تاريخ دار المعلمين العالية في بغداد ١٩٢٣ - ١٩٢٨
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
إن الحاجة إلى دار معلمين عالية ، أو الحاجة إلى دار عالية للمعلمين والمدرسين في العراق بدت ملحة وضرورية بعد اتساع فتح مدارس متوسطة وثانوية اثر تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 . وحيث لم يكن في العراق آنذاك أساتذة من ذوي التأهيل العالي للتدريس في تلك المدارس ، ارتأى المسؤولون في وزارة المعارف ( التربية) فتح صف مسائي سنة 1923 كتدبير مؤقت ، واتخذ هذا الصف الطابق العلوي من المدرسة المأمونية في بغداد مقرا للمدرسة الجديدة التي أصبح يشرف عليها المربي المعروف الأستاذ ساطع ألحصري (1888 ـ1968) رحمه الله . وقد قبل في هذا الصف (11) طالبا فقط ، وهم يشكلون (الدورة الأولى) لتلك المؤسسة التعليمية الجديدة ،ويعدد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي أسماء الطلاب الذين تخرجوا من الصف المسائي ويقول أنهم كانوا من معلمي ومدراء المدارس الابتدائية وهم سعيد فهيم ، وعباس فضلي ، وسلمان الشواف ، وعبد الكريم جودت ، وشفيق سلمان ، وعوني بكر صدقي ، وصديق الخوجة ، ومحمد علي الخطيب ، وعبد الرزاق لطفي ، وسعيد أيوب ، وهاشم الالوسي .
وفي السابع من تشرين الأول / أكتوبر سنة 1923 ، فاتحت وزارة المعارف مجلس الوزراء بكتاب جاء فيه أن ((ثمة حاجة شديدة إلى تكثير المدارس الثانوية ، سيما الصفوف الأولى والثانية منها في السنين المقبلة ، وسنضطر إلى صفوف كهذه وتأسيس مدارس متوسطة بين الابتدائية والثانوية في المراكز المهمة كالعمارة ، والنجف الاشرف ، والناصرية ، وكربلاء المقدسة ، والواجب علينا أن نفكر في استحضار المعلمين اللازمين لهذه التأسيسات المستقبلية من الآن ، وقد رأينا أن نؤسس دار عالية للمعلمين لايقبل فيها إلا من كان متخرجا من دار المعلمين الابتدائية ، أو من مدرسة ثانوية على ان تكون مدة الدراسة فيها سنتين بحساب ( 12) درسا في الأسبوع ، وتفتح هذه المدرسة شعبة (صف) لتخريج معلمين للدروس الطبيعية ، وشعبة لتخريج معلمين للدروس التاريخية والجغرافية وتدرس في شعبة الطبيعيات الدروس الآتية : الفيزياء ، الكيمياء ، الحيوان ، النبات ، طبقات الأرض ( جيولوجيا) ، الصحة ، الزراعة ، ويدرس في شعبة التاريخ والجغرافية ، التاريخ العام وتاريخ العرب ، وتاريخ الحضارة ، والجغرافية الاقتصادية ، والجغرافية الطبيعية وجغرافية العراق ، وعلم الاقتصاد ،وعلم الاجتماع ، والسياسة ، وفي كلتا الشعبتين تدرس التربية ، وفلسفة العلوم وتاريخها )) .
وبصدد الأجور الدراسية ، فقد قررت على الطلاب لسد ((المصاريف المقتضبة ، وسوف لانطلب من وزارة المالية مخصصات لهذا الغرض ، ولن ندخلها في الميزانية ، حتى نتبين الوارد من المصروف فعلا .. )) وقد وقع على الكتاب آنذاك وزير المعارف الشيخ محمد حسن ال أبي المحاسن ، أما رئيس الوزراء فكان جعفر باشا العسكري .
اتخذ مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأول من كانون الأول / ديسمبر 1923 قرارا بقبول الاقتراح ومما جاء في القرار أن مجلس الوزراء قرر قبول اقتراح وزارة المعارف القاضي بإحداث مدرسة عالية للمعلمين ، وان يستوفي من كل طالب يدخل هذه المدرسة ( 15 ) روبية في الشهر ، وكانت الروبية آنذاك تساوي 75 فلسا عراقيا . وان لاتتكبد الخزينة مصاريف إضافية من جراء فتح هذه المدرسة سوى الأجور التي تستوفي من الطلاب .
افتتح باب القبول في دار المعلمين العالية بعد اتخاذ الترتيبات والتحضيرات اللازمة .. وقبل معلمي المدارس الابتدائية الراغبين في إعداد أنفسهم للتأهيل العالي ، فالتحق بها بعد الـ (11) طالبا (الوجبة الأولى) ، عدد آخر من الطلاب عدوا (الوجبة الثانية) منهم : محمود شكري ، وسعيد صفو ، ووديع سرسم ، ومصطفى علي ثروت ، وعبد الأحد سرسم ،وعبد الحميد الخطيب ، ونسيم سلمان ، وإبراهيم حسون ، وسعيد فتوحي ، وصبحي ناحوم ، وشاكر على العاني ، وإبراهيم شوكت ، وجميل رؤوف ، وحامد مصطفى ، ومحمود الحاج علي ، وعبود مهدي زلزلة ، وذو النون أيوب ، ودانيال كساب ، وموسى الشماع ، وداؤد الصائغ ، ورفيق نوري السعيدي ، وسليم محمود ، ومحمد باقر حسين ، وضياء الدين شكارة ، وفخر الدين احمد ، وعبد القادر البند نيجي ،وذوالنون أيوب ،ونسيم سلمان ،وإبراهيم حسون ،وسعيد فتوحي ،وعبد القادر محمد ،وتوفيق فتاح ،ودانيال كساب ،وصبحي ناحوم .ولما ازداد عدد الطلبة ولم تعد بناية المدرسة المامونية تستوعبهم ،انتقلت الدار إلى بناية المدرسة الثانوية .
كانت الدراسة مسائية وظلت كذلك حتى سنة 1927 ، حين أصبحت نهارية ، ولم يقبل في الدار بعد ذلك ، إلا خريجو الدراسة الثانوية ، وقد عين الأستاذ طالب مشتاق عميدا لدار المعلمين العالية وكالة ، ثم عين الدكتور ناجي الأصيل ، عميدا . أما الأساتذة فكانوا عند التأسيس :
1 . ساطع ألحصري ، لتدريس علم النفس وفلسفة العلوم وأصول التدريس
2 . عبد اللطيف ألفلاحي ، لتدريس التأريخ العام والحديث
3 . طه الراوي ، لتدريس تأريخ العرب والإسلام
4 . يوسف غنيمة ، لتدريس تاريخ المدن العراقية
5 . وديع اسعد ، لتدريس الجغرافية الاقتصادية
6 . هاشم السعدي ، لتدريس جغرافية العراق
7 . وديع عبد الكريم ، لتدريس جغرافية العراق
8 . عز الدين علم الدين ، لتدريس الكيمياء والتاريخ الطبيعي
وفي العام الدراسي 1927 ـ 1928 كان ملاك دار المعلمين العالية كما يلي :
1. ساطع ألحصري ، لتدريس مادة التربية وعلم النفس والاجتماع
2 . ناجي الأصيل لتدريس مادة تاريخ الحضارة
3 . معروف الرصافي لتدريس مادة آداب اللغة العربية
4 . جلال زريق لتدريس مادة الرياضيات
5 . وديع عبد الكريم لتدريس مادة الفيزياء
6 . تحسين إبراهيم لتدريس مادة الكيمياء
7 . شوقي الدندشي لتدريس مادة تاريخ الإسلام
8 . محمد خورشيد(وهو الشاعر محمد العدناني ) لتدريس مادة اللغة الانكليزية
كان لساطع ألحصري دور كبير في إنشاء وتنظيم دار المعلمين العالية ، فقد حرص باستمرار على إدخال الإصلاحات إلى هذا المعهد وتطويره وتزويده بالمختبرات والأثاث واللوازم المختلفة ، وفي سنة 1927 فتح في دار المعلمين العالية ، فرع للرياضيات قبل فيه عشرة طلاب من خريجي المدارس الثانوية . وكان ألحصري وراء اختيار الأساتذة الكفوئين من العرب والعراقيين للتدريس في دار المعلمين العالية . وخلال السنة الدراسية 1926 ـ 1927 ، اضطرت وزارة المعارف ، نتيجة لحاجتها إلى المدرسين ، استخدام طلاب دار المعلمين العالية قبل أن يكملوا دراستهم ، فكانوا يقضون نصف أوقاتهم في الدراسة والنصف الباقي في التدريس ،وقد أصبح في دار المعلمين العالية ثلاثة فروع ، هي فرع العلوم الطبيعية ، وفرع العلوم التاريخية والجغرافية (الاجتماعيات) ثم فرع الرياضيات . وكان سبب اقتصار الدار على هذه الفروع يرجع إلى حاجة المدارس الثانوية إلى مدرسين أكفاء في تلك الاختصاصات أكثر من حاجتها إلى مثلهم في الميادين الأخرى .
أشارت المصادر البريطانية إلى أن الشعور الوطني المعارض لكل اقتراح بتعيين مدرسين أجانب للمدارس الثانوية وكذلك قلة تكاليف أعداد المدرسين داخل العراق ، بالمقارنة إلى تعيين الأجانب كان وراء إنشاء دار المعلمين العالية وقد ارتبط بإنشاء الدار، بدء المحاولات لتوسيع دائرة التعليم الثانوي. وتعد سنة 1925 نقطة تحول في تاريخ التعليم الثانوي في العراق ، إذ بدأت في هذه السنة حركة لتوسيع نطاق هذا التعليم ، إذ استعانت وزارة المعارف بالأهالي لمساعدتها ماليا في فتح مدارس متوسطة وثانوية في مناطق مختلفة من العراق . وفي السنة الدراسية 1925 ـ 1926 ابتدأت الامتحانات العامة (البكالوريا) للدراسة الثانوية في العراق لأول مرة .
عندما تأسست جامعة آل البيت ببغداد في الخامس عشر من آذار / مارس 1924 وعين الأستاذ فهمي المدرس رئيسا للجامعة ، ضمت دار المعلمين العالية إلى الجامعة ، إلى جانب مدرستي (كليتي) الحقوق والهندسة ، والكلية الدينية . لكن عقد الجامعة سرعان ما انفرط عندما ألغيت سنة 1930 ، فعادت الكليات إلى وضعها السابق مستقلة بعضها عن البعض الآخر .
وفي السنة الدراسية 1930 ـ 1931 نفسها ، اقترحت لجنة الأمور المالية إلغاء دار المعلمين العالية ، فاستجابت وزارة المعارف لذلك، وقررت غلق أبواب الدار بحجة انخفاض مستواها ومستوى هيئة التدريس فيها . كما تقرر التعويل على ( البعثات العلمية) في الحصول على المدرسين والمدرسات ، وكان عد طلاب الدار عند إلغائها (44) طالبا منهم (25) طالبا في الصف الأول و(19) طالبا في الصف الثاني . وقد عين المتخرجون منهم مدرسين على الملاك الثانوي . أما الذين لم يكملوا دراستهم، فقد عين بعضهم على الملاك الثانوي، والباقون على المـلاك الابتدائي . ولم تفتح الدار ثانية إلا في سنة 1935. وفي سنة 1939 أصبحت مدة الدراسة في دار المعلمين العالية أربع سنوات يمنح الطالب في نهايتها ليسانس في العلوم أو الآداب أو التربية، ويرتبط إلغاء دار المعلمين في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي إلى سياسة نوري السعيد التي استهدفت تقليص التعليم الثانوي والاعتماد على البعثات العلمية خارج العراق ،وخشية السلطة الحاكمة آنذاك من الدور السياسي الذي بات يلعبه طلبة دار المعلمين العالية والمعاهد العالية الأخرى باعتبارهم جزءا من الحركة الوطنية العراقية . هذا فضلا عن أن سلطات الانتداب البريطاني المفروض آنذاك على العراق، لم تكن تشجع على التوسع في التعليم العالي لأسباب سياسية يتعلق معظمها بالخوف من اشتداد الوعي الوطني، وتنامي الشعور القومي والديموقراطي بين الطلبة في العراق .
تحدث الأستاذ عبد الرزاق الهلالي عن دار المعلمين العالية، فقال أن الذين تخرجوا في سنة إلغاء الدار هم فرنسيس بدرية ، وعبد القادر جميل ، وجواد الجصاني ، وناجي يوسف ، ومحمد علي راجي كبة ، وصالح كبة ، وصبحي علي ، وبشير اللوس ، وكامل صالح ،وعبد الغني الجرجفجي وبشير فرنسيس ، وعبد الستار فوزي ، وعبد الهادي المختار ، وإبراهيم محمد نوري ، وكانت رواتب الذين يكملون الدراسة في دار المعلمين العلية ( 16,875) دينار شهريا . أما الذين لم يكملوا الدراسة ، فكانوا يعينون معلمين في المدارس الابتدائية براتب شهري قدره (14,250) دينار شهريا .
وأضاف الهلالي يقول أن دار المعلمين العالية استقبلت أول وجبة من الفتيات العراقيات في مطلع السنة الدراسية 1937 ـ 1938 وذلك في عهد عميدها الدكتور متي عقراوي . وكن (8) فتيات منهن أديبة إبراهيم رفعت ، وبدرية علي ، وعزة الاستربادي ، وزهرة ألجلبي ، وفخرية محمد علي . والبنات كن يأتين الدار ، وكل واحدة منهن تلبس العباءة العراقية ، ويعضهن كن يضعن ( البوشي) على وجوههن . وعند وصولهن الدار ينزعن العباءة ويتحررن من البوشي وكن يجلسن في الصفوف المتقدمة (الأولى) من المقاعد ،وخلفهن يجلس الطلاب وكان وجودهن في الصف باعثا على الهدوء والاحترام وتجنب العبث والمزاح .
أما الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ ، وكان احد طلاب دار المعلمين العالية أي من الطلاب الذين يطلق عليهم ( الدر معيون) ، فقد كتب عن دار المعلمين العالية في ذكراها الستينية ( خريف 1983) يقول انه قدم إلى رئيس جامعة بغداد في السبعينات من القرن الماضي مقترحا لإحياء ذكرى تأسيس دار المعلمين العالية ، فاستجاب، وأعد الدكتور محفوظ منهاجا واسعا لإحياء الذكرى لكن المنهاج ضاع وكان يتضمن نبذة عن تأسيس دار المعلمين العالية وموجز تاريخها وأسماء عمدائها وقائمة مرتبة على السنين بالأوائل من خريجيها .وقد أسف على ضياع ذلك. وفي جريدة العراق (البغدادية) العدد الصادر يوم 3 شباط ،1985 نشر الدكتور محفوظ جانبا في ذكرياته عن دار المعلمين العالية ، وذكر انه نظم قصيدة خاطب بها الدار في 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1949 قائلا :
يا دار صحبي وحسبي
أني إلى الدار أنمي
ويا أهيل ودادي
أورثتموني سقما
ويا أحبابي رفقا
تركتم الكلم يدمى
وقال: (( كانت دار المعلمين العالية شيئا خاصا في المعاهد يمثل التعليم العالي في إطار أسرة متحابة تضم الأساتذة والطلبة والموظفين والعاملين تجمعه الدار . وقد ترك رباط الأسرة أثرا كبيرا في مشاعر خريجي دار المعلمين العالية يشبه القرابة وربما زاد عليها . وقد ظل ( الدر معيون) يحسون عمق المودة والحب والقربى حتى الآن رغم تباعد الزمن وتقدم العهد . ولفظ ( دار المعلمين العالية) عند خريج الدار يعني ( حنينه أبدا لأول منزل) وذكريات سنين أربع عامرة بالدروس والمواسم والمشاكل والظرائف واللطائف والطرائـف والحب)) .
لقد كانت دار المعلمين العالية، في نظر الدكتور محفوظ وكل خريجيها ،(( بيتا جميلا ، وأسرة لطيفة وعائلة متآلفة تربط أعضاءها الصداقة والزمالة والدراسة ،وتشدهم المحبة والمودة والرفعة . تؤلف بينهم قاعاتها وساحاتها ورحبها ، وتجمعهم حجراتها وغرفها وحدائقها . ويلتقون في مطعمها وتؤنسهم أحاديث مائدتها صباحا ومساء وتضم غرفات النوم في القسم الداخلي أجنحتها عليهم ليلا إذا اشتد الظلام ، ويطيب حمامها أجسامهم في الجمعات كل أسبوع . وقد تعطر نسمات الدار أحيانا اسارى الهوى يخفون الفتون ، ثم تنم عليهم الآهات والحسرات ، ويشي بهم الوله ، وتشهد عليهم النظرات ، وتدل عليهم الدموع ، وهي حالات كانت تعبق بالعفة ، والصدق ، والأمانة والنزاهة ، وكنا ننظر إلى أصحابها بإشفاق ورحمة ورأفة)) .
ويستطرد الدكتور محفوظ مع ذكرياته في دار المعلمين العالية، ويعدها ((أم المدارس)) و((نواة الجامعة)) و ((من أمهات معاهد الثقافة والمعرفة والمركز الأول لتخريج رجال العلم والأدب في العراق)) .ثم يقول (( دخلت دار المعلمين العالية في خريف سنة 1944، وحييتها في اللقاء الأول يوم 5 تشرين الثاني 1944 بقصيدة مطلعها :
أورق العود وازدهى النوار
وطوى معصم الرياض سوار
وكانت هذه الأبيات بداية التعريف بي شاعرا في الدار .
وقد كان شعراء الدار في الأربعينات نخبة يخطر ببالي منهم (الدكتور )عبد الجبار ألمطلبي،و(الدكتورة) عاتكة الخزرجى ،والشاعر بدر شاكر السياب ،والأستاذ شاذل طاقة ،والسيدة لميعة عباس عمارة ،والأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد ،والشاعر العربي الأستاذ احمد مجيد العيسمي من سوريا )) .كانت دار المعلمين العالية بالنسبة لخريجيها بمنزلة (الأم )،وكانت شيئا خاصا وقد ظل (الدر معيون )يحسون عمق المودة والحب والقربى التي تجمعهم حتى الآن رغم بعد الزمن وتقادم العهد )) .
أما عبد الرزاق عبد الواحد فقد تحدث عن بعض ذكرياته في دار المعلمين العالية وقال عنها انها قد خرجت (عمالقة) العراق في الادب والسياسة والثقافة والعلوم والتربية .وأضاف انه دخلها سنة 1947 وكانت ابنة خاله الشاعرة لميعة عباس عمارة قد سبقته وقد عرفته ببدر شاكر السياب الذي استقبله بحفاوة لأنه كان يحب لميعة آنذاك وقال أن الدار اعتادت أن تنظم كل عام دراسي مربدا للشعر، وتعظم دور الدار في حياة العراق الثقافية والسياسية بعد وثبة كانون الثاني 1948 التي اندلعت ضد معاهدة بورتسموث .كما تصاعدت النزعات القومية والماركسية بين طلبة الدار وتفاقم التوجه نحو الدعوة إلى تحرر المرأة وألقت لميعة عباس عمارة قصيدتها المشهورة (أنا وعباءتي ).كما ألقى عبد الرزاق عبد الواحد أول قصيدة له في ذلك المربد ونشرتها له جريدة الوطن لصاحبها السياسي المعروف عزيز شريف وقد حملت القصائد التي ألقيت آنذاك مضامين وطنية تحررية. ولم يكن الشعر في دار المعلمين العالية بعيدا عن مطالب الحركة الوطنية العراقية الداعية إلى التمرد ضد الإقطاع والرجعية والاستعمار وأعوانه ،والى شيى من هذا القبيل يشير عبد الوهاب البياتي في حديث له مع فراس عبد المجيد رشيد في كانون الثاني 1995 عندما يقول : (( كانت دار المعلمين العالية ،بؤرة ثقافية كبيرة، انصهر فيها الكثير من التيارات الثقافية والشعرية ،وكان مثلا السياب ونازك الملائكة من طلبة الدار ،أي من الذين تخرجوا من تلك الدار ... )) . أما عبد الله بن يحيى السر يحي فيقول عن دار المعلمين العالية، وهو يتابع مسيرة احد خريجيها سنة 1946 الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي أستاذ اللغة العربية المشهور (1916 -2001 ) : ((وقد خرجت دار المعلمين العالية أفذاذ وعباقرة علماء وأدباء العراق في العصر الحديث ،إذ كان مستوى الدراسة والتدريس فيها عاليا ومتميزا ،وكان مدرسوها صفوة رجال العلم في العراق ومصر والشام )) .
ويقيم الأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ اثر دار المعلمين العالية في حياة العراق الثقافية العاصرة فيقول ان دار العلمين العالية كانت ((منبرا تنويريا مهما ،ولم تكن لتقتصر على الدراسة بل كانت المواسم الشعرية والمباريات والنشرات الجدارية سمتها البارزة .فضلا عن وجود أساتذة عظماء ..علما وادبا ودعاة للتجديد ...وقد تخرج فيها شعراء صاروا نجوما فيما بعد وأكثر هؤلاء كانوا من رواد الشعر الحر أو رواد التجديد في الشكل التقليدي نذكر منهم نازك الملائكة ،وسليمان العيسى ،وعلي جواد الطاهر ،وعاتكة الخزرجي ،وعبد الوهاب ألبياتي ،ورزوق فرج رزوق ،وعبد الجبار ألمطلبي ،ولميعة عباس عمارة ،وشاذل طاقة ،ومحمد جميل شلش ،وعبد الرزاق عبد الواحد ،وكانت المنافسة على أشدها بين أومن الشعراء والأدباء أيام التلمذة ،بل ان بعضهم كتب أجمل قصائده في تلك الأيام ... )) .
وينقل الدكتور الصائغ عن الشاعر السوري سليمان العيسى وهو أحد ابرز طلبة دار المعلمين العالية تخرج فيها سنة 1947 قوله : ((ولدت عام 1921 ودخلت دار العلمين العالية في بغداد عام 1944 وتخرجت فيها عام 1947 ...كنت قد قدمت من سوريا (الاسكندرونة ) ،وليس لدي أصدقاء بعد من العراقيين ،وكانت الدار تجري مقابلة للطلبة الجدد وقد اتخذت لجنة القابلة من غرفة العميد الدكتور متي عقراوي مقرا لها وعلى باب العميد ...تعرفت على شاب نحيل خجول هو بدر شاكر السياب وهكذا جمعنا فصل واحد ومقعد دراسي واحد ...أما نازك الملائكة فقد تخرجت من الدار قبل دخولنا إليها بأربع سنوات بيد أنها كانت تزور الدار في بعض المناسبات ...وبقية زملائي هم ديزي الأمير ،ومحمد علي إسماعيل (من البصرة )ورمزه عبد الأحد واحمد قاسم الفخري (من الموصل )وكان اقرب الزملاء إلى نفسي ...أما الشاعر عبد الجبار ألمطلبي فكان قد سبقنا بعام أو عامين ...وثمة الشاعر خالد الشواف فهو لم يزاملنا في الدار بيد انه كان يزورنا ...والخيمة التي كانت تظلل جماعة الدار من رواد الشعر الحر فكانت قهوة عرب على طريق الوزيرية ،كنا نلتقي فيها لنشرب الشاي ونتناقش في الشعر ونحضر دروسنا ...
أما الشعراء لميعة عباس عمارة وعبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة فقد جاؤا الدار ودخلوا السنة الأولى وكنت وبدر شاكر السياب في السنة الرابعة ..والشاعرة عاتكة الخزرجي جاءت في مرحلتها الدراسية بالدار بعدنا لكنها سبقت عبد الوهاب ألبياتي ولميعة عباس عمارة فهي متوسطة بيننا ...ولم تسهم في إلقاء شعرها على طلبة الدار إلا مرة أو مرتين...)) .
ويختم سليمان العيسى شهادته عن الدار بقوله )): ويمكنني القول ان دار المعلمين العالية رزقت أساتذة كبارا ،أثروا في الطلبة تأثيرا واضحا .فضلا عن ان الطلبة الذين تتلمذوا عليهم كانوا جملة مواهب كبيرة .أما الأساتذة فهم الدكتور متي عقراوي عيد الدار حين كنا في السنة الاولى وخالد الهاشمي عميد الدار بعد الدكتور عقراوي وبقي بعد تخرجنا والدكتور مصطفى جواد والدكتور محمد مهدي البصير وزوجته الفرنسية مدام البصير وأستاذ انكليزي اسمه المستر وود والأستاذ طه الراوي والأستاذ حسن الدجيلي والدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور عزا لدين ال ياسين والمعيد الأستاذ جاسم محمد ... )) .
ويقول الأستاذ العيسى:(( إن الدكتور محمد مهدي البصير شكل لجنة ثقافية بإشرافه ورعايته كان ابرز أعضائها السياب والعيسى .وقد وجهت اللجنة دعوة للشاعر محمد مهدي ألجواهري فاستجاب على الفور وأقمنا له (صباحية شعرية )قرأ فيها ألجواهري عشرا من قصائده الثورية والغزلية ،ولم تعبأ اللجنة الثقافية بموقف الدولة المعادي للجواهري ))
وكانت الدار ترتدي أزهى حللها في يوم المولد النبوي ،إذ تقام الاحتفالات ويقرأ الشعراء السياب والعيسى والبياني ولميعة وآخرون قصائدهم ،وكان يحضر القراءات الشعرية أركان الدولة العراقية ، (( وحين قرأت في يوم المولد النبوي سنة 1946 قصيدتي التي أتوعد حكام العراق بانتفاضة تثأر لشهداء ثورة مايس 1941 كان معظم أركان الدولة حاضرا ،الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله ووزير الخارجية الدكتور محمد فاضل الجمالي ،وقد ورد في قصيدتي
فحذار انفجارهن حذار
العفاريت في الزجاج لهيب
أنا أخشى انتفاضة تغسل
الفردوس غسلا من ألأذى والعار
غضب الوصي وطلب إلى العميد الدكتور خالد الهاشمي أن يفصلني ،بيد أن العميد هدا من روعه وقال له إن سليمان العيسى طالب سوري هجر من الاسكندرونة وإذا فصلناه فإلى أين يذهب ،فصرف النظر عن فصلي )) . وعن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ،قال العيسى انه دخل الدار سنة 1950 ،بعد أن تخرجنا السياب وأنا سنة 1947 .وكما هو معروف فأن دار المعلمين العالية شهدت، خلال السنة الدراسية 1944-1945 ، تشكيل جماعة أدبية بأسم (إخوان عبقر ) ضمت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وكمال الجبوري وعبد الجبار المطلبي وغيرهم . وقد لقيت من عميد الدار الدكتور متي عقراوي والأساتذة تشجيعا لذلك قامت الجماعة بتنظيم المواسم الشعرية والمجالس الأدبية وبكل حرية .
بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ، أبدل اسم دار المعلمين العالية فأصبح كلية التربية وانتهى ( العهد الدر معي) الذي دام خمسة وثلاثين عاما يعتز بها (الدر معيون) الأقدمون في تاريخ العلم والأدب ، والتربية والتعليم .
تولى منصب عمادة دار المعلمين العالية خلال المدة من 1923 ـ 1958 كل من الأستاذ ساطع ألحصري (1923) ،الأستاذ طالب مشتاق (1927) ، الدكتور ناجي (1939) ، الأستاذ الأصيل (1929) ، الدكتور محمد مظهر سعيد (1936) ، الدكتور متي عقراوي، الأستاذ درويش المقدادي (1940) ، الأستاذ محي الدين يوسف (1941) ، الدكتور خالد الهاشمي (1945) ، الدكتور عبد الحميد كاظم (1948) ، الدكتور جابر عمر (1950) ، الأستاذ تحسين إبراهيم (1952) ، الدكتور عبد الحميد كاظم (1952) ، الأستاذ تحسين إبراهيم (1953) ، الدكتور خالد الهاشمي (1954) ، الدكتور إبراهيم شوكت (1956) ، الدكتور محمد ناصر (1957) ، الأستاذ كمال إبراهيم (1958) .
احتلت دار المعلمين العالية مكانها التقليدي في الوزيرية، قرب ما كان يعرف في الخمسينات من القرن الماضي (سدة ناظم باشا) ، وقد عرفت الدار عبر تاريخها الطويل الكثير من الأحداث التي اتسمت بالارتباط الوثيق بين الثقافة والسياسة واتضح ذلك من الدور الذي قامت به الدار على مستوى إعداد الكوادر التدريسية أولا ، وما أنجزه خرجوها من أعمال ونشاطات أثرت في الحياة السياسية والثقافية العراقية المعاصرة وأمدتها بالكثير من الاتجاهات والأفكار والنزعات والرؤى المختلفة إلى الحياة والمجتمع والإنسان .. فبقدر ما كان أساتذتها يتمتعون بحس وطني وقومي ، كان طلبتها غير بعيدين عن هموم أبناء شعبهم ..
لذلك ضمت دار المعلمين العالية خيرة الشعراء والنقاد والعلماء والمؤرخين وكتاب القصة والرواية والمسرحية أمثال الشاعرة نازك الملائكة، والشاعر بدر شاكر السياب، والشاعر عبد الوهاب البياتي ، والقاص ذو النون أيوب ، والشاعر شاذل طاقة ،والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، والشاعرة لميعة عباس عمارة . وعلى مستوى الأساتذة ، فقد كان أساتذة دار المعلمين العالية من الذين يشار إليهم بالبنان ، بسبب نشاطهم الثقافي والسياسي والتربوي ،
ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى أبرزهم وهم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق يحيى الدين والأستاذ الدكتور مصطفى جواد والأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر والأستاذ الدكتور فيصل الوائلي والأستاذ الدكتور فاضل حسين والأستاذ الدكتور عبد القادر احمد اليوسف والأستاذ كمال إبراهيم والأستاذ الدكتور خالد الهاشمي والأستاذ الدكتور إبراهيم شوكت والأستاذ خضر عبد الغفور والأستاذ الدكتور نوري الحافظ والأستاذ الدكتور محمد ناصر والأستاذ الدكتور عبد العزيز البسام والأستاذ الدكتور احمد حقي الحلي والأستاذة الدكتورة سعاد خليل إسماعيل والأستاذ الدكتور مسارع الراوي والأستاذ الدكتور محمد جواد رضا والأستاذ الدكتور حمد ولي الكر بولي والأستاذ الدكتور إبراهيم يوسف منصور والأستاذة الدكتورة نعيمة الشماع والأستاذ الدكتور احمد حسين الرحيم والأستاذ الدكتور عبد الجليل الزوبعي والأستاذ الدكتور زكي صالح والأستاذ الدكتور جواد علي والأستاذ الدكتور محمد محمد صالح والأستاذ الدكتور سليم ألنعيمي والأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله والأستاذ الدكتور احمد عبد الستار الجواري والأستاذ الدكتور تقي الدين الهلالي والأستاذ الدكتور حسين أمين والأستاذ الدكتور عبد الله الفياض والأستاذ الدكتور محمد حامد الطائي والأستاذ الدكتور ناجي عباس والأستاذ عبد الوهاب الدباغ والأستاذ عايف حبيب خليل العاني والأستاذ الدكتور حسن الخياط والأستاذ الدكتور وفيق حسين الخشاب والأستاذ الدكتور علي محمد المياح والأستاذ رشيد حميد حنونة والأستاذ الدكتور حسن طه النجم والأستاذ الدكتور مكي محمد عزيز والأستاذ الدكتور امجد حسين الحاج علي والأستاذة ساجدة عاصم ألجلبي والأستاذة ساهرة فائق والأستاذ الدكتور محمد عمار الراوي والأستاذ الدكتور مراد بابا مراد والأستاذ الدكتور ناجي عبد الصحاب والأستاذ سعيد خضر والأستاذ الدكتور محمود مصطفى كنونه والأستاذ الدكتور صفاء خلوصي والأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي والأستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري والأستاذ الدكتور يوسف عبود والأستاذ شيت نعمان ، والأستاذ الدكتور جابر ألشكري والأستاذ الدكتور تقي الدباغ والأستاذ الدكتور نوري خليل ألبرازي والأستاذ ناجي عباس والأستاذ جواد علوش والأستاذ الدكتور حاتم عبد الصاحب ألكعبي والأستاذ الدكتور فهد علي حسين والأستاذ الدكتور فيصل السامر والأستاذ الدكتور محمد الهاشمي والأستاذ الدكتور عبد الهادي محبوبة ، والأستاذ الدكتور نوري جعفر والأستاذ خضر عبد الغفور والأستاذة رينه سرسم والأستاذ الدكتور حمودي عبد المجيد . وأية مراجعة لفهارس المطبوعات في العراق، تمكن القارئ من أن يضع يده على مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات التي أنجزها أساتذة الدار ، هذا فضلا عن نشرهم لمئات من البحوث في المجلات العراقية والعربية والأجنبية . ولم تكن الهيئة التدريسية في دار المعلمين العالية مقتصرة على العراقيين وأتذكر إنني كنت أرى عددا من الأساتذة الأجانب يقومون بالتدريس إلى جانب زملائهم العراقيين ومن هؤلاء الأساتذة ، ستيفن رونسمان ، وديزموند ستيوارت وارثر بلاومان ، والس هلن هريك وارك فرنس برور وكورون وليام كروس ومار كوري رحمة الله ولورس باترن وجوزف دايف ترنر ونيكولاس او هاكر ، ويان فوسين وال . سشنغ ، واف آر دوش .
ومما ينبغي ذكره أن مناهج دار المعلمين العالية كانت تجمع بين ثلاثة أنماط من الدراسات وتوحد بينها وهي دراسات الاختصاص وتشمل العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والأدبية ودراسات الثقافة العامة كاللغات الأجنبية، ومعالجة المشكلات المعاصرة التي تتعلق بالعراق والبلاد العراقية، وأخيرا الدراسات المهنية ومنها التربية وعلم النفس وأصول التدريس .
وقد ارتبط أساتذة الدار وطلبتها بالحركة الوطنية العراقية المعاصرة ، والمتمثلة بالأحزاب السياسية التي كانت تعمل على الساحة العراقية آنذاك ، كما أن لهم مواقفهم تجاه الأحداث التي شهدها الوطن العربي منذ العشرينات من القرن الماضي ، وقد تعرض عدد من الأساتذة والطلبة للاعتقال والفصل مرات عديدة ، ولم يتوان هؤلاء الأساتذة عن نصرة قضايا شعبهم وأمتهم ، فكانوا يقدمون المذكرات السياسية إلى الملك ورئيس الوزراء ومنها المذكرات التي قدموها إبان أزمة السويس سنة 1956 والتي طالبوا فيها الحكومة بإسناد مصر وإقالة الوزارة وإقرار النظام الديموقراطي وكان من نتيجة تلك المذكرات ، كما يشير الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي ، احد طلبة الدار آنذاك ، فصل عدد من الأساتذة منهم الدكتور عبد القادر احمد اليوسف ، والدكتور فيصل الوائلي والدكتور حميد يونس ، وفيما تم تنحية الدكتور خالد الهاشمي من منصب عمادة الدار .
ومن الأمور الملفتة للنظر أن الدار كانت تقيم صباح كل يوم اثنين(اجتماع الاثنين الصباحي ) يلقي فيه احد الأساتذة محاضرة وتعقبها مداخلات ومناقشات ممتعة ومفيدة .وتعتبر اجتماعات الاثنين الصباحية، من التقاليد التي كانت الدار تعتز بها، حيث تتاح لطلبتها الفرصة للإفادة من خبرات ذوي الاختصاص في مختلف ميادين الخدمة العامة ،وذلك بغية توجيه الطلبة وجهة علمية ووطنية صحيحة وتقديم المعارف التي تتصل بمناهج دراساتهم .كما تهيئ لهم الفرصة للتعرف على شخصيات بلادهم، ووجهات نظرهم في شتى الموضوعات الحيوية. وقد افتتح موسم الفصل الدراسي الأول 1955-1956 سعادة الدكتور خالد الهاشمي عميد الدار وتلاه الأستاذ شيت نعمان مدير المباحث الصناعية فألقى محاضرة عن الصناعات العراقية أما فخامة العميد الركن السيد طه الهاشمي نائب رئيس مجلس الاعمارفقدم محاضرة عن نشأة العقيدة وأهمية الدين لدى البشر .وألقى بعده الدكتور جابر عمر الأستاذ في الدار محاضرة عن انطباعاته عن المغرب العربي وتركزت محاضرة الأستاذ محمد محمود سامي عن الموسيقى الشرقية وتطورها وكان الدكتور محمد عزيز الأستاذ في كلية التجارة والاقتصاد آخر الذين حاضروا في الموسم الأول اذ تحدث عن تجربته في جامعة وستكنس الأميركية .أما في الموسم الثاني والذي يبدأ بعد امتحان نصف السنة فقد كانت محاضرة الدكتور صلاح العبد الاولى في سلسلة المحاضرات وكانت في موضوع القرية العربية .أما الدكتور عبد الطوخي فكانت محاضرته عن الصحة العامة في العمران تلته السيدة مائدة الحيدري التي حاضرت عن الجامعي المكافح وألقى الدكتور عبد الرحمن ألجليلي محاضرة عن العراق بعد عشر سنوات والأستاذ منير القاضي عن نشأة التعليم ودار المعلمين العالية والآنسة صبيحة الشيخ داؤود عن المرأة العراقية والمقدم عبد الحميد حسين عن معركة اليرموك والدكتور صبيح الو هبي عن المؤتمرات الدولية للصحة العالمية والدكتور محمد ناصر عن حياة الطلبة في أميركا والأستاذ إبراهيم موسى عن فعاليات الشباب في الولايات المتحدة الأميركية والأستاذ هاشم جواد عن الخدمة الاجتماعية .
تخرج في دار المعلمين العالية - بغداد 1958
صورة تاريخية نادرة للملك فيصل الثاني ملك العراق الاسبق 1953-1958 وهو يرعى احتفال تخرج في دار المعلمين العالية -كلية التربية فيما بعد ، والى جانبه عميد دار المعلمين العالية الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي وهو يرتدي روب الدار الجميل ويسير خلفهما الامير عبد الاله ولي العهد واحمد مختار بابان رئيس الوزراء
وكان في دار المعلمين العالية نظام متكامل للإرشاد الطلابي وثمة استمارة توزع على الطلبة تملا من الطلبة في مطلع العام الدراسي لتساعد المرشد في فهم طالبه والتعاون وإياه في الفترة التي يقضيها في الدار .وكثيرا ما كان الزوار العرب والأجانب يزورون الدار ويسجلون انطباعاتهم عنها وهناك سجل لذلك وكان أساتذة الدار وطلبتها يحرصون على توثيق نشاطاتهم من خلال الصور الفوتوغرافية التي تعد اليوم من الوثائق التي تعين المؤرخ في تدوين تاريخ هذه المؤسسة العلمية الكبيرة . كما كان في الدار فرقة مسرحية ،ويقول الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أن المخرج جاسم العبودي شكل بعد عودته من دراسته الفنون المسرحية في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر الخمسينات من القرن الماضي ، فرقة مسرحية من طلبة الدار وقد قدمت الكثير من المسرحيات منها مسرحية مكبث لشكسبير . كما تشكلت، ولأكثر من مرة، لجان أدبية وتجمعات ثقافية ضمت أساتذة وطلبة الدار ، منها التجمع المعروف بـ (أهل الأدب) وكان ذلك برعاية الدكتور صفاء خلوصي وكان التجمع يقدم مساء كل ثلاثاء نشاطا ثقافيا يقرأ فيه الطلبة قصصهم وقصائدهم . وكان للدار مجلة علمية أكاديمية رصينة هي مجلة ( الأستاذ) ينشر فيها أعضاء الهيئة التدريسية بحوثهم . وقد كانت مجلة نصف سنوية تباع للطلبة بسعر زهيد لايزيد عن (150)فلسا لعددين في السنة ومائة فلس لعدد واحد،في حين تباع للاخرين بربع دينار (250) فلسا لعددين سنويا و150 فلسا للعدد الواحد . وقد جاء في ترويسة المجلة ((أنها مجلة تصدر عن دار المعلمين العالية في بغداد)).وكانت تطبع في مطبعة الرابطة المشهورة آنذاك .وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن للمجلة لجنة مشرفة على تحريرها وإصدارها. وفي سنة 1956 كانت اللجنة المشرفة تتألف من الأستاذ كمال إبراهيم الأستاذ في قسم اللغة العربية والدكتور محمد ناصر الأستاذ في قسم التربية وعلم النفس والدكتور محمد الهاشمي الأستاذ في قسم العلوم الاجتماعية والدكتور عبد العزيز كاظم المدرس في قسم الكيمياء والدكتور علي جواد الطاهر المدرس في قسم اللغة العربية والسيد عبد الحميد عبد الكريم المدرس في قسم التربية وعلم النفس (سكرتير التحرير ) .
خريجوا عام / ١٩٥٤
وقد تضمن المجلد الخامس بعدديه الصادر سنة 1956 مقتطفات من حديث معالي وزير المعارف (التربية ) آنذاك الأستاذ منير القاضي وجهه إلى طلبة دار المعلمين العالية في الساعة العاشرة من صباح الاثنين 12 آذار 1956 جاء فيه(( منذ جئت الى وزارة المعارف ،وانا ارغب رغبة قوية في زيارة دار المعلمين العالية ،وأتحدث إلى هذه العقول النيرة المتفتحة التي تتلقى العلم .يلذ لي أن أتحدث إلى هذه الزمرة المنتقاة وهذا الشباب الذي هو طليعة امتنا والذي عليه الاعتماد في نشر العلم في ربوعنا )) .ثم قال (( نشأ التعليم في العراق في غرفة واحدة ولاتزال هذه الغرفة قائمة أمام دار الضباط ،تسع وثلاثين طالبا ...وكنت من طلابها ))وتهد بان سيكون لدار المعلمين العالية منزلة مرموقة في الجامعة العراقية التي كانت في طور الإنشاء وقد افتتحت سنة 1958 وسميت ( جامعة بغداد) وصارت دار المعلمين العالية واحدة من كلياتها ولكن بأسم جديد هو كلية التربية .كما احتوى العدد ذاته على خلاصة نشاطات الدار الاجتماعية والثقافية للعام الدراسي 1955-1956 من هذه الخلاصة نكتشف جوانب مهمة مما كانت الدار تقوم به فلقد نظمت اللجنة الرياضية فضلا عن المباريات لمختلف الألعاب ،سفرتان للطلبة الأولى إلى إيران والثانية إلى تركيا وقد انشأ طلبة قسم علوم الحياة ناد باسم نادي رواد الطبيعة كما تشكلت جماعة الموسيقى وجماعة اللغة الألمانية وجمعية تعمل لتنمية الملكات الأدبية والتدريب على الخطابة باسم جمعية الثقافة العربية كما اعتادت الدار ، يقول الأستاذ أنور عبد العزيز ،وهو احد طلبتها ، تنظيم حفلات للتعارف في بداية العام الدراسي وحفلات التخرج في نهايته ، هذا فضلا عن اضطلاعها بتشجيع الطلبة على القيام بالرحلات والسفرات العلمية ليس إلى داخل العراق وإنما إلى خارجه . وقد أرخ الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى، وكان طالبا في الدار حفلات التخرج بقصيدة شهيرة حفظها خريجو الدار على مر الأجيال وهم يودعون الدار بوفاء المحب وحزنه وأسفه ووجعه لهذا الفراق :
أقول وقد أوفى على السفر الركب
أعام مضى يا دار أم حلم عذب
كما حرصت إدارة الدار على استضافة الأساتذة الزائرين ويتذكر خريجوها كيف أنها استضافت الأستاذ الدكتور جمال الدين الشيال والأستاذ محمد سعيد العريان والأستاذ محمود الحفيف والدكتور احمد أمين ..هذا فضلا عن المسؤلين في الدولة وفي مقدمتهم الملك وولي العهد ورئيس الوزراء والوزراء والمديرين العامين كانوا يحضرون الندوات والمهرجانات الشعرية والمؤتمرات والمعارض الفنية والحفلات الغنائية والموسيقية والاستعراضات الرياضية التي تنظمها الدار على مدار السنة .لقد كان للرياضة حصة كبيرة من اهتمامات الدار، كما كانت للفنون التشكيلية والموسيقية حصتها كذلك ، ففي الكلية قاعة كبيرة ومرسم كبير ومكتبة كبيرة ، كما كان هناك أستاذ يدرب الطلبة في العزف على الآلات الموسيقية وروى الأستاذ أنور عبد العزيز جانبا من ذكرياته في دار المعلمين العالية فيقول كانت دار المعلمين العالية كلية اهتمت بالبحوث التربوية والنفسية والإرشادية ، وكانت فيها مكتبة عامرة متخصصة ، وتوفر ، فضلا عن مواد التخصص ، كتبا ومجلات ثقافية متنوعة وكان أمينها الفنان الممثل الراحل عبد الواحد طه الذي أدى دورا رائعا مع يوسف العاني في فيلم ( سعيد أفندي) ، وكانت الدار ، وطيلة أجيال ، تعنى بإقامة المواسم الثقافية والمهرجانات والأمسيات الشعرية الجميلة للشعراء الكبار وفي مقدمتهم الشاعر محمد مهدي ألجواهري والشاعر بدر شاكر السياب والشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعر سعدي يوسف والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والشاعرة نازك الملائكة والشاعرة عاتكة الخزرجى والشاعرة لميعة عباس عمارة وكان عدد من هولاء الشعراء من طلبة الدار نفسها في الخمسينات من القرن الماضي . ومما يذكر ان الجمعيات والمنتديات التي كانت قد تشكلت في الدار قد قامت بالكثير من النشاطات ولعل من أبرزها الأمسيات الأدبية فعلى سبيل المثال نظمت جمعية الإنشاء العربي خلال العام الدراسي 1955-1956 أربع أمسيات اشترك فيها نخبة من الطلبة منهم صلاح نيازي وكاظم الخليفة وأمل احمد الخطيب وهادي الحمداني وشاكر النعمة وقاسم السامرائي وعبد الحسن جميل واحمد عبد الستار وجعفر الحمداني وجلال الخياط وعاطفة فرج ومحمود منير ومحمود فوزي الصراف ورتيبة خلوصي وناظم يونس ووليد احمد وعصام عبد علي . أما جمعية الثقافة العربية فقد اهتمت بإقامة المباريات الشعرية والخطابية والمناظرات الجدلية وبإشراف رئيس قسم اللغة العربية الأستاذ كمال إبراهيم وقد قامت في السنة المذكرة ذاتها بحفلة سمر جمعت ألوانا شتى من قصائد شعرية ألقيت وندوة أدبية وفصول تمثيلية وألوان من الموسيقى والغناء وشيي من الأحاجي والألغاز وكان من شعراء الحفل هادي الحمداني وسهام طه مكي وصلاح نيازي وكان عريف الحفل عبد السلام إبراهيم ناجي . ولم يكن أساتذة الدار وعمدائها بعيدين عن تلك الأنشطة فقد كانوا يشاركون في إلقاء القصائد والمحاضرات والخطب على طلبة الأقسام العلمية في الدار .. كما كان للدار اهتمام بتقديم العروض المسرحية ولها مرسم ومعارض تشكيلية وكان الفنان جواد سليم من أوائل من أسس فيها (المرسم) .. وللدار نشاط لاصفي في الموسيقى .. ولها نشاطها الرياضي وساحات القدم والطائرة والسلة والعاب الساحة والميدان بأشراف كل من الأستاذ محمود القيسي صاحب الكتاب المشهور ((الملاكمة ليست رياضة ..حرموها )) والأستاذ حميد حمدي الاعظمي ، والأجمل تلك الساحة المخصصة للعبة ( التنس) وكنا نراها لعبة حديثة يشارك فيها الأساتذة الأجانب مع أساتذة الدار وطلابها وطالباتها ، وكانت الماهرة والبارزة في هذه اللعبة ( مسز رحمة الله) ببنطلون الشورت الأبيض والحذاء الرياضي الأبيض ، وكان للكلية (ناديها) الشهير بين نوادي الكليات ، لتوفير سبل الراحة والترفيه للطلبة مع توفر الصحف اليومية المجانية فيه ، وكان لها (أقسام داخلية) مجانية ويقع اغلبها مع مباني الكلية في الوزيرية ، وكان في الكلية فضلا عما هو موجود في الأقسام الداخلية ، حمام عام للطلبة وحلاق خاص وغرفة طويلة للطالبات لفترات (الفرص والاستراحة) ودواليب كبيرة (لوكرات) بأقفالها لمن يرغب من الطلبة بحفظ كتبه وأوراقه وحاجياته فيها )) .
وكانت الدار معنية بالشأن الثقافي والمعرفي، وكثيرا ما وزعت الكتب على الطلبة مجانا , ولم تكن الدار مقتصرة في طلبتها على العراقيين ، بل كان هناك طلبة عرب وأجانب ويكاد معظم خريجي الدار يتذكرون أسماء زملائهم الذين ينتمون إلى أقطار الوطن العربي والعالم ، ومن الطريف أن يكون بين الطلبة آنذاك ، صينيون وبلغار وانكليز ، فضلا عن الطلبة البحرينيون والسوريون والتونسيون والمغاربة والأردنيون والفلسطينيون .
لقد كانت دار المعلمين العالية بحق ، صفحة ناصعة في سجل الصفحات الكبرى من تاريخ التعليم ليس في العراق وحسب وإنما في الوطن العربي كله .
*كتب المقال سنة 2008
1349 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع