أيام زمان - الجزء ٤٥ - القبعات
ظهرت القبعات وأغطية الرأس منذ سنوات طويلة، وكان الهدف من ورائها حماية الرأس من العوامل الجوية، وكذلك أشارت إلى الوضع الاجتماعي لمُرتديها، وساهمت في تحديد انتمائه أو مهنته، حتى أواخر القرن العشرين كانت القبعات وأغطية الرأس جزءًا أساسيًا، لا يمكن الاستغناء عنه في خزانة ملابس أي رجل، بداية من القبعات البسيطة، وصولاً إلى القبعات ذات التصاميم والتفاصيل الكثيرة، من زخارف وتُزين بالحلي وغيرها.
خلال العصور الوسطى وعصر النهضة بأوروبا، ساعدت القبعات على فهم وضع الرجال في المجتمع، وفي بعض الحالات فرض القانون ارتداء بعض أغطية الرأس والقبعات على بعض الرجال، لكن أنماط وتصاميم القبعات اختلفت مع تقدم المجتمع والتطور التكنولوجي، ولكن ارتداءك للقبعة أو عدم ارتدائها لا يزال خيارا في الماضي، ولعبت القبعات دورًا مهمًا في حياة الرجال.
للقبعات أصل يعود إلى مئات أو ربما آلاف السنين، واكتشف الإنسان ذلك من خلال الكلمات المكتوبة، والفنون المتمثلة في اللوحات والتماثيل والأواني الفخارية والنقوش التي عُثر عليها على الجدران، تعددت أغراض القبعات في الماضي ما بين الاحتفالية، الدينية، الملكية، العسكرية، وصنعت من الفراء، الجلد، الكتان، والمعادن. وقد عُثر على نقوش ورسومات على جدران كهف في فرنسا عام 1914 تصور شخصًا يرتدي غطاء رأس به قرون، يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وهذه ثلاثة نماذج للقبعات.
قبعة موزع الصحف: أو قبعة الخباز الصبي (البريطانية)، هي القبعة الكلاسيكية التي يمكن تحويلها لقبعة عصرية ببعض اللمسات والإضافات مثل الريش أو الطبعات أو حتى الألوان الصارخة. هذه القبعات من موضات الشتاء، عريضة وغطاء مماثل في أسلوب إلى سقف مسطح. له شكل عام مماثل وقمة صلبة (قناع) في المقدمة مثل غطاء مسطح، لكن جسم الغطاء مستدير، مصنوع من ثماني قطع، ممتلئ، ومغطى بزر في الأعلى، وغالبًا مع زر يربط من الأمام إلى الحافة، (كما يحدث في بعض الأحيان للغطاء المسطح). كان النمط شائعًا في أوروبا وأمريكا الشمالية في أوائل القرن العشرين بين كل من الأولاد والرجال البالغين. كما يوحي الاسم، كان في ذلك الوقت مرتبطًا بأولاد الصحف. هذا يؤدي إلى سوء فهم. صحيح أن العديد من الأولاد في الصحف وغيرهم من الفتيان
العاملين في ذلك الوقت كانوا يرتدون قبعات مسطحة إلى جانب الأساليب الأخرى. ومع ذلك، لم يكن الأولاد يرتدون هذا الأسلوب فقط.
كانت القبعات المسطحة شائعة جدًا بين الرجال والفتيان في أمريكا الشمالية وأوروبا من جميع الطبقات خلال أوائل القرن العشرين وكانت عالمية تقريبًا خلال العقد الأول من القرن العشرين وحتى العشرينات من القرن الماضي، لا سيما بين الطبقات العاملة "الدنيا". تُظهر العديد من الصور الفوتوغرافية لهذه الفترة أن هذه القبعات لا يرتديها بائعي الصحف فحسب، بل يرتديها عمال الموانئ، وعمال الصلب العالي، ونقّاب السفن، والبائعون، والمزارعون، والمتسولون، وقطاع الطرق، والحرفيون، والتجار من أنواع عديدة. وهذا ما تم إثباته جيدًا في روايات وأفلام هذه الفترة وبعدها مباشرة. القبعات ذات الثماني قطع هي في الأساس فرع من إسكتلندا. بينما كان يرتديها الفتيان والرجال من جميع الطبقات الاجتماعية، كانت الطبقات "العليا" ترتديهم في المقام الأول من أجل الأنشطة الترفيهية، وأصبح الأسلوب مرتبطًا بالرياضيين الأثرياء والسائقين ولاعبي الغولف الأثرياء.
قبعة الطباخ:يتميز الطباخ بزي خاص ليس فقط من حيث الملابس البيضاء والمئزر الذي يعتبر أمرا ضروريا، بل حتى القبعة المرتفعة التي تحتوي على طيات، والجميع يميز الطاهي بالقبعة البيضاء الطويلة التي يرتديها، وهناك العديد من الروايات حول أصل قبعة الطاهي؛ يحكى أنها تعود قصة القبعة إلى عام 146 قبل الميلاد، تحديدا مع بداية الغزو البيزنطي لليونان، ففور وصول الجيش إلى شواطئ اليونان فر الطهاة الموجودين في البلاد إلى أحد الأديرة القريبة، لكي يتفادوا القبض عليهم ارتدوا لبس الرهبان والذي كان منها القبعات. ومع رحيل الغزاة عن اليونان، وعودة الطهاة إلى أعمالهم الطبيعية، لم يتخلوا عن القبعات التي كانت سببًا في نجاتهم، وانتقل هذا التقليد إلى باقي دول العالم عندما قرر الطهاة أن يتضامنوا مع الطهاة اليونانيين بارتداء نفس تلك القبعات، وذلك بحسب ما رواه موقع «Escoffier».
ويرى آخرون أن الطهاة في القرن السابع الميلادي، أرادوا الحصول على قدر من الاحترام الذي يحصل عليه الكهنة ذوو القبعات السوداء في ذلك الوقت؛ ما دفعهم لارتداء القبعة، بينما يؤكد البعض أن ارتداء القبعة من الأساس كان بسبب رغبة الطهاة في منع شعرهم الطويل من السقوط أمام أعينهم خلال الطهي، أو يسقط خلال إعداد الطعام، وهو أمر لن يحبه من سيتناولون تلك الأطباق على الإطلاق.
ويقال إنها ترجع عادة ارتداء الطهاة للقبع ة إلى سنة 1727، عندما فرضها ملك إنكلترا جورج الثاني على طباخي قصره بعدما عثر على شعرة في حسائه، فعاقب كافة الطهاة بحلق رؤوسهم وعددهم 50 شخصا وفرض عليهم ارتداء القبعة. والبعض يرجع تاريخ هذه القبعة إلى الملك هنري الثامن، الذي عثر على شعرة بحسائه في أثناء تناوله الطعام، ما جعله يستشيط غضباً ويأمر بقطع رأس الطاهي الذي أعدَّ الطعام له، وأمر الطاهي التالي بالبدء في ارتداء القبعة، ويرجع العديد من الأشخاص اختيار هذا اللون إلى الطاهي الشهير شارل موريس تاليران في أوائل 1800، والذي كان يعتقد أن اللون الأبيض هو اللون النقي، ومع تطور الوقت أصبح اللون الأبيض من الألوان الأساسية التي تدل على مدى النظافة التي يتمتع بها الشيف. وصممت هذه القبعة بطيات عديدة قدرت بمائة طية بحسب التقليد الفرنسي، نظرا لأنه عدد قوانين الطهي التي على كل طباخ حفظها عن ظهر قلب.
ويقال إن اللون الأبيض للقبعة يرجع إلى مهارة الطهاة في طبخ بياض البيض بـ 100 طريقة، ومنها أصبح طي القبعة 100 طية. وفي بداية القرن التاسع عشر، قدَّم ماري أنتوني الخبير الفرنسي الملقب بـ طباخ الملوك وملك الطباخين، فكرة اختلاف الارتفاع بين قبعات الطباخين الجدد، وآخرين من أصحاب الخبرة الكبيرة. وجاء الخبير الفرنسي بفكرة أن يكون ارتفاع القبعة يختلف بحسب خبرة الطاهي، بحيث بلغ ارتفاع قبعة وقتها إلى 18 بوصة، وارتفاع القبعة هو الآخر يحمل رسالة ضمنية كبيرة، فكلما ارتفعت قبعة الشيف لأعلى فهذا يدل على المنصب الكبير الذي يتولاه في المطبخ. ويعود هذا التقليد في الأساس لهذا الخبير، الذي كان يرتدي قبعة يصل ارتفاعها إلى 18 إنشا، لأنه كان يتولى منصب رئيس الطهاة، وكان هذا يمنحه مكانه كبيرة وسط الطهاة الذين يعملون معه، بينما كان الارتفاع الطبيعي للقبعة هو من 9 لـ 12 إنشًا.
وبعض الطاهيات يحرصن على ارتداء القبعات التي يوجد بها ثنيات، وفي بعض الأوقات لم يكن هذا التقليد بهدف الأناقة فقط، ولكنه كان يدل على مدى تمكن هذا الطاهي من الأطباق التي يعدها.
ومع كل طبق جديد يتمكن الطاهي من إعداده بشكل كبير كان يضع به ثنية جديدة على القبعة التي يرتديها، ووصل الأمر ببعض الطهاة إلى عمل 100 ثنية في القبعة الخاصة بهم، وهذا كان يعني أنهم متمكنين من إعداد 100 طبق.
الكيباه أو الكِبة بالعبرية: وجمعها كيبوت وتعرف أيضًا باليارمولكه، هي غطاء رأس صغير ومستدير الشكل، وتعني كلمة الكيباه بالعربية «القبة». يرتديه الرجال اليهود الأرثوذكسيين، طيلة الوقت توقيرًا لله (لا يجوز ذكر اسم الرب على فم من كان رأسه مكشوفًا)، غالباً ما يرتديها الرجال اليهود في أثناء صلاتهم، فقد جاء بالتلمود حسب معتقداتهم، «قم بتغطية رأسك حتى لا يكون غضب السماء فوقك»، لذلك فهي بالنسبة لهم فريضة في أثناء الصلاة فقط، بخلاف ذلك لهم الحق في عدم ارتدائها. (وقد ترتديه النساء أيضًا) في المجتمعات اليهودية المحافظة والإصلاحية أثناء الصلاة. وبمرور السنين، أصبح لتغطية الرأس معنى عميق بالنسبة لليهودي المتدين، فهي بالنسبة إليه تشكل رمزاً للتقوى وتواضع الإنسان أمام الرب، وتذكّر الشخص اليهودي بأن هناك رباً فوق الجميع، وأن الإنسان موجود داخل إطار ديانته وملزم بأداء أحكام الشريعة اليهودية وفرائضها.
لم يرد في التوراة أو في كتب العصور القديمة، نص معين يشير بوضوح إلى غطاء الرأس عند اليهود، سواء للرجال أو النساء، باستثناء ما ورد عن ملابس الكهنة التي شملت القبعة بصورة عابرة أو العمامة للكاهن الأكبر، والتي تعتبر واجبة أثناء الصلاة في الكنيس. وقد اختلف علماء الهالاخاه اليهود حول ما إذا كان ارتداء الكيباه فرضًا في كل الأوقات أم لا، وقد جزم الحاخام الرباني موسى بن ميمون بعدم جواز الصلاة برأس مكشوف، وأوجب على التلميذ الحاخام عدم كشف رأسه مطلقًا، أما ارتداء غطاء الرأس خارج الكنيس فليس إلا مجرد عادة. بينما يقرر الحاخام البولندي دافيد هاليفي سيغال (1586 ـ 1667) إن سبب الحاجة إلى ارتداء الكيباه هو تمييز اليهودي عن غير اليهودي أثناء الصلاة. في حين يقول دافيد يوسف أزولاي (أحد المرجعيات الهالاخية عند اليهود السفارديم) إن ارتداء غطاء الرأس وسيلة إضافية لإظهار التقوى. أما الحاخام المعاصر عوفاديا يوسف فيقول بأنه ينبغي ارتداء غطاء الرأس إبداء للانتماء إلى المجتمع المتدين.
يقول التلمود "غطِّ رأسك عسى أن تغشاك الخشية من السماء"، ويروى عن الحاخام هوناه بن يشوع أنه لم يمشِ طيلة عمره وهو لا يرتدي غطاء رأس أكثر من أربعة أذرع (مترين)، معللًا ذلك بأن "الوجود الإلهي دائمًا فوق رأسي". وسيرًا على هذا النهج، يعلل ارتداء الكيباه بأنه "توقير لله". وتحرص العديد من المجتمعات اليهودية على تشجيع صبيتها الذكور على ارتداء الكيباه منذ طفولتهم لغرس هذه العادة فيهم. وتجدر الإشارة إلى أن لون الكيباه يرمز إلى الطائفة الدينية أو التيار الديني الذي ينتمي إليه الفرد اليهودي. فمثلاً الكيباه السوداء المصنوعة من القطيفة لا يرتديها إلا الحريديم (اليهود المتشددون)، بينما يرتدى الكيباه البيضاء الكبيرة المسماة بالـ (يرمولقه) اليهود الحسيديم المقدسيين، أما الكيباه الملونة المصنوعة من القطيفة والمزركشة بخيوط ذهبية أو فضية مختلفة الأشكال فيرتديها أبناء الطوائف الشرقية من اليهود، في حين أن الكيباه المصنوعة من الشعر أو من الجلد فيرتديها يهود الشتات أو أولئك الذين لا يريدون الانتماء إلى طائفة بعينها.
معاني الكلمات:
هي الدولة الهالاخية المقترحة من طرف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. فبعد إعلان منظمة التحرير الفلسطينية عن الدولة الفلسطينية في سنة 1988.
الحريديم . هم جماعة من اليهود المتدينين ويعتبرون كالأصوليون حيث يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية.
الحاسيديم هي حركة روحانية اجتماعية يهودية نشأت في القرن السابع عشر.
اليهود السفارديم (سفرديم) هم الذين تعود أصولهم الأولى ليهود أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) الذين طردوا منها في القرن الخامس عشر.
وللحديث تكملة في العدد القادم.
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي.
للراغبين الطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/60522-2023-10-03-15-43-28.html
4728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع