"ومضات من حياة ومواقف الدكتور فاضل الجمالي فوق منصة رئاسة الوزارة والخارجية"
جاءت نظريات كثيرة تحدثت عن التجمع البشري والإنساني، وبعضها وضح أن الاجتماع الأول للبشر كان بسبب خوف الإنسان من مخاطر الطبيعة ورغبته في العيش في جماعات وليس منفرداً، لكي يستطيع أن يواجه المخاطر التي يتعرض لها، فقد استطاع الانسان ان يخوض الصعاب ويتخطى عوامل الحيونة وصولا الى التمدن، فالعلاقات نشأت منذ نشأة الإنسان اي ان نشأتها ووجودها منذ ان خلق الله الأنسان على الارض، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحيداً منفرداً بعيداً عن أقرانه من البشر الآخرين، فهو كائن اجتماعي بطبعه، حياته ليست كاملة وشاملة بل انه يحتاج لكمالها وشموليتها وسد النقص فيها من التعامل مع الآخرين، وهذا التعامل توسع وازدادت آفاقه مع اتساع الآفاق المكانية وتطاول الفترات الزمانيه، فكلما ازداد عدد البشر وكلما كثرت احتياجاتهم وتعددت تجمعاتهم ازدادت علاقاتهم بل كان من الضرورة أن يتم التواصل فيما بينهم، فالعلاقات وجدت منذ أن وجد قابيل وهابيل حيث أيام التاريخ الأولى لهذه البشرية، فهذا النظام الاجتماعي الذي وجد بسبب رغبة الإنسان من العيش في جماعات كانت تسود فيه "العلاقات"وكان لا بد من ذلك، بسبب تنوع المصالح واختلاف الحاجات، فكانت هناك العلاقات الاجتماعية من زواج ومصاهرة وتزاور وتعليم وتربية وعلاقات اقتصادية من تبادل للسلع والحاجيات رغبة في استمرار العيش، أضف إلى ذلك العلاقات الأمنية والعسكرية التي اشتملت على المعارك والحروب وحماية التجمعات السكانية من مخاطر الاعتداء عليها وصد العدوان عنها والتحالفات مع التجمعات المجاورة، كل ذلك لم يأخذ طابعاً دولياً بعد بل كان على مستوى بسيط يتلاءم وطبيعة المجتمع الذي كان قائماً آنذاك، كما استطاع بناء حضارات وسيطرة على الطبيعة، فالانسان صاحب التاريخ والقادر على الاستفادة منه باكتساب الوعي ومن ثم توسيع مجالات الحرية والاختيار، فالتأريخ هو معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها الأمر الذي يساعد في فهم الاتجاهات الصحيحة التي يجب أن يسير عليها الإنسان في حياته لان في تلك الأمور عبر ودروس له ولجماعته، تاريخ العلاقات الدولية قديم جداً ويرتبط بنشوء الأمم والحضارات في العالم، حيث كانت الاتصالات التي تتم فيما بينها تمثل العلاقات الدولية آنذاك، وهي علاقات لم تكن يوماً مستقرة، ففي أوقات كثيرة كانت تتسم بالسلم، وأوقات أخرى شهدت ظروفاً غير مستقرة وحروباً وثّقتها أحداث التاريخ حتى يومنا المعاصر.
كذلك فأن العملية التربوية بدأت مع بدء الحياة الإنسانية، مرت بمراحل وازمنة وعصور عديدة، فمعرفة تاريخ التربية لا ينحصر بما دونه المؤرخون لان تطور التربية وتاريخها الطويل لانهاية له ويتعدى الكتب والمجلدات بل انه كان قبل ظهور الكتابة، تطور مفهوم التربية عبر العصور التأريخية الطويلة، من خلالها اكتسب المعنى الأصلي له هو وغيره من العلوم والمعارف الأخرى التي بدورها تنمو وتتطور وتكتسب الحقائق والدقة وتبتعد عن الأخطاء والغموض، فكلما جاء جيل عالج المفهوم الذي كان عليه الجيل السابق مع الاجتهاد في تحسينه وتطويره .
المتصفح لتاريخ العلاقات الدولية والتربية، يرى أنها قامت بين الحضارات القديمة وشملت كافة نواحي الحياة وأخذت أشكالاً وأنماطاً متعددة تلاءمت مع الظروف والأحوال التي كانت سائدة آنذاك، هذه العلاقات والصلات بين الدول تحتاج إلى طرق ووسائل تدار بها وقد كانت ابرز هذه الوسائل هي عملية التفاوض والتمثيل والاتصال بين الدول والحكومات والتي عرفت باسم " الدبلوماسية".
الدبلوماسية لها ارتباط مباشر بالعلوم السياسية والتربوية أو بالسياسة بشكل عام بأنها ترتبط بالعلاقات بين الدول، أي أنها ذات صلة بالعلاقات الدولية بل بالعلاقات بشكل عام، حيث أن كثيراً من الناس يستخدم هذه الكلمة في حياته اليومية عندما يريد أن يصف إنساناً لبقاً في التعامل وقادراً على أداء مهمته بكفاءة عالية ولباقة واضحة فيقول عنه انه إنسان "دبلوماسي"، أي لديه قدرة وفن في التعامل، وهذا المعنى المتداول هو صورة مصغرة لفن "الدبلوماسية" وما تؤديه في مجال الحياة اليومية في ميدان العلاقات بين الأمم والشعوب، الدبلوماسية فأنها فن تمثيل الحكومة ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي البلاد الاجنبية،والعمل على الا تنتهك حقوق ومصالح وهيبة الوطن في الخارج، وادارة الشؤون الدولية وتولي او متابعة المفاوضات السياسية، فالدبلوماسية إذاً علم وفن في ذات الوقت كما يقول في ذلك فوديريه "ان الدبلوماسية علم يجب تعلم قواعده، وهي فن يتعين الوقوف على اسراره"، اذاً الدبلوماسية تعني: عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية.
فالتأريخ هو مرآة الأمم ، فالحاضر لا ينفصل عن الماضي وكلاهما لا ينفصل عن المستقبل، التي بوساطتها يستطيع الإنسان أن يرى كيف عاش الذي قبله، لما لهذا الأمر من أثر كبير في الحاضر ومنه تنطلق الأمم نحو مستقبلها،
لذلك فإن العلاقات الدولية هي شكل العلاقات ونمط التفاعل الذي يتم بين مجموعة من الكيانات وتشمل الدول، والحكومات، والمنظمات الإقليمية والدولية، والشركات متعددة الجنسيات، وحتى الأشخاص الذين يمثلون قيادات الدول من رؤساء وملوك وغيرهم، وهؤلاء جميعهم يسمون من الناحية العلمية بأنهم وحدات المجتمع الدولي، ومع اتساع المجتمع وتطوره وانتقاله من مجتمع الفرد والأسرة إلى مجتمع القبيلة ثم القرية ثم المدينة ثم "الدولة" اتسعت معه نطاقات "العلاقات" وبدأت تأخذ طابعاً دولياً، رغم أن كثيراً من العلماء والمفكرين يرون أن "العلاقات الدولية" لم تظهر على السطح بالمفهوم الذي نعرفه اليوم ببدأ النظام الدولي الحديث إلا بعد مؤتمر"وست فاليا" عام 1648 التي أنهت الحروب الدينية في أوروبا، وكان التركيز في البداية يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وكيف تبحث البلدان إقامة علاقات بين الدول وتطورها من خلال إقامة علاقات دبلوماسية يتم فيها التبادل الدبلوماسي وفتح السفارات في أي بلدين، واستمر هذا الحال حتى فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية.
شهد عام القرن العشرون محطة تاريخية مهمة للديلوماسية والعلاقات الدولية بسبب التطورات التي شهدها العالم خلال هذه الفترة، ومن أبرزها تطور وسائل الإعلام، وتشكّل الدول القومية بشكلها الحالي اليوم. كما أدت معاناة العالم من حربين عالميتين راح ضحيتها الملايين من سكان الأرض إلى البحث عن آليات جديدة تساهم في إرساء السلم والأمن الدوليين والحفاظ على علاقات دولية مستقرة بين الدول، كما هو الحال بالنسبة لإنشاء عصبة الأمم التي انهارت عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية في العام 1939، وأدى انتهاء الحرب في العام 1945 إلى تأسيس هيئة الأمم المتحدة التي تعد اليوم الضمانة الدولية الأولى للحد من الصراعات والنزاعات بين الدول، والضمانة لتحقيق الأمن والاستقرار الدولي.
على صفحات التاريخ تكتب أسماء، وتنحت صور من أعمال وإنجازات يخلدها التاريخ، فيسرد التاريخ لنا قصصاً وحكايات عن رجال تركوا بصمة واضحة في حياة شعوبهم، وصفحة ناصعة البياض قلما تجد لها نظيراً، فالتاريخ احياناً لا يدون في صفحاته سوى من عبقت به مآثرهم وأفعالهم وصفاتهم الفذة التي خلدها، لتكون شاهداً حياً على عظم الإرادة والجهد المبذولين، فالمحطات التي حفل بها تاريخ العراق كثيرة، حظيت الدبلوماسية كأداة في السياسة الخارجية العراقية، دورها المحوري والأساسي ليس في خدمة المصالح الوطنية فقط، وإنما أيضاً في إبراز الصورة الحضارية لدولة وشعب العراق على المستوى العربي والدولي، سنتوقف قليلا عند أحداها لنستذكر أحد أبرز الشخصيات وهو الدكتور محمد فاضل الجمالي الذي يعد واحدا من أبرز رجال العهد الملكي في العراق للفترة بين "1921 - 1958" في مجالات السياسة والدبلوماسية والتربية والتعليم في العراق، وهو بذلك يستحق الكتابة عنه برؤية موضوعية غير منحازة بالاستناد إلى المراجع والوثائق التاريخية التي كان لها دورًا مشرفًا في إعلاء وإبراز اسم العراق عربياً وعالمياً.
اعرف أن مهمتي صعبة، لأنني أكتب عن شخصية غير عادية ولا يمكن الإحاطة بكل مواطن التميز فيها، أو حصر إنجازاتها وأعمالها التي يخلدها التاريخ، هي شخصية الدكتور فاضل الجمالي الذي قطف خمس تسعون عامًا من بستان الحياة، مر فيها بقطار العمر على عدة محطات تاريخية في عالم التربية والسياسة والدبلوماسية، ابرز اعلام السياسة والتربية في العراق في تكوينه المعاصر، وله باع كبير في العلاقات الدولية، سطر اسمه بكتب التاريخ، ابن "الكاظمية" احدى درر بغداد الرشيد.
ولد محمد فاضل، الابن البكر للشيخ عباس، في العشرين من نيسان 1903، في الكاظمية، بمحلة القطانة العريقة،وينتمي الى عشيرة آل شيبة وهي فرع من فروع قريش في مكة المكرمة، كان لهم الامر والاشراف على الكعبة قديماً (ومازالوا سدنة الكعبة وكانوا حملة راية قريش في الحرب)، هاجرت أسرته الى العراق قبل ثلاثة قرون، وسكنت الكاظمية، و هي أسرة دينية من خدام الحضرة الكاظمية الشريفة.
نشأ في بيئة دينية محافظة متمسكة بالشعائر الدينية، و بعد أن حفظ القرآن الكريم دخل الجمالي مدرسة الإمام محمد بن الشيخ مهدي الخالصي في الكاظمية عندما لم تفتح المدارس الحكومية بعد، دخل الجمالي المدرسة الابتدائية عام 1910، و بعد تخرجه منها عُيِّن بوظيفة معاون معلم في مدرسة الكاظمية الابتدائية، في تشرين الثاني 1918، براتب قدره ثلاثة دنانير و سبعمائة و خمسون فلسا، و بعدها دخل دار المعلمين الابتدائية و تخرج فيها بعد أربع سنوات، و كان الأول على دفعته و كان من عشاق القراءة و الكتب والموسيقى.
ابتعث سنة 1921 أولى السنوات التي اقترحت فيها وزارة المعارف العراقية ارسال عدد من الطلاب للدراسة خارج العراق، و رُشّح الجمالي في أول وجبة من هذه البعثات للدراسة في الجامعة الأميركية ببيروت، و تمّ اختياره ضمن البعثة الأولى المؤلفة من ستة طلاب مرشحين آخرين، التحق بكلية العلوم و الآداب التابعة للجامعة الأميركية، و درس على يد كبار الأساتذة، وأثناء دراسته في بيروت أسّس، مع مجموعة من الطلاب العراقيين في الجامعة الاميركية، جمعية الطلاب العراقيين، عقدت الجمعية اجتماعها الأول في الثالث عشر من نيسان 1924، و هو أوّل نشاط سياسي للجمالي عرف به.
عاد الجمالي للعراق عام 1927 بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في العلوم التربوية و شهادة تعليم من الجامعة الاميركية في بيروت، وعُيّن مدرسا في دار المعلمين الابتدائية لمادة التربية و علم النفس، و كُلّف أثناء ذلك بتدريس الأمير غازي بن الملك فيصل، استمر محمد فاضل الجمالي بمهمته في تدريس الأمير غازي لحين قبوله في بعثة الى جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة أواخر حزيران 1929
سافر الى اميركا للدراسة هناك فحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في فلسفة التربية وكانت اطروحته "معالجة مشاكل التعليم لأبناء الريف والعشائر في العراق"، وهو اول عراقي ينال هذه الشهادة من الجامعة المذكورة، فعاد الى بغداد ليشغل وظائف عدة في ديوان وزارة المعارف منها مديرية التربية والتدريس العام ومنصب المفتش العام ومنصب مدير المعارف العام، صمم و اعد نظام التربية والتعليم الحديث على نظرية النسبة السكانية وليس على نظرية المدن الكبرى، عمل بجدية على انتشار وفتح المدارس في كافة انحاء العراق، وحاول أن يكون التعليم للجميع سواسية، وذلك لأن الامية منتشرة بين المواطنين، ولا توجد سوى كلية الحقوق منذ عام 1908 أيام الحكم العثماني، يقول اسامة الجمالي نجل الدكتور فاضل: الانجليز أخرجوا والدي من التعليم وقالوا له اذهب الى وزارة الخارجية إلا انه استقر في البيت لمدة سنتين، بعدها انتقل الى الخارجية ليعين مديراً عاماً للخارجية ثم اختير وزيراً للخارجية فوزيرا مفوضاً للعراق في القاهرة بعدها استوزر للخارجية ثانية.
كان واحداً من بين مجموعة عالمية ساهمت بشكل فاعل في تأسيس هيئة الامم المتحدة عام/ 1945 ومن الموقعين على وثائق دستورها، وأصبح وزيراً في وزارة أرشد العمري في حزيران1946.
وفي عام 1946 انعقد مجلس الجامعة العربية في( بلودان ) في سوريا لاتخاذ مايمكن من تدابير ضد قرار الرئيس الامريكي(ترومان) على بريطانيا الدولة المنتدبة بالسماح بهجرة مائة الف يهودي الى اسرائيل، فتقدم الجمالي باسم العراق باقتراح فاجأ الجميع حيث طالب بتخصيص مليون باون استرليني من قبل الجامعة العربية يذهب نصفها لتمويل مكاتب الاعلام العربي للوقوف ضد الدعاية الصهيونية في بريطانيا وامريكا، ويذهب النصف الثاني لشراء الاراضي العربية للحيلوله دون شرائها من قبل اليهود واستخدام النفط كسلاح في محاربة الصهيونية والدول المناصرة لها ووقف ضخ النفط عن تلك الدول التي استمرت في تحيزها للصهيونية، وقد أعتبرت غالبية أعضاءالمجلس هذا الاقتراح خطوة نحو ( التطرف) حسب مفاهيمهم ولايمكن قبولها وأتخذت قرارا بشطب كلمات الجمالي من محضر الاجتماع الامر الذي دفعه لان يصرخ باعلى صوته في قاعة الاجتماع قائلا:( لكم ان تشطبوا الكلمات ولكن لن تشطبوا الواقع أن الحقائق ستفرض نفسه).
اختير عضواً في المجمع العلمي العراقي في عام 1949، واختير وزيراً للخارجية، وأصبح وزيراً سبع مرات بين 1946/1954، ورئيساً لمجلس النواب في عام 1952 مرتين
عام 1952 ادرجت القضية المغربية بشكل رسمي في الدورة السابعة للامم المتحدة، وكان الجمالي مندوب العراق الدور المتميز في ادراج القضية المغربية في جدول الاعمال كونه، نائب رئيس الجمعية وعضو اللجنة التوجيهية.
في 24 كانون الثاني عام 1953 انتخب رئيساً لمجلس النواب في دورته الانتخابية الثالثة عشرة في عهد وزارة نور الدين محمود
في 17 ايلول 1953 شكل وزارته الاولى ثم اعاد تشكيلها ثانية في 8 اذار 1954 وفيهما كانت دعوته الى الإصلاح السياسي والاقتصادي وتغيير الرؤى المتطرفة المحافظة لكنه كان يتقاطع مع رئيس الوزراء نوري السعيد الذي ترك بصماته على السياسة العراقية في العهد الملكي، لأنه على الضد من "الإنغلاق" السوفيتي، وجد نفسه مساقا نحو "الإنفتاح" الأمريكي بعد الحرب الكونية الثانية متأثرا بالديمقراطية و الحرية و الإقتصاد المفتوح، و يرجع تفضيل المرحوم الجمالي للسياسة الأمريكية من منطلق أن ليس في مقدور الدول الصغيرة النجاة بقاربها في بحر التحديث دون أن تسير على وفق منهج واقعي وعقلاني اي براغماتي.
قبل أيام قليلة من تقديم الدكتور محمد فاضل الجمالي رئيس الوزراء آنذاك إستقالة وزارته بعد اخفاق حكومته في درء معالجة فيضان دجلة ودرء الخطر عن مدينة بغداد، كتب المحامي فائق السامرائي مقالاً افتتاحياً نشرته جريدة «لواء الاستقلال» بتاريخ 15 نيسان 1954 تحت عنوان «كيس رمل واحد خير من الف خطاب للدكتور الجمالي ووزرائه الثرثاريين» يقول السامرائي:
<<حسناً فعل الدكتور الجمالي عندما انكمش على نفسه في تلك الليلة الليلاء التي تهددت فيها العاصمة بخطر الفيضان كما تنكمش القواقع وأسلم أمره الى آمر الفيضان، ليكافح هذا السيل العارم بمعونة من الجيش الباسل وطلبة المعاهد العالية والمتطوعين الذين سارعوا الى العمل وقد تحملوا عبء المسؤولية وتركوا الوزارة جانباً حتى لم يعد يسمع بإسمها سامع ولم يذكرها ذاكر.. الحقائق الصارخة قد اظهرت بجلاء مدى الاخفاق الذريع الذي منيت به هذه الحكومة عندما قعدت عن إداء واجبها، واهملت متطلبات الاصلاح فلم تستطع ان تقوم بمشروع واحد يدرأ عن بغداد كارثة الفيضان المتجددة كل عام!!>>، بقدر ما كانت المقالة مجحفة ولم تكن الحكومة الا سنة من عمرها، ومع ذلك وبدون تبريرات، وكقائد واقعي، قدم استقالة وزارته جراء فشل اجراءات الحكومة في درء ومعالجة غرق العاصمة بغداد في فيضان عام 1954.
ترأس الجمالي الوفد العراقي الى مؤتمر عدم الانحياز الذي عقد في باندونغ عام 1955 وولادة (عدم الانحياز).
في 31 تشرين اول 1957 صدرت ارادة ملكية باختيار د محمد فاضل الجمالي عضوا في مجلس الاعيان للمرة الاولى والاخيرة في حياته، واحتفظ بعضويته في مجلس الاعيان حتى قيام 14 تموز 1958 التي الغت الحياة البرلمانية العراقية.
الدكتور الجمالي متزوج من أميركية مولودة في كندا ووالداها أميركيان وكانت وهي من فصيلة سلمية تؤمن بالسلم، وأفراد عائلتها لا يشاركون في الحروب،له ثلاث اولاد: ليث كان مريضاً منذ طفولته، واسامة الحاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من نفس جامعة والده كولومبيا، وعباس الحاصل على شهادة الدكتوراه، وعند وصول الجمالي الى بغداد بعد نيله شهادة الدكتوراه، أسست زوجته روضة أطفال في البيت للأطفال الذين كانوا يسكنون في الأكواخ بالبساتين، وكانت تدعوهم للحضور الى البيت، وتعلمهم اللعب وتعطيهم الافطار، وتعتني بهم فاستفادوا من العلم والتعليم، كما أسست جمعية مكافحة المسكرات في العراق وجمعية العلل الاجتماعية الاولى، كما اسست ايضاً اول مدرسة للمعاقين ذهنيا في بغداد، وفي تونس أيضا أسست مدرسة للمعاقين، احضرت مدرسات من سويسرا ودربن التونسيات حتى صار عدد المدارس الآن سبعين مدرسة، أعلنت إسلامها وتوفيت سنة2000.
غادر الدكتور الجمالي بغداد عام 1962 الى سويسرا للعلاج، حيث اتاه السفير التونسي لدعوته لتونس من قبل الرئيس بورقيبة للتعليم في الجامعة، قدم إلى تونس سنة 1962 للتدريس، رفض ان يبقى دون عمل، وفضل العودة الى مسلكه القديم، وهو التعليم في الجامعة التونسية، كما دعي ليحاضر في كل من جامعتي هارفرد والسوربون، وانصرف الى التأليف والقاء المحاضرات، ساهم في المؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة، سنة 1965 وترأس اللجنة الثقافية فيه، وظل يكتب ويحاضر في الشؤون التربوية والعربية الإسلامية، وكان يردد دائما، حتى حينما كان رئيسا للوزراء: انه معلم اولا وقبل كل شيء وسيبقى معلما وكان منهجه التربوي منهجا عربيا اسلاميا تحديثيا، قدم لتونس خدمات في مجال التربية والتعليم ما تزال ذاكرة التونسيين تحتفظ بها بكل امتنان وتقدير، واكراما له واجلالا لتاريخه ومنزلته العالمية اطلق اسمه على احد شوارع تونس،بقي د.فاضل الجمالي متعلقا ببلده العراق ويتابع اخباره مع كل من كان يلتقي معه من العراقيين، و الوطن العربي الذي آمن به وبوحدته في يوم من الأيام.
توفي الجمالي في عام 1997 عن عمر يناهز95 سنة، حفلت بالإنجازات والعطاء السياسي والدبلوماسي والتربوي وأنجز خلالها العديد من المؤلفات القيمة، وتقديرا لمكانته تم دفنه في مقبرة الشهداء بين شهداء تونس ضد الاستعمار الفرنسي وتم نعيه في كل انحاء العالم بما يستحق من علو في سجل رجلات السياسة والتربية والتعليم في العراق المعاصر.
صدر له بعد وفاته بشهور الكتاب الذي كان ينتظره ويحمل هواجسه بعنوان بالغ الدلالة "الأمة العربية إلى أين؟" (بيروت، 1997م). وفي الواقع أن مما يلفت النظر في هذا الكتاب المراجعة الكبيرة التي قام بها الجمالي لأفكاره ومواقفه حيث انتقل من رجل دولة محسوب على المعسكر الغربي/الأميركي إلى مفكر ومرب شديد النقد للسياسة الأميركية في المنطقة
كان الدكتور فاضل الجمالي، احد ثلاثة أسسوا تيار القومية العربية في العراق ، مفكر وتربوي ودبلوماسي،متوهج الفكر، اديب، آمن بالليبرالية والنظام الديمقراطي وسعى لتجديد النظام السياسي في العراق في العهد الملكي مدركاً لطبيعة الحقبة المدنية التي عاشتها المملكة ومحيطها العربي والدولي.
دافع في المحافل الدولية عن حق الشعوب الآسيوية والإفريقية بالاستقلال وناضل في المحالف الدولية من أجل استقلال كل من ليبيا والمغرب وتونس والجزائر وعرب فلسطين.
كان من مؤسسي نادي المثنى، ففي عام 1935 تقدم الجمالي مع مجموعة من الشباب القومي بطلب الى وزارة الداخلية بافتتاح ناد اجتماعي الغاية منه بث الروح الوطنية والشعور القومي بين الشباب العراقي تحت اسم"نادي المثنى"تيمنا بالقائد العربي المثنى بن حارثه الشيباني، وقد تم اختيار هيئته الادارية من بين الاعضاء المؤسسين للنادي فقد تولى السيد صائب شوكت منصب رئيس النادي، تضمن برنامجهُ نشر الثقافة العربية واحياء التقاليد القومية، والعمل على رفع المستوى الاخلاقي ، والعلمي والاجتماعي وتشجيع روح الرياضة والرجولة بين الشباب ودعا الى رفع مستوى المرأة الثقافي والاجتماعي لتنال حقوقها، كان تأسيسه بمثابة النواة لظهور التيار القومي العربي في العراق, ولهذا النادي حفلات اسبوعية لاستماع المحاضرات ومجاذبة الاحاديث،
كانت الاجتماعات العامة تعقد في مقره، ويلقى أعضاؤه المحاضرات في المواضيع المختلفة كالآداب والتاريخ والاجتماع ويصدر الكتب والرسائل والكراسات، وكان يستقبل الوفود والشخصيات العربية الوافدة من البلاد العربية ويتبادل معها الاحاديث التي تخص الشأن العربي.
مؤلفات الجمالي:
ترك الدكتور الجمالي العديد من المؤلفات في السياسة والتربية والتعليم خاصة في العراق والبلاد العربية، منها "دعوة العراق للاتحاد العربي" و"دعوة إلى الإسلام" و"العراق بين الأمس واليوم" و"وجهة التربية والتعليم في العالم العربي وخاصة العراق" و"ذكريات وعبر عن العدوان الصهيوني وأثره في العراق العربي"، و"مذكرة العراق عن قضية فلسطين"، و"التربية لأجل حضارة متبدلة- مترجمة" و"آفاق التربية الحديثة في البلاد النامية" و"الأمة العربية الى أين؟" و"فلتشرق الشمس من جديد على الأمة العربية" و"دروس في تفوق اليابان في حقل التربية والتعليم" و"دور التربية والتعليم في تعريف الإنسان بحقوقه وواجباته"، بعض من هذه المؤلفات كانت عوناً كبيراً للدارسين للدراسات العليا.
بعض من مواقفه نحو الاتحاد او الوحدة بين العرب:
كان وراء الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن، كما كانت له مواقف واهتمامات بقضية العروبة والوحدة والاتحاد فقد تقدم خلال وزارتيه: الاولى بمشروع عن اتحاد الدول العربية وقدمه الى الجامعة العربية في اجتماعة المنعقد كانون الثاني 1954 وكان هذا المشروع موضوع رعاية وأهتمام ودراسة من قبل الدول العربية وجاء في مقدمة وفقرات المشروع العشرة سعيه الى جمع شمل الامة العربية واطريق الوحيد لانقاذهم من محنتهم الحاضرة ومجابهة الخطر الاسرائيلي واقرار الســــــلم في هذا القسم الحيوي في هذا العالم هو تحقيق ( الاتحاد العربي) وفقراته التي تناولت تعريفا ومفهوما لحقيقة الاتحاد وانه ليس عملا مثاليا، وانما ضرورة قومية والرد على الخطر الذي يداهم الكيان العربي من اسرائيل وغيرها والقيام بدورها المنشود لتحقيق ذلك وذلك باجراء استفتاء في الشعوب العربية، وايجاد حلف او قانون او معاهدة توحد سياسة واقتصاد ودفاع وخارجية الدول العربية من خلال سن دستور للاتحاد يعرض على برلماناتها لغرض الموافقة، لقد أبدى المؤتمرون في قاعة الاجتماع لجامعة الدول العربية أرتياحهم الكبير لهذه المبادرة وطالبوا مشاورة بلدانهم وتقديم المقترحات والاضافات، ولكن هناك بعض الساسه من وقف ضد الجمالي ومن المهيمنين على القرار السياسي وقتلوا المشروع،
نشاطه لما يحدث في فلسطين:
أما نشاط الجمالي على المستوى العالمي فقد وقف ولعدة مرات عندما كان مندوبا للعراق في هيئة الامم المتحدة مذكرا العالم ورافعا صوته بالاحتجاج ضد المجازر التي ارتكبتها الصهاينه في( دير ياسين) و (قبية ) و( غزة) و( كفر قاسم).
الجمالي والحبيب بورقيبة:
في عام 1954، كانت تونس تحت الانتداب الفرنسي، وكانت فرنسا تسيطر بصورة مطلقة على كافة شؤون تونس، فكانت تتحدث عن تونس نيابة عنها في المحافل الدولية والأمم المتحدة،أثناء تمثيل الدكتور فاضل الجمالي للعراق كوزير خارجية اتصل به الحبيب بورقيبه"رئيس الحزب الدستوري الجديد في تونس" طالبا المساعدة، ولبى له النداء بدعمه في المحافل الدولية، ثم اقدم على خطوة جريئة بمنحه الحبيب بورقيبة وثلاثة من رفاقه جوازات سفر عراقية وأدخلهم معه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس انهم من تشكيلة الوفد العراقي، وبعد أن أنهى رئيس الوزراء العراقي كلمته خاطب الحضور بالقول " سأحيل الميكرفون إلى أخي الحبيب بورقيبة للتحدث باسم تونس الحرّة، وهنا ساد الصمت في القاعة وغادر الوفد الفرنسي قاعة الاجتماعات احتجاجا على ذلك و بالفعل استلم الزعيم بورقيبة الكلمة وألقى خطابا حماسيا وبطوليا نال استحسان الحاضرين واعجابهم وبعد انتهاء خطابه توجه بورقيبة إلى الدكتور فاضل الجمالي وقال له " لا أنا و لا بلدي تونس سننسى لك موقفكم المشرف هذا"، وبعد سنتين من الحادثة هذه حصل الشعب التونسي على استقلاله واصبح بورقيبة اول رئيس لتونس.
الجمالي وثورة تموز 1958 ومحكمة المهداوي:
بعد ثورة او انقلاب تموز تقرر تشكيل محكمة لمحاكمة المسؤولين في النظام الملكي، وكانت جلساتها تعقد في قاعة الشعب في منطقة الباب المعظم قرب مبنى وزارة الدفاع في بغداد برئاسة فاضل عباس المهداوي،
هذه المحكمة شهدت محاكمة رجال العهد الملكي، تقدمهم عدد من رؤساء الوزراء والوزراء مثل توفيق السويدي والدكتور فاضل الجمالي واحمد مختار بابان، و خليل كنا وسعيد قزاز ومن العسكريين وقف في قفص الاتهام رئيس اركان الجيش الفريق محمد رفيق عارف والزعيم غازي الداغستاني واللواء عمر علي قائد الفرقة الاولى والعقيد عبد الجبار يونس،ومدير الامن بهجت العطية وعبد الجبار فهمي، تمت محاكمة فاضل الجمالي، ووجهت له تهمة الخيانة العظمى، ثم سأله المهداوي كم سرقت من أموال الدولة..؟ (بطريقة استهزاء)، عندها انبرى له الجمالي قائلاً له: يا سيادة العقيد انني تسلمت أعلى مناصب الدولة منذ الثلاثينيات, ولكنني والى الآن لا أملك اي عقار بعد أن تبرعت بكامل أموالي الى الفقراء، كما أن هنالك عقار واحد فقط في الكاظمية هو شراكة بيني وبين أخواتي وهو إرث من والدي..،كما اتهمه المدعي العام، العقيد ماجد محمد امين انه اي (الجمالي) كان عميلاً لامريكا..، فما كان من الدكتور الجمالي وهو في قفص الاتهام إلا ان يرد على ماجد محمد امين مفنداً ذلك الاتهام وراداً التهمة عليه وفق اسلوب "الحسجة"، الكلام المبطن، قائلاً له: سيدي اذا كانت تهمتي فأنك انت الأن تسير في ركب الاتحاد السوفيتي فهل يصح ان نطلق عليه انك عميل سوفياتي يا.!!، وعن كتاب مذكرات يونس بحري انقل لكم بعض الملاحظات التي تخص الدكتور محمد فاضل الجمالي، يقول يونس بحري: عندما جاءوا بالجمالي إلى السجن في القاعة التي كنت أول من سجن بها سألته عن صحة ما سمعته عنه في أنهم قتلوك وسحلوك في بغداد قال لي بلهجته الساخرة: لقد شبه لهم ولكن ياليتهم فعلوا ذلك على الأقل لكنت قد تخلصت من الآم الضرب والتعذيب التي تعرضت لها، انظر إلى هذه الكدمات والجروح التي في جسدي من جراء ضربي بأخمص البنادق والمسدسات على راسي وجسمي لساعات طويلة، عندما كبلوني بالحديد والسلاسل قلت لهم:إن هذه السلاسل قد اشتريتها ضمن صفقه للجيش العراقي من أمريكا، فقال لي الضابط بعدها إذاً أنت الذي اشتريت هذه السلاسل لتقيد الشعب العراقي بها
قلت له لا ليس لهذا السبب فقال لي لمادا اشتريتها قلت له ضاحكا من اجل أن تكبلوني بها، وها انتم فاعلون، وهذه الطريقة بالكلام معهم لربما أنقدتني من الموت، حكم عليه بالاعدام، كما ذكر مالك سيف في مذكراته نقتبس منها:(لابد ان اذكر للحقيقة والتاريخ ان الفترة التي قضيتها مع الدكتور فاضل الجمالي سواء في معتقل ابو غريب ام في الموقف العام اكدتا بشكل قاطع انه رجل بمعنى الكلمة ورجل سياسة واجتماع لم يدخل الياس الى نفسه وكان شجاعا في احلك الظروف ،يتحمل بشجاعة وصبر الاهانات والاعتداءات عليه من قبل بعض الشباب المتحمس يوم كنا في معتقل ابو غريب وقد جسد خلال محكمته امام محكمة المهداوي كل هذه الامور بحيث اعجب به خصومه قبل انصاره ) مالك سيف مذكرات ص 139، وكانت محكمته في 20 ايلول 1958 قد اولتها الصحافتان العراقية والعربية اهتماما كبيرا وخاصا وبعد مناشدات دولية واقليمية من قبل السكرتير العام للامم المتحدة داغ همرلشود والبابا يوحنا الثالث وجواهر لال نهرو وايوب خان وجمال عبد الناصر و محمد الخامس وبورقيبة، خفف الحكم الى السجن المؤبد، واستمرت المناشدات حتى اطلق سراحه عام 1961، سافر الى الاردن، وبعدها عاش لفترة كلاجيء سياسي في سويسرا، ثم استدعاه بورقيبة ورحب به، ومنحه الجنسية التونسية،
وفي 1990 كتب الجمالي مقالة في مجله الدستوراثناء ازمة الكويت، نقتبس ماكتبه:<<وفي أثناء رئاستي الوزارة العراقية (53-1954) زار العراق الاخ الشيخ فهد الصباح وزير المواصلات في حكومة الكويت، زارني في داري فكان بيننا حديث أخوي صريح: قلت له أنا لاأعرف حدودا تفصل بين العراق والكويت وان أرض العراق ومياهه هي كويتية بقدر ما هي عراقية وكذلك أرض الكويت فأنها عراقية بقدر ماهي كويتية (هذه عقيدتي وليست مجاملة) واقترحت على حكومة الكويت أن تشق نهرا من الفرات يروي أراضي الكويت من دون قيد أو شرط، علمت فيما بعد أن جهات أجنبية حذرت حكومة الكويت من تنفيذ مشروع كهذا>>.
تلقى دعوة عمدة سان فرانسسيكو للاشتراك في الاحتفال العالمي 1995 م الذي اقيم لمناسبة مرور نصف قرن على التوقيع على ميثاق الامم المتحدة وكان ابرز المدعوين بصفته واحدا من شخصين فقط بقيا على قيد الحياة من بين الموقعين على الميثاق الدولي، لكنه اجاب برسالة اعتذار طويلة رفض الجمالي حضور الاحتفال على الرغم ان مثل هذه الدعوة يحلم بها أي سياسي او دبلوماسي في العالم وكتب رسالة مبررًا اعتذاره عن المشاركة في ظل سياسه الغطرسة الأميركية التي فرضت حصارًا قاسياً على الشعب العراقي في عقد التسعينيات من القرن العشرين،
رسالة الجمالي لعمدة فرانيسسكو للاعتذار عن الحضور:
السيد فرانك جوردن عمدة مدينة سان فرانسسيكو المحترم
عزيزي السيد جوردن . لقد تأثرت كثيرا بدعوتكم لحضور احتفالات الذكرى الخمسين للتوقيع على ميثاق الامم المتحدة باعتباري من الاعضاء الذين وقعوا ميبثاق سان فرانسسيكو للامم المتحدة عام 1945 .لقد عملت بكل طاقتي ليلا ونهارا وبحماسة كاملة لاقامة المنظمة العالمية للسلام العالمي .ولاقامة عالم واحد حيث تتمتع الانسانية بالحرية والاخوة ومستوى افضل لحياة الانسان....
اني لا اتمكن من المشاركة في الاحتفال كوني في الثانية والتسعين من عمري وفي عمر متقدم كهذا ليس لي القوة والقدرة للقيام بهذه الرحلة الشاقة الى سان فرانسسيكو خلال هذه المدة القصيرة يضاف الى ذلك الظلم الفادح الواقع على شعبنا في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من الدول العربية والاسلامية كان عامل ضغط نفسي، وضعني في موضع لا يسمح لي ان اشارك في احتفالات المنظمة الدولية ) )
مع تحياتي وتمنياتي محمد فاضل الجمالي الموقع على ميثاق الامم المتحدة في 7 حزيران1995.
مجلس الدكتور الجمالي:
في بغداد، كان يحرص علي ان يكون معتدلا في نشر ارائه السياسية اذا ضم مجلسه ساسة من الدرجة الاولي وان يكون معلما اذا غص مجلسه بتلاميذه او الاتباع، اما اذا كان مجلسه من الخصوم الكبار له فيستخدم الايات القرآنية لتعطي اجواء مجلسه وكان منهجه علي العموم في زرع افكاره اما عن طريق ضرب الامثال السائرة او تلاوة بيت من الشعر القديم او الاستشهاد بحكمة فلسفية، وفي تونس، ضم مجلسه رجال الثقافة والفكر واعضاء السلك الدبلوماسي واساتذة الجامعات، وعند انتقال الجامعة العربية الى تونس، اصبح مجلسه يضم كبار شخصيات الجامعة العربية بالاضافة لرجال الثقافة والفكر.
عندما كنت في فيينا في الثمانينات تعرفت على الدكتور اسامة الجمالي نجل الدكتور فاضل عن طريق الدكتور الخبير النفطي وليد خدوري، الدكتور اسامة كان يمثل الاوابك في ابعض من اجتماعات الاوبك، وهو شخصية اقتصادية يحمل شهادة الدكتوراه من نفس جامعة والده كولومبيا، شخصية متمكنة وصاحق خلق ودراية، اجتماعي حسن الكلام والمنطق، وفي عام 1992 اثناء حضوري لاجتماعات الهيئة العربية للطاقة الذرية في تونس التقيت بالاستاذ الدكتور محمد فاضل الجمالي في دعوة اقامها الاستاذ الدكتور مسارع الراوي المدير العام لمنظمة التربية والثقافة والعلوم في منزله، وكان الاستاذ الجمالي متوقد الذهن رجل ثقافة ويملك غزارة المعرفة وموزون الكلام، كذلك التقيت به في عام 1993 في دار سفيرنا في تونس الاستاذ حامد علوان الذي كان يتواصل مع الجمالي ويلتقون كثيرا، سررت باللقائين، وحينها قلت ان شاء الله سأكتب عن هذه الشخصية الكظماوية البغدادية في يوم ما..، كما اردت ان اشير بأن احد اقرباء الجمالي قد شغل منصب وكيل وزارة الخارجية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات الدبلوماسي المقتدر الاستاذ عبد الحسين الجمالي هو الاخر علم من اعلام الدبلوماسية العراقية، عرفته هو الآخر.
أصدر الباحث والاكاديمي العراقي الدكتور رحيم كاظم الهاشمي مؤلفا تاريخيا وسياسيا جديدا عن التربوي والسياسي محمد فاضل الجمالي وجاء الكتاب تحت عنوان "محمد فاضل الجمالي ودوره السياسي ونهجه التربوي حتى العام 1958"، الصادر عن المؤوسة العربية للدراسات والنشر والذي راجعه الكتور كمال مظهر احمد، ويخلص المؤلف الى ان الجمالي وجها مميزا عراقيا وعربيا وعالميا في السياسة العراقية المعاصرة من الذين خدموا باخلاص بلادهم حيث كتبت عنه الصحافة العراقية والاجنبية لسنوات طويلة اثناء توليه الحكم وبعد تركه السياسة ايضا بحيث ان حياته بعد عام 1958 تحتاج كما يقول المؤلف الى اكثر من رسالة جامعية علمية وان دراسة الشخصيات السياسية بعلمية ووثائقية تغير كثيرا من الاراء والانطباعات المسبقة الراسخة في اذهان الناس دون رؤية وانصاف وربما انطبق ذلك على الشخصية المثيرة للجدل نوري السعيد حيث تغيرت القناعات بعد ان كتبت عنه رسائل جامعية في العراق في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
بعض ممن قالوا في الجمالي :
هذه صورة من كفاح رجل مخلص لامته شاءت التناقضات العربية والدسائس الصهيونية والدوليه أن يتهم بالباطل
عفيف صافيه
المفوض الفلسطيني لدى المملكة المتحدة .
من الحق ان ننظر الى الوراء لنحيط بحياة رجل غطت انجازاته معظم هذا القرن ولكن أعتقد ان الجمالي رجل التربية يريد منا هذه اللحظة ان نفكر في أحفاده وفي معاصرية وفي المستقبل الذي سيرثونه .. أنه ترك لهم نموذجا لانسان عظيم
بيتر أيفر نكتون
. عضو لجنة التسليح / بريطانيـــا
هذا هو الدكتور محمد فاضل الجمالي الشخصية والثقافة، نموذجاً، مما كان يسود زمن الخمسينات وما بعدها من مواقف الرجولة ومواقف الأخوة الحقيقية و مواقف الجرأة السياسية التي تخدم القضايا العربية بدون حسابات ضيقة و بدون البحث عن غنائم من ورائها، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
3870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع