كيف خدمت السينما أعمال إحسان عبدالقدوس؟
"إحسان عبدالقدوس بين الأدب والسينما"، عنوان كتاب الناقد الفني سامح فتحي، الصادر في القاهرة مؤخراً، على هامش مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي رصد من خلاله المؤلف إبداعات عبدالقدوس، بالمقارنة بين الفروقات بين المكتوب منها وما تم تقديمه للسينما.
يتتبع المؤلف في كتابه، الواقع في 215 صفحة من القطع الكبير، أعمال إحسان عبدالقدوس (1 كانون الثاني/يناير 1919 - 12 كانون الثاني/ يناير 1990)، وهو صحفي وروائي مصري، والده عبدالقدوس ممثل ومؤلف، ووالدته روز اليوسف، مؤسسة مجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير."
بداية الكتاب جاءت مع قصة "أين عمري"، الصادرة العام 1954، والتي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي العام 1956، من إخراج أحمد ضياء الدين، وسيناريو وحوار علي الزرقاني، وبطولة ماجدة، ويحيي شاهين، وأحمد رمزي، وزكي رستم، وأمينة رزق، ويتناول قصة علِّية (ماجدة) فتاة في المدرسة تحب الانطلاق والمرح وحياة الفتيات مثلها، لكن أمها (أمينة رزق) تشكل لها قيداً وعائقاً أمام ما تود بحجّة القيم والتقاليد، ولا تجد علِّية من يقف بجوارها سوى الرجل كبير السن عزيز (زكي رستم) الذي تعتبره مثل والدها لكنها تفاجأ بطلبه يدها.
ويتابع الكتاب هذا النهج مروراً بأربعين عملاً أدبياً لإحسان عبدالقدوس تم تحويلها للسينما، والتي اختتمها المؤلف بفيلم "الراقصة والسياسي" الذي عُرض العام 1990.
تميزت أعمال عبدالقدوس، من خلال رصدها في الكتاب، بالواقعية في رصد الحياة الاجتماعية للأبطال، سواء داخل الكتابات أو في أثناء تقديمها للسينما، ما اعتبره البعض مسألة سلبية؛ لما كانت تتميز به تلك الأعمال من نقد للقيود، والتقاليد، والعادات، التي تعيق المجتمعات عن ممارسة حياتها الطبيعية، وهي مسألة عدها النقاد تجاوزاً أو استغلالاً للجنس في خارج سياقه الأدبي؛ من أجل تحقيق تواجدٍ أكبر.
غير أنّ الناقد أمير العمري كان له رأي آخر في مقال له بصحيفة "العرب" بتاريخ 2017/06/14 جاء فيه: "ساهم الازدهار الكبير الذي شهده الحقل الأدبي في مصر خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين في تطور تيار الواقعية في السينما المصرية، وكانت لروايات الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس على وجه الخصوص جاذبية كبيرة لدى مخرجي الأفلام الاجتماعية".
ويرى أنّ روايات عبدالقدوس في الخمسينيات "طرحت مشاكل وقضايا مرحلة الانتقال من مجتمع ما قبل الحرب العالمية الثانية بقيمه القديمة، إلى مجتمع جديد يواجه الماضي بنوع من التمرد، هنا برزت قضايا المرأة وتعليم الفتيات وأحلام الشباب المتطلع إلى مجتمع أفضل، وموضوع الكبت الاجتماعي والنفسي، والتطلع إلى الصعود في المجتمع الجديد".
وخلافاً لما اعتبره النقاد تجاوزاً، فقد انتصرت أعمال عبدالقدوس للمرأة؛ في المطالبة بحريّتها، وتحطيم القيود المجتمعية المفروضة عليها، والتي ظهرت في جميع أعماله، ومن أشهر تلك الأعمال، فيلم "أنا حرة"، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم صدرت عن دار روز اليوسف العام 1954.
وعن تلك الرواية كتب سامح فتحي "وفيها تطور أسلوب إحسان تطوراً لافتاً، وتعالج هذه الرواية في وقتها قضية حرية المرأة، وإلى أى مدى تكون هذه الحرية، ومعناها في مجتمع محافظ".
واهتم عبدالقدوس أيضاً بهذه القضية في أعمال أخرى، منها، فيلم "الوسادة الخالية" 1957، و"الطريق المسدود"، 1958، و"لا تطفئ الشمس"، 1961.
وكان محرك عبدالقدوس في تلك الكتابات عبارة "الخطيئة لا تولد معنا، لكن المجتمع يدفعنا إليها"، وهي العبارة التي بدأ بها فيلم "الطريق المسدود"، 1958، وهي مقولة تلخص قصة العمل والهدف منه؛ إذ إنّ العمل يتناول جزءاً من حياة "فايزة"، التي وجدت نفسها تعيش مع أمها وشقيقتيها في شقة فخمة، لكن ذلك من المكاسب المادية التي تحققها الأم من مجالسة الرجال مع ابنتيها، لكن فايزة ترفض ذلك وتعيش في إطار الفضيلة التي آمنت بها.
البدايات الروائية لإحسان عبد القدوس كانت تظهره بصورة المصلح الاجتماعي والخطيب المفوه وعالم النفس أكثر من الروائي
ورصدت كتابات عبدالقدوس الحياة الاجتماعية للأبطال التي تبرز الخير والشر في الشخصيات على حد سواء، والصراع الدائر والدائم بينهما في النفس الإنسانية، وهو ما يتضح في أفلام "أين عمري"، 1956، و"الوسادة الخالية"، 1957، و"لا أنام"، 1957، و"الطريق المسدود"، 1958، و"البنات والصيف"، 1960، و"النظارة السوداء"، 1963، و"هي والرجال"، 1965، وأعمال أخرى عديدة.
واعتبر فتحي في كتابه أنّ رواية "لا أنام" تمثل "نقلة نوعية جديدة" لأسلوب إحسان عبدالقدوس وطريقته الروائية، موضحاً: "فقد كان أدب عبدالقدوس فيما سبق هذه الرواية يتناول الحياة الشخصية المفرطة لشخصياته، جاعلاً من الجنس مادته الأساسية، مصوراً فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة، وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، مثل روايات "صانع الحب"، 1948، و"بائع الحب"، 1949، و"النظارة السوداء"، 1952".
ويضيف فتحي أنّ أسلوب عبدالقدوس الروائي في "لا أنام"، اختلف عما سبق، فقد جعل من الرسالة إطاراً روائياً استخدمه بعد ذلك في رواية "شيء في صدري"، 1958، كما تحول اهتمامه من الجنس المباشر إلى الاهتمام بالمعالجة النفسية لشخصياته، ويأتي الجنس مكملاً لإطار الشخصية دون الاهتمام به أو التركيز عليها.
ويشير فتحي أيضاً إلى أنّ البدايات الروائية لإحسان عبدالقدوس كانت تظهره بصورة "المصلح الاجتماعي، والخطيب المفوّه، وعالم النفس، أكثر من الروائي"، فهو يتخذ من الرواية أساساً ومتكأً يحمل من خلالها أفكاره التي يؤمن بها الناس، لافتاً إلى أنّ هذا الأسلوب اختفى رويداً رويداً، وصارت روايات عبدالقدوس بعد ذلك تعبر عن الروائي داخله: ففي النظارة السوداء يظهر إحسان، كما يقول فتحي، بصورة ذلك المصلح، والعالم الاجتماعي من بداية الرواية، عندما يقول على لسان إحدى شخصياته: "هذه المبادئ والمثل العليا؟! الشرف.. الأمانة.. الإخلاص. الوطنية.. الشهامة.. الوفاء.. النزاهة!! هل وضعت لتكون نظماً مقررة ترتب حياة كل إنسان، وتحدد تصرفاته وتحكم قلبه وعقله؟! لا! إنّ هذه المبادئ والمثل العليا وضعت لاستعمالها وقت الحاجة فقط، فإن لم نحتج إليها فلا نؤمن بها ولا نستعملها!".
عن المصري اليوم /سامح فايز
1732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع