استبدل حذائك العراقي بسيارة جديدة

        

                                

                    

حدثني احد المعمرين عن اصل كلمة  ((اصلي ابو النعلچة ))...اذ تعود الى ثلاثينيات القرن المنصرم , حيث كانت الحياة في عموم انحاء المملكة العراقية  تتسم  بالبساطة  والفقر  وصعوبة الحصول على الدينار العراقي الذي يذبح كالموس بيد الحلاق  من شدة قوته واستقراره لارتباطه بعملة بريطانيا العظمى ( الباوند الاسترليني)المرتبط بالذهب.

    

حيث كتبت على الدينار هذه العبارة الرنانة ( ورقة نقدية صادرة وقابله للتحويل الى ليرات انكليزية بموجب القانون المرقم 44 لسنة 1931 ) .

  

و كان الباوند الاسترليني يعادل قيمة الباوند الذهبي لذلك فان عضو الوفد المفاوض العراقي و وزير المالية الاسبق حسقيل ساسون عندما ارادت اللجنة القانونية المكلفة سن اتفاقية دخول العراق الى منطقة الاسترليني وان الدينار العراقي قابل للتحويل الى ليرات انكليزية  فجرت مناقشه بينه وبين اعضاء اللجنة التي كانت غير مقتنعة على هذه العبارة وقال لهم اذا كان الباوند الاسترليني يساوي باوند  ذهبي فلماذا الاعتراض على هذه العبارة فوافق الجميع على المقترح  فلذلك اصبح الدينار العراقي سيد الموقف في كافة الظروف الاقتصادية لأنه متعلق بالذهب.وكان الكساد العالمي عام  1929 والسنوات التي بعده قد اثقل العالم جميعا بالوطأته  الاقتصادية الخانقة ولم يكن العراق قد افلت من هذه الوطئه الخانقة التي ترتبت عليها جميع اتجاهات الحياة . فكانت جميع المتطلبات عزيزة ونادرة, وكان من ضمن هذه الاشياء هو الحصول على حذاء رجالي جديد وأنيق فقد كان سعره باهظ الثمن ولا يتمكن من شرائه الا من كان يمتلك راتبا في مفاصل الدولة العراقية . حيث كان الحذاء  يصنع من الجلد الطبيعي وكانت ارضية الحذاء تصنع من جلود الحيوانات القوية والسميكة حيث لم تكتشف مادة الفوريتان بعد التي استخدمت لصناعة ارضية الاحذية او ما تسمى بالعامية ب‌ـ( الطرگه).

  

وعند شرائك للحذاء تذهب مباشرتا الى عامل الاحذية (الرگاع او الاسكافي) حتى يضع لك القطع المعدنية (النعلچات )المتنوعة الشكل ويقوم بتثبيتها في اماكن مختلفة اسفل الحذاء بواسطة مسامير صغيرة حتى يكون احتكاك الارض مع القطع المعدنية من دون تأثر الحذاء بالاحتكاك  والمحافظة علية من التلف السريع . وكانت صناعة الاحذية في العراق (( القنادر))تصنع محليا  من قبل عمال مهرة و تصنع على نوعين ...

  

الاول وهو الرخيص التي لا يتجاوز سعرها من (250 فلسا ) للأطفال الى (400-500 ) فلسا للكبار و تصنع من الجلد ومادة الكارتون حيث ان كعب الحذاء يصنع من مادة الكارتون ويغلف بقطع جلدية خفيفة اما باقي اجزاء الحذاء فتصنع  من الجلد  الرقيق و فوقها قطعة من الكارتون ثم قطعة  من الجلد الخفيف ايضا وتخاط بواسطة الابرة والخيط القطني يدويا . اما النوع الثاني فتصنع جميع اجزاءه  من الجلد الخالص وكانت اسعار هذه النوعية من الاحذية تبدأ من الدينار ونصف الى الدينارين  ويسمى الاصلي ( كلاصي) نسبتا الى كلمة first class ( نخب اول ) وهذا النوع من الاحذية توضع في اسفلها قطع  حديدية تسمى النعلجة و على ثلاثة اشكال الاولى وتكون على محيط الجزء الملامس للأرض وتكون على شكل مسامير نجميه صغير الحجم وتدق بصورة فنية حتى لا تخرج الى باطن الحذاء فتوذي القدم  والنوع الثاني ذات الشكل الهلالي وتدق على جانب الحذاء السفلي والنوع الثالث التي تشبه حذوه الحصان وتدق في اسفل الكعب . وبعد تطور الامور تم استيراد انواع من الاحذية توجد فيها نعلجات من مادة غير قابلة للسوفان والتآكل وتكون مصنوعة مع قالب الكعب لذلك تسمى هذه الاحذية المستوردة الجلدية اصلي ابو النعلجة والتي تعني ان النعلجة متضمنة في صناعة الحذاء . وكان هناك نوع من الاحذية الجلدية التي يستعملها غالبية سكان العراق وهي عبارة عن خف مصنوع من جلد الجاموس و يسمى اليمني ولونه احمر غامق ومن صفات هذا الخف انه سريع الخلع والارتداء ويقال  في المثل الشعبي للشخص العصبي(( ايده  واليمني )) اي انة في ساعة غضبه يخلعه  ويضرب خصمه به . وهذا النوع يكون يابسا وقويا  في بداية صناعته حيث لا توجد به ليونة ولا يمكن  للشخص  العادي ان يستعمله إلا بعد اجراء عملية  تليين وكان  سعر اليمني ب ربيه  ( 75 فلسا ) ثم يقوم هذا المشتري بإعطائه الى اشخاص اشداء متواجدين عند بائع الاحذية يقومون بلبس  هذا اليمني لمدة ثلاثة ايام حيث يقومون بنقعه بالماء  اولا حتى يلين ثم يلبسونه  ويسيرون به الى ان يصبح لينا  وعلى مشتري اليمني دفع مبلغ ومقداره ربيتين ( 150 فلسا ) ما يعادل ضعف سعره الى الذين ساروا به ثلاثة ايام متواصلة . ومن مميزات هذا الحذاء الشهير لا وجود للمسامير وإنما تركيبة بواسطة خيوط هندية المنشأ حيث تطلى هذه الخيوط القطنية بشمع العسل من اجل تسهيل الخياطة وإعطائه القوة والمتانة وقد تم استيراد انواع جديدة  في ثلاثينيات وأربعينات القرن المنصرم من مدينة حلب وكانت تصنع من قبل صناع ارمنيين ومن جلود لينة ومدبوغة دباغة فنية راقية بحيث بالإمكان لف وطوي الحذاء دون ان يتأثر ابدا . وكان الرجال كبار السن يستعملونه لتأديب النساء المارقات والمخالفات لأزواجهن . وكانوا الافندية وهم الرجال الذين يرتدون البدله الرسمية( القاط )لا يلبسون اليمني مطلقا وإنما يلبسون القندرة  ذات القيطان . اما كلمة الاحمري فهي تعني ايضا اليمني حيث يلبسه  كبار التجار وذلك بسبب لمعانة ولونه الاحمر الجميل والراحة التامة اثناء المشي .اما(الحطاطه) فهو حذاء تفصال.. حيث تأتي الى صانع الاحذية وتطلب منه صناعة حذاء خاص بك وفق مواصفات تمليها عليه ليكون الحذاء مطابقا لرغباتك من حيث اللون والشكل والمتانة وغير ذلك . علما ان صناعة الاحذية هذه كانت قبل نشوء شركات صناعة الاحذية وتحديدا قبل سنة  1945 اذ انشئت عدة مصانع حديثة منها  (مصلحة الجلود) شركة باتا الشهيرة او ما تسمى الان شركة الصناعات الجلدية والتي وما يزال مقرها في الكرادة . اما البوتين فهو نوع من انواع الجزمة الجلدية ذو الجلد اللين  ويستعملها الاولاد من سن ( 5 الى 14 سنة ) وفيها قيطان ويكون جلدها من ذلك النوع الجيد اللماع ( الروغان ) . وكانت الاحذية الانكليزية المستوردة تحديدا تحدث ضررا بالقدم لشدتها وعدم ليونتها  وظهور ما يسمى ب ( البسمار),

 

ومن الماركات السائدة في اربعينات القرن المنصرم ماركة افنيو وماركة مارسدس ولها صوت عند المشي بها حيث يتبختر لابسها على انغام صوت الحذاء بعكس الاحذية الايطالية  المستورده التي تكون عادة من الجلد الخفيف اللين ولا صوت لها . ومن الجدير بالذكر فان وزن الحذاء الانكليزي يساوي ثلاثة اضعاف وزن الحذاء الايطالي بسبب جلده السميك . وكان سعر الحذاء الانكليزي والايطالي المعروضة في بغداد بثلاثة دنانير لكن لكل نوع له هواة  علما ان الانكليزي اقوى من الايطالي . ومن اشهر مستوردي الاحذية الاجنبية هو التاجر صادق محقق الذي يقع متجره في ساحة الملك فيصل الثاني المسماة حاليا حافظ القاضي

  

(( وحافظ القاضي هو شخص كان يمتلك سيارات اجره  في بغداد وقد شيد عمارة في تلك المنطقة واشتهرت هذه الساحة باسمه  بعد زوال الحكم الملكي )). وكان لون احذية الجيش والنطاق الجلدي في العهد الملكي بني فاتح اما القوة الجوية ومنتسبي الشرطة فكانت سوداء . ومن الجدير بالذكر ان صناعة الاحذية في العراق قد تطورت تطورا هائلا حيث تم انشاء عدة مصانع لصناعة الاحذية منها :

  

معمل الاحذية الشعبية في الكوفة الذي انشأته الدولة بعد ثورة 14 تموز على يد الزعيم عبد الكريم قاسم وتخصص بإنتاج وصناعة الاحذية الرياضية النسيجية المعروفة .
وقامت الحكومة العراقية في ستينات القرن المنصرم  بتصدر كميات كبيرة من الاحذية الجلدية الى دول الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التابعه لها حيث نقلت بواسطة طائرات الشحن الجوي العملاقة ولاقت هذه الاحذية رواجا هائلا , وكان استيراد السيارات الروسية الجديدة و الجيكيه ايضا يتم عن طريق مقايضة (40)اربعون زوجا من الاحذية العراقية المصنعة في معمل الدباغة بسبب جودت ومتانة وقوة وأناقة هذه الاحذية العراقية ذات المواصفات العالمية  والسبب ان الامطار في تلك الفترات كانت كثير وغزيرة مما جعل نوعية العلف جيدة وغنية الذي انتج نوعية من الجلد ذو سماكه تصل الى (8 – 10 ) ملم وهذه تعتبر مواصفات راقية جدا ومرغوبة عالميا حيث ان معدل سمك الجلود الاوربية والأمريكية  تصل بالكاد الى( 5) ملم فقط .

 

حتى ان الكثير من التجار الغير عراقيين كان يقومون بتصدير الاحذية العراقية الى دول اوربا الشرقية وغيرها مقابل استيراد سيارات جديدة وبيعها بأثمان مرتفعة  في البلدان العربية .

       

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع