العدد: 439
التاريخ ابريل / نيسان : 2025
عملية الإنزال ماركت غاردن. (Market Garden)
د.ضرغام الدباغ / برلين
( الخريطة: عملية آرنم : ماركت غاردن Market Garden ) : الإشارت الحمر: الجيش البريطاني، الزرقاء الجيش الأمريكي، مربع أصفر المظليين البولونيين، المربعات السود القوات الألمانية. السهم البنفسجي يشير إلى خط تقدم الفرقة 30 البريطانية)
هي أكبر عملية عسكرية إنزال جوي / وهجوم أرضي واسعة النطاق " على مستوى فيالق وفرق "في الفترة (17 ـ 27 / أيلول / 1944). جرت خلال الحرب العالمية الثانية، وتضمنت مرحلتين :
ــ الأولى: إنزال قوات جوية : واسمها الرمزي سوق (Market) تم إنزالها في ثلاث موجات إنزال، بين 19، و23 / أيلول، جرى فيها قذف 39 ألف و620 ألف مظلي، خلف خطوط الألمان في منطقة التقاء الأنهار أهمها وأكبرها: الراين (Rhin)، ونيدريغن (Niedrrigin)، والوال(Waal)، والموز(Maas) وقناة البرت (Alberkanal) والسيطرة علي الجسور العديدة المقامة عليها ومنع تخريبها من قبل الجيش الألماني، لغرض تأمين عبور القطعات.
ــ والثانية: تقدم قوات أرضية : واسمها الرمزي حديقة (Garden) ثلاث فيالق بريطانية، وفيلق أمريكي من شمال الأراضي البلجيكية صوب مدينة آيندهوفن(Eindoven) الهولندية، حتى أرنم (Eindoven)، ونايميخن (Nijmegen) (القريبتين من بعضهما "9 كم") والتقدم صوب الأراضي الألمانية. وبلوغ حوض الروهر (القلب الصناعي لألمانيا)، لتتقدم القوات الأرضية من جنوب هولندة نحو ألمانيا في عملية التفافية الغاية منها تجنب الاصطدام بموانع خطوط زيغفريد وإعطاء المزيد من الخسائر .
ومن خلال إلقاء نظرة على الخارطة أعلاه (رغم أنها غير مفصلة)، يتضح أن المنطقة الممتدة من أيندهوفن حتى آرنم (76كم) ومن آرنم حتى نايميخن (9ـ 10كم)، ومن نايميخن حتى آيندهوفن (66كم) حافلة بالأنهار(5 أنهار كبيرة)، وبعشرات القنوات الصغيرة وفي حال تخريبها من قبل الألمان سيكون من العسير جداً عبور هذا العدد الكبير من الأنهار والقنوات. (شاهد الخريطة أعلاه) في هذه الرقعة التي يصعب فيها المناورة. وعملية الالتفاف عبر الأراضي البلجيكية إلى هولندة ومنها إلى الشرق نحو قلب ألمانيا الصناعي، وتجنب الصدام مع الجيش الألماني في الخط الدفاعي الشهير (ماجينو) وإعطاء خسائر عالية، هي فكرة جيدة، ولكن الدخول إلى بلجيكا والأراضي المنخفظة (هولندة) التي تعج بالأنهار الكبيرة والصغيرة، والقنوات بحيث تضيف إلى العمليات الحربية مشكلات هندسية إضافية، ومن هنا كان مقترح الإنزال الجوي، الذي كان حافلاً بأخطاء ارتكبوها، أو خارجة عن إرادة المخططين.
وقد نفذت قوات الحلفاء على أساس المعطيات الواردة، بتزامن هجوم أرضي، وإنزال قوات بريطانية وأمريكية وبولونية (تابعة لحكومة المنفى / لندن) من الطائرات، تواصل إنزال القوات ابتداءً من تاريخ 17 / أيلول وحتى 25/ أيلول / 1944، وهذه القوات اعتبرت تواصل لقوات الحملة التي أنزلت في نورماندي قبل نحو 3 شهور نحو الأراضي الألمانية وإسقاط النظام الهتلري النازي / الرايخ الثالث.
تمهيد
يبدأ التاريخ الرسمي للحرب العالمية الثانية مع بدأ الغزو الألماني لبولونيا في 1 / أيلول / 1939. ولما كانت بريطانيا وفرنسا الضامنتين لاستقلال وسيادة بولونيا، ولإدراكهما أن شهية هتلر في قضم الأراضي سوف لن تتوقف عند بولونيا، فبعدما ضم النمسا، التهم نصف تشيكوسلوفاكيا، ثم انقضّ على نصفها الآخر، وها هو ينقضّ على بولونيا ويتقاسمها مع الاتحاد السوفيتي، ألمانيا قد أصبحت قوة اقتصادية وعسكرية، وسياسية، وسيفعل هذا النظام النازي ما يطمح إليه ما لم يرغم على التوقف، فقائمة المطالب الألمانية طويلة، تبتدأ في أوربا ولا تنتهي في أرجاء أخرى في العالم..
ولما اندلعت الحرب على الجبهة الغربية (بريطانيا وفرنسا) في مايو / 1940، كانت القيادة الألمانية قد قررت الدخول في بلجيكا والالتفاف على خط زيغفريد وتجنب معارك دفاعية طويلة في حرب الخنادق، كما حدث في الحرب العالمية الأولى، وتحت تصرفهم فرق وفيالق آلية مدرعة، ونظريات ثورية في استخدام المدرعات، ولديهم عباقرة تنفيذها في الميدان ما سمي " الحرب الخاطفة " (Blizkrieg). وكانت هولندة قد أعلنت حيادها، إلا أن ذلك لم يحول دون تعرض الأراضي الهولندية فجر يوم 10/ أيار / 1940 لاجتياح القوات الألمانية المتفوقة عدداً وعدة، ولمدة أربعة أيام استسلمت بعدها، لتبدأ بعدها مرحلة احتلال ألماني للبلاد وستستغرق حتى أيار 1945 (خمسة سنوات).
وهولندة في دخولها الحرب، إنما كانت تدفع ثمن موقعها الجغرافي، وخيارها السياسي في الحياد وأن لا تزج البلاد في أتون حرب لا تبقي ولا تذر، ولكن حتى هذا الموقف المتعقل لم يسلم البلاد من الحرب والدمار، وألمانيا لم تكن تشأ أن تضيف عدو جديد لها، ولكنها (ألمانيا) كانت أيضاً محكومة بمبادئ الاستراتيجية العامة في صراعها مع الدول الغربية، في إطار خلق ألمانيا كقوة عظمى في أوربا والعالم، فيما يلي بعض الأسباب:
• أراد النازيون تأمين حدودهم الشمالية لأنهم كانوا يأملون أن يجعلوا أوروبا بأسرها، من النرويج وحتى إسبانيا، ضمن مناطق نفوذهم لا يستطيع الحلفاء الهجوم عليها من البر أو الجو.
• أراد النازيون الاستفادة من المطارات الهولندية في قصف فرنسا وانجلترا ولدعم قواتهم.
• خطط الألمان أيضاً للاستفادة من المنتجات الزراعية الهولندية.
• رغب الألمان في نهاية الأمر الاستفادة من القوة البشرية الهولندية في الحرب أو الاقتصاد.
• استغل الألمان حزب NSB الهولندي المتعاطف مع النازية والموالي لهتلر وقد حارب هؤلاء مع الألمان حتى في الجبهة الشرقية. (1)
كان الجيش الهولندي سيّء التسليح وأقل وأضعف بكثير من قوات الجيش الألماني الغازية. ومع ذلك خاض الجيش الهولندي قتالاً ضارياً ضد النازيين وكان الأمل أن يأتي البريطانيون والفرنسيون لمساعدتهم بسرعة. لكن بعد يوم واحد من القتال كان الألمان قد وصلوا بالفعل إلى أعماق المدن الهولندية.
في الوقت نفسه شنّ الألمان هجوماً مظلياً بالقوات المحمولة جواً في لاهاي وروتردام بهدف أسر الملكة يوليانا والعائلة الملكية والسيطرة على مركز قيادة الجيش الهولندي، كما أرادت قوات المظلات النازية احتلال مطارات هاتين المدينتين أيضاً.
في روتردام حاولوا الاستيلاء على ميناء المدينة الكبير والمهم. كان الهدف الأول هو السيطرة على جسر نهر ماس، ولكن هذه الخطة فشلت بسبب المقاومة الضارية للجيش الهولندي للهجوم النازي وأسقط مئات الطائرات الألمانية وتم أسر الكثير من الطيارين والمظليين الالمان وأُرسِلوا إلى انجلترا كأسرى حرب.
في 13 أيار/ مايو توصلت قيادة الجيش الهولندي إلى أن الوضع أصبح حرجاً جداً، فقد تم عزلهم عن قوات الحلفاء في جنوب هولندا، لذلك لم يعد بوسعهم مواصلة المقاومة لكن المعارك استمرت لفترة غادرت خلالها الملكة وجزء من الوزارة والحكومة إلى إنجلترا.
في 14 مايو / أيار قصف الألمان روتردام بصورة مكثفة، وسقط حوالى 800 قتيل وأصبح حوالى 78000 شخص بلا مأوى. كان الألمان يتقدمون في كل الجبهات. بعد قصف روتردام، هددوا بأن يفعلوا الشيء نفسه في مدينة اوتريخت فاستسلم الجيش الهولندي واستسلمت هولندا رسمياً يوم 15 مايو 1940.
بعد هزيمة هولندا استقرت الملكة في انجلترا وأعلنت عن حكومة في المنفى من لندن. ولكن الألمان وجدوا من بين أفراد الشعب الهولندي بعض المتعاونيين والخونة، خلال فترة الاحتلال، وبخاصة من مؤيدي "الحركة الوطنية الاشتراكية الهولندية " التي كانت تتعاطف مع الأفكار النازية / الفاشية وتدعم هتلر وحكومته. خلال الحرب العالمية الثانية، قتل حوالي 250000 هولندي .
عملية الإنزال ماركت غاردن. (Market Garden)
كانت قوات الحلفاء تتلقى الدعم والمساعدة من السكان المحليين. قبل بدء العمليات وخلالها، رغم أن الألمان أقرب لهم عرقياً وثقافياً،وقد أبدى الكثير من الهولنديين مقاومتهم للاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية بطرق ووسائل عديدة:
ــ المساعدة في الاستطلاع: جمعت فرق المقاومة الكثير من المعلومات عن الألمان في هولندا والخارج. وكان الغرض هو مد الحلفاء بالمعلومات من داخل الأراضي المحتلة.
ــ إعادة طواقم الطائرات: كان جملة مساعي المقاومة الهولندية، إنقاذ طياري الحلفاء عند سقوط طائراتهم فوق هولندة، وعدم وقوعهم في أسر القوات الألمانية. وتأمين إعادتهم إلى بلدانهم (بريطانيا) أو إرسالهم إلى بلدان محايدة (السويد، سويسرا).
ــ التخريب: نشطت جماعات المقاومة عقب إنزال نورماندي، ووصول القوات البريطانية والأمريكية إلى جنوب هولندا في خريف عام 1944، بدأت جماعات المقاومة، بقيادة الأمير بيرنهارد، علميات تخريب شبكات السكك الحديدية وغيرها من البنى التحتية .
ــ اغتيال شخصيات ألمانية ومن جهاز الأمن القومي الموالي لهم: نفذت المقاومة الهولندية هجمات واغتيالات ضد عملاء النازية والمتعاونين مع جهاز الأمن القومي من العناصر المحلية.
ساهمت فيها القوات الهابطة من الجو لبريطانيا والولايات المتحدة وبولونيا في هذا الإنزال والقتال الذي تواصل من 17 وحتى 25 / أيلول / 1944 في عملية أطلق عليها سوق الحديقة (Market Garden) جرت في مساحة ليست واسعة، ولكنها تضم الكثير من الأنهار والقنوات، والعملية كانت تهدف تأمين وسائط العبور (الجسور) للقطعات المتقدمة من الأراضي البلجيكية عبر مدينة آيندهوفن الهولندية (ثلاث فرق بريطانية وفيلق أمريكي)، صعوداً إلى نايميخن (66 كم) والمدينة الكبيرة المجاورة آرنم (ِArnhem) من أجل تأمين عبور سريع وسهل للقطعات المتقدمة باتجاه داخل ألمانيا، المندفعة صوب منطقة الروهر (Ruher) قلب المنطقة الصناعية الألمانية متجنبين خط الدفاعات الألماني (زيغفريد) .والقوات المظلية كان يعول عليها الحفاظ بالجسور سليمة، لتتقدم فرق المشاة والدرعات، والعملية يعتبرها المؤرخون من كبرى عمليات الإنزال الجوي في التاريخ حتى الحرب العالمية الثانية.
في تحليل إيزنهاور أن العملية نجحت 50% حيث اندفعت قوات الحلفاء من بلجيكا حتى نايميخن ولكن الهدف في إنهاء الوجود الألماني في آرنم لم يتحقق. إذ كانت المقاومة القوية غير المتوقعة الألمانية في آرنم أحبطت خطة السيطرة على الجسر. وتحتم على الحلفاء الانسحاب بعد الخسائر العالية بالأرواح والمعدات، ومع ذلك صرّح المشير البريطاني مونتغمري أن العملية ناجحة بنسبة 90%. والعملية كانت بمقترح بريطاني.
الخطة
بعد الإنزال الناجح في نورماندي والتحرير السريع لفرنسا (نسبياً) شعر الحلفاء الغربيون بالقوة، وشرعوا بالتخطيط لمغامرة كبيرة لاعتقادهم أن عملية تحرير الأراضي الهولندية لا بد أن يسبقها السيطرة على الجسور الكثيرة المقامة على الأنهر والقنوات (ولبعضها أهمية كبيرة) وكان تحرير هولندة سيحسن من شروط التموين.
في آب / 1944 طوّر المشير مونتغمري خططه مع هيئة ركنه، ومع فيلقه 21 ودعم الفيلق الأمريكي الأول بقيادة الفريق كورتني هودجز (Corntney H. Hodges) أن تتقدم قوات الحلفاء من شمال فرنسا، بلجيكا، وهولندة واقتحام ألمانيا من شمال غربها. وبتقدم واندفاع ثلاثة جيوش، تحصل على إمداد وتموين سهل وسريع. وبالمقابل كان الجنرال عمر بردلي (Omar Bradley) قائد الفيلق الأمريكي 12، كان يطرح اندفاع الفيلق الثالث الأمريكي بقيادة الجنرال جورج باتون عبر مناطق لوثرينغ (Lothering) في شمال فرنسا، عبوراً إلى منطقة السار (Saar) الألمانية.
كان الهجوم على نيدريغن له ميزات عديدة، فهو سيحرم مزايا الروهر الاقتصادية، ويضيف ميناء انتويرب (ِAntwerpen) البلجيكي واستخدام نهر شيلدا (Schelde) في عمليات التموين. فيها إضافة لقدرات تموين حملة الحلفاء، وكما أن هجمات ألمانيا بالصواريخ (V1, V2) ستضعف قدراتها.في 10 / أيلول حسم الجنرال أيزنهاور قراره، أن يأخذ باقتراح المشير مونتغمري، وزج فيلق الإنزال الجوي الأول للحلفاء ، وكان هناك ضغط أيضاً من حكومة الولايات المتحدة أن يتم أعظم إنزال جوي في تاريخ الحرب كما فعل الألمان في الإنزال الجوي على جزيرة كريت، وكان القائد أيزنهاور قد احتاط واحتفظ بفيلق جوي كاحتياطي لطوارئ الجيش الأمريكي.
عملية ماركت (Operation Market)
وكان قد خُصّص لهذه العملية أكثر من 3 فرق من فيلق الإنزال بقيادة الفريق بيريتون (Bereton) بالقرب من آيندهوفن، من أجل السيطرة على الجسور الهولندية على نهر الموز، ونهر الول، ونهر نيدرجين، وكذلك العديد من القنوات. وهذه الوحدات كانت من فيلق الإنزال الجوي الأمريكي 101 بقيادة الجنرال تايلور (Tylor)، والفرقة الأمريكية المحمولة جواً 82 بقيادة اللواء جافين(Gavin) واللواء المظلي البولوني 1 بقيادة الجنرال سوزابوفسكي(Soaabowski) . وقيادة هذه القوة المؤلفة من نحو 34.600 جندي كانت خلال العملية بقيادة فيلق الإنزال الجوي البريطاني بقيادة الجنرال براونينغ (Browning).
وكان التخطيط للعملية قد اعتبر أن 3 أيام كافية ليبلغ الفيلق 30 مدينة آرنم حيث هبط المظليون البريطانيون، ولكن هذا التقدير اتخذ تحت وطأة اعتبار أن القوات الألمانية، وقوات (SS) في هذه المنطقة لم تعد في وضع معنوي للقتال أو أنها فقدت قدراتها القتالية، مع أن نتائج الاستطلاع كانت تقدم تقديرات أخرى معاكسة، ولكن قادة في التحالف أبخسوا قدر خصومهم. (3)
كانت المسافة من المطارات البريطانية التي أقلعت منها طائرات الإنزال وحتى منطقة الإنزال ومع اعتبار أن مرحلة الضياء النهاري تقصر مع مرور الوقت، والمخططين خططوا نفس التوقيتات لثلاثة أيام وأن العدد الكبير للرحلات يصاحبه عادة بعض الإلغاءات لشتى الأسباب (للأفراد والطيارين، أو لأعطال فنية) وكانت رحلات الإمداد والتموين جواً متواصلة دون توقف طيلة أيام العملية، وفي اليوم الخامس والسادس أُبلغ عن إقلاع الفرقة المنقولة جواً 52، وأن إنزالها سيكون في منطقة آرنم . (4)
منطقة الإنزال
خُطط الحلفاء..
كان الحلفاء قد قرروا أن تكون منطقة إنزال المظليين على مبعدة 10 كيلومترات عن الأهداف المزمع السيطرة عليها، وفي اندفاعة سريعة يمكنهم السيطرة على أهدافهم، وفي غضون 3 أيام سيكون بوسع الفرق السيطرة على مساحة لا يقل مداها عن 20 كيلومتر والاحتفاظ بها.
آيندهوفن
تقع هذه المدينة في جنوب منطقة الإنزال، وعلى الشمال منها كانت منطقة الفرقة المظلية الأمريكية 101 بقيادة الفريق ماكسويل تايلور، والسيطرة على نهر آ (Aa) وعلى قناة فيلمس، وعلى قنوات وقناطر منها قناة فيلهمينا، وهي مقدمة للسيطرة على مدينة آيندهوفن نفسها بعد أن تمت السيطرة على أرجائها من الشمال. وبهذا وضعت الخطة على الفرقة المظلية الأمريكية 101 مهاماً للسيطرة على مسافة تقارب من 65 كم من آيندهوفن وحتى (Grave).
وبناء على اعتراض الجنرال البريطاني ميلس، سمح للفرقة 101 التوقف عند قرية فيغهيل(Veghel)، وبذلك ستكون ثغرة بقدر 20 كم في خط الجبهة للتماس ستكون مسؤولية الفرقة 82 المحمولة جواً الأمريكية في الحفاظ عليها.
(الخارطة تظهر المحاور التي تقدم عليها الجيش الأمريكي بعد تحرير باريس صوب الشمال البلجيكي، ثم التقدم صوب الروهر بعمل التفاف بعد مدينة آيندهوفن الهولندية، لا حظ الخطوط الزرقاء التقدم الأمريكي)
نايميخن
أيضاً الفرقة 82 المحمولة جواً كانت لديها مساحة كبيرة للسيطرة عليها. وابتداءً كان لابد من السيطرة على مرتفعات غرويسبك (Groesbeek) المغطاة بالغابات، وهي تبعد نحو 10 ــ 12 كم شرقي نايميخن. والجسور على نهر الموز (Maas)، والقناة الموصلة بين نهر الموز وقناة وول (Waal)، والأهم هو الجسر على نهر اللول في مركز مدينة نايميخن، كان هدفاً لابد منه للفرقة 82.
آرنم
في قرية هايدلاند إلى الغرب من آرنم كانت قد اختيرت كمهبط لفرقة المظليين البريطانيين الأولى. والهدف الرئيسي كان جسر في وسط البلدة التي اسمها اليوم جون فورتسبورغ، إلى الغرب على نهر نيدريغن ويستخدم أيضاً للقطار جسر اسمنتي كان ينبغي أن يُزال في نهاية العملية، من أجل الطريق القادجم من الجنوب، وأن يعبر إلى الجانب الأيمن لنهر الراين الألماني الذي يمتد إلى منطقة الروهر الصناعية الألمانية. فهو المعبر لنهر الوال بالقرب من نايميخن، وأيضاً لنهر نيدريغن بالقرب من آرنم ومن هنا واحدة من ضرورة العملية. (5)
عملية الحديقة (Operation Garden)
ــ الموقف على الأرض : (لاحظ الخريطة في المقدمة)
القوات البريطانية : ثلاثة فيالق وكما يلي :
الفيلق 30 : (XXX Corps) ا لواء الثاني فرسان الهوس+ فرقة مدرعة + فرقة المشاة 43 + اللواء المدرع 8، + فرقة المشاة 80، اللواء الملكي الهولندي.
الفيلق 12 : (X11Corps) الفرقة المدرعة 7، فرقة المشاة الاسكتلندية 15، فرقة المشاة الويلزية 53.
الفيلق 8 : (V11Cprps)الفرقة المدرعة 11، الفرقة 3 مشاة، اللواء المدرع 4 + لواء بلجيكي
عملية غاردن (الحديقة)
ومن خلال الممر الجديد الذي تم إيجاده، ينتظر الآن في إطار عملية ماركت (السوق) أن تصل قوات مشاة ومدرعات من الجيش البريطاني الثاني، وبالتحديد الفيلق 30 بقيادة الفريق بريان هوروكس (Brian Horocks) مع حماية جناح العملية من قبل الفيلقين السابع، والثاني عشر، المتقدم من بلجيكا من اتجاه جنوب آيندهوفن، في غضون يومين أو ثلاثة وقطع مسافة 160 كم للوصول إلى خطوط منطقة نونسبيت ـ أيبة إيزل (Nunspeet–Epe–IJssel). وهذه المدة (يومين أو ثلاثة) قدرها التخطيط رغم أن هذه المسافة (160 كم) حافلة بالبساتين والأراضي الزراعية والغابات، والأنهار ستمثل عائقاً حقيقياً خلال التقدم. (6)
وفي حال حدوث تماس بين القوات الأرضية المتقدمة مع القوات الهابطة من الجو، ينبغي أن تضع نفسها تحت قيادتها. وفي حال نسف الألمان للجسور، فإن الفرقة 43 ستتولى معالجة الأمر. وكان على القطعات المدرعة تأمين حماية رأس الجسور على ضفة النهر.
ومن أجل اختراق الجبهة، كان على المهاجمين إزاحة الفيلق الألماني (L26) المسمى" فالتر" (Walter) والذي كان يضم 10 أفواج ضعيفة من معارك سابقة، وعشر كتائب مدفعية تقف في طريقها.(7)
وكان متنبؤو الأحوال الجوية (Meteorology) قد توقعوا أن يكون يوم 17/ أيلول / 1944 طقساً مواتياً ليومين على الأقل، وبهذا تحدد اليوم الأول للإنزال الكبير.
الاستطلاع الأولي
تجمعت من خلال تنسيق بين مجموعة استخبارات مجموعة الجيوش 21، وبين جيش الإنزال الأول للحلفاء، معلومات استطلاع مهمة وخطأ في إيصال المعلومات. وكان الحلفاء يتوقعون أنهم سيواجهون أعداءهم في منطقة مدينة آرنم بوحدات من المتطوعين، ومن شبيبة هتلر، ويتوقعون أن وحدات الجيش القوية إما أنها في الجبهة، أو أنها قد انسحبت داخل الأراضي الألمانية.
وعندما بلغت الأنباء من المقاومة الهولندية في مطلع شهر أيلول، أن قسماً من قوات (SS) المدرعة بقيادة القائد فيلهم بيتريش (Wilhelm Bittrich) متواجدة في أرجاء مدينة آرنم. ويسود الاعتقاد أن هذه القوات (المشهورة بشراستها في القتال/ المترجم)، قد تراجعت قوتها القتالية بسبب الخسائر العالية في الأفراد، والعتاد الثقيل، ولا يخشى منها كعقبة في نجاح العمليات، على الرغم من أن الاستطلاع الجوي للحلفاء، في الأسبوع الذي سبق الإنزال أكد وجود الدروع (الدبابات) الألمانية، ولكن هذه المعلومات لم تلق الانتباه اللازم في مرحلة التخطيط للعملية.
الإنزال
الإنزال في نايميخن
بعد منتصف النهار بقليل، هبطت أولى الطائرات الشراعية البريطانية تحمل جنود الفرقة الأولى من القوات المجولقة، أعقبها مدفعية الفرقة، ثم الوحدات القافزة بالمظلات، ولم تحدث إلا خسائر متفرقة بسيطة.، وأثقل خسار كانت عندما هبطت المدفعية المضادة للدروع بعيداً عن الموقع المخصص لها.
وفي منطقة هبوط اللواء المظلي 501 للفرقة المجولقة الأمريكية 101 بالقرب من آيندهوفن بالضبط في منطقة هبوطها إلى الجنوب من قرية فيغهيل (Veghel) . الفوج المظلي الأول أخطأ في موقع هبوطه، وعلى الجانب الآخر من قناة فيلهام، واللواء 502 واللواء 506 هبطوا مع مقر الفرقة إلى الشمال من هدفهم.
(الصورة : منطقة الإنزال مغطاة بالمظلات)
الفرقة الأمريكية المجولقة 82، فقدت عند هبوطها طائرتين من طراز (DC-3) . اللواء المظلي 504 هبط إلى الشمال من الموقع المعين لها، وسرايا من الفوج أخطأت الهدف بالنزول، إلى الغرب من الجسر المهم على نهر الموز. والألوية 505، و508 نزلوا مباشرة فوق هدفهم، (مرتفعات جيوسبيرغ)، وهنا نزل أيضاً الفوج المظلي 376 ، وأولى قطع المدفعية التي اتخذت مواقعها للقتال.
والمقر الرئيسي البريطاني نزل في الساعة 13,30، أيضاً بالقرب من مرتفعات جيوسبيرغ، وحدة صغيرة من الفرقة الأمريكية 82 سارت على الطريق المباشر إلى نقطة التجمع. ومنطقة العمليات هذه لا تبعد عن الحدود الهولندية / الألمانية إلا بنحو 10 كم (تقطعها الدراجة الهوائية ب 9 دقائق)، ومنطقة الحدود متشابهة وغير مؤشرة بوضوح، ويمكن التضليل، وهذه الوحدة الصغيرة اجتازت الحدود الألمانية (دون معرفة) ولكنها سجلت أنها أول وحدة اجتازت الحدود الألمانية ودخلوا نحو 100 متر، ثم تراجعوا دون أن يحدث اشتباك..!. ولا توجد صور توثق هذه الحادثة، ويبدو أن الألمان بدورهم لم يشعروا بهذا التوغل البسيط، ولم تسجل هذه الواقعة الطريفة إلا بعد نهاية الحرب.
وإجمالاً فقد تم بنجاح إنزال : 20 ألف جندي، و511 عجلة، و550 طرد (صندوق)، للحلفاء، ونحو 550 طن من المؤن.، وقد عادت الطائرات إلى مطاراتها في بريطانيا لتجلب الموجة الثانية.
الهجوم في حملة غاردن
(الصورة: طائرات إنزال المظليين (C47) تقف بالاستعداد للطيران في المطارات البريطانية يوم 17/ أيلول / 1944)
قبيل منتصف ليلة السبت المصادف 16 / أيلول / 1944، أقلعت 200 طائرة بريطانية من طراز لانكستر (Lancaster) و23 طائرة من طراز موسكيتو (Mosquito) بمهاجمة 4 مطارات ألمانية في شمال هولندة من أجل التمهيد للعملية القادمة وشيكاً، وفي اليوم التالي (17 / أيلول) أقلعت 822 طائرة من طراز(B17) تابعة للجيش الجوي الأمريكي الثامن، (وكاحتياطي، كانت هناك 54 طائرة لانكستر و4 طائرات موسكيتو) وقصفت 117 موقعاً للمدفعية المضادة للطائرات المؤشرة لديهم، على خطوط طيران رحلة الإنزال التي ستحمل المظللين، ثم شمل القصف مطارات أخرى في مناطق آيندهوفن ودييلن، وآيدا.
وبشكل إضافي، ولمزيد من الاطمئنان قامت 85 طائرة لانكستر، و5 طائرات موسكيتو، بمهاجمة جزيرة فالكيرن (Walcheren) الهولندية، ولوحظ أن الدفاع الجوي ضعيف جداً من الألمان إذ لم تسفر هذه الهجمات الكثيفة من خسائر لطيران الحلفاء سوى: طائرتان (B17)، وثلاث طائرات موسكيتو فقط.(8)
ولدعم عملية الإنزال في إطار تحرير هولندة من الاحتلال الألماني النازي، أطلقت حكومة المنفى الهولندية من لندن نداء موجّه إلى كافة عمال النقل في الوطن (هولندة) دعتهم فيه إلى الإضراب حتى نهاية الاحتلال الألماني، ونُفِّذ الإضراب الذي شارك فيه 30,000 ألف عامل وموظف في السكك الحديدية الهولندية.
الإقلاع 17 / أيلول
كان يوم 17 / أيلول يوماً مشمساً، وبإشارة بدأت الطائرات بالحركة نحو الساعة التاسعة صباحاً، من مطاراتها في بريطانيا. ثم بدأت طائرات دوغلاس (Douglas DC3 -- C47) وهي محملة بجنود المظلات. اتخذت فرقة الإنزال الأمريكية 101 ممراً جوياً باتجاه الجنوب الهولندي، فيما اتجهت الفرقة المجولقة الأمريكية 82 والفرقة البريطانية المجولقة الأولى صوب الشمال الهولندي، وكلا القافلتان الجويتان حلقت في طريق يبلغ مداه أكثر من 150 كم، على مسافة عرضها يقرب من 5 كيلومتر ، وكان إجمالي الطائرات في الجو على كلا الاتجاهين، 1051 طائرة نقل، و516 طائرة شراعية في طريقها صوب أهدافها شمال وجنوب هولندة.
ومن أجل تقديم الحماية أقلعت 371 طائرة مقاتلة تيمبست، وسبتفاير وموسكيتو (Tempest+ Spitfire Mosquito) لترافق الطائرات التي تحمل قوات الإنزال المتجهة صوب الشمال، وعلى الخط الجنوبي طارت 548 طائرة من طرازات ثندربولت، لايتنينغ، موستانغ (Thunderbolts, Lightning, Mustang) لترافق الطائرات التي تحمل قوات الإنزال، من احتمالات قيام الطائرات الألمانية بالتصدي للصيد السهل من طائرات النقل، ومن أجل زيادة في التأكد من خشية أن تعمل المدفعية المقاومة للطائرات الألمانية فتنزل بها خسائر كبيرة، طارت 212 طائرة ثندربولت (Thunderbolts)، كما قامت بنفس الوقت 48 طائرة من طراز ميتشل(Mitchell)، و24 طائرة من طراز بوسطن(Boston) مواقع عسكرية ألمانية بالقرب من نايميخن، وددييلن، وأيدا، وكليفا.(9)
وفي هذا اليوم أيضاً لم يلاحظ أية ردود فعل للألمان، باستثناء في منطقة آيندهوفن (الجنوب) سجلت بعض الهجمات من مقاتلات ألمانية. وخلال الرحلة، فقد الحلفاء 68 طائرة نقل، 71 طائرة شراعية مسحوبة. وأبلغ سلاح الطيران البريطاني الملكي عن فقدان طائرتان، والقوة الجوية الأمريكية 18 من الطائرات المقاتلة. (10)
وبإجراء حساب للجهد الجوي للحلفاء يوم 17 / أيلول (يوم الإنزال) :
1051 طائرة نقل
516 طائرة نقل شراعية
371 طائرة مقاتلة حماية للمحور الشمالي
548 طائرة مقاتلة حماية للمحور الجنوبي
212 طائرة قصف أرضي
48 طائرة قصف أرضي
24 طائرة قصف ارضي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموع 2770 طائرة مجموع الجهد الجوي للحلفاء
أسقط منها الألمان.........
68 طائرة نقل جنود
71 طائرة نقل شراعية
18 طائرة أمريكية مقاتلة
2 طائرة بريطانية مقاتلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموع 159 طائرة مجموع خسائر الحلفاء
5,74% نسبة الخسائر بالطائرات
الإنزال في ماركت
الإنزال في نايميخن
بعد منتصف النهار بقليل، هبطت أولى الطائرات الشرعية البريطانية تحمل جنود الفرقة الأولى من القوات المجولقة، أعقبها مدفعية الفرقة، ثم الوحدات القافزة بالمظلات، ولم تحدث إلا خسائر متفرقة بسيطة.، وأثقل خسارة كانت عندما هبطت المدفعية المضادة للدروع بعيداً عن الموقع المخصص لها.
فشل العملية
لماذا فشلت عملية غاردن ماركت
رغم أن العملية حشدت لها قدرات كبيرة، بيد أن تقييم العملية النهائي قدّره المؤرخون بالفشل لعدة أسباب، منها :
ــ أن التعقيدات الطبوغرافية، من حيث كثرة الأنهار والقنوات كانت ترسم خطوط تقدم إجبارية.
ــ الشراسة التي أبدتها القوات الألمانية المدافعة عن الجسور ومناطق إنزال المظليين.
الفقرة الأساسية في الفشل تمثلت في إخفاق الفرقة البريطانية من المظليين من تأمين الجسر على نهر الراين، في مدينة آرنم رغم أن ثلاث مجاميع من المظليين البريطانيين هبطت في أرجاء آرنم، ومجموعة من المظليين البولونيين (قوات حكومة بولندة الحرة)، فمن جهة صمد المدافعون الألمان (خلافاً للتوقعات)، ومن جهة أخرى تأخرت القوات البريطانية (الفيلق 30 (XXX Corps والجيش الأمريكي الأول في الوصول، وهكذا بقي الراين مانعاً يصعب تجاوزه، حتى تمت إنجازات أخرى في نايميخن وريماغن وأوبنهايم، وحتى شهر مارس 1945،
(الصورة: مدفع ميدان من بقايا حملة المظليين البريطانية في آرنم : وقد سرت على الأقدام على طول الجسر ومقترباته من جهة المدينة القديمة حيث دارت المعارك الحامية)
استولت القوات المنقولة جواً الأمريكية (المظليين)على الجسر على نهر وال (Waal) في مدينة نايميخن، (20/ أيلول) فيما عجز المظليون الإنكليز في تأمين جسر الراين، كما عجزت قوات الفيلق البريطاني 30 في التقدم بسرعة ونجدة الموقف، وهكذا تعطلت إمكانية تحرير شمال هولندة طيلة فترة الشتاء، وحتى أيار / 1945. وتحديداً حتى الخامس من أيار 1945 توصل قائد القوات الكندية والقائد الألماني لاتفاق حول استسلام القوات الألمانية في فاخن نيجن (wageningen).
كانت آرنم انتصاراً كبيراً للألمان وهزيمة مريرة لقوات الحلفاء. فقد قتل في العملية حوالى 2000 جندي من قوات الحلفاء وأُسِر حوالي 7000 آخرون بواسطة النازيين أو اعتبروا مفقودين.
تعد عملية غاردن ماركت (Garden Market) دون ريب ليس من أضخم عمليات الجو في الحرب العالمية الثانية، بل ربما أكبرها على مستوى العالم، وتاريخ العمليات المجولقة. لذلك ينبغي عرضها بشيء من التفصيل، وإذا كان المؤرخون يعتبرونها عملية فشلت في أن تؤدي أغراضها بصفة كاملة، فذلك يستدعي أن نستعرض أسباب الفشل الذاتية والموضوعية، هل كان الفشل في التخطيط، أو في التنفيذ، علماً أن هناك على الدوام نسبة تفاوت معينة بين التخطيط على الورق والتنفيذ على الأرض.
انطلقت العملية (17 / أيلول )من قواعد عديدة من الأراضي البريطانية بآلاف الطائرات (2770) طائرة مروحية وشراعية، ترافقها مئات من الطائرات المقاتلة لحمايتها، تحمل نحو 37 ــ 40 ألف جندي (في اليوم الأول) وكان الطيران القاصف للحلفاء قد قام بقصف تمهيدي لمراكز تجمعات الألمان، ومطاراتهم، والمواقع التي مؤشرة كمواقع مضادة للطائرات، وبالرغم من هذه الإجراءات الحمايوية، فإن الحلفاء خسروا 159 طائرة معظمها من طائرات النقل، (لا تشير المصادر إن كانت بسبب المقاومة ضد الجو، أم أخطاء فنية وفردية) وهذا الرقم في الخسائر لا يعتبره المؤرخون كبيراً (5,7%).
وتشير المصادر أن الطقس وسرعة الريح كانت ملائمة، وهذه فقرة مهمة في عمليات الإنزال من الجو، وخاصة بالمظلات، ، كما يمكن اعتبار أن مشاعر السكان المحليين كانت ودية حيال قوات حملة الغزو وفي إبداء صيغ عديدة للتعاون مع الحلفاء حتى قبيل الغزو بتزويدهم بالمعلومات، مع العلم أن الهولنديين يقتربون من الألمان أثنياً(عرقياً) وثقافياً، ولكن الاحتلال مكروه ويواجَه بالمقاومة.
ولكن هيئة التخطيط للعملية اعتبرت أن أوضاع القوات الألمانية في هولندة متدنية على صعيد المعنويات، وأن عددها وتسليحها ضعيف، وبالتالي لا يتوقع منها إبداء مقاومة عنيفة. وهذا التصور ثبت أنه مبالغ به، ويفتقر للدقة، ويسجل على أنه أحد عوامل الفشل. وبوصول الحلفاء إلى آرنم ونايميخن تصبح الحدود الألمانية قريبة (9 كم) تمتد منطقة الروهر (Ruhr) قلب ألمانيا الصناعي أمامهم، وهي عملية سترغم الألمان على إنهاء الحرب عام 1944.
أطلق على الحملة الجوية الاسم الرمزي ماركت (Market) التي شارك فيها نحو 37 ـ 40 ألف مظلي بريطاني وأمريكي وبولوني، (16ـ 17 / أيلول / 1944 واستمرت حتى يوم 27/ أيلول / 1944)
انطلقت طائرات قوات الحملة من بريطانيا صوب هولندة باتجاهين رئيسيين:
1. صوب مدينة آيندهوفن (Eindoven) وهي مدينة هولندية كبيرة نسبياً تقع في جنوب هولندة. قريبة من الحدود البلجيكية
2. صوب مدينة آرنم (Eindoven) وبجوارها (10 كم) مدينة نايميخن (Nijmegen) القريبة من الحدود الألمانية، وبهذا ستكون منطقة الإنزال مثلث ضلعه الأعلى بنحو 10 كم، وضلعه الطويل يمتد للجنوب حتى منطقة أينهوفن التي تبعد 66 كم. وهذه تولتها القوات المجولقة البريطانية.
3. بلوغ مدينة نايميخن القريبة جداً من الحدود الألمانية (9 كم) يمثل التفافاً لقوات الحلفاء على الجبهة الألمانية من الغرب، يجنبهم الاصطدام الجبهي بخطوط الدفاع الألمانية (زيغفريد) ولكن هذه المنطقة فيها الكثير من الأنهار والقنوات لأغراض الزراعة والملاحة، وتضم الكثير من الجسور، لذلك خطط الحلفاء لعملية إنزال تتولى مسك الجسور الاستراتيجية المهمة والحيلولة دون قيام الألمان بنسفها. آنذاك سوف تندفع قوات الحلفاء عبر الحدود البلجيكية صوب آيندهوفن وصعوداً إلى آرنم ونايميخن لتلتقي بالقوات الهابطة من الجو. وأطلق على عملية التقدم الأرضية هذه الاسم الرمزي غاردن (Garden).
4. تتقدم القوات من الجنوب (فرق مشاة ودروع)، لتجد أن الجسور على الأنهار والقنوات مؤمنة لتتقدم صوب آرنم ونايميخن واقتحام الأراضي الألمانية.
ومن المفاجآت التي اعتبرت كأخطاء :
1. تمكن الألمان من تخريب بعض الجسور وبالتالي مثل ذلك إبطاء في تقدم القوات من الجنوب.
2. لم تكشف عمليات الاستطلاع التي قام بها الحلفاء، وجود قطعات مدرعة ألمانية.
3. فشلت القوات الألمانية في الاستيلاء على جسر آرنم. لذلك معظم الخسائر كانت في معركة آرنم.
4. مثّلت الحاجة الكثيفة إلى الإمداد من الجو، مفاجأة غير متوقعة.
الخطأ يمكن أن يحدث في أي مكان، ولكن لا يموت عادة هذا القدر من البشر إلا في الحروب، والأمر يصبح مريراً بصفة خاصة عندما تكون هناك أصوات قد حذرت من الخطأ.
كانت خطة حديقة السوق (Market Garden) على الورق في مرحلة التخطيط لدى الحلفاء تبدو ممتازة بهدف : إنهاء مبكر للحرب العالمية الثانية في عام 1944. وكان القائد البريطاني المشير بيرنارد مونتغمري يخطط لأن يقوم بحملة دروع جريئة يجتاز بها الأراضي الهولندية ثم يستدير ليبلغ منطقة الروهر الألمانية، ولتحقيق هذا الهدف، كان لابد من حساب التوصل للجسور الكثيرة على الأنهار والقنوات السليمة ، ومنها ستة جسور كبيرة، وبقدرها جسور صغيرة، وهنا كان لابد من استخدام المظليين، ووحدات من المشاة لتأمين الجسور، لمدة قصيرة حتى تصلهم قوات الدروع وسائر فرق الحملة من الجنوب.
المشروع كان طموحاً للغاية، وفي اليوم الأول للعملية (17/ أيلول) جرت الحركات بشكل سلس دون احتكاكات،، ولكن دبابات الفيلق 30 كانت تتقدم من بلجيكا أبطأ مما كان قد خطط لها. علاوة على ذلك، كان هناك جسران صغيران، قبل أن يصلهما المظليون الأميركان قد تم تخريبهما من قبل القوات الألمانية، والآن صار لابد للقوة القادمة من بلجيكا أن تسرع .
وفي اليوم التالي (18/ أيلول) هاجمت قوات الدروع لفرقة (SS) الثانية بقوة وشراسة، وسوف تزداد في الأيام التالية، هاجمت وحدات المظليين البريطانيين المسلحين تسليحاً خفيفاً، الذين كان واجبهم الأساسي هو إمساك الجسر على نهر الراين في آرنم. وبسبب سوء الطقس حدثت أخطاء في هبوط التعزيزات من سيارات جيب، ومدفعية خفيفة، وهكذا كان على قوات الإنزال البريطانية أن تواجه الدبابات الألمانية الثقيلة من طراز (النمر) بأسلحة خفيفة.
بتأخير 40 دقيقة
أحبطت القوات الألمانية المدافعة عدة محاولات للمظليين البريطانيين في السيطرة على جسر آرنم، ولم يتمكن المظليون البريطانيون سوى التمركز في الأبنية المحيطة بالجسر، وبعد مرور 88 ساعة على الإنزال نفذ عتادهم بالكامل، ولو أن الخطط سارت كما جرى التخطيط لها، كان ينبغي أن تكون دبابات الحلفاء منذ 16 ساعة أو 40 ساعة على أبعد احتمال.
وبعد تأخير أكثر من يومين، في 22/ أيلول غادرت الدبابات البريطانية نايميخن (9 كم جنوب آرنم)، وكان الطقس قد تحسن كثيراً بحيث بدأ التموين والإمداد يصل، بما في ذلك لواء بولوني (من قوات حكومة بولونيا الحرة/ لندن)، ولكن هذا التحسن في الموقف كان متأخراً للمظليين البريطانيين في آرنم، الذين اضطروا للاستسلام لنفاذ الذخيرة.
تواصل القتال حتى وقت قبيل ظهيرة يوم 26/ أيلول، وهنا تم إحصار الخسائر : حوالي 17,000 من جنود الحلفاء أو جرحوا أو تم أسرهم، والمعطيات عن الخسائر الألمانية غير دقيقة، ولكن المؤرخين يذهبون إلى أنها ربع أو نصف خسائر الحلفاء (4 إلى 7 آلاف).
قادت خطط مونتغمري إلى هزيمة ثقيلة، والفرقة المظلية الأولى التي كانت من قوات النخبة، سحقت بدرجة كبيرة، وما تبقى من الأحياء منهم، لم يزجوا في معارك أخرى حتى نهاية الحرب ...! وتكبدت وحدتان مهمتان من الناحية الاستراتيجية، الفرق المجولقة 82، والفرقة 101 قدمت خسائر فادحة، وأهم شيء هو أن تقدم قوات الحلفاء الذي حدث منذ الإنزال في نورماندي (حزيران / 1944)، فَقَد في هذه المعركة زخمه.
كانت أسباب الفشل متعددة، وكانت فكرة حملة (حديقة السوق / Garden Market) جريئة، ولكن لم يكن هناك الكثير من الاحتياطات المتاحة للقيام بفعاليات كبيرة كهذه (Frication)، كما أسماها المفكر الحربي البروسي / الألماني كارل فون كلاوسفيتز (Carl von Clausewitz)، بالمشكلات والنكسات التي لا يمكن التنبؤ بها.
طريق الإمداد كان بعيداً جداً، والطريق الوحيد المتاح للعمل الممتد من آيندهوفن وحتى آرنم، أصبح " الطريق السريع إلى الجحيم "( Highway der Hölle) مليء بحطام الدبابات التي دمرها الدفاع الألماني.
(الصورة : الجنرال البروسي / الألماني كلاوزفيتز / مفكر واستراتيجي)
ولعب الطقس السيء دوراً لم يكن مؤثراً، ولكن كان هناك رياح قوية وأمطار غزيرة حتى في الأيام التي تكون الشمس فيها مشرقة، وهي كانت الأكثر تأثيراً، وحتى في هذه، كان من الواضح فشل هيئات الركن، وكان يكمن في الإيصال الخاطئ لنتائج الاستطلاع إلى الضباط القائمين بالعملية.
وفي الأسبوع الثاني من شهر أيلول / 1944، ظهرت دبابة ألمانية ثقيلة بالقرب من آرنم، كان يمكن أن توقف العملية برمتها. ومنذ أن بدأ إنزال مظليي الحلفاء في هولندة، الذين كانوا تمركزوا في الأرض المعادية في أعماق البلاد، ولا يمكن التخلي عنهم أو سحبهم من الواجب.
خلال عملية " حديقة السوق " قام الكثير من الهولنديين بترك عفوي للعمل في إضراب غير معلن ضد سلطة الاحتلال الألمانية. وبعد هزيمة الألمان في الحرب (بقيت هولندة حتى أيار / 1945 تحت الاحتلال الألماني) قطعت السلطات الألمانية المواد الغذائية كلياً تقريباً، ورزح نحو 18,000 ــ 20,000 من السكان المدنيين تحت الجوع في فصل الشتاء الطويل البارد الرطب 1944 / 1945.
بعد فشل الخطة البريطانية بتحقيق انتصار سريع وسهل في الجبهة الغربية، قام الجنرال دوايت أيزنهاور خلال الأشهر المقبلة بتجميع قواته للقيام باندفاع باتجاه نهر الراين، ثم ليوسع توغله في غرب ألمانيا، وبهذا كان واضحاً أن الأشهر الأولى من عام 1945 سوف لن تنهي الحرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخسائر
مجموع الخسائر نحو 16.800 جندي.
************
ــ القوات الألمانية : الجيش الالماني:
فيلق مدرع 2
مجموعة قتال الجنرال تيتاو
الفيلق (LXXXV1)
فيلق (LXXXV111)
فيلق مظليين
الفيلق (X11)
مجموع الخسائر : 3,300 / 8000 جندي
************
ــ القوات الهابطة من الجو (مظليين) لاحظ الخريطة رجاءً، إن الإنزالات تمت بالقرب من الجسور الكبيرة أو نحوها، ولا سيما التركيز على جسر آرنم(الراين)، وجسر نايميخن على نهر الوال (Waal)
ــ فيلق بريطاني مظلي. هبط في أرجاء مدينة آرنم.
ــ فيلق أمريكي: الفيلق 101 مظلي (إنزل بالمظلات شمال آيندهوفن (بين آيندهوفن ونايميخن) + الفيلق المظلي 82 ، أنزل بالمظلات في أرجاء نايمخين.
ـ لواء مظلي بولوني أنزل جنوب آرنم.
جدول حول عمليات ماركت
الطيران:
طائرات تحمل مظليين........ : 1.293 طائرة، تحمل 21,074 جندي
طائرات شراعية تحمل مظليين : 2,277 طائرة، تحمل 18,546 جندي
طائرات تحمل تموين.......... : 4,852 طائرة، تحمل 4,595 طن
الخسائر خلال العملية :
خسائر الحلفاء بالطائرات الناقلة والشراعية : 784 طائرة.
خسائر البريطانيين في القتال الأرضي : 13,785
خسائر الأمريكيين في القتال الأرضي : 3,664
خسائر البولونيين في القتال الأرضي 378.
ــ مجموع خسائر الحلفاء، بما في ذلك الجرحى والمفقودين . 17,800
ــ مجموع خسائر الألمان 8,000 رقم يفتقر للدقة فهناك أرقام متباينة في المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش ومصادر البحث
1. Liberation Route Europe: The Netherlands/ Storyline; Operation Market Garden
2. Wikipedia: Operatiom Marketgarden.
3. قوات (SS) تعتبر من قوات النخبة، وهي تابعة أصلاً لوزارة الداخلية، ولكنها اشتهرت بشدتها وبسالتها في القتال / المترجم.
4. بحسب التوقيت الصيفي لوسط أوربا، فإن وقت الغروب ابتداءً من يوم 29 / حزيران يبدأ بالتقدم بمعدل دقيقة أو اثنتين يومياً، ترى هل فات ذلك على المخططين ؟ أضف لذلك فرق التوقيت الأوربي عن البريطاني . / المترجم
5. ذكرنا في مطلع التقرير، أن المنطقة تعج بالأنهار والقنوات الزراعية والملاحية، وبالطبع لعشرات من الجسور الكبيرة والصغيرة. وقد أطلعنا عليها من خلال زيارات عديدة للمنطقة. / المترجم
6. عملية غردن ماركت، ومجمل عمليات الحلفاء في هولندة تثبت لنا أن طبيعة الأرض هامة جداً في عمل القوات المسلحة في الحرب عموماً، ولا سيما في طبيعة عمل القوات المحمولة جواً، تكتسب الأهمية درجة حاسمة.
7. كانت أوضاع الجيش الألماني بعد منتصف عام 1944 قد أصبحت حرجة، ومن الصعوبة إعادة ترقيق القطعات وإعادة تأهيلها تلك التي تعاني من خسائر في الأفراد والمعدات من معارك سابقة.
8. لعبت هذه الغارات دوراً مزدوجاً، فمن جهة، لعبت هذه الغارات الكثيفة دور التمهيد المدفعي في المعارك الجبهية، ومن جهة أخرى دمرت المزيد من قدرات الدفاع الجوي والطيران الألماني، لتضمن أقصى درجة من الأمان في الإنزال الجوي الوشيك. / الباحث.
9. أدعو القارئ أن يتخيل الجهد الجوي المخصص لهذه العملية، ففي خلال يومي 16 ـ 17 / أيلول نفذ الجهد الجوي أكثر من 3000 آلاف إقلاع في واجبات : استطلاع، قصف، وفي الأيام التالية (بعد الإنزال جهداً مماثلاً) وما يستحق الاهتمام هنا ليس فقط القدرات الفنية (عدد الطائرات، والوقود المستهلك، والعتاد من القنابل، والطلقات) بل الكادر البشري الذي يدير هذه الماكينة الهائلة وعلى الأغلب بكفاءة، والجو يعج بآلاف الطائرات، ومدى دقة نظام إدارة العمليات والسيطرة والانضباط.
10. لا توجد تفاصيل عن كيفية فقدان الطائرات، ومن بين (2770 طائرة)، فإن فقدان 159 طائرة لا تعتبر خسارة كبيرة جداً. مجموع خسائر الحلفاء(5,74% نسبة الخسائر) هذا في اليوم الأول من الإنزال، على أن موجات إنزال أخرى ستعقبها وسيرفع من حجم الخسائر النهائية.
11. Sven Felix Kellerhoff : Das Scheitern der Fallschirmjäger bei Arnheim,
Welt, Gescichte, Veröffentlicht am 20.09.2014
963 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع