وزارة الداخلية وانتخابات عام ١٩٥٤

    

  وزارة الداخلية وانتخابات عام ١٩٥٤

   

             

عندما تألفت وزارة أرشد العمري في29 نيسان1954، أعلنت هذه الوزارة في منهاجها بأن هدفها هو حلّ المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة بحرية وحياد، وقوبل تشكيل الوزارة بردود فعل سلبية من الأحزاب والمنظمات السياسية متهمة هذه الوزارة بأنها غير مؤهلة لإجراء انتخابات حرة وذلك نظراً إلى ماضي رئيسها وأقطابها الزاخر بالأعمال التعسفية والاستفزازية الموجهة ضدّ الشعب وحرياته.

تمَّ تحديد يوم 9 حزيران 1954 موعداً لإجراء الانتخابات النيابية، فدبَّ النشاط في أوساط الأحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات رغم تشكيكها في مقدرة وزارة أرشد العمري على تهيئة الشروط الملائمة لإجراء الانتخابات الحرة، واعتقادها بأنها ستلاقي مقاومةً عنيفةً من أجهزة وموظفي وزارة الداخلية. سعياً من القوى الوطنية لكسب الانتخابات جرى تشكيل جبهة انتخابيـة ضمت أحزاب الاستقلال والوطني الديمقراطي والشيوعي ومنظمة أنصار السلام وبعض المستقلين باسم (الجبهة الوطنية).
وقفت الحكومة - بواسطة أجهزة وزارة الداخلية - بشدة لمقاومة مرشحي الجبهة الوطنية في مختلف مناطق العراق، حيث هاجمت قوات الشرطــة الاجتماعات الانتخابية للجبهة الوطنية في مناطق الحلة والنجف والسليمانية، مما أدّى إلى مقتل أحد المتظاهرين في النجف، وألقت الشرطة القبض على العديد من منظمي هذه التظاهرات والاجتماعات منهــم الشيخ محمد رضا الشبيبي وإبراهيم احمد وعمر مصطفى وغيرهم والبعض منهم ظل معتقلاً ولم يطلق سراحه إلاّ بعد انتهاء الانتخابات. وكانت وزارة الداخلية والحكومة تدّعي بأن الاجتماعات الانتخابية أدت إلى الإخلال بالأمن واصفــةً إياها بأنها ذريعة يُحتج بها للحد من الحركــة الشعبية التي تجلت في تأييد مرشحيها. اتخذت وزارة الداخلية إجراءات شديدة للمحافظة علــى الأمن فـي يوم الانتخابات، وخوّلت الشرطة ردع التظاهرات والحركات المخلّة بالأمن التي قد يقوم بها الوطنيون والعناصر الأخرى المؤيدة للجبهة الوطنية، ومنع حمل الأسلحة النارية، وفحص المراكز الانتخابية وما يجاورها فجر يوم الانتخابات وتشديد الحراسة عليها، والمحافظة على الصناديق والأوراق الانتخابية، وأعلن وزير الداخلية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتفادي الاضطرابات.على الرغم من محاولات وزارة الداخلية لإنجاز الانتخابات بأقل حوادث واضطرابات، إلا أن هناك احتكاكات عديدة وقعت بين أنصار المرشحين في الكاظمية أدّت إلى مقتل أحد الأشخاص، وفـي مناطق أخرى من أقضية الهنديـــة وعنه وطوزخورماتو لكن تدخل الشرطـة حال من دون توسعها.
ويشير نجيب الصائغ إلى تدخل الجهاز الإداري لوزارة الداخلية في انتخابات لواء الموصل ولاسيّما مناطق القرى والأرياف ((ليس للحكومة إمكانية المداخلة والتأثير في أصوات الناخبين في منطقتي بلدة الموصل، إلاّ أنها تتدخل بصورة سافرة في المنطقة الثالثة وهي نواحٍ وقرى الموصل والتي تشترك أيضاً في انتخاب النواب المسيحيين وقبل موعد إجراء الانتخابات التكميلية وبينما كنت أتجول في القرى اتصل بي بعض الناخبين وأخبروني بأن الموظفين الإداريين طلبوا منهم عدم انتخاب مرشحي الجبهة الوطنية(2) وانتخاب مرشحي الحكومة..)). وتدخلت السلطات الإدارية في انتخابات مناطق بغداد وبأساليب أخرى، فقد((أخذ الموظفون الإداريون يتدخلون في أمر لجان التفتيش، بل في أمر اختيارية المحلات نفسها، فلقد استدعى متصرف لواء بغداد بعض المختارين إلى ديوانه الرسمي وأخذ منهم أختامهم وتركهم ينتظرون وأخذ يوقع بأختامهم على قوائم الاثنينات والأعضاء الخمسة عشر من كل محلة كما يحلو له)).
ويقول عبد المجيد الجميلي المرشح عن منطقة الفلوجة ((رشحت في منطقة الفلوجة سنة1954، وقد قامت السلطات الإدارية بتوقيف المؤيدين بموجب المادة(43) من نظام دعأوي العشائر.. وإن المتصرف استدعاني وهددني وأنـــه مستعد لتوقيف أبناء الفلوجة كافة، وقال.. ولا تعتقد بأنـــي أو الحكومة تسمح لغير خليل كنــه وعبد العزيز عريم أن يفوز بالانتخابات)). ويقول أيضاً ((إنَّ الأوراق التي كانت تحمل اسمي واسم غيري أفرغت.. وملئت الصناديق بأوراق تحمل اسم خليل كنه وعبد العزيز عريم)) ويضيف هذا المرشح، إن الإذاعة أعلنت نبـأ فوز هذين المرشحين الحكوميين في الساعة السادسة والنصف مساءً، مع إن نتائج الانتخابات لا يمكن معرفتها قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً.إلاّ أن أكثر الأساليب تزويراً للانتخابات هو تبديل أوراق الانتخاب، فبعد أن يكون الناخبون قد مارسوا حقهم الانتخابي وأفصحوا عن إرادتهم، تعمد الجهة المشرفة علـى الانتخابات إلى إتلاف أوراقهم الانتخابية، ووضع أوراق أخرى بدلها في صناديق الاقتراع تحوي أسماء مرشحي السلطة التنفيذية، بما يخالف إرادة الناخبين.
وأشار كامل الجادرجي في مذكراته إلى عمليات تزوير الانتخابات في بغداد ((دخل التزوير في كل المناطق تقريباً – عدا المنطقة الثالثة)) وقد بلغ التزوير شكلاً علنياً بحيث ((أن تعقب وقائعه من الأمور التي لا فائدة منها لوضوح التزوير وعلانيته..)). وفي المناطق خارج المدن والريف أجرت((السلطات(عملية الانتخاب) في الليل ولما حل يوم الانتخاب لـم يجد الناخبون صناديق الاقتراع فقـــد كانت ممتلئة وأرسلت لتصنيف الأصوات)).
نتيجة لعملية تدخل وزارة الداخلية في الانتخابات لم يفز من مرشحي الجبهة الوطنية الـ(37) سوى عشرة، من بينهم(4) من مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي وهم: كامل الجادرجي ومحمد حديد وحسين جميل (بالتزكية) وجعفر البدر، من بين (135) نائباً مجموع النواب. وبهذا لم تختلف انتخابات حزيران 1954 النيابية عن سابقتها من حيث تدخل السلطة التنفيذية فيها بشكل مباشر أو غير مباشر لصالح مرشحي الحكومة متبعة شتى أساليب التلاعب والتدخل والتزوير.
وبعد أن أجرى أرشد العمري الانتخابات قدّم استقالته في 17 حزيران 1954، وفي 26 تموز 1954 اجتمع مجلس النواب واستمع إلى خطاب العرش ثم عُطل المجلس بدءاً من 27 تموز إلى نهاية شهر تشرين الثاني،وعندما بدأ بتشكيل الوزارة نوري السعيد في3 آب 1954، اشترط عدّة شروط منها حلّ المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة.
حُدد يوم12 ايلول 1954 موعداً لإجراء الانتخابات الجديدة في أنحاء العراق كافة. ونظراً للإجراءات التعسفية التي اتبعتها الحكومة في سياستها الداخلية، فقد قاطعت بعض الأحزاب الوطنية الانتخابات الجديدة، واشترك في هذه الانتخابات حزب الاستقلال وبعض أعضاء حزب الجبهة الشعبية بعد انشقاقه وتجميد أعماله. لـم تمر هذه الانتخابات من دون اعتراضـات من الحركـة الوطنية وكذلك حدوث بعض الاضطرابات في مناطق مختلفة من العراق، فحدث إضراب عام في السليمانية في 13 أيلول 1954 احتجاجاً على طريقة سير الانتخابات في اللواء، وتجدد الإضراب يوم 16 أيلول، مما أدى إلى تدخل أجهزة وزارة الداخلية الأمنية لمنع التظاهرات ووقع عدد من القتلى والجرحى من الجانبين، وتمَّ إلقاء القبض على ستة من المتظاهرين سيقوا إلى المحاكم بعد استتباب الوضع العام.
وكثيراً ما كان المسؤولون الحكوميون يحضرون الانتخابات لإجبار الناس على انتخاب الأشخاص الموالين للسلطة. فيقول الشاهد سهيل الحاج علي (مختار محلة حاج فتحي في بغداد) وشقيقه كاظم علي، بأن عبد الجبار فهمي متصرف لواء بغداد ومعه مديرو الشرطة والتحقيقات الجنائية والشعبة الخاصة، كانوا يحضرون انتخابات سنة 1954 ويسجّلون النواب الذين يؤيدون السلطة ويجبرون الناس على انتخابهم. كما اعترف عبد الجبار فهمي أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة، بأن نوري السعيد كان قد طلب منه التعاون مع خليل كنه (صهر نوري السعيد) لإنجاح عبد اللطيف محمد علي نائباً عن المنطقة الثانية عشرة وقال بأن ((الانتخابات كانت تجري بحسب الخطة المرسومة بين البلاط ورئيس الوزراء)).
وفي أسلوب آخر، منعت وزارة الداخلية إقامة الاجتماعات الانتخابية التي كانت تقيمها الأحزاب السياسية في الانتخابات السابقة، بعد أخذ الموافقة الرسمية بعقدها، ففي جوابها على طلب حسين جميل المُقدم في23 ايار 1954، حول الاستئذان بعقد اجتماع انتخابي في مقهى (حسن جدعة) في شارع الشيخ عمر، أجابته متصرفية لواء بغداد على طلبه بعدم إمكانية الموافقة وأشارت إلى:((أنَّ الاجتماعات المنعقدة في الأيام القريبة الماضية للدعاية الانتخابية قد لابستها حوادث تخل بالضبط والسكينة، ولما كان الحرص على شمول السكينة وصيانة الأمن هدفاً غالياً وواجباً تقدرون معاليكم أهميتها فقد رأينا منع عقد الاجتماعات في الظروف الراهنة بصورة عامة ولهذا نأسف بعدم الموافقة على طلبكم)).
انتهت الانتخابات التي تدخلت فيها الحكومة كالعادة، إذ كانت الوزارة عازمةً منذ البداية على أبعاد أي معارضة حقيقية عن المجلس النيابي ففاز بالتزكية (121) نائباً من أصل (135) نائباً، أما الباقون ففازوا بالانتخابات وكان منهم (12) مستقلاً و(2) من حزب الاستقلال، فاستقال محمد مهدي كبه من النيابة، أما عبد المحسن الدوري فقد استقال من الحزب مفضلاً النيابة.

المدى/قحطان حميد العنبكي

عن رسالة (وزارة الداخلية 1939 ــ 1958)

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1364 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع