موقف وزارة الداخلية في احداث وثبة 1948
عندما عقدت معاهدة بورتسموث بين الحكومتين العراقية والبريطانية ونشرت موادها يوم 16كانون الثاني1948،خرجت تظاهرات صاخبة منددة بوزارة صالح جبر ونوري السعيد،(تألفت هذه الوزارة في29/3/1947 واستمرت إلى سقوطها في 27/1/1948 وشغل صالح جبر فيها منصب وزير الداخلية وكالة إلى 5/1/1948 ثم اسند إلى توفيق النائب الذي استمر بإشغاله حتى سقوط الوزارة).
وتجددت هذه التظاهرات يوم 19 كانون الثاني وتصدت لها الشرطة مما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين تبعه مصرع ثلاثة آخرين وعدد من الجرحى في اليوم نفسه.
ومما يذكر بهذه المناسبة ان الشرطة كان موقفها سلبياً وقمعياً تجاه الشعب على الرغم من إنها أداة تنفيذ بيد السلطة،حيث داهمت ردهات المستشفى الملكي وأطلقت الرصاص على المستشفى التعليمي فسقط عدد من القتلى والجرحى من طلاب الكليات المتجمهرين في الكلية الطبية لتشييع زملائهم.
استمرت التظاهرات الاحتجاجية الساخطة بعد يوم 19كانون الثاني1948،وفي 26 كانون الثاني،أحرقت الجماهير الغاضبة سيارات الشرطة مع دراجتين بخاريتين،كما هاجموا مركز الاستعلامات الأمريكية ومطبعة التايمس في شارع الرشيد، وشددت الشرطة من إجراءاتها وحاولت جاهدةً السيطرة على الوضع لكن من دون جدوى،بل ازداد الأمر سوءً صبيحة يوم الثلاثاء 27كانون الثاني 1948 بعد محاولة المتظاهرين عبور جسر الملك غازي(جسر الشهداء) من جانبي الرصافة والكرخ، فصدرت التعليمات من وزير الداخلية الى توفيق النائب إلى مدير الشرطة العام بتهيئة قوة كافية من الشرطة وتجهيزها بالأسلحة الرشاشة وتوزيعها فوق البنايات والمنارات والجوامع،وعندما حاول المتظاهرون عبور الجسر من كلا الجانبين أطلقت الشرطة النار عليهم فسقط العديد من القتلى والجرحى.
ولم يقتصر موقف وزارة الداخلية ومؤسسة الشرطة التابعة لها في بغداد فحسب،وانما كانت الإجراءات قاسية ومتشددة في جميع مناطق العراق التي شهدت تظاهرات ضد المعاهدة ووزارة صالح جبر،فقد خرجت تظاهرات كبيرة في كل من النجف الاشرف وكربلاء والسليمانية وفي الموصل وكركوك وغيرها من المدن العراقية،وعلى أثر تدهور الأوضاع الأمنية واحتقان الشارع العراقي ومعارضة الأحزاب و الصحافة لإجراءات الممكن قراءته من تصريح كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي:
((.. ففي كل مكان من العراق تمرد وتجمع ومقاومة،والكل مجمع على وجوب الحيلولة من دون تنفيذ معاهدة جبر-بيفن)).
أصبحت استقالة صالح جبر مقبولةً للجميع،وتمَّ تأليف وزارة جديدة برئاسة السيد محمد الصدر الذي تردد في بادئ الأمر في قبول رئاسة الوزارة،ويقول عبد العزيز القصاب في مذكراته انه في اليوم الثاني من استقالة صالح جبر((زارني أحد رؤساء العشائر وكان قادماً من الكاظمية وأخبرني..بأن الناس هناك ضد استقالة صالح جبر ويدعون بأنه اجبر على الاستقالة لأنه شيعي..)).
ويبدو أنَّ قبول الصدر للوزارة جاء لتلافي المضاعفات التي قد تنجم عن استقالة صالح جبر،على اعتبار ان الصدر من العوائل الشيعية ذات السمعة الطيبة في بغداد وبقية المدن العراقية ومن الممكن قبوله من جميع الأطراف لذلك نلاحظ رؤساء الأحزاب يوافقون على وزارة يؤلفها السيد محمد الصدر.
وبذلك أصبحت شخصية الصدر ((هي الشخصية التي أُلقي على عاتقها مهمة تهدئة الشارع وامتصاص ردود فعل وثبة كانون الثاني1948،حتى إذا تمَّ ذلك،وترك الوزارة بعد أربعة شهور ونصف لشهر)).
على كل حال انتهت الوثبة،وشكلت لجنة تحقيقية لمعرفة المسؤولين عن الحوادث المؤلمة،اشترك فيها من وزارة الداخلية كل من عمر حفظي مفتش الإدارة في وزارة الداخلية وعبد الحليم السنوي مدير الحقوق بوزارة الداخلية،واتهمت اللجنة مدير شرطة بغداد (مزاحم ماهر) لقيامه بإصدار أوامر إطلاق النار على المتظاهرين بعد موافقة وزير الداخلية توفيق النائب،وأُغلق التحقيق بناءً على توجيهات الوصي عبد الإله.
وقد أشار التقرير الذي رفعته اللجنة المذكورة إلى تقصير الحكومة واتهامها باستغلال ذلك الأمر لأغراض سياسية وحمل الحكومة مسؤولية تدخلها في أمر التظاهرات وعدّه مخالفاً لأحكام القانون((..وعلى هذا فان تدخلها–أي الوزارة-في أمر التظاهرات على الوجه الذي وقع كان مخالفاً لأحكام القانون مما يدلل على أنَّ غرضها من هذا التدخل كان لدافع سياسي الا وهو الدفاع عن معاهدة (بورتسموث)وقمع أي حركة ترمي إلى الاحتجاج عليها أو معارضتها،هذا ما تظاهر للجنة من سير التحقيق في مسؤوليـة الوزارة نكتفي بتسجيله)).
المدى/د. قحطان حميد العنبكي
عن رسالة (وزارة الداخلية العراقية 1939 ـــ 1958)
978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع