أيام زمان ... الجزء السادس - تربية الطيور (المطيرچية)

      

    أيام زمان ... الجزء السادس - تربية الطيور (المطيرچية)

     

           

تاريخ طويل في العراق بتربية الطيور، خصوصاً أن أجواء طقسه، شتاءً وصيفاً تساعد في استقبال أنواع متعددة ،من طيور المنطقة العربية ومن المناطق الشمالية الباردة، إلى مناطق الوسط أو ما تُعرف بالفرات الأوسط، ومحافظات الجنوب، ذات الوفرة المائية، وهي مناطق الأهوار التي تدخلها طيور مختلفة الأنواع، وهناك طيور مستوطنة في بيئة الأهوار، في حين تكثر الطيور الجارحة والنادرة، مثل الصقور، وأبرزها الشاهين. على صعيد الأحياء الشعبية.

     

ويطلق على من يمارس هواية تربية الحمام باللهجة العراقية "المطيّرجي"، وهي مركبة من مُطيِّر بمعني "الذي يُطَيِّر" وجي، إضافة أعجمية تعطي معنى "صاحب الحرفة".
المطرجية ظاهرة قامت في بغداد من تاريخ بنائها، ففي الكتب التي تبحث الفترة التي تلت بناء بغداد، عام 150 هج سنة 762 م، أن تخطيط أسواق بغداد بعد أن قرر باني بغداد، الخليفة العباسي المنصور، نقل الأسواق خارج مدينته المدورة الصغيرة، التي تتولى الحكم والمداره.
يذكر أن مع أسواق بغداد في تلك الفترة، كان هنالك سوق الحمام نسبة الى الحمامة، وليس سوق الطيور كما هو عليه الحال، فاللفظ تغير من الحمام الى الطيور الآن، ويذكر لنا تاريخ بغداد أن ظاهرة المطيرجية، كثرت زمن حكم الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله، الذي حكم بغداد عام 467 هج سنة 1075 م، وبسبب كثرتها وكثرة تربيتها. أصدر هذا الخليفة أمرا بتخريب جميع أبراج الطيور، معللاً السبب بأن التخريب يأتي صيانة لحرم الناس.

         

ويذكر تاريخ بغداد انه لما دخلت جيوش هولاكو ، التي أسقطت الحكم العباسي عام 656 هج سنة 1258م، قامت بحرق سوق الغزل بما فيه الجزء المخصص لبيع الطيور، فهولاكو احرق سوق الطيور ببغداد وبقى السوق كذلك الى أن أعادته الخاتون مخدوم شاه، التي تلقب (ايكچي)، وهي مرضعة السلطان أويس الجلائري الذي حكم بغداد سنة 1356م زمن الدولة الجلائرية، إذ أعادت مخدوم شاه بناء سوق الغزل مجدداً، بما فيه القسم المختص بالطيور سنة 1362م، وبعد دخول الإنكليز الى بغداد اعتقد الإنكليز أن مأذنة جامع سوق الغزل سوف تسقط، لذلك ابعدوا سوق الطيور الذي كان بجوار الجامع خشية سقوط المأذنة.
المشكلة الأكبر التي تواجه المطيرجية، أن شهادتهم أمام المحاكم لم تكن مقبولة، فاتفق اغلبيه الفقهاء على عدم قبول شهادة (المطيرچي) وهذا ما اخذ به القانون المدني العثماني المسمى مجلة الأحكام العدلية، والذي طبق في ولاية بغداد باعتبارها جزء من الدولة العثمانية، واستمر تطبيقه زمن الإدارة الإنكليزية. والقاضي بمجرد أن يعرف أن هذا الشخص (مطيرجي) يستبعده مباشرة، باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. وحتى سنة 1953 حيث انتهى تطبيق القانون العثماني، وابتدأ تطبيق القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951، الذي ألغي الحكم الخاص بعدم قبول شهادة بعض الناس منهم (المطيرچية).
هواية اللعب بالحمام أو الطيور ظهرت ببغداد، فقد كان فيها (مطيرچية) من زمن الرسول(ص) والخلفاء الراشدين (رض) وبعدهم بفترة طويله، ولهذا ناقش فقهاء بغداد وعلمائها، مسألة قبول شهادة لاعب الحمام (المطيرچي) من
الناحية الشرعية، وذلك يعني أن مسألة قبول شهادته من عدمه، لأنه يشترط في الشاهد العدالة ولا تتوفر في المطيرچي العدالة؟ وشهادة مرفوضة والسبب لأنه يكثر من الإيمان التي يحلفها، كاذبا في سبيل تحقيق ملكية طير يدعي انه صاحبه وهو لسواه.
ففي خمسينيات القرن الماضي كانت بعض العوائل ترفض تزويج بناتها للمطيّرجي، وتنظر له نظرة دونية، بسبب وجوده المستمر على أسطح البيوت، ولكثرة مشاكله مع منافسيه، وقسمه أغلظ الأيمان، بغية اختطاف طائر بعد استدراجه أثناء الطيران من مالكه الحقيقي. إلا إذا كان والد الفتاة مطيرجيا أيضاً، فيوافقون على زواجه من ابنتهم.
وتبقى تربية الطيور وتدجينها نوعا من الفولكلور الشعبي الموروث، غير أن طيور الزاجل التي كانت تحمل الرسائل بين الأمصار والمدن أضحت اليوم تكسب السباقات والرهان وتحمل الأموال لمالكيها.
لم يكن عالم المطيرجية (مربو الطيور عموماً.. والحمام على وجه الخصوص) عالماً سهل الاقتحام، فعلى مدى أكثر من ستين عاماً كانوا منعزلين على أنفسهم، ويعيشون حياتهم بعيداً عن الشارع العراقي.

             

ظاهرة تربية الطيور من المظاهر السلبية، خصوصًا في الأحياء الشعبية، وذلك من خلال التجاوزات المستمرة على حقوق الآخرين، فمربي الطيور "المطيرجي"، شخص لا يهتم إلا بتحقيق هوايته، والاندماج مع عالم الطيور، حتى لو قفز على أسطح بيوت الجيران، أو صاح وصفر مسببًا إزعاج الجيران، أو رمي الحجارة حتى لو تسببت بأذى الجيران، فالمهم عنده أن تستجيب له الطيور، إن معظم الناس لا يرتاحون لمجاورة المطيرجي، لأنه يقضي أكثر أوقاته على السطح العالي، وهذا ما يمنع المرأة من الظهور لأنه فوق سطح بيته، وخاصة إذا أرادت نشر الملابس أو تجفيف معجون الطماطم أو الدبس وغير ذلك.
تربية الطيور هواية اتخذها بعض البغداديين ملهاة يأنسون بها ويقضون أوقات فراغهم بتربيتها، ومنهم من ولع بها ولعا شديدا فترك اشغاله بسببها واتخذها سبيلا للتعيش.

      

يبنى المطيرچي قفصا خاصا في اعلى سطح بيته، بالطابوق والطين او الجص من جهاته الثلاث، ويعمل بابه من جريد النخل الذي يباع جاهزا، ويسقفه بالمرادي القوغ (السبندار الذي يزرع بكثرة في الشمال)، ثم يفرش عليها عدة حصر، يرشقها بالطين الحري المخمر كرشق سطوح المنازل، وهذا القفص يسمى برجا وفق مصطلح المطيرجية.
وكانت الأبراج عبارة عن قفص تتكون اضلاعه الثلاثة من جريد النخل وضلعه الرابع هو احد جدران سطح البيت ويسقف بالواح خشبية ترشق بالطين، ويغطى البرج بالكواني صيفا وشتاءا لوقاية الطيور من شدة الحر او البرد .
ويختلف حجم البرج باختلاف عدد الطيور التي يجنيها ذلك المطيرجي.
ومن مصطلحات وتسميات المطيرجية في هذا الباب.
الحله: وهي سلة اسطوانية الشكل مفتوحة من أحد جهتيها، تصنع من القصب ويوضع في كل برج عدد منها تأوى اليها الطيور عند وضع البيض والتفريخ.
الطـــور: اناء خاص مصنوع من الفخار تشرب منه الطيور الماء (وهذا الماء يبدل عادة يوميا).
اللـــكط: كلمة عربية تنظر الى اللقاط وهو الطعام الذي تلتقطه الطيور كالدخن والذرة البيضاء.
الشـــكف: أداة يستعملها المطيرجية في اصطياد الطيور، وهو عبارة عن حلقة ذات ذراع تصنع من اعواد الرمان، او
الصفصاف، يحاك حولها شبكة من الخيوط القطنية القوية، المسماة خيط هندي وذلك لشكف الطير وإسقاطه في تلك الشبكة.
الحرب: وتعني (الحرب) فاذا قال المطيرجي انا وفلان حرب، فمعنى ذلك انه إذا اصطاد طيرا من فلان ولا يعيده إليه.
صلح: وتعنى الوئام والسلام بين مطيرجي وأخر.
فــكــك: إذا علم أحد المطيرجية، أن طيره المفقود موجود عند فلان، فانه يحاول استرجاعه مقابل مبلغ من المال وهذا المبلغ يسمى فكك (أي ثمن فك الطير).
جلد: صفة للطير الذي يعرف برجه معرفة تامة ولا يمكن أن ينساه. فاذا خطفه أحد المطيرجية بإحدى الوسائل وقص جناحيه فانه لابد ان يعود الى برجه عند ظهور الريش الجديد واستقامة جناحيه.
أنواله: طير عادي يقص المطيرجي جناحيه، ويستعين به في اصطياد الطير الغريب، الذي يحوم في الجو. وعملية رفع النواله وهو يحرك جناحيه تسمى دينوله فراخ: الطيور التي لم يمض على تفقيسها شهران.
الجوگه (او الكومة): هي مجموعة الطيور اثناء طيرانها بالجو.
خراعه: تنكة يضرب بها المطيرچي على الحائط، أو صافرة يصفر بها، أو خرقة سوداء مربوطة بعصا طويله، يستعملها في تخويف الطير الذي يريد أن يحط (يقطع طيرانه) ويتيغ (يوكر)، بينما صاحبه يرغب أن يطير مدة أطول، وقد يصيح المطيرچي (عاع) بين الحين والأخر ومنهم من يتخذ جناح صكر أو شاهينا محنطا كخراعة يرهب بها طيوره لإجبارها على الطيران مدة أطول.
الزق: قيام الأبوين بإطعام فراخها.
الحافي: الطير الذي ليس على أرجله ريش.
المنعل: وجود نقطة بيضاء على ظهر الطير بالقرب من الذيل، وغالبا يطلق هذا الوصف على الحمر منها والصفر والكومرلي وغيرها.
تلك: يوصف به الطير الذي ينفض ريشه، في وقت معين من أوقات السنة ليستبدلها بريش جديد.
فالول: وهو الثؤلول الذي يظهر في رأس الطير.
مگاصص هي حرب الطيور وگص أفواج بعضها البعض من قبل المطيرچيه.
أنواع الطيـــور عند المطيرچية كثيرة منها الفضي والاشعل والأزرق والأحمر والأصفر والبدرنكك والكومرلي وكورنك والأورفلي الابيض والمكتف بالأسود والمكتف بالأحمر او الاصفر وأورفلي حمام والرمادي والعمبرلي والمسكي والمسكي دكات والالاج (بتفخيم اللام) وغيرها.
ويصنف المطيرچيه الطيور فمنها، طويرني هو الحمام الوحشي والذي يتواجد على المساجد وحولها، طير أشعل، طير الأح وهو ابيض قلاب للزينه، طير احمر يتميز بالطيران الجماعي وممتع للنظر، طير ازرق يطير بشكل انفرادي وبعضها قلاب، طير أورفلي ويتميز بكعكوله على راسه وعلى الصدر، طير جلد طير لا يتوه عن منزله وصاحبه، طير دشي وهو سمين غالبا ولا يطير كثيرا، طير عنبر سره يطير على شكل زوجي وهو ابيض مرقط بنقاط سوداء ويطير على علو
مرتفع، طير عنبرلي وهو طير قلاب، طير گمرلي وهو طير منزلي ذو لون اسود غالبا وله ريش ابيض في ذيله يتميز بالطيران الجماعي وهو خلاب المنظر، طير هنداوي للزينه وابيض وقلاب ورقبته مائله للخلف، ابو الزعر هو طير قهوائي صغير الحجم يصدر أصوات خافته، طير أشعل وهو طير اسود له عدد من الريش الابيض في ذنبه وهو من الطيور القلابة والذي يطير على شكل جماعي.
مربو الحمام العراقيون قاموا بشراء حمام نادر وتزويجه أنواع نادرة من الحمام وبدأوا ينتجون أنواع جديدة من الحمام المركب وهو ما بات مرغوبا عند دول الخليج، ويشهد قضاء الزبير غربي البصرة بين الحين والأخر مسابقات دولية للمنافسة بين نوع وأخر من الحمام وتحضر تلك المسابقات جماهير من دول عربية عديدة وخصوصا من الدول الخليجية.
ومحل بيع وشراء الطيور وجميع لوازمها هو سوق الغزل الكائن بالقرب من جامع الخلفاء ذي المنارة المشهورة بمنارة سوق الغزل في شارع الجمهورية بالقرب من الشورجة ببغداد.
مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي
هاف بوست عراقي طارق حرب
بناء أبراج الطيور، القدس العربي

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://algardenia.com/mochtaratt/47959-2021-02-19-18-42-58.html

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

827 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع