لندن/ كرم نعمة:كشف نجل الموسيقار العراقي اليهودي شلومو صالح الكويتي أن والده هاجر إلى إسرائيل تحت ضغط والدته وأسرتها عام 1951، ولم يكن راغبا بترك العراق وعمله الفني آنذاك.
وقال في تصريح لـصحيفة "العرب" اللندنية في لقاء من العاصمة البريطانية لندن أن والده كان "يتحسر" على حياته في العراق بعد أن عاش مع شقيقه الفنان "داود" حياة غاية في الصعوبة في إسرائيل.
وأضاف أن أمه وهي ابنة خالة والده عبرت لاحقا عن ندمها بالهجرة إلى إسرائيل، وقالت "لا حياة تعادل حياتهم في العراق". وأكد شلومو أن الفنانة سليمة مراد رفضت الهجرة إلى إسرائيل مع والده وقالت له "لمن أغني في إسرائيل، حياتي في العراق مع جمهوري، ولا حياة للفنان من غير جمهوره".
يذكر أن الفنانة العراقية اليهودية سليمة مراد تعد من أجمل الأصوات في الثلاثينات حتى وفاتها بداية السبعينات من القرن الماضي وغنت ألحان صالح الكويتي وعباس جميل وتزوجت من الفنان ناظم الغزالي.
وأشار شلومو الذي ولد في إسرائيل ولم يزر العراق بلد آبائه لكنه يتقن اللغتين الانكليزية والعربية، أن والده لم يتحدث له عن شهرته الفنية في الأوساط آنذاك، لكنه كثيرا ما كان يتحسر على أيامه في العراق، ولم يكن يفتقد خصوصيته العراقية حتى آخر أيام حياته.
وكشف للمرة الأولى عن قصيدة كتبها الشاعر محمد مهدي الجواهري عن والده. وقال الفنان صالح الكويتي في حديث مسجل استمعت "العرب" له بعد أن زودها به نجله شلومو "ان الشاعر محمد مهدي الجواهري تأثر بقطعة موسيقية قدمها أمامها وأهدى له قصيدة كتبها آنذاك ونشرها في مجلة "عطارد" بعنوان "دمعة تثريها الكمنجة".
ورفض شلومو التعليق على المسلسلات التلفزيونية العراقية التي أنتجت في السنوات الأخيرة وصورت جانبا من سيرة والده مثل "فاتنة بغداد" عن عفيفة اسكندر و"سليمة باشا" عن سليمة مراد، مؤكدا أنه لم يتسن له مشاهدتها، إلا إن أغلب من يعرفهم وشاهدوها أكدوا له احتوائها على ثغرات تاريخية مريعة، من بينهم الكاتب العراقي حزقيل قوجمان. وأشار إلى إن والده أكد في أكثر من حوار مسجل على دوره في نقل مقام "اللامي" العراقي إلى الموسيقى المصرية.
وقال مستندا على تسجيلات صوتية بثت من الإذاعة الإسرائيلية، انه في زيارة الفنان محمد عبد الوهاب إلى العراق عام 1932 تعاون مع أبي وعبر عن إعجابه بمقام "اللامي" الذي وضعه الفنان العراقي محمد القبانجي، وسمع أغنية "ويلي شمصيبة" وهي من نغم اللامي وغنتها سليمة مراد وناظم الغزالي، وعندما عاد إلى مصر استوحى هذا المقام في لحنه لأغنية "يلي زرعتو البرتقال" لتكون أول أغنية مصرية على مقام اللامي العراقي.
وكان عبد الوهاب زار العراق وقدم عدة حفلات وشاركه صالح الكويتي في العزف على الكمان مع أغنية "خدعوها بقولهم حسناء". كما أن أم كلثوم أعادت غناء لحن صالح الكويتي لصوت سليمة مراد "قلبك صخر جلمود" عند زيارتها إلى بغداد عام 1935. وسبق أن ذكر الفنان العراقي في حوار إذاعي معه استمعت له "العرب" أن أم كلثوم أعادت أداء الأغنية نفسها بعد عودتها إلى مصر".
وكانت أغنية "قلبك صخر جلمود" أول الحان الفنان صالح الكويتي لمنيرة الهوزوز ومن بعد أعادت سليمة مراد أداء الأغنية نفسها واشتهرت بصوتها. وقال شلومو في حديثه لـ"العرب" آن والده كان يتألم كثيرا عندما يستمع إلى ألحانه في الإذاعة العراقية ولا يذكر اسمه معها، وكثيرا ما كان يقول ان "الفن غير السياسة، لماذا يذكر اسم ناظم نعيم مع ألحانه ولا يذكر أسمي".
وشكل الموسيقار العراقي صالح الكويتي مع شقيقه داود فرقة موسيقية عراقية قبل افتتاح دار الإذاعة العراقية كانت تقيم الحفلات، ومن ثم الفرقة الموسيقية الأولى في دار الإذاعة العراقية عند افتتاحها عام 1932. ولحن الفنان العراقي، المولود في مدينة الكويت عام 1908 أكثر من 500 لحناً لأصوات عراقية مثل صديقة الملاية ونرجس شوقي ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وسليمة مراد وعفيفة اسكندر.
وقال شلومو أن والده رغم السنوات التي عاشها في إسرائيل إلى حين وفاته عام 1986، لم يتوقف عن التعبير عن خصوصيته العراقية، وفي كل الحوارات التي أجريت معه كان يقول انه خدم العراق بكل ما يملك من قدرات، معتبرا ذلك من واجبه ومعبراً عن اعتزازه بتلحين أناشيد وطنية عن تتويج ملوك العراق وتقديم الحفلات في المناسبات الرسمية والدينية اليهودية والإسلامية.
وأكد انه مازال يحتفظ بساعة ذهبية أهديت إلى والده من قبل الملك غازي مرسوم عليها شعار المملكة العراقية آنذاك. ولقب الفنان العراقي بالكويتي من مصادفة ولادته في مدينة الكويت آنذاك، حيث كانت أسرته من يهود مدينة العمارة في جنوب العراق وتتنقل إلى البصرة والكويت للمتاجرة باللؤلؤ مع الهند عن طريق الخليج العربي.
لكن صلة الفنان العراقي بقيت مع الموسيقى الخليجية بعد انتقاله للعيش في بغداد، حيث أكد نجله أن أحد شيوخ البحرين كان يستمع يوميا إلى تقسيمات موسيقية أهداها له وكان يطرب لها كثيرا.
وأشار شلومو الذي أكمل دراسته في كلية الهندسة، أن والده تعرض للظلم في العراق وإسرائيل معا، فبعد هجرته عام 1951 تحت ضغط أسرة زوجته، لم يعد يذكر اسمه عند بث ألحانه في العراق، وطالما حاول إرسال الحان جديدة للفنانة سليمة مراد عن طريق وسطاء في لندن، وعانى من الإهمال في إسرائيل، الأمر الذي دفعه إلى فتح دكاناً صغيرا مع شقيقه داود ليعيل به أسرتين. وسرعان ما تحول الدكان إلى مركز فني يزوره العراقيون اليهود للاتفاق على إحياء حفلات فنية، كان داود يغني فيها.
وقال أن السلطات الإسرائيلية لم تتنبه إلى قيمة والده إلا متأخرا، عندما أجرت معه الإذاعة الإسرائيلية مجموعة حوارات باللغة العربية مازال يحتفظ بها، معبرا عن أمله في إن يجمع كل الأرشيف الفني لوالده وعمه. واطلعت العرب على مجموعة تسجيلات صوتية للفنان صالح الكويتي سجلت معه في فترات مختلفة قبل وفاته عام 1986، وكان يعرض فيها لطبيعة الألحان العراقية وتجاربه عن الفنانين.
ويؤكد في أحاديثه انه تعلم النوتة عند حنا بطرس مدير موسيقى الشرطة آنذاك، وتواصل في اكتشاف الأصوات الفنية النسائية كما هو الحال مع الفنانة الحلبية زكية جورج. ونجحت ألحانه لصوت زكية جورج وكان من أشهرها "آنه من اقول آه وتذكر أيامي" كما لحن لها قصيدة الشاعر الهندي طاغور "يابلبل غني" التي ترجمها جميل صدقي الزهاوي إلى العربية.
ويقول في تلك الأحاديث أن نجاح الإذاعة العراقية في بداية افتتاحها كان مقرونا بفرقته الموسيقية وما يقدمه الفنان محمد القبانجي وعزيز علي.
وأشار إلى ما كتبه الأديب العراقي أنور شاؤول في مجلة "الحاصد" بقوله "صالح وداود كنز ثمين عثرت عليه الإذاعة العراقية". ويؤكد الموسيقار العراقي انه يفضل أغنيته "الهجر موعادة غريبة" كلما استبد به الحنين إلى أيام العراق الآفلة، من بين أكثر من 500 لحناً.
ويتذكر صالح الكويتي في أحاديثه الإذاعية بان نجوم الأدب والصحافة كانوا يسهرون في ملهى الجواهري ببغداد للاستماع إليه مثل توفيق السمعاني واسماعيل راشد. وقال في حديث مسجل استمعت "العرب" له بعد أن زودها به نجله شلومو "ان الشاعر محمد مهدي الجواهري تأثر بقطعة موسيقية قدمها أمامها وأهدى له قصيدة كتبها آنذاك ونشرها في مجلة "عطارد" بعنوان "دمعة تثريها الكمنجة"، كما كتب عبد الرحمن البنا صاحب جريدة المنار قصيدة أخرى يقول مطلعها: يا صالحا باهت بك الأفكار مما نلت من الفنون منار".
ويعزو الموسيقار العراقي صالح الكويتي عدم مشاركته مع الفنان محمد القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932 في القاهرة إلى مرضه ورفض والده السفر، إلا أن بعض أعضاء فرقته رافقوا القبانجي إلى المؤتمر.
ويؤكد أنه أول من درب الفنان العراقي جميل بشير على العزف على آله العود وذلك برغبة من والده الذي كان موسيقياً أيضا. حدث ذلك عند إقامة صالح الكويتي في مدينة الموصل عام 1931 لبضعة أشهر. ووضع الكويتي الحان أول فيلم سينمائي عراقي حمل أسم "عالية وعصام" قدمت فيه 8 أغاني من كلمات أنور شاؤول وغناء سليمة مراد وصبيحة إبراهيم.
وانتبهت السلطات الإسرائيلية متأخرا إلى قيمة الثنائي العراقي صالح وداود الكويتي، فأسمت أحدى شوارع تل أبيب عام 2008 بشارع "الاخوين الكويتي" في الذكرى المئوية لولادة صالح الكويتي، الأمر الذي أثأر نزعات من متطرفين يهود رافضين أطلاق الاسم، مما دفع نجله شلومو إلى قيادة حملة إعلامية للتعريف بالقيمة الفنية لوالده وعمه. ويقوم الآن حفيد داود الكويتي "رحل عام 1976" الذي أخذ اسمه بإعادة أداء ألحان صالح الكويتي بطريقة معاصرة باللغتين العربية والعبرية.
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع