
الدكتور رعد البيدر
مَا بَعْدَ الِانْتِخَابَات ... الِاخْتِلَال وَالتَّوَازُن
أَفْرَزَتْ نتائجُ الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة في 11 تشرين ثاني 2025 مَشْهَداً بَرْلمانياً يَعكِسُ استمرارَ التَّشَرْذُم. يتكوَّنُ مجلس النواب من 329 مقعدًا وتُعدُّ الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة 165 مقعدًا. حصل المكوّن الشيعي مُمَثلاً بالإطار التنسيقي وما يرتبط به من أحزاب، على 174 مقعدًا، الرقم يتجاوز الأغلبية المطلوبة 165 مقعدًا بـ 9 مقاعد، مما يمنحها قوةً عدديةً لتشكيل الكتلة الأكبر، التي ترشيح رئيس الوزراء. إلا أن مجرد التخطي العددي غير كافي ليُترجمُ قدرتها على الانفراد بالحكم، كونه يرتطمُ بعائق بموجب المادة (70) من الدستور.
العائق يُوجِبُ ضَرُورَةَ الحصولِ على "الثُّلُثَيْنِ" أي 220 نائباً مِنْ إِجمالِي عددِ أعضاءِ البَرلَمانِ مِنْ أَجْلِ عَقْد جَلْسَةِ انتِخاب رَئيسِ الجُمهورِيَّةِ. وهنا يبرز دور المكونين الكردي والسُنّي، اللذان يمتلكان قوة التعطيل، حيث حصل المكون السُنّي على 58 مقعدًا، وحصل المكون الكردي على 50 مقعدًا، ليصبح مجموعهما 108 مقاعد، وهذا الرقم يعني " الثلث الضامن أو الثلث المُعَطّل " بنفس الوقت. فإذا ما قاطع المكونين السني والشيعي مَعاً، وليس واحد منهما، فلن يكتمل النصاب الدستوري 220 نائبًا، مما يعطّل انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي لن يتحقق تكليف الكتلة ذات الـ 174 مقعدًا من تشكيل الحكومة. الإعاقة الدستورية تفرض نفسها كحقيقة بالأرقام، وتُعززها الأعراف السياسية التوافقية للدورات السابقة، التي مَنَحّت الأكراد منصب رئيس الجمهورية، ومَنَحّت السُنّة منصب رئيس البرلمان، بِصَرْفِ النظرِ عَمَّا هُوَ مُتَدَاوَلٌ حالياً عن حقيقةٍ أو إشاعة ، مِنْ مُحَاوَلَاتِ اسْتِبْدَالِ الرِّئَاسَتَيْنِ بينَ المُكَونين.
لتجاوز الإعاقة الدستورية التي بيناها، وبمراعاة ما أمسى مألوفاً بالعُرف السياسي العراقي، لا بُدَّ للكتلة التي حصلت على 174 مقعدًا من السعي لتأمين ما لا يقل عن 46 مقعدًا إضافيًا من الكتلتين الكردية والسُنّية لتحقيق النصاب المطلوب 220 مقعدًا. ليس هناك من حل متاح يفرض على القوى الفائزة التخلي عن مفهوم الأغلبية السياسية والالتزام بالشراكة التوافقية، غير هذا الحل. إن الدقة في قراءة الأرقام تؤكد أن قوة البرلمان القادم لا تكمن في تجاوز 165 مقعدًا، بل في تحقيق التوافق اللازم للوصول إلى 220 مقعدًا لضمان الإنجاز الدستوري، وتحقيق التوازن بَدَل الاختلال. وهكذا تُفَسَر الغاية من زيارة نوري المالكي إلى أربيل، لتحقيق شراكة بين المكونين الشيعي والكردي، للمحافظة على مكتسبات الدورات السابقة، وإضعاف دور المكون السُني.

1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع