أيام زمان - الجزء / الجزء ٢٦- التطريز

     

          أيام زمان - الجزء / الجزء ٢٦- التطريز

   

التطريز اسم أعجمي اشتق من الكلمة الفارسية طرازين والفعل يطرز، أي يحدث زخرفة أو حلية تطبق على هيئة مختارة من نسيج معين، والتطريز هو الزخرفة باستخدامات الخامات المختلفة في سداء ولحمة النسيج الذي يطرز عليه، والتطريز على مر العصور بسيط وبدائي وتمكن الإنسان البدائي من استعمالها، في ربط أوراق الأشجار، وجلود الحيوانات، التي كانت يتم صنعها أيضا بالإبرة البدائية، أو ببعض أنواع العظام والشوك، ولم تكن الإبر قديمًا مصنوعة من المعدن، وقد وجِدت الكثير مِن إبر الخياطة في مواقع الآثار القديمة مصنوعة من العظام والعاج. ثم أن تطور التطريز وتمدد أشكاله وأصبح على أشكال مختلفة يميزها الواحد عن الأخرى، والمقصود بالتطريز هو الأسلوب المستخدم في تزيين النسيج وزخرفته بإبرة وخيط، حيث يتم تقديم هذه الزخارف تقليديا في الخيوط وتتكون من أنواع مختلفة من الغرز.
كانت البدايات في فن التطريز كعملية لإصلاح الملابس، إلا أنه تطور وأصبح هدفًا ممتعًا ومبدعًا، ولا يزال يحتفظ بشعبيته حتى الوقت الحالي، والتي انتعشت في السنوات القليلة الماضية لا سيما لدى الفنانين المعاصرين، الذين يُدخلون استخدام الخيوط في صُنع أعمالهم، أو من خلال استخدام طوق التطريز كإطار لفن النسيج، وتُعد حرفة التطريز سهلةً ومتواضعةً، ويمكن البدء بتطبيقها دون تعقيد أو صعوبة، والمواد الأساسية لها غير مكلفة، والتقنيات المستخدمة تختلف من التطريز الأساسي إلى التطريز المتقدم، ورُبما يعرف البعض أمورًا بسيطةً عن التطريز يُمكن أن تعلموها من أحد الوالدين أو الأجداد، وذلك لأن التطريز فن ومهارة متنقلة ما بين الأجيال.

                                               

فن التطريز موجود منذ القدم يعود تاريخه إلى ما قبل 3000 عام، بدأت مع مصر القديمة والبابليين والفينيقيين والعبرانيين، وتُظهر في رسوم القبور المصرية القديمة أنَّ الملابس وأغطية الأرائك والخيام التي استخدموها كانت مزينة بنقوش مختلفة، وانتشر التطريز إلى بلدان أخرى مثل إسبانيا وصقلية، حتّى إنَّ الحرفيون كانوا باستمرار يحاولوا البحث عن أشياء جميلة، وتحوليها إلى أعمال فنيّة، شيئًا فشيئًا هذه الأعمال بلغت ذروتها في عددٍ لا يُحصى من أعمال الفن الزخرفي، لكن وبالرّغم من وجود العديد من أعمال الزخرفة، لم يكن لأي منها صدى قوي مثل التطريز.
يشير العهد القديم، إلى التجارة النشطة التي قام بها رجال الأعمال الفينيقيون، بالصوف والحرير والتطريز الشرقي، ويخبرنا مراراً وتكراراً عن المطرزات التي كان عليهم أن يرتدوها، وأنهم في الواقع كانوا يرتدون ستائر المعبد وحجاب المعبد، حتى الأنسجة والتطريز في الذهب التي كانت موجودة بلا شك في أيام داود وسليمان.
لا يوجد تطريز يمكن أن يعزى إلى العصر القديم بشكل مؤكد، باستثناء بعض الأقمشة القبطية، وكانت أقدم القطع المطرزة التي حُفظت حتى العصر الحاضر، قد عُثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون في مصر، وتعود إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد.
ولكن ليس هناك شك في أن هناك تطريزات ممتازة في آسيا، مصر، اليونان وروما كما تم التحقق من قبل المؤرخين الحقيقيين وكشفته النقوش واللوحات العديدة لتلك الأوقات، ويُعزى الاختراع والتطور الأول لهذا الفن إلى البابليون، لأن من بلاد ما بين النهرين جاءت أشهر المطرزات في العصر القديم، وكذلك من مصر الأقمشة الرفيعة حيث يقال إن النول المصري قد هزم الإبرة في بابل.
فن التطريز قبل فن الحياكة بزمن طويل، ومارسته شعوب معظم الحضارات القديمة، في المشرق وبلاد فارس وآسيا الوسطى والهند والصين واليونان، ومهرت به الرومان. هذا وقد أصبح الشرق وآسيا القديمة مهد التطريز وأتت أعمال التنقيب الأثرية في سوريا وبلاد الرافدين، لتؤكد صحة هذه الفرضية،

          

فعند غزوة طيسفون في العام 637 خالطت سجادة ضخمة مطرزة بالإبرة، خَيال العرب وهي سجادة (بهار خسرو) أي التي صوّرت بواسطة الأحجار الكريمة عجائب الدولة الفارسية، وكان الخليفة المنتصر بن المتوكل قد شعر بحتمه القريب بفضل سجادة مزينة بالمفاتيح المكتوبة باللغة الفارسية والصور المطرزة.
واحتلت الحضارة البيزنطية المرتبة الأولى في تاريخ التطريز، خلال العصور الوسطى، كانت بيزنطة مركز تبادل تجاري بين الشرق وأوروبا، وتصدر إليها الثياب المطرزة الغنية بالزخارف، واهم النماذج لهذا الفن البيزنطي كانت مليئة بالشخصيات وتمثل حياة يسوع المسيح ويحتفظ بها في كاتدرائية القديس بطرس، هذا الفن حفز الحرفيين الأوربيين منذ العصور الوسطى إلى تطوير تقنيات خاصة بهم، وأشهر شاهد على فن التطريز الأوروبي سانت كوثبيرت التي تعود إلى القرن العاشر، والمطرزة بخيوط ذهبية، والمحفوظة في كاتدرائية دورهام، وهي أقدم تطريز إنجليزي باقٍ من القرن الحادي عشر، والذي هو في الواقع تطريزًا وعملا نورماندي تم إنجازه في إنجلترا. وكان التطريز في شمال أوروبا حتى عصر النهضة كنسيًا في الغالب، ويوجد أيضا عباءة لتتويج ملوك اليونان ويتم الحفاظ عليها في بودابست. وكذلك اثني عشر لوحة لحياة يسوع المسيح محفوظة في تولوز في كاتدرائية شارتر من القرن الرابع عشر، وكذلك تطريزات في كنيسة مانريسا في القرن الخامس عشر، مطرزة بالحرير الملون على قماش ناعم مع أشكال لحياة وآلام يسوع المسيح في 19 لوحة، وهناك تطريزات من فن الفلامنكو وبذلة وفستان ذهبي ويحتفظ بها في متحف كورت في فيينا، ولهم شخصيات جميلة من التطريز على الإبرة من القرن الخامس عشر.
وكانت الحروب الصليبية هي الأداة الرئيسية لهذا الفن في الغرب بأسره، وبدأ تطريز الزخارف وغيرها من زخارف الفرسان، على القطع الفاخرة، وأصبح التكوين أكثر زخرفة وتعقيدًا وتلوينًا، مما زاد من تنوع الألوان في القرن الرابع عشر، وكان الأغنياء والتجار على استعداد لدفع مبلغ كبير من المال لرفاهية الملابس المطرزة.

   

وظهرت تطبيقات جديدة للتطريز مثل المفروشات والأربطة والستائر وأغطية السرير.
وعلى صعيد آخر، يبدو أن المد للشعوب التركية الذي سجل ارتفاعاً حاداً في دول حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقية مثل السلاجقة، والمماليك ومن ثم العثمانيين لم يكن بعيداً عن الازدهار الذي عرفته صناعة النسيج التي مالت شيئاً فشيئاً إلى الحلول بدلاً من الزخارف المحاكة. وبدا هذا الميل جلياً في مصر اعتباراً من الحقبة الأيوبية
وفي المستعمرات الأمريكية، كان التطريز مهنة شعبية تمارسها الفتيات والأطفال، على نماذج معدة سلفاً، والتي تشتمل على أمثال شعبية أو أقوال مأثورة، بين زخرفات متنوعة ويوقع عليها المُطرِز باسمه، واقتبست بعض النماذج من مطرزات الهنود الحمر السكان الأصليين التي اتسمت بالبساطة والتناظر في الأشكال الهندسية.
وفي الحضارة الإسلامية، تفنن الطرازين في ابتكار أنواع مختلفة من المطرزات، التي كانت تستعمل لتوشية الملابس والمفارش ومجالس الكبراء، وكانت دور الطراز مخصصة لتزيين ملابس الخلفاء والسلاطين والأمراء، وفق نماذج محددة تناسب مقام من تهدى إليه، وتتدرج من الدروع الداخلية البسيطة إلى الأثواب الفاخرة المطرزة بالذهب والفضة، وتطور فن التطريز الإسلامي في ظل السلطنة المملوكية والعثمانية وتنوعت أساليبه، وخاصة الملابس الرسمية المطرزة بخيوط الذهب والفضة، التي كانت تعد لرجال الدولة بحسب مراتبهم، حتى غلب الأسلوب العثماني على معظم المطرزات الأخرى.
كان التطريز في هذه الفترة فنًا مهمًا ووصف بأنه حرفة اليدين، لأن التطريز كان علامة على مكانة اجتماعية في المجتمعات الإسلامية وأصبح شائعاً على نطاق واسع، في مدن مثل دمشق، القاهرة وإسطنبول وكانت العمائم التي يرتديها رجال القبائل تحمل نوعًا من التطريز.
صنعت في كل من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، ملابس مطرزة بتصاميم تتضمن شخصيات بشرية. وكذلك الجزء الخارجي من الكعبة كان يغطى بنسيج مُزين، واعترض الرسول (ص) على الزخارف التي تحمل أشكال الحيوانات، واختفت العديد من أنواع التطريز في الإسلام، باستثناء الزخرفة النباتية ظلت مقبولة إلى حدٍّ ما.
وفي القرن السادس عشر، أدى التوسع العثماني في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، إلى نشر صناعة التطريز وتقاطع الثقافات، ففي إسطنبول مثلاً احتضنت الأمتعة المنزلية كافة كأغطية الخوان، والبسط، وأغطية الأسرة، وبقج الخبز، ومناشف الحمام التطريزات وسرعان ما شاع هذا الأسلوب، فكانت الأوشحة وقطع الستائر التي قامت النساء الجزائريات، بتطريزها خلال القرنيْن السابع عشر والثامن عشر، وليدة هذه الحركة، وتتألف زينة هذه الأعمال المصنوعة من الأنسجة الحريرية المتعددة الألوان، التي تزين إيتامين الكتان الخام من رسوم متموجة، وزهيرات وسيقان تتعانق وتتشابك.
يبدو أن مصطلحات التزيين تستمد جذورها، من الأقمشة المخملية الإيطالية والإسبانية السائدة في عصر النهضة، التي غالباً ما تذكرنا بالأعمال العثمانية
أمّا أقدم المطرزات الجزائرية، فهي وشاح كان يستعمل لتزيين تمثال السيدة العذراء، ونجده اليوم في كاتدرائية
شارتر، ويُقال إن أميرة كوندي كانت قد قدمت هذا الوشاح كهدية في العام 1650 تقريباً. وبدت ملامح هذا الميل إلى الأعمال المطرزة، حيث تتداخل الزخارف التركية والأوروبية في المغرب، ولا سيما في مدينتي فاس وتطوان، وفي العاصمة التونسية التي أعربت عن ولعها الشديد بخيوط الذهب، والرصائع الذهبية والخيوط المذهبة أيضاً. فانتقل هذا الفن من مدينة إلى أخرى، ومن سرايا إلى أخرى وخالط المواضيع الرفيعة مثل نموذج الزهور الأربع الي صُنع خصيصاً لسليمان العظيم، والمواضيع التقليدية كتلك الآتية من دول البلقان، وجنوب إيطاليا أو من العرب واليهود في الأندلس.
وانتقلت بعض تلك المطرزات إلى أوربة عن طريق البيع أو الهدايا فدخلت في ممتلكات رجال الكنيسة وبعض الملوك والنبلاء. وأشهر نموذج لهذه المطرزات الرداء الكنسي للقديس توماس بيكت وهو رداء مطرز بالذهب يحمل صور حيوانات وكتابات تشير إلى أنه صنع في مدينة ألمرية الأندلسية سنة 1116م،
وكذلك رداء التتويج الخاص بالملك روجار الثاني النرمندي في صقلية وعليه كتابة تشير إلى أنه صنع في دار الطراز في باليرمو سنة 1133م، والرداء الخاص بالملك وليم الثاني المصنوع في باليرمو أيضاً عام 1181م. وكانت بيزنطة مركز تبادل تجاري بين الشرق وأروبا، وتصدر إليها الثياب المطرزة الغنية بالزخارف، الأمر الذي حفز الحرفيين الأوربيين منذ العصور الوسطى إلى تطوير تقنيات خاصة بهم.
فالتطريز الإسلامي له سمات مشتركة موحدة تميزه، هو سبب تألقها بما يحتويه من قدرات فنية، فقد ظهر في العهد الأموي مستمداً قوته من الفنون المحلية ثم جاء النمط العباسي الذي امتاز بالأساليب الفنية الرائعة وبنوعية خاصة من الخزف ذي البريق المعدني، واستخدام الجص بكثرة في تهيئة الزخارف حتى أصبح من المواد المميزة في هذا اللون من الفن الإسلامي، ومع ضعف الخلافة العباسية ظهر التطريز المغربي والمصري والعثماني ثم التركي الذي تميز بصناعة السجاد وأبدع الفنانون في هذا الجانب فظهر 17 نوعاً من المطرزات منها سجادة الصلاة المميزة برسم المحراب على أرضيتها واشتهرت بصناعتها المناطق الجبلية في الأناضول
للحديث تكملة يتبع في العدد القادم
المصدر
وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4326 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع