أيام زمان.. الجزء ٣٣ - الربابة

          

               أيام زمان.. الجزء ٣٣-الربابة

      

الربابة، فن البادية الذي طاف العالم، آلة موسيقية ذات وتر واحد حساس يصعب تعلمها، والعزف عليها لها أصول وقواعد، وهو عزف سماعي لا يحتاج شخصاً يقوم بدور العازف وفق نوتة موسيقية، بل إنها مهارة فردية حسية قائمة على المواءمة بين العزف والغناء والتآلف والتوافق بينهما، هي صعوبة أو المحك الأساس للمغني العازف.

الربابة فن خاص برع فيه العرب ولاسيما أبناء القبائل، حيث عرف وبشكل خاص في المناطق الصحراوية بواديها وأريافها، وكان حضور عازف الربابة حيوياً ومهماً في الحياة الاجتماعية والفنية للبدويين، لذا فمهنة مغني الربابة من أقدم المهن التراثية، ولأهمية التراث تسعى البِلدان للمحافظة عليه؛ فهو دليل عراقتها، والبلدان العربية تختلف في ثقافات وفنون، وتتشابه في أخرى، ومن بين الفنون التي يتشابهون فيها الغناء والعزف على آلة الربابة.

          

البدوي كأي إنسان يحب الموسيقى بطبعه ويطرب لصوت الطبيعة القادم من الريح ثم هدوئه، وكذلك حفيف أوراق الأشجار وحتى نعيق الغراب،فهو أحيانا يأنس حتى بصوت الرمال التي تسوقها الزوابع، وتارة لرغاء الناقة والجمل، وثغاء النعجة والخروف، وإنه يضع الأجراس في أعناق الأغنام ويطرب لصوتها وهي تتحرك، ويتغزل بتغريد العصافير، ونغمة صوت البدوية الجميلة، وأهازيج العرب وصلصلة السيوف ولعلعة الرصاص، كل ذلك موسيقى دون آلات مصنوعة، وقد اضطر البدوي للتكيف مع هذا الوضع، فأوجد الكلمة والشعر اللذان يتناسبان مع اللحن الموسيقي، سواء الذي يشعر به من الطبيعة أو الذي أوجده هو، متناسبا مع الحركات الصادرة عنه، وأوجد الآلة التي تناسب اللحن والوزن.
لكل الشعوب والأقوام فنونهم التي توارثوها، وأصبحت رمزاً يدلل عليهم،ومنها الربابة والبدوي فهمها وأحبها قبل غيره، يقال أن أول من أوجدها العرب الرحل في الجزيرة العربية، ولذلك فان علاقة ابن البادية مع هذه الآلة الوترية وثيقة جداً، وكذلك ابن القرية، وأكثر من يستعملها الشعراء المِدحاة ، وتكاد تكون السمة البارزة في مجالس شيوخ البادية، وتعلق ابن البادية بهذه الآلة لأنها تتناسب مع طبيعة حياته الصحراوية، من حيث صنعها ومن حيث ملاءمتها للمناخ الصحراوي، وعلى سبيل المثال أهل الساحل لا يعتنون بها، لأنها تتطلب جواً جافاً خالياً من الرطوبة، أما ابن الصحراء فهو شديد الحرص عليها والتعلق بها لسهولة نقلها في ترحاله من مكان إلى مكان.
قصص كثيرة تداولنها الأجيال حول قصة اكتشاف الربابة، إلا أن أقرب هذه القصص للواقعية كانت قصة ذلك الرجل وزوجته، حيث نشب خلاف بينهما،واتهم الزوج زوجته اتهاما باطلا، وأدرك فيما بعد أنه مخطئ، مما حدا بالزوجة للنزوح لبيت أهلها، رافضة محاولات زوجها في استرجاعها، حتى بلغ بها أنها اشترطت للعودة، فقالت: «لن أعود حتى يتكلم العود»، وهي تقصد عود الشجر أو الخشب.
احتار الرجل في أمرها فذهب لعجوز حكيمة من أهل قبيلته، وقص عليها ما حدث فقالت له: الأمر بسيط، وطلبت منه إحضار عود من نبات صحراوي يسمى عوسج، فأحضر ما طلبت وقالت له اخرق (اثقب) رأس هذا العود من الأطراف وفعل ذلك، وطلبت منه أيضا إحضار جلد حوار وهو ابن الناقة فأحضره، ثم قامت بحشو هذا الجلد بأوراق نبتة العرفج، وأخيرا طلبت منه إحضار سبيبا من ذيل الخيل، وقالت: اجعل هذا السبيب في العود الذي ثقبته، ثم قالت له:اعزف الآن، فعزف فإذا بالعود يتكلم أي (يصدر لحنا)، ثم أسرع به إلى أهل زوجته وطلب مقابلتها، ليقول لها:انه فعل المستحيل لإرضائها وها هو يلبي شرطها في العودة، ويجعل العود يتكلم ثم أنشد بعدها هذا البيت:يا بنت لا يعجبك صوت الربابة، تراه جلد حوير فوق عيدان. هذه هي نشأة الربابة كانت بسبب شرط امرأة كما يقال.
هناك رأي أخر يقال أيضا،بدأ البدوي يبحث عن أداة للطرب، فجرب الجلد وسبيب الخيل، وهو المتوافر لديه فوضع جلدا على عظم، ثم ربط سبيبا طويلا، فحركه فكان له صوت، واستعاض عن يده بسبيب آخر مشدود إلى قوس، وباحتكاك السبيب بعضه يتجاوب الصوت الصادر من تجويف الجلد، فتكون بذلك آلة للطرب، وهكذا أنه بالصدفة طرب لاحتكاك الأوتار بعضها ببعض. وتطور ذلك إلى صنع الآلات الموسيقية والوترية، حتى تم التوصل إلى آلة الربابة، بما فيها من ذوق وترتيب واختيار جلد الغزال وسبيب الفرس والحصان، بدلا من الجمل والناقة. وهذه الأوتار من السبيب، لابد لها أن تكون قوية مترابطة مشدودة، لا تخلو من الرطوبة شبه الجافة، لذا استعملوا (اللبان) وهو عبارة عن صمغ وشب معا، مما يزيد في شد الأوتار، فتخرج منها أصوات جميلة ولطيفة، وتحتاج هذه الأصوات أو الأنغام إلى الترتيب، وهو ما يتم بطريقة التنقيط من اليد الموجودة في الطرف العلوي للربابة أي قرب نهاية الوتر من الأعلى، فتتناسب الموجات الصادرة عن تصادم اليد، بتلك الصادرة عن احتكاك وتر القوس بوتر الربابة فيخرج الصوت المسمى (الجرة)، وهو وزن شعري ولحن موزون، وتمتاز الربابة بأن صوتها مميز عن بقية أدوات العزف، ويمكن جر اللحن البطيء أو السريع عليها، والهادئ والصاخب، والقصير الوزن والطويل والوزن من الشعر واللحن، وبصوت الربابة تجود قريحة الشاعر البدوي، فيقول الشعر الحزين أو الحماسي أو الغزلي، وكثيرا ما كانت الربابة أداة يدافع بها البدوي عن نفسه، وهي أن يطلب العزف عليها، وهذا في الحالات التي يكون في الأمر تحد حيث يقول شعرا على الربابة يرد به على الاتهام. وربما يكون الطعن بعشيرته أو حبيبته أو شخصه أو صديقه.

                    

الربابة بفتح الراء أي (رَبابة) وتعني السحابة البيضاء أو السوداء، وجمعها (رباب)، أي قطع السحاب غير المتجمع دون السحاب، أو تحت السحاب المتجمع، ومن أحسن ما قيل في وصف السحاب الرباب، (السحاب غير المتجمع)، وكذلك تعني كلمة (ربَابة) الآلة الموسيقية الوترية.
الرُّباب أو الرُّبابَة بتشديد الراء وضمها هي آلة موسيقية، استخدمها العرب والترك والفرس قديما،ويقال أيضا أنها تعود أصولها ما قبل الميلاد للأمازيغ بسوس المغرب، وهي ذات وتر واحد، وتصنع من الأدوات البسيطة المتوفرة لدى أبناء البادية كخشب الأشجار وجلد الماعز،ورد ذكر آلة الربابة في العديد من المؤلفات القديمة لكبار العلماء، أمثال الجاحظ في مجموعة الرسائل وابن خلدون، وورد شرح مفصل لها في كتاب الفارابي الموسيقي الكبير، وهناك صورة لآلة الربابة على قطعة حرير وجدت في إيران، وتوجد الآن في متحف بوسطن للفنون.

    


تصنف الربابة على سبعة أشكال، وهي المربع –المدور–القارب–الكمثرى–النصف كرة–الطنبوري–الصندوق المكشوف،ويُعتقد أن آلة الربابة إغريقية أو رومانية وافدة، جاءت أولاً إلى أفريقيا عن طريق مصر الفرعونية في الفترة من (332-35 ق.م) أو قبل ذلك، ومنها انتشرت في المنطقة؛ نظراً إلى سهولة صناعتها؛ حيث تتوافر موادها الأولية بيُسر، ومتاحة لأي شخص،فكان من مارس العزف عليها موهوبون مولعون بالعزف، وبعضهم من تميَّز بصوت جميل وموهبة في نظم الشعر، وقديما يغنون أشعارهم على صوتها، ومعهم انتقلت إلى الأندلس، ثم إلى أوروبا وكان ذلك حوالي القرن الحادي عشر الميلادي، وهذه الآلة هي الجد الشرعي لجميع ما يعرف اليوم من الآلات الموسيقية الوترية، التي يعزف عليها بواسطة الأقواس.
في كل وطن تأخذ الربابة شكلاً خاصاً، فالربابة في العراق غير الربابة في الجزيرة العربية، وتختلف عن المصرية والمغربية والهندية والتركية،حيث شكل الربابة يختلف من بلد إلى بلد، إلا أن أجزاءها ومكوناتها ومقاييسها متفق عليها، وتأخذ أشكالا متعددة منها الدائري وهذا هو الشكل السائد في العراق،ومنها المستطيل، ومنها الحلزوني ومنها المقوس من الجانبين، من اجل ضغط الصوت وحفظه ومنها البيضوي فهو السائد في المغرب العربي،ومنها ما يأخذ أشكالا هندسية متعددة، واصغر هذه الآلات الربابة المصرية وهي على شكل دائرة، ومنها ما هو على شكل الكمنجة،إلا أنها أطول ذراعاً من غيرها، والربابة السعودية تأخذ الشكل المستطيل في الغالب، ومن شروط عمل هذه الآلة أن يكون الذراع 70 سم منه 35 سم للصندوق الخشبي ومنها 3 سم تبرز من الأسفل من اجل اتكاء الربابة عليها ويسمى عرش الربابة، والثقب يكون في راس الذراع، يترك بينه وبين الرأس 2 سم والبقية 30 سم طول الذراع، من الثقب إلى ضلع عرض الصندوق الخشبي المثقوب من منتصفه مع الجانبين، وهكذا يتم صنع الربابة على هذا التصور فان طال الذراع أو قصر فنصفه للصندوق الخشبي.وهناك رباب يصنع من التنك وخاصة جالون الزيت، وكذلك يتم صاعة الوتر من السلك المعدني، أو الوتر الطبيعي من سبيب الخيل، أي ذيل الفرس أو الحصان، يستحب أن يكون طويلاً، تربط أطرافه بخيط حرير من اجل أن يكون الأعلى في طرف الذراع، يلف على عود الميزان (المزوي) والطرف السفلي يربط في قاعدة العود عرش الربابة، ولابد أن يلامس السبيب الجلد من الأسفل. أما القوس فيستحب أن يكون قطره يساوي الذراع أو يقصر عنه قليلاً، والعازف المتمكن من فنه يزيد من طول قطر القوس الذي يعمل من عسيب النخيل، ويربط فيه وتر على شكل قطر دائرة، ويكون أكثر جمالاً إذا شد الوتر وكان قريباً من القوس بمسافة قدرها 12 سم، ويُثبَّت في عنق الربابة ما يطلق عليه(طارة الربابة)، في أعلاها عن مجرى يُثبَّت به القراب الذي يعمل على شد الوتر من أسفل العصا لأعلاها ماراً بطارة الربابة، ووظيفة الطارة هي تكبير الذبذبات الناتجة عن الوتر المشدود عليها، وهي عبارة عن كتلة خشبية يتم شد جلد ماعز أو غزال من جهة، في حين تثقب جهة الأخرى، وهناك أيضاً (المخدة)، وهي قطعة قماش صغيرة توضع تحت الوتر من أعلى؛ لترفعه عن ساق الربابة، ووظيفتها كوظيفة (الغزال) في الجهة المقابلة.
واعتزازاً به كفنٍّ تراثي مهم، يعبر عن تراثها وثقافتها، تولي العديد من الدول العربية اهتماماً لفن العزف والغناء البدوي بمصاحبة آلة الربابة، بل وتدفع العديد من الدول بفنانين يغنون الأغاني البدوية، برفقة العزف على آلة الربابة، للمشاركة في مهرجانات دولية؛ في دليل على أهمية هذا الفن وعراقته؛ وسعياً من هذه الدول للحفاظ على هويتها الثقافية والتراثية. ومن خلال هذه المهرجانات والمشاركات الدولية، طافت الربابة دول العالم، قادمة من البادية؛ تستعرض لمختلف الشعوب ثقافة سكان الصحراء وفنونهم.
مصادر: وكالات –تواصل اجتماعي–نشرمحرريالموقع

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://www.algardenia.com/mochtaratt/55395-2022-08-31-09-03-45.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

545 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع