الدكتور مليح صالح شكر/ الباحث في تاريخ الصحافة العراقية
مقتطفات موجزة عن:الصحافة العراقية وأنتفاضة مايس ١٩٤١
تمهيد
عند مراجعة وقائع تاريخ الصحافة العراقية نجد أن الدارسين لها ألحقوا غبناً بهذه الحقبة من التاريخ ، ربما عن قصد مسبق.
لم أجد في بحوثي عن موقف الصحافة من أنتفاضة مايس عام 1942 سوى بحث وحيد كتبه الدكتور خالد حبيب الراوي، بينما تجاهلها آخرون وفقاً لمواقفهم السياسية .
ولم يورد هؤلاء الكُتاب في مؤلفاتهم سوى إشارات عابرة عن هذه الفترة. وهنالك عدة دوافع وراء تجاهل بعض كتاب تاريخ الصحافة ومنها أنهم تجاهلوا البذور الأولى للانتفاضة في عهد حكومة ياسين الهاشمي 1935 - 1936 وكرسوا كل أهتمامهم على عرض نشاطات جماعة الأهالي .
وهذه المحاولة لدراسة دور الصحافة في إنتقاضة 1941 تتضمن معلومات حصرية لم يوردها أي باحث.
##########
ولدوافع سياسية تجاهل عدد ممن كتب في تاريخ الصحافة نشوء حركات وجماعات قومية الطابع في العراق في نفس الفترة التي ظهرت فيها جماعة الاهالي وكذلك بدء النواة الأولى للحزب الشيوعي السري، وكأن تاريخ العراق بدأ فقط عند تلك الأحداث.
في عام 1933 أنبثقت في العراق جمعية تسمي نفس ( جمعية الجوال العربي) تحدثت عن تعزيز الشعور القومي العربي، ولكي تتمكن من نشر آرائها أشترى أحد اعضاءها مطبعة الكرخ واستبدل أسمها الى مطبعة الجزيرة وشرعت الجمعية في طبع المجلات والكراسات والكتب،
وأصدرت هذه الجمعية في تشرين الأول عام 1934 مجلة الفتوة نصف شهرية وصاحبها سعدي كمال ومديرها المسؤول حافظ خالد تدعو لوحدة العرب.
وتحتفظ مكتبة المجمع العلمي العراقي ومكتبة المتحف العراقي بمجموعة كاملة من هذه المجلة للسنوات 1934 - 1936.
وصدر العدد الأول لهذه المجلة في الثامن من تشرين الأول عام 1934 ودعت إلى الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي ونهضة العراق ورعاية الشباب.
وقد تحدث عن هذه التطورات الدكتور فاضل حسين في مقالته ( فصل من تاريخ القومية العربية في العراق) المنشور في مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد ، كانون الأول ، المجلد 33 العدد 2 الصفحات 243 - 307 وكذلك عبد عطية جبار ( العراق والقضية الفلسطينية 1932 - 1941 مطبعة جامعة بغداد 1983.
وفي العام 1935 تطور النشاط القومي في العراق بتأسيس نادي ( المثنى بن حارثة الشيباني) الذي ضم شخصيات ستكون في سنوات لاحقة ، وكما هو الحال مع الشخصيات المؤسسة لجماعة الأهالي من قادة الحركة الوطنية والصحافة ، ومنهم محمد مهدي كبة ويونس السبعاوي وسعيد الحاج ثابت وقاسم حمودي ومحمد حسن سلمان وناجي مغر ونعمان العاني.
وقد أصدر النادي في 27 آب عام 1936 مجلة بنفس الاسم ( المثنى بن حارثة الشيباني) تحت إدارة عبد الرحمن الخضير أبان عهد حكومة ياسين الهاشمي ثم توقفت بعد عددها الخامس بسبب اعتقال حكومة جميل المدفعي للعديد من الصحفيين منهم عبد الرحمن الخضير.
وتتوفر جميع أعداد هذه المجلة في أثنتين من أشهر مكتبات العراق وهما مكتبة المجمع العلمي العراقي ومكتب المتحف العراقي ،ومع ذلك فقد أخفق فائق بطي في كتابه ( الموسوعة الصحفية) الإشارة إليها.
وفي وقت لاحق أغتنم قادة نادي المثنى في تشرين الثاني عام 1937 فرصة سقوط نظام الانقلاب العسكري فأسسوا جمعية جديدة ( للدفاع عن فلسطين) وكان في هيئتها المؤسسة محمد مهدي كبة ويونس السبعاوي وسعيد الحاج ثابت وقاسم حمودي .
وأصدر السبعاوي جريدة المستقبل قال أنها مخصصة لمساندة الثوار الفلسطينين لكن الجريدة توقفت بسبب إصدار قانون الدعايةا الضارة واعتقلت بموجبه السبعاوي وعبد الرحمن الخضير.
وتطورت الأحداث وانفجرت في 26 آذار عام 1941 عندما حاول رئيس الحكومة طه الهاشمي وهو وزير الدفاع ايضاً نقل أحد القادة العسكريين خارج بغداد الاربعة تنفيذاً لطلب بريطانيا بتشتيت شمل معارضيها ورفضه التنفيذ حتى هرب الوصي عبد الاله فأصيبت البلاد بفراغ دستوري وعندها شكل رشيد عالي الكيلاني حكومة الدفاع الوطني.
وأسندت الحكومة الجديدة منصب مدير الدعاية العام لأحد مؤيديها ، صديق شنشل ، بينما راح الكُتاب والصحفيين في المساهمة ببرامج إذاعة بغداد.
وتعتبر دراسات المؤرخ عبد الرزاق الحسني ، الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية ، مركز الأبجدية ، بيروت 1982،الطبعة الخامسة.وإسماعيل أحمد ياغي ، حركة رشيد عالي الكيلاني ، دراسة في تطور الحركة الوطنية العراقية ، دار الطليعة ، بيروت ، 1974.وبعض الكتب باللغة الانكليزية من المصادر الموثوقة حول هذه الفترة من تاريخ العراق.
ولم نعثر في أي مصدر الى تعرض الصحف الصادرة حينئذ لأية متاعب من قبل الحكام الجدد ، بل حتى جريدة توفيق السمعاني ، الزمان المشهور بولائه لنوري السعيد والذي هرب خارج العراق عند اندلاع الخلافات ، لم تتعرض للتعطيل أو المساءلة.
بل بالعكس شاركت هذه الجريدة الصحف الأخرى في تأييد الانتفاضة ونشرت كل البيانات العسكرية والسياسية الصادرة عن الجيش والحكومة التي هي (صوت الشعب).
وأعرب خالد الدرة في جريدته ( الوادي) عن تأييده للانتفاضة وقال ان حكومة الكيلاني حكومة فتية وإن الشباب هم أصلح من غيرهم في تسيير دفة الحكم.
ولم يكن فائق بطي دقيقاً في كتابه الموسوعة الصحفية عندما قال في الصفحة 142 أن المحامي جمال الدين جميل كان صاحب جريدة الوادي بينما الصحيح أن الدرة صاحبها والجميل المدير المسؤول.
وقد احتفظ الدرة بهذا الاسم الوادي ليسمي مجلته بهذا الاسم ( الوادي) المعروفة جداً في تاريخ الصحافة العراقية.
وخولت حكومة الكيلاني ، مدير الدعاية صديق شنشل بإدارة جميع ما له صلة بالصحافة والإذاعة ، لكنه اهتمامه أنصرف أكثر إلى الإذاعة لأنها أكثر سرعة في نشر أخبار الثورة وتعبئة الرأي العام . وأقام مقراً مؤقتاً للإذاعة في العيواضية أحد أحياء بغداد، ومن هذا المقر أذاعت إذاعة بغداد التعليقات والبيانات
وقال عبد اللطيف الكمالي لي ان مقر الإذاعة انتقل عندما بدأت القوات البريطانية بالزحف نحو بغداد من العيواضية الى شارع عمر بن عبد العزيز بالأعظمية ، ولم تستمر كثيراً في هذا المقر حيث أنتهى دورها بانتهاء الثورة وأحتلال القوات البريطانية للعاصمة بغداد للمرة الثانية..
وأوضح صديق شنشل لي أن كل الصحف أستمرت على الصور خلال أسابيع الصورة ولم يحدث أي أحتكاك إلا مع. توفيق السمعاني حين كتب مقالاً أعتبرته مديرية الدعاية العامة ( دساً على الثورة) وجرى فقط تحذيره .
وقد حدث تغيير في هيكلة مديرية المطبوعات حيث جرى عزل المدير المخضرم أبراهيم حلمي العمر ليحل محله الصحفي سلمان الصفواني مديراً للمطبوعات وهو صاحب جريدة اليقظة التي ناهضت معاهدة عام 1930.
وعندها أيقنت بعض الصحف أن أجلها قد حان ، فنشرت صحيفة( الاستقلال) مقالاً خاطبت فيه الجندي العراقي تحت عنوان ( جندينا البطل) أثنت فيه على شجاعة جنود العراق في دفاعهم عن السيادة الوطنية ، بعدها لم تعد هذه الصحيفة إلى الأسواق إطلاقاً، وأعتقل صاحبها عبد الغفور البدري ، وتوفي عام 1945 بعد إطلاق سراحه ، بعد أن حافظ طيلة حياته على ديمومة صحيفته لمدة عشرين عاماً وثمانية شهور وخمسة أيام ، وأصدر لها منذ يومها الأول في 28 أيلول 1920 حتى يومها الأخير في 2 حزيران 1941 ، أربعة آلاف و56 عدداً. وتوقفت ، صحف (البلاد ) لرفائيل بطي ، و(اللواء) لطه الفياض ، و(الجهاد) لعبد القادر السياب ، بينما واصلت الصحف التقليدية الأخرى الصدور ، ولكن بعد أن انكفأت على أعقابها ، وتنكرت لما قالته خلال الثورة من عبارات التأييد والدعم.
وفور عودة الوصي عبد الإله وحاشيته ، شكل جميل المدفعي حكومة جديدة، وهو من كان مع الوصي في هروبه الى البصرة وشرقي الأردن. فأعلنت الحكومة فوراً الأحكام العرفية والتي دامت هذه المرة أربع سنوات متواصلة، وساقت الى السجون كل من ساند الثورة من الضباط والمحاميين والصحفيين والأطباء والأدباء والسياسيين ، ومنهم كما يقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني، هو نفسه بالإضافة الى الصحفيين سلمان الصفواني ورفائيل بطي ونعمان العاني وفائق السامرائي ولطفي بكر صدقي، وغيرهم من الأدباء، وحشرت الحكومة المعتقلين في مراكز الشرطة والمساجد بعد ان فاضت السجون بهم.
وتعرض للأسر أيضاً بعض الصحفيين ، ومنهم صديق شنشل مدير الدعاية العام، ونفي مع آخرين الى روديسيا .وتمكن مذيع الثورة عبد اللطيف الكمالي من الوصول الى سوريا، وقال في لقاء لي معه ببغداد انه ، عند اقتراب القوات البريطانية من بغداد في الأسبوع الأخير من شهر مايس، تلقى طلباً من السبعاوي بالسفر الى الموصل لإقامة إذاعة مؤقتة فيها، لكنه وجد ان الموالين للوصي عبد الإله قد سيطروا على جميع الأجهزة الإذاعية في الموصل ، وان هنالك أمراً بإلقاء القبض عليه، فهرب إلى سوريا، ومنها الى ألمانيا التي قضى فيها بقية سنوات الحرب العالمية الثانية.
ولا يتسع المجال للحديث المستفيض عن جوانب اخرى من حوادث صحفية وسياسية التي رافقت انتفاضة 1941 وإثراء بعض اصحاب الصحف من التجارة بورق الصحف في السوق السوداء ودور دائرة الدعاية في السفارة البريطانية ومواقف صحف ومجلات والصحف التي صدرت لأول مرة بعد استتباب الأمن وبعد الحرب العالمية الثانية وغيرها من تاريخ تلك السنوات.
810 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع