من الغاز تاريخنا الحديث..نهاية نوري السعيد..هل قتل ام انتحر؟ روايةالمحقق يحيى الدراجي هل تكشف الحقيقة.
لم تزل قضية مقتل نوري السعيد في اليوم التالي من يوم الثورة في 14 تموز 1958 ، من الاحداث المثيرة التي يكتنفها الغموض ، وتتعدد الروايات في الطريقة التي انتهت بها حياة السياسي العراقي الذي كان قطب الرحى في العهد الملكي ، بل ان العهد الملكي في عهده الاخير نبز باسمه واصبحت مسؤولية تراجعات ذلك العهد ، ولا سيما تلك التي تتعلق بالعلاقة مع الحركة الوطنية المعارضة التي وجهت اقسى الاتهامات الى نوري السعيد والصقت كل سيئات العهد به ..
ان قضية مقتل نوري السعيد يوم 15 تموز 1958 من الاحداث الجديرة بالبحث والتحقيق لاهميتها التاريخية المثيرة ..
نقدم في هذه السطور اخطر رواية على ما نعتقد واكثرها قربا من الحقيقة انها رواية يحيى الدراجي الذي تولى التحقيق بهذه القضية بطلب من مديرية الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع ، وهذا التحقيق لم يبق منه سوى شهادة القائمين بالتحقيق بعد ان فقدت الاضبارة التحقيقية الخاصة بالقضية ..
لنقرأ رواية الدراجي :
بأمر من الحاكم العسكري العام انذاك المرحوم احمد صالح العبدي ابلغني المرحوم رفعت الحاج سري ـ مدير الاستخبارات العسكرية ـ حيث كنت الحاكم (القاضي) المنتدب للتحقيق في مقر مديرية الاستخبارات العسكرية بالتحقيق مع رجلين لهما معلومات عن مصرع نوري السعيد جلبها السيد حامد جاسم الذي قدمه لي ليلا ـ ماجد محمد امين على انه أخ الزعيم عبد الكريم قاسم. فبدأت بتدوين اقوال حامد جاسم في غرفة معاون مدير الاستخبارات العسكرية الرئيس الاول خليل ابراهيم في المديرية المجاورة لغرفة المدير وبحضوره .
ظهر من الاقوال المدونة في الاضبارة التحقيقيةان نوري السعيد ترك دار محمود الاسترابادي بصحبة زوجة الاسترابادي ـ بيبية سيد علي قطب، وخادمتها الفارسية زهرة حيدر بعد ظهر يوم 15/تموز 1958 في سيارة تعود لآل الاسترابادي. بملابس النساء ـ العباءة والبوشي ـ ليكون نوري السعيد مختفيا عن الانظار فكان ككاعبات عمر بن ابي ربيعة. ثلاثة اشخاص كلهم كاعب المظهر قصدوا دارا بالبتاويين تعود لاخ الوزير ضياء جعفر ولكنهم تركوها وطلب نوري السعيد التوجه الى دار الشيخ الاقطاعي المعروف انذاك محمد العريبي شيخ البو محمد في العمارة يقيم في بغداد مع زوجته في الحجية فتنة لانه عضو في البرلمان ومعه ـ المله ـ وهو سكرتير وكاتب الحسابات ومدير البيت وكان هذه المره موكبهم ماشيا.. ولعدم التأكد من الدار صاروا يركضون فسقط الرداء الاسود ـ العباءة من على رأس نوري السعيد فسحبها لفوق وظهر شعر رأسه وطرف بجامته الزرقاء فصاح الاطفال "هذا رجال يلبس لبس نسوان" فتجمع رجال المحلة ونساؤها وطاردوهم وكان نوري السعيد يقاوم ويطلق النار على ملاحقيه ويحتمي بمداخل البيوت وهي في محلة البتاويين تكون فوق وخلف عتبة مرتفعة قليلا، وانه اصيب بطلق ناري... واصيبت زوجة محمود الاسترابادي ـ بيبية قطب بطلقة قاتلة من المهاجمين من اهل المنطقة واصيبت الخادمة الايرانية في غير مقتل ثم حضر اهل المحلة الى موقع الحادث.
وبعد حوالي الربع الى النصف ساعة حضر المقدم وصفي طاهر مع قلة من الجنود.. فوجد نوري السعيد مطروحا مصابا بطلق ناري في رأسه لا يعرف الذي قتله. لذلك جاء الشك بأنه انتحر ولم يخرج التحقيق بنتيجة واضحة تماما.
هل قتل ام انتحر؟..
لسبب واضح بسيط هو ان وصفي طاهر افرغ عتاد رشاشته في جسد نوري السعيد وهو ميت وقد يكون بمشاركة الجنود الذين معه وقد طلب وصفي من الجمهرة الموجودة سحب الجثة الى ساحة النصر القريبة ووضع الجثة في سيارته العسكرية ـ الستيشن ـ الى باب وزارة الدفاع حيث تلاقفها غضب الجماهير وسحلوها واحرقت قرب محلة الفضل ولم يبق من شهود الحادث حيا سوى الخادمة زهرة حيدر وقد فقد التحقيق اهم عنصر فني لكشف الحقيقة وهو التقرير الطبي العدلي الذي يوضح سبب الوفاة في كل حادثة قتل وهو دليل التحقيق في قضايا القتل عموما وبمختلف انواعه.
وقد ادلى وصفي بحديث صحفي يومها الى مراسل جريدة الاهرام القاهرية اذ كان في بغداد ونشر على الصفحة الاولى في عددها الوارد بعد الحادث مع صورة كبيرة لوصفي طاهر مع مانشيت باللون الاحمر "انا قتلت نوري السعيد" وحيث اني كنت اراقب المطبوعات في دائرة الاستخبارات العسكرية معاونا لرفعت الحاج سري فقد استقدمت وصفي طاهر وافهمته ان هذا النشر حدث بدون اذن لتقدير اهمية نشره واعلانه لايجوز له وانما للجهة العليا.
ومنعت توزيع ذلك العدد ولم يوزع فعلا.
اين الاضبارة التحقيقية الان؟..
لا ادري.. واغلب الظن انها كانت مع الاضابير التي جمعتها ثورة تموز 1958 في وزارة الدفاع وبعد ان هوجم عبد الكريم قاسم في مقره بوزارة الدفاع في يوم 8/ شباط 1963 ودك المقر ربما احترقت الاضبارة او تلفت مع مثيلاتها وربما تكون مازالت موجودة في مكان ما.
ولكن .. ماذا حدث للقوة المكلفة من قبل قيادة الثورة بالقبض على نوري السعيد..؟..
لقد كان دليل القوة المهاجمة لدار نوري السعيد على الضفة القريبة لنهر دجلة ـ الكرخ ـ المقدم وصفي طاهر لكونه مرافقا سابقا لنوري السعيد يعرف الدار مدخلا ومخرجا فلما وصلت القوة المكلفة بالمهمة وانتشرت حول الدار والدور المجاورة بما فيها دار الدكتور الاسترابادي وصل وصفي طاهر الدار وفتش عن نوري السعيد الذي كان وحيدا في داره ليلتئذ فلم يجده فظن وصفي انه هرب من النفق المؤدي الى النهر حيث يوجد زورق بخاري لنوري السعيد فلم يجد وصفي طاهر شيئا واكثر الظن انه في تلك اللحظة كان نوري السعيد في الزورق مع صيادي الاسماك حسن وحسين مغربا في النهر قاصدا مركز الشرطة للاتصال بسعيد قزاز بالتلفون لمعرفة ما يجري وعندما يئس وصفي طاهر عاد للدار يفتشه هو ومن معه وبذلك تمكن نوري السعيد من الافلات من قبضة القوة التي كانت تحاصر الدار بدلالة وصفي طاهر، والهرب من دار الدكتور صالح مهدي البصام بسيارة اخيه مرتضى المرسيدس الحمراء.. كما ذكرنا.. متابعا طريق الصالحية فالكاظمية، فدار الاسترابادي القديمة الكبيرة حيث قضى ليلة الرعب الكبير هناك. وعندما شعر نوري السعيد بان لا نجدة للحكم الملكي من الخارج وتيقن من سيطرة الثوار الجمهوريين على البلد، قرر الهروب.. الى اين؟ وكيف؟.. هنا جاءت الافادات التي ضبطت اخر التحقيق مفسرة لها..
المدى / اعداد : ذاكرة عراقية
716 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع