سلسلة رجال وأحداث - صفحات مطوية من حياة صالح جبر

      


سلسلة رجال وأحداث -  صفحات مطوية من حياة صالح جبر  ١٩٠٠- ١٩٥٧

        

    

      


ولد صالح جبر عام 1900 في مدينة الناصرية جنوب بغداد وتوفي في 6حزيران 1957، كانت حياته مليئة بالاحداث الجسام، والتي ارتبطت معظمها باسمه . فقد شغل مناصب هامة في الدولة العراقية من متصرف – محافظ - ثم وزيرا وعضوا في مجلس النواب والاعيان ثم رئيسا للوزراء.

                    

حينما استقالت حكومة نوري السعيد يوم 11اذار/مارس 1947، عهد الوصي عبد الاله الى صالح جبر تشكيل وزارة جديدة بعد ان وجه اليه الكتاب التالي::
وزيري الافخم صالح جبر
بناءا على استقالة السيد نوري السعيد من منصب رئاسة الوزراء ، ونظرا لما نعهده فيكم من دراية واخلاص، فقد قر راينا ان نعهد اليكم برئاسة الوزراء على ان تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا اسماءهم علينا والله ولي التوفيق.
صدر عن البلاط الملكي في اليوم التاسع والعشرين من اذار 1947
وقد اختار صالح جبر زملاءه من الوزراء السابقين كان الدكتور ضياء جعفر ضمن الوزارة لاول مرة وجاءت التشكيلة على الشكل التالي:
1- صالح جبر رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية بالوكالة
2 - يوسف غنيمة وزيرا للمالية
3- فاضل الجمالي وزيرا للخارجية
4 - جمال بابان وزيرا للعدلية ووكيلا لوزارة الاقتصاد
4 - عبد الاله حافظ وزيرا للتموين
ضياءجعفر وزيرا للمواصلات والاشغال -5-
6 - جميل عبد الوهاب وزيرا للشؤون الاجتماعية
7 – شاكر الوادي وزيرا للدفاع
8 - توفيق وهبة وزيرا للمعارف
وقد القى رئيس الوزراء صالح جبر كلمة في حفل الاستيزار جاء فيها::
ارجو من الله تعالى ان يوفقني من تحقيق هذه الثقة. وخاطب كبار موظفي الدولة ورجال البلد من سياسيين وادباء وعلماء ومفكرين شبابا وشيوخا وكهولا فقال (ارجو من حضراتكم كمواطنين غيارى مخلصين لخدمة بلادكم، التعاون مع الحكومة والتآزر معها، لكي يسهل على الحكومة القيام بمهمتها غير السهلة في مثل هذه الظروف) وقال(تعلمون ما تحتاج اليه البلاد في هذه الظروف من تطور وتعمير واصلاح، ولا شك ان الجهاز الحكومي يعتمد على كبار الموظفين الغيارى الذين سيساعدون الى حد كبير على تحقيق هذه الغاية)
وفي مجلس الوزراء قدم صالح جبر يوم 10/نيسان/1947 منهاج وزارته بعد ان القى كلمة في الجلسة بنبرة المعتد بنفسه. .
ففي مجال السياسة الخارجية تناول المنهاج :
1- العمل على تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية على اساس ضمان المصالح المتبادلة بين الند والند، وعلى ضوء مبادىء ونصوص ميثاق الامم المتحدة وتعزيز الصداقة التقليدية القائمة بين العراق وبريطانيا العظمى.
2- تعمل الحكومة على تقوية روابط الاخوة والاتحاد بين العراق وسائر دول جامعة العربية والمضي في تنمية هذه الصلات وفق ميثاق الجامعة وتحقيق اهدافها.
3- لما كان العراق يعتبر قضية فلسطين قضيته بالذات فستعمل الحكومة على انقاذ هذا الجزء من الوطن العربي من الاخطار المحيقة بكل ما لديها من وسائل.
4- تعزيز صلات الصداقة القائمة بين العراق من جهة وبين الدولتين المجاورتين تركيا وايران من جهة اخرى ، وتقوية الروابط السياسية والاقتصادية معهما عملا بروح ميثاق سعد اباد.
5- التمسك بمبادىء ميثاق الامم المتحدة والعمل على تحقيقها.
6- تعديل قانون الخدمة الخارجية.
الشؤون الداخلية
1- العمل على ضمان الوحدة العراقية، وتعزيز مقوماتها المادية والروحية، وتعزيزا اكيدا من شانه ان يجعل الفرد العراقي، بصرف النظر عن عنصره او دينه – يشعر شعورا تاما بانه متساو مع غيره من افراد الشعب العراقي في الحقوق والواجبات، ومكافحة النزعات التي تحول دون تحقيق هذه الغاية .
2- مكافحة المبادىء الهدامة والدعايات الضارة، والحيلولة دون تسرب شرورهما ومفاسدهما بين طبقات الشعب تنفيذا لاحكام القوانين.
3- اصلاح الجهاز الاداري اصلاحا يكفل ضمان الامن والعدل في المجتمع العراقي من جهة، وضمان الاستقرار والطمانينة في نفوس الموظفين من جهة اخرى ليكونوا اداة صالحة للخدمة.
4- العمل على رفع مستوى ضباط الشرطة والافراد العلمي والمسلكي لضمان انجاز واجباتهم على الوجه الاصح.
5- الاهتمام بادارة الالوية ومساعدتها للقيام بواجباتها على الوجه المطلوب.
6- الاهتمام برفع مستوى البلديات وتحسين مواردها لتكون قادرة على انجاز ما هي مكلفة به من خدمات.
7- تعديل قانون المطبوعات.
شؤون الدفــاع
1- النظر في وضع الجيش الراهن وما يتطلبه من اصلاح اساسي تتوافر فيه الشروط المطلوبة للجيوش العصرية وتجهيزه بالاسلحة والاليات الحديثة على قدر ما تسمح به موارد البلاد.
2- العمل على زيادة كفاءة الضباط ورفع مستواهم ومستوى ضباط الصف والجنود ماديا ومعنويا، وتكوين شعور لدى الجمهور بان الخدمة في الجيش هي خدمة وطنية يستحق القائمون بها احترام الشعب وتقديره.
3- تعديل قانون خدمة الضباط والتقاعد العسكري .
الشؤون المالية
1- تأسيس بنك مركزي لضمان سياسة نقدية رشيدة ومنها السيطرة على سياسة العملة ومراقبة التداول فيها ضمن ما تتطلبه المصلحة الاقتصادية العامة .
2- اعتبار الارصدة الاسترلينية التي تجمعت للعراق خلال الحرب ثروة وطنية يجب المحافظة عليها لدعم صرح الاقتصاد الوطني.
3- استثمار رؤوس الاموال المحلية بفتح فروع مصرفية في المراكز العراقية الاقتصادية المهمة مع اعداد القروض الداخلية على اختلاف انواعها.
4- ايجاد رؤوس الاموال اللازمة لتمويل المشاريع العمرانية والاقتصادية عن طريق البنك الدولي.
5- زيادة راس مال المصرفين الزراعي والصناعي .
6- تأسيس بنك عقاري واخر للرهونات.
7- اعادة النظر في الضرائب والرسوم وجعلها تتناسب مع حاجة البلاد واوضاعها الاقتصادية.
8- اعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية.
شـؤون التمـوين
1- تعني الحكومة في معالجة الغلاء بالوسائل الممكنة.
الشــؤون الاقتصادية
1- انماء الثروة الوطنية والمساعدة على زيادة الانتاج الزراعي والصناعي واستثمار مواد الثروة الطبيعية.
2- تعتزم الحكومة تنفيذ مشروع تاسيس مصفى النفط في بيجي باقرب فرصة ممكنة.
3- الاهتمام بمعالجة قضية التبغ بشكل يحفظ حقوق المزراعين، وتاسيس مركز للتجارب العلمية وتاسيس الحقول النموذجية، وتعليم الفلاح اساليب الزراعة الحديثة، وادخال المكننة في الاعمال الزراعية، وتهيئة الالات الزراعية للحراثة والحصاد والدراسة ، وتشجيع الملكية الصغيرة ، والعناية بالثروة الحيوانية وتحسين انواعها، وخاصة العناية بصناعة صيد الاسماك، وتاسيس المعاهد الفنية والمستشفيات والمستوصفات والمختبرات البيطرية، وتجهيزها بالالات والمواد الحديثة، وتوسيع معهد البحوث والتجارب الصناعية، وتجهيزه بالخبراء الصناعيين وطنيين واجانب، والاهتمام بانشاء المخازن – السايلو- لخزن الحبوب.
الشـؤون الثقافيـة
توجه التربية والتعليم نحو تنمية المواهب والقابليات لدى ابناء الشعب ، وتعميم التعليم الابتدائي وتشجيع التعليم الحرفي ، وتعضيد حركة الترجمة والتاليف والنشر بانشاء مجمع علمي لهذا الغرض وتوسيع المكتبات العامة والعناية بها. ووضع المعاهد العاليا على اسس علمية رصينة، وضمان توسعها وفق احتياجات البلاد، والمباشرة بانشاء الجامعة العراقية، والاكثار من البعثات العلمية ورفع مستواها ، وانشاء اقسام داخلية للطلاب في العاصمة ومراكز الالوية، وتشجيع الحركة الرياضية، واعمال الكشافة، وايجاد الساحات ، وتاسيس النوادي الرياضية، والثقافية والمباشرة ببناء دار للاثار القديمة.
شـؤون الري والمواصلات والاشغال
العمل على حل مشاكل الفيضان في دجلة والفرات، واكمال مشروع الحبانية المقرر والاستمرار في دراسة خزانات بخمة والثرثار وديالى والزاب الصغير، والاهتمام بمشاريع البزل في المناطق الزراعية، بسبب كثرة الاملاح وتوسيع شبكة الطرق، وانشاء الجسور وتشييد محطة للاذاعة، والعناية بالنقل الجوي والقيام بانشاء المطارات في المدن العراقية المهمة.
الشــؤون الصحيـة
1- احداث المستشفيات وتوسيع الموجود منها في مراكز الالوية والاقضية وتجهيزها بالوسائل الفنية من مختبرات واجهزة، وتعيين الاخصائيين في مختلف الفروع الطبية وانشاء المستوصفات في النواحي والاقضية، والاكثار من المستوصفات السيارة البرية والنهرية .
2- العمل على مكافحة الامراض الوبائية والمتوطنة.
3- التوسع في مؤسسات الامومة والطفل والعمل على تقليل الوفيات.
4- اجراء التوسعات في الكلية الطبية والمستشفيات التعليمية.
5- الاستمرار في ارسال المزيد من البعثات الطبية للتخصص في مختلف الفروع.
6- توسيع كلية الصيدلة وفتح كلية لطب الاسنان.
الشــؤون الاجتماعية
1- العمل على مكافحة البطالة وتوفير مساكن صحية لصغار الموظفين وباجور زهيدة وتشديد التفتيش والرقابة على المصانع والمعامل، وتاسيس قرى عصرية وتحسين مياه الشرب وتاسيس الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وتشجيع الحركة النقابية وجعل السجون دور تهذيب واصلاح.
يقول عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية (ان منهاج صالح جبر الوزاري اوسع منهاج اصدرته الوزارات العراقية المتعاقبة ، وكان يزخر بوعود ومشاريع لو تيسر تنفيذ عشر عشرها لاصبح العراق جنة من الجنان.
وحين نوقش المنهاج في مجلسي النواب والاعيان، مناقشة طويلة، كان المتناقشون يطلبون ايضاح الاسس والمبادىء التي تعتزم الوزارة تعديل بعض القوانين بموجبها، كان صدر رئيس الوزراء صالح جبر والوزراء رحبا يردون على كل ذلك باسهاب
ويضيف الحسني( وقد تم تنفيذ بعض ما ورد في السياسة الخارجية لتعديل المعاهدة العراقية البريطانية، وتعديل قانون الخدمة الخارجية، وتشريع الاتفاقية بين تركيا والعراق، عقد معاهدة الاخوة بين تركيا والعراق، وعقد معاهدة الاخوة بين العراق والاردن.
اما في الحقل الداخلي، فقد اجرت وزارة جبر بعض التعديلات على بعض القوانين العامة، وشرعت البعض الاخر، وانهت مشكلة الارصدة الاسترلينية، واجرت احصاء النفوس العام. واسست المجمع العلمي العراقي، واحسنت الى موظفي الدولة بمكافأة مالية تعادل نصف راتب، وقامت بتأسيس بعض المراكز الصحية لمكافحة الامراض، وساعدت الفلاحين ببعض السلف.
وكانت تعتزم القيام بدراسة شاملة للاعمال الرئيسة ، لكن الاحداث السياسية واهمها وثبة كانون الثاني 1948 قصرت أجلها وحالت دون المضي في تنفيذ هذا المنهاج الضخم.
وقد واجهت حكومة صالح جبر ثلاث مشكلات حادة وخطيرة داخليا وعربيا ودوليا
المشكلة الاولى - الازمة الاقتصادية
----------------
من المصادفات الغريبة ،ان يشهد العراق خلال سنتي 1946 و1947 حالة الانحباس المطري فشحت المياه، مما اثر تاثيرا كبيرا على انتاج العراق من محصولي الحنطة والشعير، فالقت بظلالها واثارها على برنامج حكومة صالح جبر، التي كانت تخطط لرفع مستوى المواطن اقتصاديا، فشحت في السوق المحلية مادة الدقيق، وارتفع سعر رغيف الخبز والصمون، بعد ان كان الانتاج المحلي من الحبوب يسد حاجة السكان، والفائض منه يصدر الى الخارج خاصة بعد دخول المكننة الزراعية في عملية الانتاج الزراعي، حيث جرى استيراد كميات كبيرة من مضخات المياه والالات الزراعية، مما دفع الفلاحين والملاك والاقطاعيين وحتى المسؤولين في الدولة وخاصة بعض النواب والاعيان والوزراء، الى الاتجاه نحو الانتاج الزراعي، لما لمسوا منه الارباح الطائلة، وخاصة من خلال التصدير الى الخارج، حيث العملات النادرة .الا ان سنتي 1946و1947 كانت اسوأ سنة يشهدها العراق في تاريخه الحديث، فقد قلّت المياه وانتشر الجراد، ومنيت المزروعات باضرار كبيرة ومنوعة، وتضاعفت معها الرغبة في تصدير الحنطة والشعير، امعانا في الاثراء السريع، دون الالتفات الى حاجة البلاد والاستهلاك المحلي، اذ كانت اجازات التصدير انذاك تمنح بدون حساب .اذ ما كاد شهرتشرين الاول /اكتوبر من عام 1947 يدخل، الا والبلد يشكو من ازمة حادة في الخبز، نتيجة الشحة في مادة الدقيق، فشهدت المخابز والافران في بغداد زحاما شديدا، حيث اخذ المواطنون يقفون طوابير طويلة من اجل الحصول على رغيف الخبز .

         

وبسبب اشتداد الازمة، فقد اضطرت حكومة صالح جبر، الى تاليف لجنة من مدير الداخلية العام ومتصرف لواء بغداد (محافظ) وامين العاصمة، لدراسة افضل الوسائل لمواجهة الازمة وتأمين الخبز للمواطنين . وقد قدمت اللجنة مقترحات، اوصت بان يسارع الفلاحون في تسديد حصة الحكومة من حاصلات الحنطة والشعير. كما اوصت اللجنة مخابز السجون وافرانها بزيادة انتاجها من الصمون .كما اصدرت حكومة صالح جبر امرا بمنع تصدير الحبوب الى الخارج .
المشكلة الثانية – القضية الفلسطينية

كانت القضية الفلسطينية من اكثر الهموم التي كانت تشغل بال صالح جبر، بعد الهموم العراقية باعتبارها قضية العرب الاولى، وكان ضد قرار تقسيمها، وضد هجرة اليهود اليها ففي ايام وزارة صالح جبر، كانت القضية الفلسطينية في طريقها الى مقصلة الاعدام، فبذلت وزارته اقصى الجهود لتوحيد صفوف العرب، والمطالبة بحقهم في هذا الجزء من وطنهم، والاحتجاج على تدخل الامريكان في هذه القضية، وتنظيم الاضرابات والاحتجاجات، على هذه المظالم .
ففي 16 اذار 1946 وصلت الى بغداد بعثة بريطانية – امريكية مشتركة، لتقصي الحقائق عن القضية الفلسطينية برئاسة السرجون سنكلتن وعضوية بكتن صاحب جريدة بوستن هيرالد الامريكية والمستر تسنكهامبور العضو المحافظ في البرلمان البريطاني والوزير السابق في وزارة تشرشل، يرافقهم سكرتير اللجنة الموظف في الخارجية البريطانية والدكتور هنس الطبيب المرافق للجنة . واجرت اتصالات ومحادثات مع العديد من الشخصيات العراقية السياسية والدينية والثقافية، امثال حمدي الباجه جي وارشد العمري ومولود مخلص وسلمان الشيخ علي وعبد الكريم الازري وكامل الجادرجي ومحمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي كبة والشيخ قاسم القيسي والحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفة اليهودية في العراق .
وقد اتسمت محادثات هؤلاء مع اللجنة بالقوة والصراحة والاخلاص والاتزان، مما جعل اعضاء اللجنة يعربون عن ارتياحهم التام لما لاقوه في العراق .
كما قابلت اللجنة الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق انذاك، ثم غادرت اللجنة العراق يوم 18 /3 متوجهة الى العاصمة السعودية الرياض، ومنها عادت وقدمت تقريرها الى الجهات البريطانية والامريكية، الذي تضمن كثيرا من المغالطات وتشويه الحقائق وتزوير الافادات التي ادلى بها اصحابها، فقد اوصى تقرير اللجنة بالسماح لمئة الف يهودي بدخول فلسطين فورا، مما جعل الباب مفتوحا امام هجرات متتالية لم تتوقف حتى الان . كما تضمن التقرير توصية برفع القيود عن بيع املاك العرب الى اليهود، اضافة الى توصيات اخرى . مما دفع وزارة الخارجية العراقية، ان تصدر بلاغا في 19/3 وصفت فيه ما جاء في التقرير بانه لايقره ضمير ولا تستسيغها الا شريعة الغاب.
وفي 6ايار، عقد مجلس النواب العراقي جلسة برئاسة توفيق السويدي ،استعرض خلالها توصيات اللجنة والمظالم التي تنتاب العرب من جراء تنفيذ هذه التوصيات، كما دانت الاحزاب السياسية القائمة في العراق توصيات اللجنة، ودعت الى اضراب شامل يوم 10 ايار، تعبيرا عن سخط العراقيين حكومة وشعبا على التصرف الانكلو – امريكي .
كما احتج االبلاط الملكي على ما جاء في توصيات اللجنة المذكورة، وكذلك الحكومة العراقية التي قدمت مذكرة احتجاج الى السفارة البريطانية في بغداد، احتجت فيها احتجاجا شديدا على ما جاء في توصيات لجنة التحقيق، ووصفته بانه مضر ومنتقص من حقوق عرب فلسطين الطبيعية في بلادهم، واكدت الحكومة العراقية في مذكرتها، مدى التاثير الصهيوني في سياسة الولايات المتحدة حول قضية فلسطين، وقالت ان العدل يقضي ان يكون تقرير مصير فلسطين بيد سكانها الشرعيين دون غيرهم .واضافت انه على الرغم من عدم اعتراف الحكومة العراقية بمشروعية اللجنة او التقيد بتوصياتها، فانها اثرت كغيرها من الدول العربية في تسهيل مهمتها، علها تستطيع ان تحملها على رؤوية الحق الساطع .الا ان النتائج جاءت مطابقة للمقدمات . فما صدر عن اللجنة أيدّ المخاوف والشكوك التي خامرت نفوس العرب الذين قابلوها بكل تحفظ .
وجاء في مذكرة الاحتجاج ان اللجنة في توصياتها، التي تقول ان اهالي فلسطين الشرعيين يرحبون بعدد جديد من اليهود، بانه تغاض مطلق عن وجهة نظر العرب، وحقوقهم الطبيعية في بلادهم .
وتساءلت الحكومة العراقية في مذكرتها :ولا تعلم الحكومة العراقية كيف تاكدت اللجنة ان اهالي فلسطين يرحبون بعدد جديد من اليهود ؟ وقالت ان توصية اللجنة بادخال مئة الف يهودي ما هو الا اعتداء صريح على حقوق العرب، وتحد لكل المبادىء الانسانية والتعهدات الدولية، التي قطعت لهم، كما انه يشكل خطرا ليس على عرب فلسطين وحدهم، بل على بلاد الشرق الاوسط ،الذي سيؤدي الى اراقة الدماء، وتعكير الامن والاستقرار في هذا الجزء من العالم .
وجاء في المذكرة ،ان اقتراحات اللجنة يعتبر عملا غير عادل، من شانه الاخلال بالسلم الدولي في الشرق الاوسط، اذ سيؤدي الى احداث القلاقل والاضطرابات في فلسطين والبلاد العربية الاخرى .
وافادت المذكرة، ان الحكومة العراقية تعتبر الحكومة البريطانية، بوصفها منتدبة وحدها مسؤولة شرعيا وادبيا عما يحدث، وسيحدث في فلسطين والبلاد العربية الاخرى .مجلس الجامعة العربية من جانبه، عقد اجتماعا في بلودان بسوريا في حزيران 1946 تقرر خلاله ان تقوم الشعوب والحكومات العربية، بجمع الاعانات اللازمة للدفاع عن فلسطين، لانقاذ ابنائها المعوزين . كما قرر مجلس الجامعة العربية، ان توجه الدول العربية مذكرات الى الحكومة البريطانية للدخول في مفاوضات مع العرب لانهاء الوضع في فلسطين .
ومن جانبها دعت الحكومة العراقية، الجامعة العربية الى ايفاد ممثليها الى لندن وفق شروط منها، ان لا تقبل ان تتفاوض مع اليهود، ولا تعترف باي حق للهيئة الصهيونية العالمية في فلسطين، ولا تقبل الحكومة العراقية، ولا تعترف باية صفة رسمية للحكومة الامريكية، في موضوع فلسطين . كمااعتبرت حكومة صالح جبر، الحكومة الامريكية متطفلة على الموضوع ومتجنية على العرب وفلسطين . وقالت ( ... ولذلك فليس في وسع الحكومة العراقية ان توافق على اعتبار الحكومة الامريكية طرفا ثالثا في الموضوع) .
وجاء في شروط حكومة صالح جبر، ان يكون مفهوما وواضحا بدون لبس ولا ابهام، بان المذكرات سوف لا تستند على تقرير اللجنة الانكلو- امريكية، وعلى الخطة المقترحة من الخبراء الانكلو – امريكي التي اعلنتها الحكومة البريطانية .
كما استنكرت حكومة جبر، الاقتراح القائل بتعويض عرب فلسطين بملايين الدولارات، بعد قبول الاقتراح بتقسيم بلادهم . كذلك استنكرت تقديم القروض للدول العربية، اسكاتا لهم . واكدت حكومة جبر قائلة( اذ ليس هناك من يسكت عن المطالبة بحق العرب الصريح).
وحينما دعت جامعة الدول العربية ،الى اعلان الاضراب في جميع عواصم الدول العربية فجر الثالث من تشرين الاول /اكتوبر 1947 للاحتجاج على تهويد فلسطين، كان اضراب بغداد في اليوم المذكور، مضرب المثل في التنظيم والشمول وقوة الاحتجاج . فقد تعهدت حكومة صالح جبر في بيان لها جاء فيه ( بما ان العراق حكومة وشعبا، يشترك مع اخوانه من ابناء الامة العربية في هذا الشعور، نحو قضية فلسطين، فاننا ندعو الشعب العراقي للاشتراك بالاضراب العام اظهارا لهذا الشعور النبيل ).
وحينما ارتأى رؤوساء القبائل العراقية، ان يعقدوا مؤتمرا خاصا بهم، في احدى المدن العراقية لمعالجة قضية فلسطين، بعد تشجيع صالح جبر لهذه الفكرة، بل ربما هو الذي اوعز بها كما قيل في حينه، وبذل في سبيلها الشيء الكثير، حيث سمح بعقد المؤتمر في ساحة حامية الحلة العسكرية وحضره هو بنفسه في 22/10/1947 والقى كلمة قال فيها ( انه بوسع القبائل العراقية ان تجنّد نصف مليون من رجالها للقتال في فلسطين )
وقد اعتبر المؤتمر، فلسطين قلب الامة العربية النابض ،وجزءا لايتجزأ من الكيان العربي وقبلة المسلمين الاولى .
واكد المؤتمر، ان كل خطر يهدد فلسطين يهدد كل قطر من اقطار العرب والمسلمين واعتبر المؤتمر، ان كل محاولة ترمي الى قطع اي جزء من فلسطين ، حتى لو كان شبرا واحدا واعطته للصهيونية، يعدّ خطرا مباشرا على البلاد العربية والاسلامية، وواجب العرب والاسلام الدفاع عن كيانهم بكل الوسائل، التي تدفع عنهم هذا الخطر الداهم .
واعتبر المؤتمر، ان كل حل لمشكلة فلسطين ،لا يرضي فلسطين والدول العربية، ويفرض عليهم بالقوة، تحديا لهم وخطرا على الامن والسلام في الشرق الاوسط .
كما اعتبر المؤتمر ،ان كل دولة او امة، تؤيد مشروع تقسيم فلسطين، او ايجاد كيان للصهاينة فيها، عدوة مباشرة للعرب والمسلمين ، يجب مقاطعتها والقضاء على مصالحها السياسية .
ودعا المؤتمر الى تعبئة عامة وشاملة ،لدفع الخطر عن عروبة فلسطين واراضيها المقدسة كما ابدى رجال الدين من مسلمين ومسيحيين وعلماء عراقيين اراءهم، بوجوب الجهاد المقدس . كما وضع المؤتمر جميع افراد عشائرهم القادرين على حمل السلاح، في وضع الاستعداد للقيام بهذا الجهاد المقدس، لانقاذ فلسطين جنبا الى جنب مع الجيش العراقي والجيوش العربية .
وقد تم تبليغ قرارات المؤتمر هذا، الى سكرتارية هيئة الامم المتحدة ،ومجلس الامن الدولي، والامانة العامة لجامعة الدول العربية، والحكومات البريطانية والامريكية والسوفييتية والفرنسية والحكومات العربية .
وحينما عقدت هيئة الامم المتحدة دورتها الثانية في 29/11/1947 ،كانت قضية فلسطين من جملة القضايا المدرجة في جدول اعمال هذه الدورة، بعد ان انجزت لجنة تقصي الحقائق الانكلو – امريكية اعمالها، وقدمت تقريرها النهائي، فاذا به يوصي بتقسيم فلسطين الى منطقتين عربية ويهودية، واذا بممثل الولايات المتحدة في هيئة الامم، يؤيد مشروع التقسيم، تاييدا صريحا ويبذل مسعاه لحمل الاخرين على ذلك .
وعلى اثر صدور قرار التقسيم ، عقد رؤوساء الحكومات العربية وممثلوها اجتماعا في القاهرة يوم 8/12/1947 للمداولة في النتائج المترتبة على هذا القرار، واتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات جامعة الدول العربية السرية ، فاذا ببعض الدول العربية تبدي موقفا متخاذلا .
وهنا وقف رئيس الحكومة العراقية صالح جبر وقدم مذكرة في 15/12/1947 جــاء فيها (ان العراق يعتبر قرارات بلودان السرية لا تزال قائمة وواجبة التنفيذ.الا ان صالح جبر لم يحصل على من يؤيد دعوته هذه.
وقد قابلت الاوساط السياسية العراقية، بل الشعب العراقي باسره، قرار هيئة الامم المتحدة باستنكار شديد واسف عميق، على الرغم من انه كان يتوقع صدور مثل هذا القرار، فنظم المظاهرات تلو المظاهرات استنكارا لهذا القرار . فيما اجتمع مجلس الوزراء العراقي برئاسة صالح جبر، لدراسة الحالة العامة في البلاد، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الاخطار التي قد تؤثر على الامن . فاصدر صالح جبر بوصفه وزيرا للداخلية وكالة، بيانا ابدى فيه اسفه العميق واستيائه من قرار التقسيم، ودعا الشعب العراقي الى التزام السكينة والهدوء، وعدم افساح المجال لحدوث ما قد يلحق الضرر بالقضية الفلسطينية نفسها .
واكد صالح جبر في بيانه ،ان حكومته مازالت عند تصريحاتها السابقة والمتكررة فيما يخص توجه الشعب العراقي توجيها صحيحا، لمؤازرة عرب فلسطين والحيلولة دون تنفيذ ذلك القرار الظالم على حد قوله .
وقد ادلى صالح جبر بتصريحات صحفية قال فيها :ان دور الكلام قد انتهى وان تقسيم فلسطين لايمكن تحقيقه لان سبعين مليونا من العرب قد اجمعوا كلمتهم على محاربته .
وضمن اهتمامات صالح جبر بالقضية الفلسطينية، فقد شارك جلسات جامعة الدول العربية التي عقدت في بلودان بسوريا في حزيران 1946 تقرر خلالها، ان تقوم الحكومات العربية وشعوبها بجمع التبرعات والاعانات اللازمة للدفاع عن فلسطين، ولانقاذ ابنائها المعوزين
كما قررت اجتماعات بلودان، دعوة بريطانيا للدخول في مفاوضات مع العرب لانهاء الوضع الراهن في فلسطين، وبالفعل فقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك ودعت جامعة الدول العربية للتفاوض معها في لندن .
كما شارك صالح جبر في جلسات جامعة الدول العربية في صوفر بلبنان في منتصف ايلول/سبتمبر 1947 اذ كان جبر يرى ان القضية الفلسطينية تمر في دور خطير، حيث اتصل في بداية ايلول برؤساء بعض الحكومات العربية، للاتفاق على عقد اجتماع لرؤساء الوزارات العربية للجنة السياسية، وتقرر ان يكون هذا الاجتماع في صوفر بلبنان يوم 16 ايلول/سبتمبر 1947 تقرر خلاله: :
1- ترى اللجنة السياسية العربية ،ان مقترحات لجنة التحقيق المنبثقة من الامم المتحدة، تنطوي على اهدار فاضح لحقوق عرب فلسطين الطبيعية في الاستقلال، كما تنطوي على خرق لجميع العهود التي قطعت للعرب، ولذات المبادىء التي تقوم عليها منظمة الامم المتحدة، وترى تنفيذ هذه المقترحات خطرا محدقا يهدد امن فلسطين والامن والسلام في البلاد العربية جميعا، ولذلك فقد وطدت العزم تحقيقا لاستقلال فلسطين وحريتها، ودفاعا عن ذات كيان الدول العربية، على ان تقاوم بجميع الوسائل العملية الفعالة، تنفيذ هذه المقترحات وتنفيذ كل تدبير اخر، لا يكفل تحقيق استقلال فلسطين كدولة عربية .
2- توصي اللجنة دول الجامعة، بتوجيه مذكرة الى كل من الحكومتين البريطانية والامريكية، باشعارها بالخطر المحدق فعلا بالامن والسلام بالشرق الاوسط ، وتحميلها مسؤولية كل ما يمكن ان يتمخض عنه من احداث ، اذا ما اتخذ اي قرار من شانه ان يمس بحق فلسطين ، في ان تكون دولة عربية مستقلة 0
3- ويوصي اللجنة العربية، بان تقوم بمسعى دبلوماسي عاجل، لدى دول الامم المتحدة، لاقناعها بوجهة نظر الحكومات العربية، في رفض مقترحات لجنة التحقيق، وفي تعضيد طلبات العرب المعروضة على الجمعية العمومية، بقصد تحقيق استقلال فلسطين .
4- توصي اللجنة دول الجامعة العربية ، بتقديم اقصى ما يمكن من معونة عاجلة لاهل فلسطين من مال وعتداد اورجال .الخ ...
5- وتقرر في اجتماع صوفر، ان تدفع دول الجامعة العربية مليون جنيه لمساعدة فلسطين بنسبة حصة كل دولة في الجامعة ٠
صالح جبر وانقلاب بكر صدقي
شغل صالح جبر وزيرا للعدلية في حكومة حكمة سليمان التي جاء بها انقلاب بكر صدقي بعد ان كان جبر يشغل منصب متصرف – محافظ – كربلاء ٠
ونقلا عن المؤرخ عبد الرزاق الحسني يقول :ان صالح جبر اخبره ،انه تلقى اشارة من بغداد بعد ظهر يوم الخميس 29/10 /1936 وهو يوم انقلاب بكر صدقي، تنبىء عن رغبة حكمة سليمان بالدخول في الوزارة التي هو سائر الى تأليفها، فاعتذر عن ذلك فلم يقبل له عذرا فاصر على الاعتذار، فلم يكن من حكمة الا ان القى السماعة من يده وكلفه بالتوجه الى بغداد فورا ٠
ويضيف جبر نقلا عن الحسني الذي التقاه يوم 25 مايس /ايار 1939 في ديوانه قائلا ( لما وصلت الى بغداد من كربلاء عصر يوم الخميس 29/10/1936 وفهمت كل ما جرى قمت بزيارة المرحوم ياسين الهاشمي في داره، وعرضت عليه فكرة اشتراكي في الوزارة الجديدة، فاشار علي بضرورة قبول التكليف 0 فلما ابديت ما لدي من اعذار تحول دون ذلك ،اجابني لابد من اشتراكك معهم وستساعدنا مساعدة نذكرها لك ، فانك ستخفف من غلوائهم وتحول دون فتكهم بنا فان القوم مصممون على التعرض لحياتنا .

   

استقالة صالح جبر
كانت جماعة من التقدميين، تعرف بجماعة الاهالي قد الّفت جمعية سرية في بغداد قبل انقلاب بكر صدقي وانضم اليها رجال بارزون امثال محمد جعفر ابو التمن وحكمة سليمان ، كما انضم اليها قبل الحركة الفريق بكر صدقي الذي زار الجادرجي في منزله وفاتحه الاخير وشرح له اهداف الجمعية  ولما قامت حركة بكر صدقي وانخرط لفيف من الاهالي في سلك حكومته ،ا كان من الواجب على هؤلاء ان يحققوا اهداف جمعيتهم في الاصلاح فورا ، ولكن سرعان ما ظهر لهم ان الفريق بكر كان ضد كل حركة تقدمية  فقد وقعت بعض الحوادث السيئة في عهد الانقلاب ، مما اثارت الجادرجي الذي شغل وزارة الاقتصاد والمواصلات وغضب لها، كما اثارت هذه الحوادث محمد جعفر ابو التمن وزير المالية، اللذين اجتمعا واستعرضا الموقف وتداولا في الامر وقررا الاستقالة وايدهما زميلهما يوسف ابراهيم وزير المعارف ، ثم رأوا من المناسب ان يعرضوا الامر على صالح جبر وزير العدلية وطلبوا منه الحضور الى دار ابو التمن فحضر، وعرضوا عليه ما استقر عليه رأيهم، فوافقهم وكتب الاستقالة ووقعها الوزراء الاربعة وقدموها مشتركا في 26/5/1937 وذلك بعد ان استمر تدخل بكر صدقي في امور الدولة صغيرها وكبيرها ٠
وجاء في استقالة صالح جبر والوزراء الثلاثة ما يلي : لما كانت اماني البلاد، التي طالما ضحينا في سبيل تحقيقها، حرصا على سعادة ابناء البلاد ورفاههم واطمئنانهم وتأمين العدل بين الجميع، قد حيل دون تحقيقها، والتدابير الحكيمة والسليمة التي قررناها، في سبيل استقلال البلاد والتي اجمع الرأي على تحبيذها، وتوخي الجميع حسن نتائجها، قد شاءت الاقدار ان تنعكس الاية، فتهرق دماء ابناء البلاد ضحية لتصرفات بقيت مكتومة علينا، لولا شياع استهجانها في كثير من الاوساط، ولان التمادي في اتباع السياسة المحسوسة والاندفاع اليها، لا يتفق مع السياسة الرشيدة الواجب على المخلصين اتباعها، فلم يبق لنا امل في الاشتراك في المسؤولية ولذلك قدمنا استقالتنا

صالح جبر وعبد القادر السنوي
عبد القادر السنوي شخصية قانونية لامعة، تقلد مناصب القضاء عدة سنوات، وكان مظهرا من مظاهر العدل في احكامه  عرضت عليه قضية تقاعدية لمحمود جودت ، احد الضباط الاكراد، ويبدو ان السنوي كان قد وجه الى محمود جودت اثناء المرافعة اسئلة لم تعجب محمود فلما كان اليوم التالي 26/مايس /ايار 1937 اطلق محمود جودت النار على السنوي فارداه قتيلا 0 وقد القي القبض على المتهم محمود وقدم الى المحكمة، التي اصدرت بعد ثلاثة ايام حكما بالاعدام شنقا حتى الموت  واراد صالح جبر بوصفه وزيرا للعدلية، ان ينفذ هذا الحكم حسب الاصول، ولكن نفوذ بكر صدقي الطاغي حال دون ذلك، وادعى بان القاتل مصاب بالجنون  مما اضطر صالح جبر الى تقديم استقالته مصرا على تنفيذ حكم الاعدام  الا انه حينما قتل بكر صدقي يوم 11آب 1937 وجاءت وزارة جميل المدفعي، قدم القاتل الى المحكمة من جديد فاصدرت قرارها في 21 ايلول/سبتمبر باعدامه شنقا ونفذ صباح يوم 20تشرين الثاني/نوفمبر 1937 ٠

    


تداعيات حركة رشيد عالي الكيلاني
عقب فشل حركة رشيد عالي الكيلاني في مايس/ايار 1941 شكّل جميل المدفعي حكومة جديدة ،الا انها سرعان ما استقالت، وجاء نوري السعيد الذي استدعي من القاهرة، حيث كان يشغل هناك وزيرا مفوضا ، لتشكيل وزارته وارتأى السعيد ان يختار زملاءه من الذين اكتووا بحركة 2 مايس 1941، ومن المشهود لهم بالحزم والعزيمة، وعارضوا رشيد عالي الكيلاني في سياسته كصالح جبر الذي شغل وزيرا للداخلية والخارجية وكالة، حيث عمدت وزارة الداخلية الى سياسة تصفية الحسابات مع الذين ساهموا في حوادث نيسان ومايس وتعاطفوا معها ،وفقا لطلب الانكليز ففصلت وزارة الداخلية لفيف من العاملين في دوائر الدولة من متصرفين(محافظين) وقائمقامين ومديري نواحي ووظفين . وكذلك القاء القبض على المشتبه بهم وحجزهم في معتقلات العراق ، بينهم عبد الرحمن البزاز وناجي معروف وعبد المجيد زنيدان وسلمان الصفواني وسليم النعيمي وعبد الرزاق الحسني وخليل كنة وجمال الالوسي والدكتور يوسف عبود ونعمان العاني وعبد الملك نوري واسماعيل غانم وفائق السامرائي وروفائيل بطي والشريف محي الدين حيدر ، كما تقرر حجز العشرات من العسكريين الذين احيلوا الى التقاعد . وعلى الرغم من جميع الجهود التي بذلها نوري السعيد وصالح جبر في مطاردة العناصر المؤيدة لحركة رشيد عالي الكيلاني، بقيت هذه الاجراءات دون طموح السفير البريطاني في بغداد.
اعرب الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق، عن رغبته في ان يكافىء صالح جبر على الخدمات التي اسداها جبر للوصي اثناء هربه من بغداد والتجائه الى البصرة، في اوائل نيسان 1941 عقب حركة رشيد عالي الكيلاني ، وذلك بان يسند اليه منصب رئيس الديوان الملكي الذي شغر بسفر عبد القادر الكيلاني الى ايران. فلما عرضت هذه الرغبة على مجلس الوزراء، قال وزير المالية ابراهيم كمال ان منصب رئيس الديوان الملكي لا يختلف عن اي منصب اخر، وانه غير مستعد للتعاون مع وزارة يكون فيها صالح جبر احد اعضائها، فاختير عباس مهدي رئيسا للديوان. ابراهيم كمال هذا حينما استدعاه الامير عبد الاله وطلب منه تشكيل حكومة جديدة فاتح صالح جبر للدخول في وزارته المرتقبة. والغريب ان صالح جبر وافق على الاشتراك في وزارة ابراهيم كمال مع ان صالح جبر كان قد استقال من وزارة نوري السعيد الرابعة احتجاجا على عدم معاقبة ابراهيم كمال في قضية اغتيال رستم حيدر، وذلك حسب ما يقوله طه الهاشمي في مذكراته . واتضح لابراهيم كمال ان التكليف الوزاري لا يعدو كونه اضغاث احلام. ثم اعرب الوصي بعد ايام عن رغبته في ان يعين صالح جبر مديرا عاما للجمارك والمكوس ، فلم يقر وزير المالية هذه الرغبة ايضا على الرغم من اعترافه بكفاءة صالح جبر ونزاهته .
وفي وزارة نوري السعيد السابعة في 8/10/1942 اصبح صالح جبر وزيرا للمالية، على اساس انه من الضروري وجود شخصية قوية في وزارة المالية، وقالوا انه من الضروري ان يكون صالح جبر لها، حيث كان انذاك خارج العراق.وحينما عاد صالح جبر في 21/10/1942 ادلى بتصريح اتهم فيه المضاربين بقوت الشعبووصفهم بانهم من الرتل الخامس، وقال انهم فريق من البشر يقصدون خدمة الاجنبي، وانهم يربكون الحياة الاقتصادية، ويحرمون الناس من تناول رزقهم. الا انه بعد مدة اتضح لصالح جبر ان الذين يحتكرون قوت الشعب ويتلاعبون باسعار الحاجيات، انما هم عصبة من المسؤولين في الدولة والمتنفذين فيها، فسكت على مضض. وفي يوم 7شباط/فبراير 1946 اصيب صالح جبر الذي كان يشغل وزارة المالية اصابات طفيفة اثناء حادث مروري وهو في طريق عودته من عمان الى بغداد ومعه وزير الدفاع والعدلية وكالة.
المشكلة الثالثة والخطيرة- معاهدة بورتسموث
----------------------------------------
كان العمل على تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية الموقعة في 30 حزيران 1930 ضمن تفكير صالح جبر، ولما تقلّد الوزارة كانت مسألة التعديل ضمن المنهاج الوزاري، الذي قدمته حكومة صالح جبر، وذلك على اساس ضمان المصالح المتبادلة بين الند والند، وعلى ضوء مبادىء ونصوص ميثاق هيئة الامم المتحدة ،وتعزيزا للصداقة التقليدية القائمة بين العراق وبريطانيا، كما جاء في المنهاج الوزاري 0 وجرت اتصالات بينه وبين الحكومة البريطانية، أدت الى موافقتها على اجراء محادثات لتعديلها، على الرغم من انها لاتستوفي أجلها الا في عام 1957.

             

وبالفعل فقد شرعت حكومة صالح جبر في المفاوضات ، وتألف وفدان احدهما عراقي مؤلفا من رئيس الوزراء صالح جبر ووزير الدفاع شاكر الوادي ورئيس اركان الجيش صالح صائب الجبوري  اما الوفد الاخر البريطاني فقد تألف من مارشال الجو السربريان بيكر والبركادير كرتس ونائب مارشال الجو كراي والمستر بسك والميجر جنرال رنتن وميجر برتوك ، الذين وصلوا الى بغداد واجروا مفاوضات استمرت للفترة من 8 – 17 ايار 1947 خاطب صالح جبر الوفد البريطاني خلال المفاوضات قائلا (منذ عام 1936 اخذ الانطباع يزداد في نفوس افراد الجيش ، بل يزداد في الحقيقة بين جميع طبقات الشعب، وهو ان بريطانيا العظمى كانت تتعمد ابقاء الجيش العراقي ضعيفا، فكان هذا احد الاسباب الكبرى لمعاداة بريطانيا والانقلاب الذي حدث في عام 1941، وان كان هذا خطأ، ولكن هذا الانطباع لايزال مستمرا حتى صار خطرا على الدوام على الصداقة بين البلدين، ولا يمكن ازالته الا اذا تقدمت بريطانيا العظمى لمساعدة هذا البلد لا بالاقوال بل بالافعال  وقال انه رئيس الوزراء وبوصفه وزيرا للداخلية يستطيع كبح جماح اعداء بريطانيا ولكن ذلك يكون مجرد تدبير وقتي ٠
هذا وقد توقفت المفاوضات وتأجلت الى اجل غير مسمى ، دون الاعلان عن التوصل الى اي نتائج تذكر  لكن حينما قرر الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله السفر الى لندن في منتصف تموز/يوليو 1947، اقترح عليه رئيس الوزراء صالح جبر، ان يفاتح وزير الخارجية البريطانية المستر بيفن، بضرورة استئناف المفاوضات التي توقفت في بغداد، واقترح ايضا ان تكون المفاوضات اثناء عطلة مجلس الامة العراقي ، ليتمكن صالح جبر بصفته رئيسا للوزراء من عرضها على مجلس الامة عند افتتاحه  وبالفعل ابدى الامير عبد الاله اهتماما بالموضوع وفاتح بيفن بذلك، وبعث الى صالح جبر بكتاب اطلعه فيه على ما تم خلال لقائه مع الوزير البريطاني جاء فيه( واجهت المستر بيفن وزير الخارجية البريطانية، مواجهة قصيرة وتباحثنا بصورة مبدئية عن المعاهدة، وقد ابدى رغبة في ان يجري البحث خلال وجودي في لندن )

     


واضاف الامير عبد الاله ( لقد لاحظت في هذا الاجتماع ، وجود رغبة لحل القضية واجراء المفاوضات قبل موعد اجتماع مجلس الامة العراقي، وان بيفن قال بالحرف الواحد نحن مستعدون لعقد اتفاقية اي معاهدة شريفة طويلة الامد الا انه رغب ان يطلع منذ الان على مطاليبنا بصورة تمهيدية  واقترح ان تأتي الى لندن خلال الاسبوع الاول من تشرين الاول وتبدأ باذن الله بالمفاوضات مع بيفن خلال الاسبوع الثاني او الثالث من الشهر المذكور )
وفي 4 تشرين الاول /اكتوبر 1947 سافر صالح جبر الى لبنان لحضور اجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية هناك  وفي بيروت استلم صالح جبر برقية من الامير عبد الاله قال فيها انه اثناء المذاكرة مع بيفن ومعاون وزير الخارجية للشرق الاوسط حول تعديل المعاهدة والغاء القواعد الجوية البريطانية في العراق، ظهر ان لديهم مقترحات بهذا الخصوص ، فقد طلب بيفن التريث في اخباركم بمقترحاته حتى يتم تأييدها من رؤوساء اركان القوات المحاربة ومجلس الوزراء البريطاني ٠
كما تلقى جبر برقية ثانية من الامير عبد الاله، ذكر فيها انه قابل بيفن واكد له عدم الغاء القواعد نهائيا، وابقاء مطاري الحبانية والشعيبة تحت سيطرتهم، كما اكد بيفن اشتراك العراقيين والبريطانيين في استعمال واشغال المطارين في وقت واحد، وقال بيفن اننا لا نرغب في البقاء في المطارين للسيطرة عليكم، ولكن نرغب بالبقاء للدفاع عنكم وعن انفسنا في وقت واحد ٠
وقد رد صالح جبر على برقية الامير عبد الاله قائلا(تعلمون ان المباحثات التي اجريناها مع البعثة العسكرية البريطانية في شهر مايس / ايارالماضي، كانت تدور حول ضرورة تخلي الحكومة البريطانية عن مطاري الحبانية والشعيبة، وضرورة تسليمها الى السلطات العسكرية العراقية، على ان تقوم هذه السلطات بصيانتها وجعلها صالحة للاستعمال في جميع الاوقات ٠ ولهذا ارى ما بينه المستر بيفن لسموكم، من ضرورة الاحتفاظ بالمطارين وادارتهما ادارة مشتركة، امر لايمكن الموافقة عليه، والاسباب التي ذكرها بيفن لاتبرر ذلك مطلقا، ولهذا لايسعنا الدخول في مفاوضات على هذه الاسس ،لان هذا ليس في مصلحتنا في شيء، بل يلحق بنا اضرارا بليغة )
واضاف جبر في رده على برقية الامير عبد الاله ( اقول اذا كانت بريطانيا تريد ان نتجاهل كل هذا وتضعنا في وضع حرج جدا تضر به عزتنا وكرامتنا في الداخل والخارج، فهذا ليس من الوفاء من شيء ولا يمكن ان نرضاه لانفسنا )0
في هذه الاثناء كان فاضل الجمالي وزير الخارجية في حكومة جبر قد وصل الى العاصمة البريطانية لندن قادما من نيويورك، بعد ان حضر اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة حول القضية الفلسطينية ،واجتمع فور وصوله لندن بالمستر رايت مساعد وزير الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الاوسط ،وبحث معه موضوع تعديل المعاهدة، وتسلم من رايت نسخة من مسودة تعديل المعاهدة كانت الحكومة البريطانية قد اعدتها ٠
وقد ابرق الجمالي الى صالح جبر اطلعه على ما تم البحث حوله مع رايت قائلا( ان بريطانيا لاتطلب حقا في المطارات، بل تريد ان تقدم الحكومة العراقية تسهيلات خدمة للدفاع المشترك، وان مايكل رايت اكد ان وجود قوات بريطانية في المطارات، وقت السلم امر متوقف ازاء الخطر الحاضر، ولا يمكنهم ان يبوحوا بذلك نصا، والمسودة لاتزال تحت الدرس والتنقيح وتحوي ثماني مواد الجديد فيها هي المادة الخامسة ونصها – ان القاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة، هي جزء مكمل من المملكة وسيادتها، وحكومة صاحب الجلالة البريطانية ، توافق على ترك الحقوق المنحصرة بها وحدها لحد الان، والتي تتمتع بها قوات صاحب الجلالة البريطانية في هذه المطارات ، ويتفق على استعمال القواعد للمنفعة المشتركة بين الفريقين )
واضاف الجمالي ( وللمعاهدة ملحق يتكون من ثماني مواد، والفقرة التي يرجون ان تسوي الخلاف بين وجهتي النظر العراقية والبريطانية هي الفقرة – د – من المادة الاولى من الملحق ونصها : الى ان يحين وقت يتفق فيه الطرفان المتعاقدان على احالة الامن في الشرق الاوسط لاتستدعي ذلك ، فان جلالة ملك العراق يمنح دخولا حرا في القاعدتين الجويتين للطائرات والوحدات المحاربة للقوات الجوية البريطانية ٠ اما موضوع اجراء تعديل في استعمال الظروف التي تسود اذ ذاك، والتي يعينها مجلس الدفاع المشترك، الذي سينشأ وفق منطوق هذا الملحق فالمجلس يقدم توصياته للطرفين المتعاقدين الساميين ) وقال الجمالي في برقيته الــى صالح جبر ( ان ما علمته من المستر بيفن والمستر مايكل رايت، انهم مستعدون لتعديل الصيغ، باي شكل يضمن المصلحة المشتركة، ولذلك استطيع القول ان الجماعة مستعدون للمفاوضات الان )
وبالفعل فقد وافق صالح جبر على دعوة وزير خارجية بريطانيا بيفن بالسفر الى لندن لينجز فيها ما توقف حله في بغداد، واصطحب معه وفدا يضم كل من وزير الدفاع شاكر الوادي وفاضل الجمالي الموجود في لندن ونوري السعيد وتوفيق السويدي ، اللذين اعرب الامير عبد الاله عن رغبته في ان ينضما الى الوفد بصفة مستشارين 0 وقبل ان يغادر الوفد بغداد عقد اجتماع في قصر الرحاب يوم 28/12/1947 بحضور الامير عبد الاله، كما حضره عشرون شخصية سياسية عراقية، كان بينهم صالح جبر ونوري السعيد وتوفيق السويدي وجميل المدفعي وحكمة سليمان وحمدي الباجه جي وارشد العمري والسيد محمد الصدر والشيخ محمد رضا الشبيبي وصادق البصام ومصطفى العمري وعمر نظمي وداوود الحيدري وعبد العزيز القصاب ونجيب الراوي ونصرة الفارسي ومولود مخلص وبهاء الدين نوري ومحمد حسن كبة  تحدث الجميع حول المعاهدة وما يجب ان تكون عليه مستقبلا ، فيما رفض الشبيبي والفارسي التعليق وقالا انهما لايستطيعان ابداء الرأي ما لم يطلعا على الاسس المراد ادخالها او تعديلها، ما دام رئيس الوزراء لايرغب في الكشف عن هذه الاسس ٠
كما عقد اجتماع اخر في قصر الرحاب ، برئاسة الامير عبد الاله ، حضره كل من صالح جبر ونوري السعيد وتوفيق السويدي واحمد مختار بابان ، واعرب الامير عبد الاله خلاله، عن رغبته في تثبيت اسس التعديل بحضوره، واتفق الجميع على ان يشمل التعديل الامور التالية :
1- مقدمة المعاهدة – رفع خطط المواصلات منها ٠
2- رفع قيد المشاورات في الامور السياسية الخارجية والاكتفاء بالنص – على ان لاينتهج احد الفريقين المتعاقدين سياسة معادية للفريق الاخر ٠
3- تسلم العراق للقاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة عند ابرام معاهدة الصلح بين الدول التي اشتركت في الحرب العظمى ٠
4- عدم السماح في ابقاء قوات مسلحة بريطانية في العراق في زمن السلم ٠
5- الغاء حصر استخدام الاخصائيين في الحكومة العراقية بالبريطانيين ٠
6- الغاء الاتفاقيات الخاصة بالسكك الحديدية والميناء وتسلم العراق لهذين المرفقين الهامين ٠
7- ضرورة تسليح الجيش العراقي للقوة الجوية العراقية بعين الاسلحة التي تسلح بها الوحدات البريطانية وفي عين الوقت الذي يجري فيه تسليحها ٠
8- رفع القيود الموجودة فيما يتعلق بالتمثيل السياسي في المعاهدة الحاضرة ٠

موقف الاحزاب السياسية
ما كادت الاحزاب السياسية في العراق انذاك، تسمع باجتماع الساسة في قصر الرحاب، حتى استفزها الامر، وقررت الاحتجاج على ذلك، وقدم كل حزب سياسي بيانا خاصا به، يعلن مهاجمته للمعاهدة وللتعديل ،دون ان يطلع عليها، او قبل ان تبدأ المفاوضات ، بل وهاجم وزارة صالح جبر، واعتبرها وزارة لاتمثل الشعب٠ فحزب الاستقلال بزعامة محمد مهدي كبة ،اصدر بيانا اعلن فيه عدم اطمئنانه لاجراء التعديل، وقال ان الوزارة لاتستند الى مجلس نيابي يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا، ودعا حزب الاستقلال الى معارضة اي معاهدة تعقد في هذه الظروف، وقال انها تنتقص من سيادة العراق الوطنية ولا تكفل تحقيق استقلاله ٠
كما اصدر حزب الاحرار، بزعامة سعد صالح بيانا، لم يعترض فيه ضمنا على التعديل بل اعترض على حكومة صالح جبر، اي انه كان موافقا على تعديل المعاهدة لكن بواسطة وزارة اخرى ، وان الاسس التي طرحت في اجتماع قصر الرحاب ، كان لاغبار عليها، وقال الحزب في بيانه: ان تعديل هذا الوضع لايصح ان يتم على يد الحكومة الحاضرة، التي لاتتمتع بثقة الشعب، وقال ان مهمة المفاوضة، يجب ان تقوم بها حكومة تستند الى مجلس ينتخب انتخابا حرا لتحقيق استقلال العراق التام٠
اما الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي، فقد اصدر هو الاخر بيانا اعترض فيه لانه لم يدع لاجتماع الرحاب ، وقال ( لما كان الحزب لم يتسن له ابداء رأيه في هذا الموضوع في الاجتماع المذكور ، فانه لا يبدي وجهة نظره في هذا الامر الخطير ) ٠
في لندن حيث كان فاضل الجمالي ادلى بتصريح لوكالة الانباء العربية قال فيه ( ان المعاهدة البريطانية العراقية التي وقعت عام 1930 قوبلت بكثير من النقد في العراق، وكان اكثر الانتقادات التي وجهت اليها، راجعا بالطبع الى السياسة الحزبية في البلاد، ولا تمت الى الحق بنصيب، ولكن ليس من شك في ان المعاهدة لا تخلوا من مآخذ اذ توخى المرء عند بحثها استكمال كل نقص ، وتطلع الى الظفر بمعاهدة مستوفاة من جميع الوجوه )
واضاف الجمالي ( ان المعاهدة ليست الا رمزا يبرر هذه الحقائق ،ويسجلها على هذا الاساس ) ومع ان صالح جبر كان قد كذّب هذا التصريح، وقال انه لا يجوز اسناده الى وزير خارجية العراق، فانه كان الفتيل الذي الهب شعور العراقيين، ودفعهم الى تحدي السلطة القائمة فقد تناقلته الصحف والاحزاب، وعلقت عليه تعليقات اثارت حماس طلاب المعاهد العالية، والهبت مشاعرهم، وحملتهم على القيام بمظاهرات صاخبة، اضطرت الشرطة الى التدخل مما اسفر عن وقوع اصابات بين الطرفين  كل هذه الاحداث جرت، وصالح جبر كان ما يزال في بغداد، الذي اضطر بعد الاطلاع على رأي وزير المعارف ، الى تعطيل الدراسة في كلية الحقوق واصدر بيانا جاء فيه ( اطلع مجلس الوزراء على كتاب وزارة المعارف المرقم 14-4-18 والمؤرخ 5/1/1948 واطلع كذلك على التقرير المقدم من قبل مديرية الشرطة العامة، واستمع الى الايضاحات التي ادلى بها معالي وزير المعارف، وعند المداولة تبين ان بعض طلاب كلية الحقوق يحملون مبادىء تمنعها القوانين، وان البعض منهم يتركون الدراسة في كثير من الاحيان ويقومون بمظاهرات غير مسموح بها  وظهر ايضا انهم بتاريخ 4/1/1948 تركوا المدرسة وقاموا بمظاهرة لامبرر لها، الامر الذي احدث اصطداما مع الشرطة المكلفة بحفظ الامن، وبنتيجة هذا تحقق، ان استمرار الدراسة في هذه الكلية، اصبح لايؤمن الغرض المنشود منها، ولهذا وبناءا على اقتراح معالي وزير المعارف، واستنادا الى المادة 31 من نظام كلية الحقوق، قرر المجلس الموافقة على تعطيل الدراسة في كلية الحقوق، الى اجل غير مسمى اعتبارا من تاريخ 5/1/1948 على ان يعاد النظر في هذا الامر قبل ختام المدة، بناءا على تقرير يرفعه وزير المعارف  وقرر المجلس ايضا، الايعاز الى وزارة العدلية، للقيام بالتحقيقات القانونية فورا، للوقوف على الاسباب التي دعت الى التصادم، الواقع بين الطلاب والشرطة والتحقيق بصورة خاصة، عن المحرضين والمشتركين في تلك المظاهرات، وايداع المخالفين الى القضاء  وقرر ايضا الايعاز الى وزارة المعارف، برفع تقرير مفصل عن حالة هذه الكلية وهيئة ادارتها والقائمين بشؤونها ودرجة علاقتهم في هذه المظاهرات ، والاسباب التي دعت الى افساح المجال لدخول بعض المبادىء الهدامة الى هذه الكلية، وعما اذا كان يوجد بين اساتذتها ومحاضريها من يعتنق امثال هذه المذاهب، وتقديم توصيات فيما يجب اجراؤه لاصلاح المعهد، وارجاعه الى حالته الطبيعية، والاسس التي تؤمن تزييد كفاياته  وقرر ايضا تشكيل لجنة ادارية برئاسة السيد عبد العزيز الخياط عضو محكمة التمييز وعضوية مظفر احمد متصرف لواء بغداد والسيد عبد الله الشواف مدير العشائر العام ، للتحقق بصورة ادارية، عن الاسباب التي دعت لحدوث المظاهرة في يوم 4 المبحوثة في تقرير الشرطة، والمحرضين عليها والجهة التي بدأت بالاصطدام الواقع بين الشرطة والطلاب ، وكذلك التحقق عن سبب تسرب المبادىء الهدامة بين طلاب الحقوق وغيرها من المدارس، وكذلك التحقق عن سلوك اساتذة الكلية ومدرسيها ومحاضريها ورفع تقرير مفصل حول جميع ذلك ٠
الا ان هذه المظاهرات لم تحل دون سفر رئيس الوزراء صالح جبر الى لندن مساء يوم 5 كانون الثاني /يناير 1948 بعد ان تراس الاجتماع المذكور لمجلس الوزراء والذي تقرر فيه تعطيل الدراسة  كما صدرت الاوامر بتوقيف عدد من المتظاهرين، وغلق الاقسام الداخلية ومطاعمها في وجوه الطلاب الخارجين، فاطمأن صالح جبر الى هذا الاجراء، وسافر والوفد المرافق له الى الحبانية ليستقلوا من هناك الطائرة الى لندن ٠
وفي اليوم التالي شنت الصحف العراقية الحزبية خاصة ، حملاتها على حكومة صالح جبر ومشروعاته، في الوقت الذي اعلنت الكليات والمدارس العليا اضرابها عن الدوام، تضامنا مع كلية الحقوق واحتجاجا على غلق هذه الكلية ٠
الواقع ان الاحزاب السياسية وصحفها، كانت قد انتقدت المعاهدة واعترضت عقدها، واجمعت على عدم صلاحها على اساس انها ارهاصات بالتكتلات الحديثة في الشرق العربي، فقد اعتمد حزب الاستقلال في رفضه المعاهدة على الاشاعات والاقاويل، وليس على دراستها والاطلاع عليها، فقد جاء في المذكرة التي رفعها رئيس حزب الاستقلال الى صالح جبر رئيس الوزراء جاء فيها ( كثرت حول غاياته واهدافه السياسية والعسكرية ،الاشاعات والاقاويل فلم يشأ حزبنا مناقشته والتعليق عليه، قبل ان يبرز الى عالم الوجود ونطلع على تفاصيله ومحتوياته ) نائب رئيس الوزراء اصدر من جانبه بيانا يوم 5 /1/1948 جاء فيه ( فهم من التقارير الرسمية المقدمة من السلطات المختصة، ان بعض طلاب كلية الحقوق قرروا بتاريخ 4/1/1948 القيام بمظاهرة صباح يوم 5/1، وقد وفد طلاب بعض المدارس الثانوية على الكلية بدون كتب فخرجوا من الكلية متظاهرين – بدون اجازة – يهتفون بسقوط المعاهدة وبحياة فلسطين واحدثوا شغبا، وعندما حاولت الشرطة حفظ النظام وتفريقهم، بادروا بالحجارة، ثم اخذ البعض منهم يطلقون العيارات النارية على قوات الشرطة، مما ادى الى جرح 42 شرطيا بضمنهم معاون شرطة ومفوض، الامر الذي لم يدع مجالا للشك، من ان بعض المتظاهرين من الطلاب، كانوا يحملون السلاح، عندما عزموا على اقامة هذه المظاهرة، وبعد ان استمر الطلاب على الشغب ورمى الحجارة على قوات الامن، تحصنوا في الكلية فطوقتهم الشرطة ،الى ان هدأ الحال فسمحت لهم بالتفرق، مع العلم بانه كان يوجد بين المتظاهرين اشخاص من حملة المبادىء الهدامة )
واضاف البيان ( ان الحكومة قد اعادت الامن الى نصابه فورا، وقد اصدرت اوامرها بوجوب اجراء التحقيق عن السبب لهذه المظاهرة والبادىء بالتجاوز والشغب )
وجاء في البيان ( ويظهر من هتافات المتظاهرين ،ان سبب هذه المظاهرة يرجع الى عاملين 0 الاول تعديل المعاهدة والثاني قضية فلسطين ٠ في حين ان المفاوض العراقي الذي ذهب لتعديل المعاهدة لم يبدأ بعد بمفاوضاته، ولم يظهر منه اي اتجاه حتى ولا اي تصريح بما يخالف الامال الوطنية، بل ان تصريحات رئيس الوفد امام مجلس الامة كانت كلها تشير الى ان التعديل كان يرتكز على اساس استقلال البلاد وتأمين المصالح الوطنية  اما قضية فلسطين فان موقف الحكومة تجاهها صريح ومعلوم، وان تصريحات فخامة رئيس الحكومة، قد اطلع عليها الرأي العام )٠
وقال البيان ( ومن هذا نستنتج ان هذه الحركة، ما هي الا دسيسة مقصودة، من قبل منظمات نعرفها حق المعرفة، احدثت لاشغال الرأي العام لغرض جعله ينظر الى قضية فلسطين بنظر اخر، وان يفت في عضد المفاوض العراقي وعرقلة مساعيه، الذي ذهب بكل حماس واخلاص للقضية الوطنية ولتعديل المعاهدة )٠
بعد هذا البيان هدأت الحالة في بغداد وسادت السكينة ارجاء العاصمة، فيما وصل الوفد العراقي المفاوض الى لندن في السادس من كانون الثاني، واجرى عدة لقاءات ومفاوضات انتهت في العاشر من الشهر نفسه، بعد ان وقع رئيسا الوفدين على نص المعاهدة بالحروف الاولى من اسميهما  ثم دعا رئيس الوفد البريطاني اعضاء الوفد العراقي ليكونوا ضيوفا على البحرية البريطانية في بورتسموث حيث يتم التوقيع النهائي على المعاهدة ٠
وفي صباح يوم 15/1/1948 سافر الوفد العراقي الى بورتسموث وقام بالتوقيع على المعاهدة في بهو بلدية المدينة ، ثم تبادل الخطب وسميت المعاهدة باسم معاهدة بورتسموث  وقد لاحظ صالح جبر، ان المعاهدة مطبوعة وعليها اسم كل من رئيس الوزراء صالح جبر ووزير الخارجية البريطانية ارنست بيفن، فلفت نظر وزير الخارجية البريطانية الى وجوب جعل المعاهدة موقعة من قبل اعضاء الوفدين كافة ، فوافق بيفن وامر باعادة طبعها، على هذا الاساس
وكان صالح جبر، قد بعث بمسودة المعاهدة قبل توقيعها باللغة الانكليزية الىوكيل رئيس الوزراء ووزير العدل جمال بابان ، يطلب فيها ان لاتنشر في الصحف الا بعد ترجمتها الى العربية، واعادتها للاطلاع على صيغة الترجمة، الا ان بابان نشر المعاهدة يوم 16 قبل ترجمتها،
لاسيما وان الصحف البريطانية كانت قد نشرتها، مما ادى ذلك الى بداية التحرك الجماهيري ،بعد ان توالت احتجاجات الاحزاب العراقية المعارضة، فاصدرت بيانات تندد بالمعاهدة، مما كان لها الاثر الكبير في الهاب حماس العراقيين وغضبهم، فقرر الطلاب اعلان الاضراب عن الدراسة مجددا والقيام بمظاهرات، ايدتها وزارة الداخلية، حيث تركت الطلاب وشأنهم، حيث توجهوا الى مجلس الامة، واحتشدوا هناك، يرددون هتافات، يطالبون فيها بسقوط الحكومة القائمة، اسفر عن وقع اشتباكات بينهم وبين رجال الشرطة، نتج عنه سقوط عدد من الجرحى والقتلى، الذين نقلوا الى معهد الطب العدلي والمستشفى التعليمي بالقرب من كلية الطب، مما اثار طلابها هناك الذين اعلنوا الاضراب عن الدراسة ايضا ٠
في هذا الوقت، كانت الامور شبه طبيعية ،الا ان المفاجأة غير المتوقعة، جاءت حينما داهمت قوات الشرطة كلية الطب، وفتحت النار على الطلبة المتظاهرين، اسفرت عن سقوط احد الطلاب صريعا برصاص الشرطة، فيما نقل البعض الاخر من الجرحى الى المستشفى، مما خلق هوة سحيقة بين الحكومة والشعب يصعب تلافيها فيما بعد ٠
وبعد الاحتجاجات الواسعة التي اعلنتها الجمعية الطبية العراقية، فقد اعترف المسؤولون بالخطأ الذي ارتكبته قوات الشرطة، مما حدا بمدير الشرطة العام ان يبعث الى عميد الكلية الطبية برسالة يؤكد فيها ان الاوامر التي تلقاها من وكيل رئيس الوزراء ومن وزير الداخلية بصورة مكررة شفهيا وتحريريا منذ بدء الاضرابات كانت تقضي بصورة جازمة وصريحة بعدم استعمال السلاح مهما كلف الامر  وقال مدير الشرطة العام، انني عممت ذلك الى جميع قوات الشرطة بصورة مكررة  واضاف انه تم تشكيل لجنة للتحقيق في سبب الحادث المؤسف بصورة سريعة ودقيقة  وعبر مدير الشرطة العام عن اعتذاره البالغ واسفه الشديد لما وقع ٠
وبعد ان تأزمت الامور، دعا الامير عبد الاله الى اجتماع في البلاط الملكي، حضره قرابة خمسة وعشرين سياسيا، كان في مقدمتهم السيد محمد الصدر وجميل المفعي وحكمة سليمان وحمدي الباجه جي وارشد العمري ونصرة الفارسي وجعفر حمندي ومحمد رضا الشبيبي وعبد العزيز القصاب وصادق البصام وعبد المهدي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وعلي ممتاز الدفتري ونقيب المحامين نجيب الراوي، اضافة الى هيئة الوزارة ورئيس الوزراء بالوكالة جمال بابان، وقد دافع البعض عن الاتفاقية، وشجبوا الاضرابات والمظاهرات، واسندوها الى الحزب الشيوعي، فيما وصف البعض الاخر هذه المظاهرات بانها وطنية وقومية  ثم صدر بيان في ختام الاجتماع، جاء فيه ان المجتمعين، وقد استعرضوا المعاهدة العراقية البريطانية، واكدوا ضرورة رفضها، وقالوا انها لاتحقق اماني البلاد ، وليست اداة صالحة لتوطيد دعائم الصداقة بين البلدين، وان صاحب السمو الملكي الوصي وولي العهد، يعد الشعب بانه سوف لاتبرم اية معاهدة لاتضمن حقوق البلاد وامانيها الوطنية ٠
وقد قوبل هذا البيان بسرور بالغ لامن قبل الاهلين فحسب بل من مختلف الاوساط الشعبية والاحزاب السياسية، كما تبع ذلك اطلاق سراح المعتقلين ، وكذلك السماح للصحف التي تعطلت بالصدور من جديد ٠
وفي اليوم التالي لاجتماع البلاط ، ادلى صالح جبر رئيس الوزراء، بتصريح من لندن اعرب فيه عن امله بان البرلمان العراقي والشعب ، سيجدان في المعاهدة ما يحقق الاماني القومية تحقيقا كاملا، وقال ان بعض العناصر الهدامة من الشيوعيين والنازيين ،استغلت فرصة غيابه، واحدثت القلاقل في البلاد، وانه سيعود فورا الى العراق ، وسيسحق رؤوس هذه العناصر الفوضوية حتما 
الا ان هذا التصريح الذي ادلى به صالح جبر، اثار الراي العام في العراق، وعادت المظاهرات من جديد، وتصاعدت يوم 26 كانون الثاني 1948 وهو اليوم الذي عاد به صالح جبر من لندن، حيث هبطت طائرته في مطار الحبانية، ومن هناك وصل الى بغداد، بحماية قوية اتجه فورا الى قصر الرحاب، والتقى الامير عبد الاله ، ليستطلع منه ما استجد من امور وجرى نقاش حضره نوري السعيد، واثناء المناقشة اعرب صالح جبر عن استعداده لتقديم الاستقالة، الا ان الامير عبد الاله طلب منه التريث، وعندها ابدى جبر استعداده لاعادة النظام الى نصابه وهيبة الحكومة الى سابق منزلتها وعهدها، اذا سمح له بحرية التصرف خلال 24 ساعة فايده بعض الحاضرين كنوري السعيد وخالفه اخرون ٠
وفي لقاء لصالح جبر فيما بعد مع المؤرخ عبد الرزاق الحسني، قال جبر كانت عدة جهات مسؤولة وغير مسؤولة تتوسل اليه – اي الى صالح جبر – ان يعالج الموقف بما عرف عنه من الصلابة ومضي العزيمة، وكانت تقول له ان البلاد لا يمكن ان تساس من قبل رجل الشارع وانه الشخص الوحيد الذي يستطيع ان ينقذ هيبة الحكومة وشرفها  فاثرت هذه الكلمات تاثيرها المطلوب في نفسه كما يقول جبر ٠
ومن هنا عقد اجتماع في مقر وزارة الداخلية تقرر فيه منع اية مظاهرة واستعمال الاسلحة النارية لتمزيق المتظاهرين ، كما ابرق وزير الداخلية الى المتصرفيات كافة توصي باستخدام القوة اذا تعذر تفريقها بالعصي، فيما اتخذت قوات الشرطة مواقعها في اهم المراكز الحساسة في انحاء العاصمة بغداد 
كما اصدر صالح جبر بيانا طلب فيه من المواطنين الخلود الى الهدوء والسكينة، وقال ان في مقدمة منهاج وزارته كان تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية بمعاهدة جديدة تضمن للبلاد حقوقها وامانيها واستقلالها التام  وقد سافرنا الى لندن وتوصلنا الى عقد معاهدة جديدة ستطلع الامة العراقية الكريمة على شرح بنودها ومراميها بالتفصيل، وعندئذ سيكون للامة الحكم الفاصل والكلمة الاخيرة في البت في امرها سلبا او ايجابا ٠
غير ان المواطنين لم يهتموا ببيان رئيس الوزراء صالح جبر، بل ان القائمين بالحركة المعارضة عقدوا اجتماعا في دار جعفر حمندي، حضره محمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وحسين جميل وداخل الشعلان وعلي ممتاز الدفتري ونصرة الفارسي واخرون واتفقوا على وجوب الاستمرار في التظاهرات التي تصاعدت وبلغت اوجها يوم 27 كانون الثاني حين تحولت العاصمة الى اشبه بساحة حرب، بعد ان احتلت قوات الشرطة مداخل الطرق وانطلقت سياراتها المصفحة تجوب الميادين الرئيسة، ونصبت الرشاشات فوق البنايات الشامخة والمساجد وخاصة منارة ( جامع حنان ) في جانب الكرخ ومنارة ( جامع الاصفية ) في الرصافة، واخذت تحصد المتظاهرين فوق جسر المأمون – الذي اطلق عليه فيما بعد - جسر الشهداء – سقط خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لم تنفع معها محاولات رئيس الوزراء صالح جبر وبياناته التي كانت تدعو المواطنين الى الهدوء والسكينة، مما اضطرت وزارة الداخلية الى الاستعانة بقوات الجيش للسيطرة على الاوضاع فيما قدم العديد من النواب استقالاتهم، اضافة الى استقالة ثلاثة وزراء هم وزير العدلية جمال بابان ووزير المالية يوسف رزق غنيمة ووزير الشؤون الاجتماعية جميل عبد الوهاب 0 مما اضطر الامير عبد الاله الى ان يكلف السيد محمد الصدر لتشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة صالح جبر، بعد ان اتصل به رئيس ديوان التشريفات الملكية احمد مختار بابان وابلغه بان عدد الوزراء اصبح دون النصاب القانوني وطلب منه تقديم استقالته ، فقدمها صالح جبر على الفور في رسالة بعث بها الى الامير عبد الاله جاء فيها ( لقد ظهر من البيانات التي ادلى بها وزير العدلية ووكيل رئيس الوزراء في قصر الرحاب ، ان اخطاء متعددة وقعت فأدت الى الوضع الحاضر 0 ولما شعرت ان مواقف البعض من الزملاء المحترمين تميل الى عدم الاستمرار في تحمل المسؤولية، رايت من واجبي ان افسح المجال لسموكم لمعاجة الوضع، وذلك باختيار من ترونه لتحمل المسؤولية  وبينما كنت اريد تقديم استقالتي وكانت مهيأة امرتموني سموكم مساء البارحة بضرورة الاستمرار بغية توطيد الامن ومحافظة النظام بالدرجة الاولى، فامتثلت لامر سموكم وباشرت من فوري باتخاذ الاجراءات التي اعتقد انها تؤدي بالنتيجة الى القضاء على الاضطرابات والفوضى، فارى الان ان لا مناص من ان اتقدم باستقالتي راجيا قبولها)٠
ومن جانبه الوصي فقد قبل استقالة صالح جبر ورد فيه ( اني مع اظهار اسفي لمفارقتكم رئاسة الحكومة اعرب لكم ولزملائكم عن تقديري للجهود القيمة التي بذلتموها لصلاح البلاد )٠
كما اصدر الوصي الامير عبد الاله بيانا اذيع من دار الاذاعة اعرب فيه عن اسفه للحوادث المؤسفة التي وقعت والدماء التي اريقت  واعلن عن استقالة وزارة صالح جبر واكد قبولها وطلب من جميع المواطنين الخلود الى السكينة والهدوء 
وقد قوبل بيان الامير عبد الاله بالغبطة والسرور من قبل المواطنين حيث انقلبت المآتم الى افراح، وشيعت بغداد في اليوم التالي شهداءها ، فيما غادر صالح جبر بغداد الى مضارب اصهاره آل الجريان في الهاشمية بلواء الحلة ومن ثم غادر العراق الى الاردن ومنها الى لندن ٠
وشرعت حكومة السيد الصدر ،الذي كان يؤكد على تغلب الحكمة على العاطفة في التحقيق في الحوادث المؤسفة التي وقعت في عهد حكومة صالح جبر، فقررت تشكيل لجنة برئاسة عبد الجبار التكرلي عضو محكمة تمييز العراق وعضوية عمر نظمي وفهمي الجراح وعبد الحميد مهدي وعبد الحليم السنوي، التي شرعت في التحقيق فورا، وتوصلت الى ان اطلاق النار على المتظاهرين لم يصدر أمر به من اية جهة مختصة، كما لم يكن هناك امر باطلاق النار اصلا من رئيس الحكومة صالح جبر نفسه بل ان قوات الشرطة التي اطلقت النار بكثرة واستعملت المسدسات والبنادق الرشاشة واوقعت بالمتظاهرين اصابات بين قتيل وجريح ، قد صدرت الاوامر اليها من متصرف لواء بغداد مظفر احمد ثم من وزير الداخلية توفيق النائب الموجهة الى جميع المتصرفين ٠
واعتبرت اللجنة ان اجراء وزير الداخلية خارجا عن الصلاحيات القانونية اذ ان ذلك ينحصر في صميم واجبات المتصرفين بمقتضى قانون ادارة الالوية  وقالت اللجنة ان تفريق المظاهرات بالقوة عند اللزوم امر يعود حصرا الى المتصرف وان ذلك لا يمنع وزارة الداخلية بحكم تسلسل المسؤوليات ان تتخذ الاجراءات اللازمة بحق المتصرف او غيره من الموظفين اذا ما راى انهم قد قصروا في واجباتهم وبشكل لا ترتضيه وعلى هذا فان تدخل وزارة الداخلية في امر المظاهرات على الوجه الذي وقع اعتبرته اللجنة مخالفا لاحكام القانون ، مما يدل على ان غرضها من هذا التدخل سياسيا، الا وهو الدفاع عن معاهدة بورتسموث وقمع اي حركة ترمي الى الاحتجاج عليها او معارضتها ٠
واوصت اللجنة بتعويض ذوي القتلى والجرحى بصورة عامة وفق اسس عادلة  واوصت باستصدار تشريع بذلك ٠
ويقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه – تاريخ الوزارات العراقية – انه لم يسمع عن اي اجراء اتخذ بحق المسؤولين عن الحوادث ولم يسمع عن اي تشريع صدر للتعويض لاهالي القتلى والجرحى٠

معاهدة بوتسموث والقضية الفلسطينية
عن هذا الموضوع يتحدث عبد الرزاق الحسني قائلا ( وقد اشيع فيما بعد انه لو ان العراق قبل معاهدة بورتسموث لما وقعت مأساة فلسطين، لان الحكومة البريطانية قد وقعت ملحقا سريا لهذه المعاهدة يقضي بتسليح الجيش العراقي لاحتلال فلسطين )
ويواصل الحسني كلامه فيقول( سألنا الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية في حكومة صالح جبر عن هذه الاشاعات فقال : انه في خطاب عادل عسيران – الشخصية اللبنانية المعروفة – في تأبين صالح جبر الذي توفي في السادس من حزيران 1957 اعلن ان الحكومة البريطانية كانت على استعداد لتجهيز سلاح يكفي لخمسين الف مقاتل عربي في فلسطين : واضاف الجمالي ليست لدي وثيقة تحوي المعلومات التي وردت في كلمة عسيران، لكن لدي تقرير كنت كتبته حول اجتماع حصل في غرفتي في اوتيل – كلارج – في لندن مع المستر ارنست بيفن ( المعروف بتعاطفه مع العرب حيال القضية الفلسطينية) وجماعته من جهة وانا ورئيس الوزراء انذاك المرحوم صالح جبر ونوري السعيد من جهة اخرى لبحث موضوع فلسطين وكان ذلك بعد توقيع معاهدة بورتسموث ومما تم التفاهم عليه في ذلك الاجتماع ولم يدون هو :
1- الاسراع بتزويد الجيش العراقي فورا بالسلاح والاعتدة التي كانت قد طلبت من الحكومة البريطانية ٠
2- تزويد الشرطة العراقية بما يكفي لتزويد خمسين الف شرطيا بالاسلحة الاوتوماتيكية، وكان القصد من ذلك تسليح المجاهدين الفلسطينيين بهذه الاسلحة، لتمكينهم من المساهمة في تحرير فلسطين ٠
3- وقد تم التفاهم على ان تدخل القوات العراقية في كل جزء تنسحب منه القوات البريطانية بحيث يشمل ذلك فلسطين كلها، وذلك بالتعاون مع المجاهدين الفلسطينيين ، بحيث لاتؤسس دولة يهودية) ٠
واضاف الحسني نقلا عن الجمالي( هذا ما تم التفاهم عليه، وهذا ما اهمل تماما، بعد ان رفضت معاهدة بورتسموث )٠
وكانت حكومة السيد محمد الصدر قد عقدت جلسة خاصة لمناقشة معاهدة بورتسموث والاطلاع على نصوصها وملاحقها والكتب المتبادلة بشانها والغاية التي ينبغي توخيها من عقد المعاهدة الجديدة التي تحل محل المعاهدة السابقة، التي قال المجلس انها لاتتناسب مع المبادىء والاسس المرسومة من قبل الامم المتحدة ،وغير ملبية لاماني الشعب العراقي وتطلعاته، وذلك بعقد معاهدة جديدة تنظم التحالف بين العراق وبريطانيا على اسس تتساوى فيها الحقوق وتتعادل المصالح ، بحيث تكون المعاهدة الجديدة اداة صالحة لقيام كل من االبلدين بنصيبه في تعزيز السلم في العالم ٠
وقد وجد المجلس ان معاهدة بورتسموث ، بعيدة عن تحقيق تلك الغاية المتوخاة، وقال انها ليست صالحة لتعزيز اواصر الصداقة بين البلدين ، لذلك قرر عدم الموافقة عليها، وخول وزير الخارجية ابلاغ الحكومة البريطانية بذلك 
وقد عارض قرار حكومة السيد الصدر، وزير العدل عمر نظمي، الذي وصف قرار الحكومة بانه خطير تترتب عليه نتائج وخيمة، وقال ان المعاهدة اصبحت من القضايا الدولية فلا يصح بجرة قلم رفضها، بعد ان جرت المفاوضات والمداولات بشانها بين الحكومتين العراقية والبريطانية، وجرى التوقيع عليها من قبل الوفدين المتفاوضين ٠
ولما وجد عمر نظمي ان وزارة السيد الصدر مصرة على رفض معاهدة بورتسموث قدم استقالته من الوزارة ٠
اما صالح جبر رئيس الوزراء والذي وقع على معاهدة بورتسموث، فقد اصر على موقفه المدافع عنها وبعث من مكان اقامته في الهاشمية جنوب الحلة برسالة في 3/2/1948 معنونة الى رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والاعيان والى وزير الخارجية والى صحف الشعب والحوادث والعراق لنشرها 0جاء فيها
( اما وقد حيل بيننا وبين افهام الشعب العراقي الكريم، على حقيقة مشروع معاهدة بورتسموث وما حققته للبلاد من رغبات ومغانم كثيرة ،اهمها استقلال البلاد استقلالا تاما بكل ما في هذه الكلمة من معنى في شؤونه الخارجية والداخلية، واطلاق يده للتصرف في مرافقه الحيوية كالسكك الحديدية والميناء ، التي صارت ملكا له، والغت معاهدة 30 حزيران 1930 المعهودة قبل اوان انتهائها بتسع سنوات اقول حيل بيننا وبين اطلاع الشعب على هذه الحقائق الناصعة، بالحركة الرعناء التي دبرتها العناصر المعلومة، التي تريد السوء بالبلاد، والتي شجعتها جهات لايتسع المجال لذكرها هنا  الحركة التي تعمد مدبروها تفسير المعاهدة تفسيرا مغلوطا، قلبوا الحقائق رأسا على عقب، كتفسيرهم مثلا ان الغرض من الدفاع المشترك هو ان يحارب العراقيون خارج العراق دفاعا عن الامبراطورية البريطانية، الامر الذي لاوجود له اصلا بقصد الضرب على الوتر الحساس، ليتخذوا منه سلاحا لاستفزاز الطلاب المعتصمين والسذج من الناس، الذين يستحيل عليهم تفهم هذه الامور، اذ حيل بيننا وبين ذلك للاسباب التي تعرفونها )
وقال صالح جبر في رسالته ( ارى ان الواجب الوطني يحتم ان الفت انظاركم الى ضرورة درس مشروع معاهدة بورتسموث درسا مليا، يمكنكم الاطلاع على حقيقة الامر الواقع  وان الوفد العراقي المفاوض على اتم استعداد لايضاح بنود المعاهدة والملحق والكتب ايضاحا كافيا للبرهنة على دحض جميع المفتريات ،التي لاتمت الى المعاهدة بصلة  ولاثبات ان المعاهدة هي من مصلحة العراق، وانه لابد منها لحماية العراق، وحفظ كيانه من الغزو الخارجي، وبعد سماع هذه الايضاحات لكم ان تقرروا ما شئتم ان تقرروا، اما الشروع باتخاذ قرار ما تحت تاثير هذا الجو المشبع بالدعايات السيئة فمعناه استمرار العمل بمقتضى معاهدة حزيران 1930، وفي هذا نفع لبريطانيا وضرر على العراق، الامر الذي لا يتفق مع مصلحة البلاد بحال من الاحوال )
الا ان رسالة صالح جبر هذه لم تغير من الامر شيئا، ولم تحمل مجلس الوزراء على تبديل موقفه من المعاهدة ، بل ان بعض الصحف هاجمت صالح جبر على رسالته هذه، وذلك ضمن الجو العاطفي الحماسي انذاك ٠
اما الصحف البريطانية فقد هاجمت معارضي المعاهدة هجوما عنيفا ووصفتهم باصحاب الشغب والفوضى وقصر النظر ٠
فقد نشرت صحيفة التايمس اللندنية مقالا جاء فيه ( كان الغرض من الاتفاق الجديد الذي سعى اليه العراق لا بريطانيا القضاء على جميع الاعتراضات التي اثارتها الحركة الوطنية ضد معاهدة 1930 وليست المصالح البريطانية هي التي ستعاني من فسخ معاهدة بورتسموث وانما هي المصالح العراقية )
واضافت التايمس ( وليس من شك من ان اولئك الذين تولوا السلطة في بغداد، بحاجة الى الوقت للتفكير في عواقب الحوادث الاخيرة، ومن الحكمة ان لا يعمد الوزراء والمسؤولون، في التفكير فقط في وجوب تحسين حظ الشعب العراقي، بل يجب ان يضعوا تسوية مرضية مع بريطانيا على مصالح العراق )٠
الاتحاد البرلماني الدولي
حينما قرر الاتحاد البرلماني الدولي، عقد مؤتمر اجتماعه السادس والثلاثين في القاهرة، للفترة من 6-13 نيسان 1947 اي اثناء حكومة صالح جبر اشترك العراق بوفد مؤلف من 21 عضوا، برئاسة العين عبد القادر باش اعيان ، وقد ابرقت الاحزاب السياسية الخمس الرئيسة في العراق الى المؤتمر تشكو فيها، من حرمان العراق من حكومة برلمانية حقيقية بسبب القيود الشديدة، التي قالت عنها الاحزاب هذه ،انها مفروضة على الحريات السياسية والاعمال الحزبية، بسبب التلفيق المتكرر للانتخابات، التي ترافقها تدخلات سافرة، من قبل الحكومة، بحيث اعتبرت جميع الاحزاب في بيان مشترك، بان المجلس النيابي غير شرعي، وغير مفيد للشعب العراقي في كافة الالتزامات الدولية.
وبعد ان انهى المؤتمر الدولي اعماله وعاد الوفد العراقي ،اعرب عضوان من اعضاء مجلس العموم البريطاني المشاركين في هذا المؤتمر عن رغبتهما في زيارة العراق ، للتاكد من حقيقة ما جاء على لسان الاحزاب العراقية المعارضة الخمسة، والعضوان البريطانيان هما المستر ستوكس والمستر مارسال، واجتمعا الى ممثلي الاحزاب العراقية الخمسة واطلعا على حقيقة الحياة النيابية في العراق، واستلما مذكرة من ممثلي الاحزاب تشرح طبيعة الاحوال العامة في العراق، من سياسية واقتصادية واجتماعية، ويتضمن وصفا دقيقا لهذه الاحداث وما تعانيه الحرية في العراق من صنوف الاضطهاد حسب ما جاء في المذكرة التي وصفت الحكم بالاستبدادي.
صالح جبـر والقضية الكردية
في وزارة صالح جبر، عادت من جديد القضية الكردية تطفوا على سطح الاحداث العراقية ، فحينما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وتم الاتفاق بين الجيوش الامريكية والانكليزية والروسية على سحب هذه الجيوش من الاراضي الايرانية، التي كان الملا مصطفى البارزاني واتباعه قد التجأوا اليها واقاموا هناك جمهورية مهاباد برئاسة القاضي محمد ، اذ ما لبث ان اوعز رئيس الحكومة الايرانية الى الجيش الايراني بتقويض جمهورية مهاباد، وجلب القاضي محمد واخوته ومن شاركه في تاسيس الجمهورية الى طهران ، فقام الجيش الايراني بما عهد اليه واحتل مهاباد في 15 كانون الاول 1946 وما لبث ان اعدم القاضي محمد وشقيقه القاضي صدر وابن عمه القاضي سيف وجماعة من القادة والساسة في 31اذار 1947.
وكان الملا مصطفى البارزاني قد حضر الى طهران وقابل رئيس وزرائها الذي خيره بين قبوله واتباعه الجنسية الايرانية وبين العودة الى العراق ، فاجمع البارزانيون على وجوب عودة العائلات والاطفال الى العراق واختار الملا مصطفى البارزاني وبعض اتباعه الدفاع عن انفسهم فيما عاد شقيقه الشيخ احمد وجماعته الى العراق في نيسان 1947 واصدرت حكومة صالح جبر بيانا اعلنت فيه دخول العراق قافلتان من البارزانيين مكونتان من 1550 رجلا و16 امراة و1329 طفل،ا ووفرت حكومة جبر لهم الملاجىء الخاصة التي اعدتها لهم، وزودتهم بما يكفيهم من المواد الغذائية ، بهدف توطينهم مستقبلاوعودتهم الى الحياة الاعتيادية والعمل داخل العراق.
اما الملا مصطفى البارزاني، فقد اشترط على حكومة صالح جبر، ان تصدر عفوا عاما عن البارزاني والسماح لجماعته بالعودة الى العراق باسلحتهم ، الا ان حكومة جبر رفضت ذلك مما ادى الى ان تسلل البارزاني واتباعه الى داخل العراق ، واصطدموا ببعض مخافر الشرطة في قضاءي راوندوز والزيبار، وبعض المناطق المجاورة لايران ، مما اضطر حكومة صالح جبر ان تعلن الاحكام العرفية في هذين القضاءين، وتنصّب قائد القوات العسكرية المرابط هناك امرا للحركات العسكرية،واصبح المرجع الاعلى لجميع الادارات داخل القضاءين ، وله صلاحيات ادارة الاعمال فيهما، ويخول استخدام جميع التدابير وفق قانون الادارة العرفية.
كما أمر صالح جبر، بتشكيل هيئة المجلس العرافي العسكري ،لمحاكمة المتهمين بذلك. وشرعت حكومة جبر كذلك في الاجراءات التعقيبية ضد الملا مصطفى البارزاني واتباعه الذين عادوا مرة اخرى الى داخل الاراضي الايرانية، ومنها الى الاتحاد السوفييتي ، حيث اقاموا هناك ومنح البارزاني رتبة مارشال واستمر هناك حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق، وعاد البارزاني واتباعه واستقبلوا استقبالا حاشدا في بغداد.
وكان صالح جبر قد اصدر امرا في 6 مايس/ايار 1947 يقضي بالغاء الاحكام العرفية في القضاءين المذكورين وكل الاحكام التي نتجت عنها بعد ان علم بوجود البارزاني في موسكو.
من اعمال حكومة صالح جبر
تسوية الارصدة الاسترلينية
حينما احتل الجيش البريطاني بغداد، بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 احتاج الى بضعة ملايين من الدنانير العراقية ، لتسيير الخدمات الضرورية له ، ولما كانت العملة العراقية مرتبطة بالباون الاسترليني ، وكان على لجنة العملة العراقية ان تصدر دنانير عراقية لكل من يسلم اليها باونا استرلينيا في لندن ، وكان من السهل على الحكومة البريطانية ان تحصل على مقادير غير محدودة من الدينار العراق لصرفه في العراق، على مواد وخدمات بمجرد ان تسلم الى لجنة العملة مبلغا مساويا لذلك من الباون الاسترليني، وقد تراكم رصيد كبير من هذه الباونات الاسترلينية في لندن، والتي كانت تمثل رصيد ثمن المواد والخدمات التي جهزت بها بريطانيا حملتها عام 1941 .
وكان في عهد حكومة نوري السعيد التاسعة، وصل الى بغداد وفد مالي بريطاني ليفاوض الحكومة العراقية في كيفية تسوية الارصدة الاسترلينية، التي للعراق في انكلترا وتربو على سبعين مليونا استرلينيا، وقد طرح الوفد البريطاني اقتراحا، يقضي بالغاء ثلث المبلغ بحجة ان هذه المبالغ نتجت عن نفقات الحرب، وانها كانت لحماية العراق من العدوان الخارجي.
وقد قامت قيامة الصحافة العراقية، واخذت تنادي بان العراق قد تحمل الكثير من الاذى بسبب الحرب التي لا ناقة له فيها ولاجمل، رغم تساهله مع بريطانيا في تجهيزها بالمواد الغذائية وبعض المعاملات المالية، حتى في الحالات التي لا علاقة لها بالمجهود الحربي، بل لغايات تجارية بحتة. واعلنت وزارة السعيد تأجيل المحادثات الى الوزارة القادمة لقرب استقالتها.
ولما تألفت وزارة صالح جبر في اذار 1947، كان عليها ان تتولى حسم القضية في هذه الارصدة ، فالفت وفدا برئاسة فاضل الجمالي وزير الخارجية ، ليتولى مفاوضة الجانب البريطاني في هذا الموضوع ، وسافر الى لندن بالفعل يوم 13 حزيران 1947 مزودا بتعليمات صريحة من صالح جبر، تنص على ان لا يتنازل عن اي قسم من هذه الارصدة، التي قال المنهاج الوزاري انها ثروة وطنية يجب المحافظة عليها .
وبالفعل توصل الجانب العراقي الى حل للمشكلة، دون ان يتنازل عن باون واحد من المبلغ المذكور.
اجراءات صالح جبر على الصعيد الداخلي
كان صالح جبر رجلا متجددا، يهتم بامور التنظيم والاصلاح في الدولة العراقية، وبذل جهودا لاستقدام عدد كبير من الاجانب، بصفة خبراء من مختلف الاختصاصات، لافادة البلد من خبراتهم ٠
كما عمل صالح جبر على معالجة الوضع الاقتصادي في العراق، حيث انعقد في بغداد في الخامس من ايار 1947 مؤتمرا للغرف التجارية العراقية، بهدف وضع الاسس اللازمة لمعالجة الوضع الاقتصادي وكافة امور التموين  ومن اجل تخفيف الازمة الاقتصادية التي تعرض لها الشعب العراقي، فقد امر صالح جبر بتخصيص منحة قدرها نصف راتب خلال شهر تشرين الاول 1947 شملت الموظفين والمستخدمين والمتقاعدين ٠
وفي حكومة صالح جبر تم احصاء النفوس في العراق بتاريخ 19/10/1947 وظهرت النتيجة ان سكان العراق اربعة ملايين و824 الف و122 نسمة منهم مليونان و258 الف و975 من الذكور والبقية من النساء.
في 24/6/1947 حكم على قادة الحزب الشيوعي بالاعدام وهم يوسف سلمان (فهد) وزكي بسيم وحسين محمد الشبيبي. لكن بسبب حملات الاحتجاج العالمية اضطرت حكومة صالح جبر الى ابدال الحكم بالمؤبد في 13/7/1947 وفي اليو التالي نقلوا الى السجن المركزي . ثم نقلوا الى سجن الكوت ليلة 14/15/آب 1947.
وحين شكل نوري السعيد وزارة جديدة اعادت محاكمة فهد ورفاقه وحكمت المحكمة عليهم بالاعدام وتم تنفيذ الحكم يوم 14 شباط 1949 الساعة السابعة والنصف صباحا.
الا انه عقب ثورة 14 تموز 1958 اعادت الثورة الاعتبار الى فهد ورفاقه وصدر قرار اعتبر بموجبه الاعمال التي حوكموا بسببها هي من اعمال الكفاح الوطني التي تستحق التقدير واعتبارهم شهداء الشعب.
هذا على الصعيد الداخلي اما على الصعيد الخارجي، فقد قررت حكومة صالح جبر في 2 ايار 1947 تخصيص ثلاثة الاف دينار لاسعاف سكان طرابلس الغرب، الذين هددتهم المجاعة في العام المذكور  وعلى اثر مبادرة صالح جبر، قررت جامعة الدول العربية، اسعاف سكان طرابلس على الطريقة التي اتبعها العراق 
وفي عهد حكومة صالح جبر، سافرت بعثة طبية عراقية الى مصر، لمشاركة الهيئات الصحية المصرية في مكافحة وباء الهيضة – الكوليرا – الذي انتشر منتصف ايلول عام 1947 واوقع خسائر فادحة في الارواح، مما تعذر عقد الاجتماع الدوري لجامعة الدول العربية، فتقرر عقده في عاليه بلبنان، واعتبر هذا الاجتماع امتدادا لاجتماع صوفر، حيث اكد المجتمعون على قرارات صوفر ٠
وفي عهد حكومة صالح جبر، زار العراق الرئيس اللبناني بشارة الخوري يرافقه رئيس الوزراء رياض الصلح وصبري حمادة رئيس مجلس النواب اللبناني والمجاهد مجيد ارسلان وزير العدلية، اضافة الى عدد من المسؤولين اللبنانيين الاخرين ٠
وفي عهد حكومة صالح جبر، افتتح الخط التلفوني المباشر بين بغداد وطهران وذلك في 15/7/1947 0 كما عقدت حكومة صالح جبر اتفاقية بين العراق وبريطانيا، تم بموجبها تمديد اتفاقية العملات النادرة لمدة ثلاثة اشهر اعتبارا من الاول من نيسان 1947 وبموجب هذه الاتفاقية ايضا وضع تحت تصرف العراق ما قيمته مليون و307 الف دينار من العملات النادرة
وفي عهد حكومة صالح جبر، تم الاعتراف بجمهورية اندونيسيا، وذلك استنادا الى توصية مجلس جامعة الدول العربية في 18/11/1946  فقد وصل الى بغداد وفد اندونيسي برئاسة وزير خارجية اندونيسيا الحاج اغوص سالم، واجرى مفاوضات مع حكومة صالح جبر، اسفرت عن اعتراف العراق بالجمهورية الاندونيسية كدولة مستقلة ذات سيادة ٠
وفي عهد حكومة صالح جبر، تم اقامة العلاقات الدبلوماسية بين العراق واسبانيا، بناءا على رغبة الحكومة الاسبانية، التي اوفدت وزيرا مفوضا للعمل على تطوير العلاقات الى درجة سفارة بين البلدين ٠
اقــوال بحـق صـالح جبـر
يتحدث خليل كنة وزير المعارف في العهد الملكي في كتابه (العراق امسه وغده) عن صالح جبر فيقول( صالح جبر رجل عصامي، شق طريقه بما عرف عنه من كفاءة وصلابة واعتداد بالنفس . وهكذا انتقل من المالية الى النيابة الى الادارة . فالوزارة وعضوية الاعيان ورئاستهم ليصبح في نهاية المطاف رئيسا للوزراء)
ويقول عنه كامل الجارجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطيفي كتابه (اوراق كامل الجادرجي) ( ان من ابرز صفات صالح جبر ذكاؤه واعتداده بنفسه وتحزبه القوي ونزاهته اثناء توليه المناصب القضائية الصغيرة ، ثم عند توليه المناصب الادارية الكبيرة)

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع