العربي الجديد:بالتزامن مع عودة التصعيد الإعلامي من قادة الفصائل المسلحة ونواب في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي" في العراق بالدعوة إلى عقد جلسة برلمانية لتمرير قانون "الحشد الشعبي" المطروح في البرلمان، وما يقابله من صمت لقادة القوى والكتل السياسية وكذلك الحكومة ورئاسة البرلمان تجاه القانون، يطرح مراقبون اختلافات وفروقات كبيرة بين القانون القديم لـ"الحشد الشعبي"، الذي أقرّ في عام 2016، بعد عامين من تأسيس هذه المظلة الجامعة لأكثر من 70 مليشيا وجماعة مسلحة، وبين القانون الحالي الذي يراوح مكانه في البرلمان منذ أشهر، ويواجه رفضاً أميركياً إلى جانب تحفّظ القوى السنية والكردية في البرلمان على صيغته.
توقيت طرح قانون "الحشد الشعبي"
في السياق، اعتبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس الأحد، أن توقيت طرح قانون "الحشد الشعبي" كان خاطئاً، مبيناً في تصريحات صحافية عدم قدرة الحكومة على سحب سلاح الفصائل المسلحة بالقوة. وأوضح حسين أن "توقيت طرح قانون الحشد الشعبي كان خاطئاً، وأنا الوزير الوحيد الذي قال ذلك في مجلس الوزراء، قبل إرسال مسودة القانون إلى البرلمان، خصوصاً وسط حالة إقليمية ودولية ووسط صراع إيراني أميركي". وأضاف: "إننا بحاجة إلى حوار عقلاني مع الفصائل لنزع السلاح ولا يمكن أن ينتزع سلاحها من خلال العنف فهذا قد يؤدي إلى اقتتال داخلي، فقبل الحوار الوطني نحن بحاجة إلى حوار شيعي – شيعي، في إطار الأحزاب الشيعية والقيادات الشيعية، لكن مع الأسف حتى الآن لا يوجد حوار بهذا الخصوص عدا تجميد عملية عسكرية أو عدم القيام بعملية ما".
وبعد ثماني سنوات على إقرار القانون الأول الذي عُرف باسم قانون "هيئة الحشد الشعبي"، قدّم التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، نهاية العام الماضي مشروع قانون جديداً لـ"الحشد الشعبي"، يتألف من نحو 20 بنداً، عبر لجنة مختص شكّلها التحالف لهذا الغرض، بدعم من كتل وشخصيات وازنة في التحالف، أبرزها "بدر" بزعامة هادي العامري، "وصادقون" بزعامة قيس الخزعلي، و"حقوق" المرتبطة بـ"كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء" بزعامة أبو آلاء الولائي. وأدخل القانون الجديد تعديلات جوهرية على البنية القانونية والتنظيمية لـ"الحشد"، ويعترف بعض المقربين من "الإطار التنسيقي"، بأن القانون كُتب في وقت ما قبل التطورات الأخيرة بالمنطقة والعدوان الإسرائيلي على إيران واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. القانون السابق كان موجهاً لمنح "الحشد الشعبي"، إطاراً شرعياً لعمله العسكري والأمني، بعد تأسيسه من دون الخوض بتفاصيل الهيكلية أو التمويل أو المفاصل الإدارية لعمله، ما جعله وفقاً للمدافعين عن القانون الجديد والداعمين له، بحاجة إلى قانون دائم خاص مع ارتفاع عدد أفراد "الحشد" إلى أكثر من 200 ألف عنصر.
وتحول "الحشد" من هيئة مؤقتة بموازنة تحددها الحكومة إلى تشكيل عسكري دائم بموازنة مالية سنوية تُعرض على البرلمان مثل موازنات وزارتي الدفاع والداخلية. كما أن القانون الجديد يمنح "الحشد الشعبي" تأسيساً تنظيمياً بأكاديمية عسكرية للتدريب، ومديرية للتصنيع الحربي، وقراراً عملياتياً وأمنياً عسكرياً مستقلاً عن وزارة الدفاع والداخلية، بجهاز أمن داخلي يحق له التحرك والاعتقال والتصرف، مع إقرار ذراع مدنية تجارية له تحت عنوان "شركة المهندس"، بينما سيكون قائد أو رئيس "الحشد الشعبي" وفقاً للقانون الجديد، برتبة وزير، ويحمل العنصر في "الحشد" صفة مجاهد، وليس جندياً أو عنصراً. غير أن الفقرة التي اعتبرت فضفاضة وقابلة للتأويل والتفسير داخل القانون الجديد، هي "حماية الحشد الشعبي للنظام السياسي"، وهي ما اعتبرها مراقبون أنها صيغت لمنح الأحزاب الحاكمة سلطة دائمة، خصوصاً مع وجود ذاكرة قريبة في قمع فصائل مسلحة للمتظاهرين جنوب ووسط البلاد، وأسفرت عن مقتل المئات منهم عام 2019.
في السياق، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع ياسر وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي الجديد يختلف عن القانون النافذ لسنة 2016 من ناحية التنظيم والهيكلة، فالقانون السابق اقتصر على الاعتراف بالهيئة ضمن المنظومة الأمنية، والقانون الجديد يتضمن نصوصاً تفصيلية تشمل تنظيماً هيكلياً داخلياً، وإنشاء أكاديمية عسكرية". ويلفت إلى أن "القانون الجديد المطروح أمام البرلمان يتمثل في انتقال الهيئة من إطار تأسيسي بسيط إلى مؤسسة عسكرية متكاملة الصلاحيات، وهذا التحول سيعزز دمج الحشد ضمن مؤسسات الدولة".
نقاط خلاف في القانون
من جهته، يوضح الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية سيف رعد، لـ"العربي الجديد"، أن "القانون الجديد ينص على إلغاء قانون 2016، واستبداله بقانون جديد يتضمن 18 مادة ليصبح الاسم الرسمي قانون هيئة الحشد الشعبي، بدلاً من قانون خدمة الحشد الشعبي، ويؤكد ارتباط الحشد بالقائد العام للقوات المسلحة، لكنه يمنح الهيئة استقلالية إدارية وتنظيمية أكبر مقارنة بالقانون السابق". ويبيّن رعد أن "أبرز نقاط الخلاف الرئيسية تتعلق بالمهام الجديدة وأهمها حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق، وهذه المهمة لم تكن موجودة في السابق، بل كانت محاربة التنظيمات المتطرفة ومنها داعش الإرهابي، وهذه النقطة تتقاطع بشكل واضح مع المادة الخامسة من الدستور العراقي التي نصت على أن السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها"، مضيفاً أن "هناك تخوفاً من أن تكون الهيئة أداة للقمع بحجة حماية النظام السياسي في العراق". ويلفت رعد إلى أن "القانون الجديد يضمن إنشاء أكاديمية الحشد الشعبي لتدريب المقاتلين ومنح شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية للخريجين منها، بينما حالياً هناك أجهزة أمنية وعسكرية مثل جهاز مكافحة الإرهاب تستقطب خريجي الكليات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، مما يفسرها البعض بأنه تأسيس نواة قوة توازي الجيش العراقي المثبت دستورياً".
ويكشف رعد أن "واشنطن رفضت تشريع القانون لأنه يتعارض مع أهداف الشراكة الأمنية الأميركية ـ العراقية، ويمنح شرعية لبعض الفصائل المرتبطة بكيانات وقادة مصنفين إرهابيين على لوائح العقوبات الأميركية، وتعتقد أنه يوفر مظلة قانونية لفصائل تهدد أمن القوات الأميركية ومصالحها الاقتصادية ويعزز النفوذ الإيراني في العراق، مما تعتبره تهديداً للشراكة الأمنية ولاتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين الطرفين. وترى واشنطن أن القانون يمنح زيادة في صلاحيات الحشد، خصوصاً دوره في حماية النظام السياسي، مما قد يجعله قوة موازية للجيش ويعرقل التعاون الأمني مع التحالف الدولي في ظل مخاوف من تشكيل حرس ثوري عراقي". ويلفت إلى أن "القانون الجديد يمنح الحشد هيكلية مستقلة (أكاديمية عسكرية مع مشاريع اقتصادية)، بالإضافة إلى إطلاق صفة المجاهد على المنتسب، مما يجعل واشنطن تراه نموذجاً يشبه الحرس الثوري الإيراني، رغم أن صفة المجاهد فيها مخالفة للدستور العراقي، لكون نظامنا ديمقراطياً فيدرالياً، ويُعتبر نظاماً مدنياً، فكيف سيتعامل المشرعون لهذا القانون مع التناقضات والمخالفات الدستورية؟".
ويؤكد رعد أن "قانون 2016 كان إطاراً عاماً لتشريع وجود الحشد قوة مساندة ضد الإرهاب مع صلاحيات محدودة وتركيز على التبعية للقائد العام. أما مشروع قانون 2025 فيهدف إلى تعزيز استقلالية الحشد الإدارية والتنظيمية، مع صلاحيات واسعة تشمل حماية النظام السياسي وإنشاء أكاديمية عسكرية ومشاريع اقتصادية، بالإضافة إلى إعطاء صلاحيات غير محددة في نوعية التسليح والتجهيز العسكري، وهو ما أثار مخاوف من تحويله إلى كيان موازٍ للجيش وتحفظات أميركية نابعة من الخوف من تعزيز النفوذ الإيراني وتهديد الشراكة الأمنية مع تهديدات بعقوبات اقتصادية". ويضيف أن "الرفض الداخلي يرجع إلى انقسامات سياسية حول هيكلية الحشد وسن التقاعد والخشية من هيمنة فصائل معينة على الهيئة، بالإضافة إلى مخاوف القوى السنية والكردية من فقدان التوازن السياسي".
من جهته، يقول الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية من أربيل ياسين عزيز، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون 40 الذي تم تشريعه في عام 2016 من مجلس النواب العراقي، جاء بمثابة شرعنة لوجود الحشد مؤسسة عسكرية واجهت تنظيم داعش الإرهابي، مما يعني مكافأة لهذه القوة لكن ضمن صلاحيات محددة، وإن كان الحشد تجاوز في مناسبات كثيرة صلاحياته قوة تابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة، لا سيما في مسائل التسليح وإطاعة الأوامر العسكرية وازدواجية المعايير الخاصة بقوة تابعة للمؤسسة الرسمية العراقية". ويوضح أن "الفرق في ما يطرح الآن من تعديل لقانون الحشد يشمل صلاحيات واسعة تُعتبر موازية للجيش العراقي وتشكل مؤسسة مستقلة، بعيداً عن وزارات أمنية في الحكومة العراقية مثل الدفاع والداخلية، بالإضافة إلى صلاحيات مطلقة في التسليح والتقرب أكثر من مؤسسة الحرس الثوري الإيراني". ويضيف عزيز أن "القانون الجديد سيجعل الحشد الشعبي نسخة مستنسخة عن الحرس الثوري الإيراني، مما يعني ارتباطاً عقائدياً مع ما يسمى محور المقاومة، الأمر الذي سيجعل من الصعب، بل من الاستحالة، أن تسيطر على هكذا مؤسسة تتمتع بصلاحيات لا حدود لها، ولهذا جاء الاعتراض الأميركي وكذلك السياسي الداخلي على شكل ومضمون القانون الجديد".
ترقب وتوتر
وتسود أروقة البرلمان العراقي حالة من الترقب والتوتر وسط توقعات بارتباك جديد في عقد الجلسات المقبلة، إثر عودة طرح القوانين الجدلية، وتحديداً قانون "الحشد الشعبي"، وإصرار قوى مؤثرة في البرلمان على تمريره، بعد جلسة عاصفة عُقدت في 16 يوليو/تموز الماضي وشهدت انسحاب عدد غير قليل من النواب، ومن ثم إعلان قوى مقاطعة الجلسات المقبلة، بسبب فرض رئيس الجلسة، النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، قانون "الحشد الشعبي" ضمن جدول أعمالها من دون اتفاق، الأمر الذي قوبل باعتراض الأطراف المنسحبة وانتقادها، التي احتجت على ما وصفته بمحاولة "التفرد" في القرار وتجاوز التوافقات السياسية. وكان البرلمان العراقي قد قرأ، في نهاية مارس/آذار الماضي، قانون "هيئة الحشد الشعبي"، لكن الخلافات منعت التصويت عليه، فيما فشلت القراءة الثانية، قبل أن تعطل الجلسات لاحقاً. وعاود البرلمان نشاطه في فصله التشريعي الأخير الذي بدأ في الشهر الماضي، بعد تعطيل لأكثر من ستة أشهر لم تشهد سوى عقد أقل من عشر جلسات، بسبب عدم اكتمال النصاب لتغيُّب أغلب النواب، نتيجة الخلافات السياسية بشأن القوانين الجدلية.
يشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي" تأسست رسمياً عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40، فيما أعلنت رئاسة الوزراء في العام نفسه ضم عناصر "الحشد" إلى القوات المسلحة. وفي عام 2020، جرت معادلة راتب عنصر "الحشد" براتب الجندي في الجيش العراقي البالغ مليوناً و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة ألف دولار شهرياً، إلى جانب منحهم المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع تأكيد توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً، ما زال كل فصيل مسلح في "الحشد الشعبي" يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.
872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع