أيام زمان - الجزء ٤٦ - القبعات والعمامة
يأتي في لسان العرب القبعة، هي خِرقةٌ تخاط كالبُرْنُسِ يلبسها الصبيان، أتت هذه الحدثة من سلوك القنفذ عندما يكور القنفذ نفسه ويخبئ رأسه نقول: قبع القنفذ رأسه (أي خبأه) و(قبع فلان رأسه)، أي أخفاه تحت قبعة أوما شابه، ومن هنا تأتي حدثة قبعة وهي الأداة أو الوسيلة المستخدمة من العمل قبع.
القبعة هي غطاء للرأس، وقد تلبس من أجل الحماية من أشياء معينة، أو لأسباب دينية، أو للسلامة، أو كملحقات الملابس للموضة، وفي الماضي كانت القبعات مؤشرًا على الوضع الاجتماعي، وفي المجال العسكري تدل القبعة على الرتبة والنظام العسكري، وهناك قبعات للرجال وقبعات للنساء، وكذلك قبعات يرتديها كلا الجنسين. يتحدد قياس القبعة بقياس محيط الرأس، في موضع فوق الأذن بنحو0,5 بوصة أو1.3 سم، وقد يكون قياس القبعة أصغر بثمن البوصة، وتستخدم البوصة أو السنتيمتر للتعبير عن القياس، وذلك يتوقف على الصانع، وتأتي القبعات الأرخص بمقاسات معيارية، مثل صغيرة، متوسطة، كبيرة، وتكون بعض القبعات مثل قبعات البيسبول، قابلة للتعديل.
تطور القبعات بأشكالها المتعددة، يوازي النمط الثقافي الشعبي والرسمي، وشيوعه بين العامة، بما يلفت الأنظار الى قراءة التشكيل النمطي المتعارف عليه شعبياً، بثقافته المتداولة عبر هذا النموذج الشائع بين البلدان، ولهذا تتنوع القبعات من شعب الى آخر؛ فرعاة البقر في أميركا الشمالية يرتدون قبعات عريضة ومقوسة الحافات، تماشياً مع الإرث القديم الذي ورثوه من أسلافهم منذ القرن الثامن عشر.
بين الحاجة والزينة والموديل انتشرت القبعة بين الشعوب، في رحلة تاريخية وثقافية طويلة الأمد، بدأت ولم تنته حتى اليوم، فالقبعة وريثة التاريخ والملوكية والعروش، كما هي وريثة الفقراء والصعاليك والفلاحين، ومنذ فجر التاريخ وبداية سلالات الإنسان الأولى، كانت القبعة قيمة فردية أنتجتها الحاجة والمناخ وتقلبات الأجواء، وهي قيمة ذات صفة شخصية، لا ترتبط بسلوك جماعي متفق عليه، ولا توحي الى ذائقة اجتماعية معينة؛ فربما كانت قبعات الأقاليم الباردة تختلف عن قبعات الأقاليم الحارة، وهذا من بديهيات المكان ومناخه.
فالفطرة تجعل الإنسان القديم يبتكر له ما شاء من الابتكارات وكانت بداية استعمال القبعات كي يبقى على قيد الحياة في مواجهة الطبيعة، والتحايل عليها بالطرق الممكنة التي تشفّ عن وعي الإنسان، في كيفية تصريف شؤونه اليومية، وإذا كان هذا الجانب عاماً، فإن الجانب الخصوصي منه، يتجلى في الطبقة الحاكمة من النبلاء والسادة، الذين وظفوا إمكانياتهم في توفير الحماية لهم، من الطبيعة في شتى تقلباتها، حتى باتت القبعة مثلاً رمزاً اجتماعياً أكثر من كونه رمزاً فطرياً للحماية الذاتية.
ولو تأملنا شذرات من التاريخ البعيد لوجدنا نبلاء مصر القديمة، يرتدون تيجانًا في وقت مبكر جدًا عام 3100ق.م.، فتحولت القبعة من الفطرة الى القصدية في هذه المرحلة، وما تلاها من مراحل تاريخي، وظهرت في مصر القديمة أشكال متنوعة ومختلفة من التيجان، وأغطية الرأس والقبعات، وتظهر الرسومات والنقوش الموجودة على الجدران، الرجال العاديين والعمال والعبيد وهم يرتدون قبعات، حيث حلق المصريون القدماء رؤوسهم وارتدوا الباروكات للمناسبات الخاصة، فيما كان العوام يرتدون قبعات مصنوعة من الكتان ويذهبون بها إلى المعابد، وارتدى الإغريق القدماء قبعات دائرية، وارتدى النخبة أكاليل مصنوعة من أغصان الزيتون، واستمر تقليد ارتداء الإكليل كتصرف شرفي حتى العصر الروماني.
انتشر في عصر النهضة قبعات طويلة ونحيفة، ولكن تصميم القبعات تغير تمامًا خلال العصور الوسطى، وأصبحت ممتلئة وأكثر اتساعًا في القرن السادس عشر، حتى حلت القبعات العريضة محل القبعات الطويلة، وبات يمكن ارتداؤها على الرأس مباشرة أو تصويبها بزاوية مائلة.
صُنعت القبعات خلال عصر النهضة من الفراء، وحرص السادة ونخبة المجتمع على ارتداء قبعات بها تصاميم وزخارف فريدة من نوعها، وقبعات أخرى بها ريش البجع أو دبابيس مرصعة بالمجوهرات الباهظة الثمن.
ارتدى جنود أوروبا الأصليون قبعات القماش في أثناء معاركهم الحربية في القرن السابع عشر، وغالباً ما كانت تُصنع من الفرو. وفي أواخر القرن الثامن عشر، بدأت الجيوش البريطانية والإسبانية والفرنسية، ترتدي قبعات الفرو بغرض الزهو والتفاخر وإظهار طول القامة في ساحة المعركة، ومع تطوُّر واختلاف معدّات الحروب، استغنت العديد من الجيوش عن ارتداء هذه القبعات؛ للتخلص من أية معوقات في أثناء استعمال الأسلحة والبنادق، وتم استبدالها بخوذات صلبة؛ لحماية رؤوسهم من القنابل والقذائف، جدير بالذكر أن حراس قصر باكنغهام وحراس الملكة إليزابيث لا يزالون يرتدون هذه القبعات السوداء الطويلة إلى الآن؛ في محاولة منهم للمحافظة على التقاليد الإنجليزية.
القُبّعة الجامعية المُربّعة أو قُبّعة التخرُّج أو قُبّعة أكسفورد، وهي جزء من اللباس الجامعي، يُوضع على الرأس وتتكون من لوحة مربع أفقي مُثبّت على قبعة ضيّقة، وشُرّابه تَتدلى من المركز، اختلفت الأقوال وتضاربت حول معرفة ما أصلهما، فيقول البعض: إن الروب الأسود يرجع إلى القساوسة والرهبان في العصور الوسطى، حيث كانوا يمثلون رجال الدين للدولة، وكذلك كانوا يقومون بمهمة التدريس للطلاب، وعندما ينهى الطالب دراسته يصبح راهبا فيرتدى هذا الزي الموحد للكهنة والرهبان مع القبعة.
ويقال أيضا أن القبعة كانت تستخدم في القرنين الرابع والخامس، لتمييز الفلاسفة والفنانين عن عامة الشعب، أما رمي القبّعات في السماء بدأ هذا التقليد منذ عام 1912م، وذلك عن طريق جامعة أنابوليس، حيث كان الخرّيجون حينها قد تخرّجوا مبكّرًا عن موعدهم الطبيعي بسنتين، مما دفعهم للاحتفال برمي القبّعات في الهواء. وبعد هذا أصبحت تقليد يتم اتباعه في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات، وترجع عادة رمى القبعات إلى الأعلى اعتقاد أن من ضمن حضور حفلة التخرج أطفالا، قد يسرعون لالتقاط القبعات عند تساقطها، وبذلك يستقبلون مستقبلا أفضل، أو إلى اعتقاد أن بإلقائهم هذه القبعات يتخلصون من التزامات الدراسة والتعليم والواجبات. أما شكل وفكرة قبّعة التخرّج أو “قلنسوة التخرج” جاءت بالأصل من أداة كان يستخدمها عمّال البناء لحمل الأسمنت خلال عملية البناء، وهناك اعتقاد آخر ينسب لفكرة قبّعة التخرّج حيث كان يلبسها الرومان وخاصة رجال الدين الكاثوليك، وبعدها أصبح الطلّاب والفنّانين يلبسونها في القرن الرابع عشر والخامس عشر، وأما بالنسبة للخيط أو الحبل الذي يكون متدلّيًا من القبّعة، فهو حبل كان يتم استخدامه للتفريق بين الدرجات، حيث أن كل درجة أو تصنيف يكون لون مختلف، وبعد ذلك اقترنت بالجامعات والحياة الأكاديمية، حيث تكون القبّعة “القلنسوة” مقرونة مع ثوب التخرّج.
قبعة الأغبياء: المغفل (بالإنجليزية: Dunce) هو الشخص غير القادر على التعلم، وعادة ما يظهر بشكل كوميدي مرتدياً قبعة ورقية على شكل مخروط المعروفة باسم قبعات المغفل مع الكلمة "مغفل" أو "غبي" أو ببساطة حرف D. ويُجبر أطفال المدارس أحياناً على ارتداء قبعة المغفل والوقوف أو الجلوس على مقعد في الزاوية كشكل من أشكال العقاب على سوء السلوك أو لعدم إثبات أنهم أدوا دراستهم على النحو الصحيح. هذه القبعة صارت نادرة أو منقرضة تقريبا، فإنها في الثقافة الشعبية تظهر أكثر شيء في الرسوم المتحركة.
قبعة الممرضة أو قبعة التمريض: هي جزء من الزي الموحّد للممرضة، والذي تم طرحه منذ فجر تاريخ المهنة، وكان الهدف الأساسي من ارتداء القبعة، هو جعل شعر الممرضة يبدو أنيقًا، ولإضافة لمسة تواضع لمظهرها، هذا ولا يرتدي الممرض الرجل القبّعة، تم استقاء قبعة التمريض من عادة الراهبات، وتطوّرت عبر الزمن لتنقسم قبعة الممرضة إلى نوعين: القبعة الطويلة، وهي ذلك التصميم الذي يغطي معظم شعر الممرضة، والقبعة القصيرة وهي التي تستقر أعلى شعر الممرضة ، وتم استعمال موديلات مختلفة من القبعات لبيان درجة أقدمية الممرضة، فكلما كانت القبعة طويلة ومكشكشه، كانت الممرضة من كبار الممرضات ، تُعد قبعة التمريض رمزًا مميزًا للتمريض في كافة أنحاء العالم تقريبًا، وهو الأمر الذي يسهل المهمة على المريض في التعرف على الممرضة في المستشفى، من بين الأعضاء الآخرين للفريق الطبي، اختفت قبعة التمريض في المنشآت الطبية في الولايات المتحدة (والعديد من الدول الأخرى)، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بالتزامن مع انتشار "ملابس السكرابز" انتشارًا يكاد يكون عالميًا، كما تتطلب دخول الرجال بكثرة في مهنة التمريض زيًا موحدًا للممرض والممرضة كل على حدة، حيث أنه في البلاد النامية لازالت ترتدي الممرضات القبعة، وهذا هو الحال أيضًا في البلاد التي لازالت فيها الممرضة تمثل أغلبية العاملين في طاقم التمريض.
العِمامة (الجمع: عمامات أو عمَائِم): أو العمَّة من لباس رأس منتشر في كثير من المناطق والشعوب في العالم، وتختلف أنواعه وألوانه وأشكاله من مكان إلى آخر، كما يختلف المغزى من لبسه كوقاية من الحر والبرد، وبين جزء من زي تقليدي شعبي، وبين زي ديني أو مذهبي وبين الموضة الصرفة، وهي من لباس العرب، وعادة ما نرى الشخصيات ترتدي عمائم مختلفة الأحجام والألوان، وحتى يومنا هذا قد نرى بعض الأشخاص من الديانة السيخية يرتدون العمائم لغرض ديني، ولا يعتبر أصل العمائم واضحاً، إذ وُجدت منحوتات تعود إلى بلاد الرافدين من عام 2350 قبل الميلاد ترتدي شيئاً شبيهاً بالعمامات، مما يبرهن أنها تعود إلى زمن ما قبل الديانات الإبراهيمية، وكان الأشخاص من الحضارات العربية والهندية والأوروبية، يرتدون العمامات بأشكالها المختلفة بهدف حماية رؤوسهم من أشعة الشمس أو البرد أو الأمطار، إلا أنه في مناطق أخرى كان المؤمنون بديانة معينة هم فقط من يمكنهم ارتداء العمامات، بينما طلبت مجتمعات أخرى من أشخاص من ديانات مختلفة ارتداء عمامات بألوان معينة للتمييز بينهم، وكان سكان سوريا ومصر في القرن الثامن يرتدون عمامات زرقاء إذا كانوا من الديانة المسيحية، بينما ارتدى اليهود عمامات صفراء، والأشخاص من الديانة المسلمة عمامات بيضاء، وفي الهند وقبل تأسيس الإمبراطورية المغولية في القرن الـ 16، لم يسمح إلا للحاشية الملكية وكبار الشخصيات بارتداء العمائم، إذ كان اللباس رمزاً للمكانة العالية وزُين بريش الطاووس والأحجار الكريمة، كما منعت الديانة الهندوسية الأشخاص من الطبقات الأخرى من ارتداء العمائم وتزينت عمائم المغول، بأسلوب تراثي فارسي وعربي، على عكس العمائم الأصغر حجماً، التي كان يرتديها الهنود في السابق.
وغيّر مجيء البريطانيين إلى بنجاب في عام 1845 من طريقة تعريف السيخ لأنفسهم، إذ نال أسلوب السيخ القتالي إعجاب البريطانيين، مما دفعهم إلى توظيفهم في الجيش البريطاني – الهندي، الذي تضمن أيضاً أشخاص من الديانة الهندوسية والمسلمة.
وألزم البريطانيون الجنود بارتداء العمامات، إلا أن الأحجام والأشكال المختلفة للعمائم لم تتناسب مع المستعمرين البريطانيين، لذا قرروا أن يستبدلوا الطبقات الملفوفة طبيعياً بطبقات متناسبة مرتبة أو ما يُعرف الآن بالعمامة النمطية "الكينية". وبعد الإعلان عن استقلال الهند تغير نمط ارتداء العمائم إذ أصبح السيخ هم من يرتدونها، في حين بات الهندوس والمسلمون يرتدونها أثناء المناسبات، مثل حفلات الزفاف وعانى السيخ في بعض الأحيان من التمييز خارج الهند بسبب العمائم إلا أنهم حاربوا هذا التمييز، ووضعوا العمائم لعكس شخصياتهم وكرمز لعقيدتهم.
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي / محرري الموقع.
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/60884-2023-10-30-08-47-57.html
2967 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع