن).
الفاشلون في هذه الدنيا غير المتشبثين بحياتها القائمة، لتشكيل مقاتلين يسعون الى الموت في مقابل منتسبي جيوش تتحسب في قتالها حد التلكؤ في اماتة الخصم الموسوم بالجهاد.
من هذا وعلى وفق النتائج المتأتية من مفهوم الجهاد يمكن القول أن الغرب قد نجح في تسويق سلاح الجهاد اذ وعندما أنهزم السوفيت على الارض الأفغانية انتشى بعض العرب والمسلمين خاصة الممولين والداعمين فوقعوا بفعل انتشائهم في وهم القدرة الفائقة على استخدامه لاغراضهم الخاصة، تلك التي عجزوا عن تحقيقها بالاساليب السياسية والعسكرية التقليدية التي يتخلفنون في شانها عن الغير من المنافسين، ودخلوا على خط استخدامه بقوة كما يحصل في العراق وسوريا بالوقت الراهن.
ونجح الغرب أيضا في ابقاءه سلاح هدم للمجتمعات العربية والاسلامية بل وللدين الاسلامي على الرغم من استخدامه وتوجيهه من قبل العرب والمسلمين، لانه سلاح ارتداد عكسي الى المجتمعات الاصلية يضعها تحت ضغط الاحتمالات القائمة للهدم المجتمعي، وهذا واقع أكتشفته السعودية أخيرا فاتجهت للتصحيح وان كان متأخرا.
ان هذا السلاح الخطير وبالاضافة الى ما ورد أعلاه فقد نجح عمليا في تحقيق العديد من الغايات المطلوبة غربيا من أهمها:
1. شق الصف العربي الاسلامي، وأذكاء الطائفية والفرقة بين المسلمين خطوة أولى ستعقبها خطوات باستخدامه لتغيير صورة الاسلام الى أخرى يتجه على اساسها المسلمين باتجاه التقوقع على ذواتهم واستجداء الاعتماد على الغرب في حمايتهم.
2. تقريب اسرائيل من حدود القبول بها عربيا واسلاميا كطرف قادر على تأمين الحماية للبعض وربما للدين من ابناءه المتمردين على أصوله الصحيحة كما هو الحال بالنسبة الى قطر.
3. الاستنزاف المستمر لاموال العرب وجهودهم بقصد ابقائهم متخلفين معتمدين على الغرب ومستقبلا على اسرائيل في تنميتهم واستمرار بقائهم.
4. اخراج المكبوت من الماضي البعيد وابقاءه ماثلا على سطح التفكير الحديث لتكوين تناقض وجداني عند الطوائف العربية والاسلامية لا يمكن التخلص من انفعالاتها السلبية الا بالتدمير المتبادل، كما هو جار في المناهج الدينية السعودية والايرانية والعراقية.
5. تعميم التجهيل المستند الى تفسيرات قديمة للدين لا تنسجم والعصر الحالي، تنتج أجيالا تقوم بتدمير الدين من داخله.
ان سلاح الجهاد الذي أمضى في الجسد العربي والاسلامي من أخطر الاسلحة النفسية في العصر الحديث، وخطورته تكمن ليس لانه يستهوي المتطرفين والجهلة، ولا باستغلاله من الغرب في الصراع الازلي بل ولأنه فخ يقع فيه بسهولة:
1. الحكام الذين يستجيبون دون وعي الى بعض أهدافه ويتوجهون بمقت الى العزل والتفرد والتهميش لمن يقابلهم
2. الافراد والجماعات التي تؤسس آرائها ومشاريعها في التعارض على الكره والمقت في التعامل مع الآخرين.
أطراف جعلتنا وفقا لمناحي سلوكنا ونهج التفكير جزءا من المشروع النفسي الخطير ومجتمع منتج للجهاد المؤدلج.... وهو المطلوب.
1561 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع