"ينابيع المعرفة والعلم انبعثت من بلاد الرافدين فازدهر بها العالم واستثمرها، ولهم الفخر بأمجادها الأنسانية"

  

"ينابيع المعرفة والعلم انبعثت من بلاد الرافدين فازدهر بها العالم واستثمرها، ولهم الفخر بأمجادها الأنسانية"

 

 

          

تعتبر الحضارة نظام اجتماعي يعين الانسان في سلوكه ليشجعه على زيادة انتاجه الثقافي، وهي تبدأ عند الاستقرار، وعندها ينتهي الأضطراب والخوف فيتحرر الانسان نفسياً، وهي ترتكز على العلم والفن، فالبحث العلمي بمختلف المجالات يؤدي الى النمو والازدهار والتقدم، وتتعدد مجالات الفن كلرسومات والمنحوتات والفن المعماري، ومما لا يغيب عن الأدلال فأن الحضارة ترتكز على العناصر التالية:
الموارد الاقتصادية.
النظام السياسي.
التقاليد للقيم الخلقية والاجتماعية والدينية.
متابعة العلوم والفنون مما يخلق الابتكارات والانجازات.
ولدت المعرفة في  بلاد الرافدين ومصر ومنها انتشرت في العالم.
العلوم في العصور السومرية والبابلية والآشورية كانت كلاً متكاملاً يتناغم مع نسيج الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في عصرها، فالإنسان  كان يستمد معارفه مباشرة من الطبيعة، وكان أقدر على فهم لغتها؛ وكأي عنصر من عناصرها، كان يخضع لقانونها وينسجم معه، ولهذا لم تكن علومه غير شكل فني لهذا التناغم.

 

فالبابليين كانوا ورثة السومريين، من خلال تركهم لنا تراثاً غنياً، ولأن ثقافتهم وعلومهم استمرت من خلال التفاعل مع شعوب أخرى في المنطقة، وبالمقابل، فإنه مما لا شك فيه أن الآشوريين لم يلعبوا غير دور ثانوي، فقد تأثروا غالباً بالبابليين؛ إلا أن مساهمتهم القيِّمة اقتصرت على النقل وعلى التجميع، بما أن مكتبات ملوكهم، مثل توكولتي نينورتا الأول وتلغات فلصر الأول وآشوربانيبال بخاصة، تركت لنا إرثاً ضخماً لآداب ولعلوم القرون السابقة لهم، قد تم الكشف عن بقايا مكتبة «آشوربانيبال» في العاصمة الأشورية نينوى، لقد ساهم بالكشف عن بقايا مكتبة «آشوربانيبال» عدد من المنقبين الرواد، معظمهم من البريطانيين، منهم هنري ليرد (1840 - 1845 ) ورولنسون عام 1852 ورسام في 1852-1854 وجورج سميث في عام 1873-1874 وكامبل تومبسون في 1904، التي تقع بقاياها اليوم ضمن حدود مدينة الموصل 1905،

  

كان اكتشاف مكتبة آشور بانيبال في  القرن الثامن والتاسع عشر حدثًا علمياً هز الأوساط العلمية والثقافية في مختلف أرجاء العالم ولفت أنظار المؤسسات والهيئات العلمية في أوروبا إلى نينوى، عاصمة الآشوريين، «المدينة العظيمة»، كما وصفت في الكتاب المقدس، وإلى ما تبطنه من كنوز أثرية قد تكشف عن حضارة ظلت مطمورة في بطون التلول الأثرية مدة ثلاثة آلاف سنة أو يزيد.

  

فتتابعت هيئات التنقيب والبحث عن الآثار بالوفود إلى نينوى ونمرود وخرسباد وآشور وبابل وغيرها من المدن العراقية، وكان من نصيب الرقم الطينية العائدة إلى مكتبة آشور بانيبال فقد وجدت مكانها في مخازن المتحف البريطاني الحصينة وغُلقت عليها الأبواب ولم يكن بالإمكان الاطلاع عليها إلا من قبل عدد محدود جدًا من الباحثين الأوروبيين، لقد عكف الباحثون منذ ذلك الحين وبعد أن تم فك رموز الكتابة المسمارية في وقت مقارب لوقت اكتشاف المكتبة، على معالجة الرقم الطينية المكتشفة في مختبرات خاصة وتجميع الكسر ولصقها بعضها إلى بعضها الآخر، ومن ثم معرفة محتويات الرقم وتصنيفها وتنظيم فهارس مطولة بها، كما عمل الباحثون على استنساخ النصوص الأكثر أهمية وإصدارها في سلسلة من الكتب حملت اسم <<نصوص مسمارية من المتحف البريطاني>>، قد أظهرت الدراسات العلمية على تلك النصوص، التي زاد عدد ألواحها بما فيها الكسر عن خمس وعشرين ألف قطعة، إن فيها نصوصاً على درجة كبيرة جدًا من الأهمية، وخاصة تلك النصوص ذات العلاقة بالقصص والأخبار التي ورد ذكرها في العهد القديم، كتاب اليهود المقدس، مثل قصة الطوفان وقصة الخليقة إلى جانب النصوص الدينية والأدبية الكثيرة الأخرى فصدرت البحوث والدراسات حول هذه النصوص من جوانبها المختلفة التاريخية واللغوية والدينية

   

ومما تجدر الإشارة إليه أن لطبيعة المواد التي استخدمت للكتابة في بلاد الرافدين أثراً كبيراً في حفظ النصوص المسمارية لآلاف من السنين دون أن تتأثر بالعوامل الطبيعية المختلفة أو التعرض للتغير أو التزوير أو السرقة إلا بحدود ضيقة جدا، فقد استخدم الطين مادة أساسية للكتابة عليه في جميع أرجاء بلاد الرافدين، ربما لوفرته وانعدام كلفته وملاءمة طراوته لرسم العلامات الكتابية عليه أو طبعها، كما استخدم الحجر، ولاسيما في القسم الشمالي من بلاد الرافدين، لتدوين النصوص التذكارية والبنائية وغيرها من النصوص ذات الأهمية الخاصة، وهكذا احتفظت المدن القديمة بمئات الألوف من الرقم الطينية والألواح الحجرية المنقوشة بالكتابة المسمارية ذات المضامين الاقتصادية والتاريخية والعلمية والأدبية المختلفة، فكانت حقاً سجلاً حافلاً بما أنجزه العراقيون القدماء عبر ثلاثة آلاف من السنين مزدحمة بالأحداث والمنجزات الحضارية.
كما انهم أوجدوا نظام السجلات فهناك سجلات اشتملت كافة فروع المعرفة آنذاك: العلوم الطبيعية، المعادن والنبات والحيوان، الأدوات والبناء والغذاء، العلوم الكونية، الآلهة والنجوم، الانهار والجبال، علوم الأنسان، خصائصه الجسمانية واجزاء جسمه ووظائفها، والطبقات الأجتماعية.
كانت المعابد في وادي الرافدين، هي المراكز الأولى للتي نشأت فيها العلوم والمعارف الدينية والدنيوية، وكان الكهنة يمتلكون المعلومات الطبية وبالتالي يمارسون الطب، وكانت بعض المعابد تحتوي على مدارس طبية معروفة، فقد ذكرت مدرسة "نفر" التي كانت تدرس العلوم الطبية الخالصة التي يمارسها الآسو، كماذكرت بورسيا والوركاء.                              
لقد تطور الطب في بلاد سومر والرافدين طيلة العصور السابقة للسومريين حتى وصل إليهم ، وقد استفاد من تراكم الخبرات كما استفاد من تجارب الشعوب المجاورة التي تحتك بالسومريين والرافدين، فميزة العصر السومري، أنه جاء في بداية اختراع الكتابة السومرية، والتي تشكل أيضاً استمراراً لبدايات أكثر بدائية من الكتابة التي وصلتنا، وقد سجلت الكتابة ما هو موجود ومتوارث، كما سجلت ما أضيف في عصرهم وسجلت الكتابة أيضاً ظهور الآلهة في وادي الرافدين والتي كانت موجودة منذ عصور سحيقة قبل الكتابة، والطب السومري كان يتفاعل مع الآلهة المسئولة عن المرض، والشفاء أيضاً كان موجوداً سواء بالأعشاب أو بالتعاويذ، أو بالجراحة البدائية والتجبير، قد وصل أقدم لوحين طبيين من السومريين يؤكدان على أهمية الطب السريري الخالي من الجوانب السحرية والأسطورية والدينية، حيث كان الطبيب السومري يلجأ إلى المصادر النباتية والحيوانية والمعدنية لعمل وصفات طبية، وكانت مواده المفضلة كلوريد الصوديوم "ملح الطعام"، وقار النهر والزيت الخام وكان يستخدم من المملكة الحيوانية الصوف والحليب وترس السلحفاة وحية النهر ولكن أغلب أدويته كانت تستحضر من عالم النبات؛ كالزعتر والخردل وشجرة البرقوق والكمثرى والتين والصفصاف والتنوب والصنوبر، ومن منتجات مصنوعة كالبيرة والنبيذ والزيت النباتي.
 ابتدع السومريين دولاب الخزاف وصنعوا الآجر المفخور والعربة ذات العجلة وكذلك المحراث فضلا عن السفن الشراعية، وعرف أيضا فن النحت
وفي باب العلوم الصرفة كالرياضيات مثلا عرف البابليون أسسا مهمة في خواص الأعداد وكذلك في العمليات والطرق والمعادلات الجبرية الأساسية. من ذلك مثلا معادلات الدرجة الأولى بأنواعها المختلفة فضلا عن معادلات الدرجة الثانية والثالثة. لقد اتبعوا في طرق حلها عمليات مدهشة لا تكاد تصدق لتطابقها مع الطرق العلمية الحديثة، ومما يقال اليوم بوجه عام إن الفضل في تقدم الجبر الحديث يعود إلى البابليين والعرب أكثر مما يعود إلى الأغريق فيثاغورس واقليدس،.حقق البابليون إنجازات رياضية عظيمة لم يجارِهم فيها إلى حد ما من شعوب العالم القديم غير الصينيين، فالحضارة البابلية تركت لنا وثائق رياضية بحتة، ولدينا نحو أكثر من 300 لوح بابلي يختص مباشرة بالرياضيات، وكان أوتو نيوباور، و ثورودانجين أول من درسها وفك رموزها المسمارية وقدم لها تفسيرات مختلفة، ولم يلحظ العالمان بين ألواح الفترتين اختلافات تذكر، اللهم إلا أمراً واحداً على غاية من الأهمية، ألا وهو ظهور رمز الصفر في الألواح الحديثة منها، وقد ميزا نوعين من الرقم: الأول هام جداً لأنه يتعلق بمجموعة من الجداول الرياضية جداول الضرب والنسب ومقلوبات الأرقام، وجداول للمربعات، وللجذور التربيعية، وللمكعبات وللجذور التكعيبية، وجداول لمجموع عدد من التربيعات والتكعيبات الضرورية في حل بعض المسائل والمعادلات، أما المجموعة الثانية من الألواح، فتتعلق بقوائم تتضمن مسائل مختلفة نحو 200 مسألة للوح الواحد ذات درجات متزايدة في الصعوبة، أو مسائل مطروحة مع حلولها كاملة، حيث أن نظام العد المستخدم في هذه الألواح هو نظام عد موضعي يمزج بين النظامين العشري والستيني، واللافت أن النظام الحسابي البابلي كان ستينيا ومنه اشتقت طريقة قياس الوقت التي ما زلنا نعمل بها حتى عصرنا الراهن، و بات من الثابت أن البابليين استخدموا الصفر في هذا النظام في كافة الخانات، بل واستخدموه لتدوين الأرقام العشرية، وأول العلوم الرياضية التي ظهرت قديما كانت الهندسة لقياس مساحة الأرض، وحساب المثلثات لقياس الزوايا والميل في البناء، وكان البابليون يستعملونه في التنبؤ بمواعيد كسوف الشمس وخسوف القمر وهذه المواعيد كانت مرتبطة بعباداتهم..
أنشأ العراقيون القدماء بطاريات كانت تستعمل لغرض ما، أكتشفت في عام 1938 وخلال عمليات التنقيب عن الآثار في قرية عراقية تسمى خوجه رابو بالقرب من مدينة بغداد اكتشف العمال جرة صغيرة مصنوعة من الفخار المائل للصفرة وبطول 15 سنتمتر يعود تاريخها إلى ألفي سنة مضت، أصبحت تلك الجرة ذات أهمية كبرى في عندما أثارت انتباه مشرف المتحف العراقي العالم الألماني ويليم كونيگ، حيث لاحظ أن مكوناتها تشبه جداً مكونات البطارية الكهربائية!،وتم بناء نماذج مماثلة لها فأنتجت تياراً كهربائياً!، وفي عام 1940 حرر كونيگ ورقة يقول فيها أن البطارية تشبه في عملها خلايا جلفانية ، يقول الدكتور بول كرادوك المسؤول في المتحف البريطاني: "ان البطاريات جذبت كثيرا من الاهتمام. وهي بالغة الأهمية لاننا لا نعرف أحدا وقع على اكتشاف كهذا، وهي من الألغاز التي يصعب فهمها او حلها"، أشار كونيگ ان أن البطارية يرجع تاريخها إلى الفترات(250ق.م_224م)، لكن دكتور قسم الشرق  جون سمبسون، أشار إلى أنه   ليس هنالك أدلة أو مدونات على وجودها في تلك الفترة، لكن تشكيلة الجرة تدل على انها انشأت (224_640م)، وتقول الدكتورة مارجوري سينيكال، أستاذة تاريخ العلوم والتكنولوجيا في كلية سميث بالولايات المتحدة: "لا أظن ان أحدا يستطيع أن يحدد الغرض من هذه البطاريات في ذلك العصر"، المكتشفة، ويبقى السؤال قائماً :

لماذا اخترع العراقيون القدماء هذه البطارية الكهربائية ولأي هدف كانت تستخدم؟

استخدامات محتملة يفترض كونيك أنه ربما استخدمت تلك البطارية في عملية طلاء كهربائي لتحويل المواد الذهبية إلى فضية، وإذا كانت النظرية صحيحة، فإنها ستمحي التاريخ المعروف لإكتشاف البطارية الحالي (الذي هو على يد العالم ألساندرو فولتا 1800 وهي خلية كهروكيميائية) لأكثر من الف سنة من التاريخ الحالي، قناة ديسكفوري وبرنامجها الشهير "ميث باستر" أوضح أن الناس القدماء ربما أستخدموا البطارية كوسيلة للطلاء الكهربائي والتحليل الكهربائي، كما أن البعض يعتقد أن البطاريات كانت تستعمل في المجال الطبي فقد كتب الإغريق القدامى عن تخفيف الألم الناتج عن الأسماك الكهربية عندما توضع هذه الأسماك على القدمين، واكتشف الصينيون المعالجة بالإبر في هذه الحقبة، ولا يزال الصينيون يستعملون الإبر الصينية مصحوبة بتيار كهربائي، وهذا قد يفسر وجود ابر بالقرب من البطاريات التي عثر عليها بالقرب من بغداد.
ميزت حضارة وادي الرافدين بكونها اكثر الحضارات القديمة تقدماً في علم الفلك، وقد درس الباحثون المتخصصون في علم الفلك هذه الحضارة وقدموا كثيراً من المعلومات الفلكية القيمة التي فاقت بها الحضارات المعاصرة لها، عندما يتحدث الباحثون المتخصصون في علم الفلك والحضارات القديمة يقولون إن حضارة العراق القديمة تعدّ اهم حضارة فلكية في التاريخ القديم، وبينت الأبحاث الحديثة أن علم الفلك البابلي لم يكن مجرد رصد بسيط للنجوم، بل علم نظري متكامل، تلعب فيه الرياضيات دوراً من الطراز الأول، وكان هذا العلم هو السند الحقيقي للدراسات التنجيمية الفلكية. وتقسم النصوص أو الألواح التي درسها العلماء إلى قسمين: نصوص تنبؤية ونصوص فلكية حصراً؛ وهي عبارة عن أسماء الأبراج والكواكب مع أرقام تشير لحركاتها وأرصاد لشروق الزهرة، وقد أكد هذه الاهمية اكثر من باحث علمي، يقول الاستاذ طه باقر: من الأمور التي أجمع عليها مؤرخو العلوم أن اسس علم الفلك، مثل الرياضيات،قد وضعت في حضارة وادي الرافدين قبل نحو4000 سنة، وحين تتحدث الكاتبة الفرنسية "مارغريت روثن" عن علم الفلك الرافديني تقول: إن من بين سائر العلوم التي أنشأها البابليون واستخدمها الكلدانيون يحتل علم الهيئة مكاناً مرموقاً، لا يعلو فوقه سوى الرياضيات.

وتقول أيضاً: تظهر اللوائح واليوميات المدوّنة بموجب الرصد روحاً علمية حقه، غير ان المعارف التي وصلتنا لا تبين لنا بأن البابليين والكلدانيين توصلوا إلى شرح هذه الظواهر وفق نظم الفيزياء، انما ظلت منوطة إلى آخر، الأمر بمفاهيمهم الدينية التي كان علم الفلك خاضعاً لها، فبقيت النظريات الفلكية عرضاً وصفياً، والذي لا ريب فيه أن الفلك والتنجيم يتداخلان في هذه الحضارة كما في سائر الحضارات القديمة الأخرى.
كانت معرفة العراقي القديم للعلوم الدنيوية تساعده على اخراج عمله المعماري بأجمل وادق واروع شكل مطلوب وخير دليل على ذلك تلك الزقورات والمسلات والمعابد والجنائن وباب عشتار التي انشأت في زمن السومريين والبابليين والآشورين وقسم منها باق لم تؤثر فيها الطبيعة من زلزال وامطار ورعد واعاصير وفيضانات، شاهد على عظمة تخطيطهم وتنفيذهم الهندسي.
 فالآريين لم يشيدوا صرح الحضارة، بل أخذوها عن بلاد ما بين النهرين ومصر، وأن اليونان لم ينشئوا الحضارة إنشاء، لأن ما ورثوه منها أكثر مما ابتدعوه، وكانوا الوارث المدلل المتلاف لذخيرة من الفن والعلم مضى عليها ثلاثة آلاف من السنين، وجاءت إلى مدائنهم مع مغانم التجارة والحرب.
تعتبر الحضارة الإسلامية رافداً أساسياً أمد الغرب بالعلوم الطبيعية والتطبيقية التي كانت السبب الرئيس في جذور عصر النهضة الأوروبي.، ويعتبر العصر العباسي العصر الذهبي، فقد شهد ازدهاراَ في شتى المجالات، في الشعر والأدب والبلاغة والترجمة والتأليف والعلوم والرياضيات والهندسة والفيزياء والكيمياء والطب، وظهر عدد كبير من العلماء والمفكرين.

  

برز محمد بن موسى الخوارزمي، واضع اسس عالم الجبر الحديث، وهو اول من فصل الحساب والجبر كما انه اهتم بالمسائل الحسابية للفلك، ابو بكر الكرخي  واشتهر في بغداد في الرياضيات والهندسة واستخرج قانون العمليات الحسابية من جمع وطرح للأعداد الصماء، وفي الفيزياء الحسن بن الهيثم الذي اهتم بدراسة الهندسة والطب وتخصص في طب الكحالة"طب العيون" وشرح العين شرحا كاملاَ، واسس علم الضوء، وينسب اليه اختراع اول كاميرا بثقب صغير، واطلقوا عليه امير النور، كما انه اهتم بدراسة العدسات وميكانيكيتها، وفي الفلك برز ابو الريحان البيروني، كانت له اهتمامات في الصيدلة وحساب المثلثات والدائرة  وخطه اطوال العرض والطول ودوران الارص والفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت، وفي الكيمياء برز جابر بن حيان، والذي لقب بابو الكيمياء، وهو اول من اكتشف الصودا الكاوية واستحضر ماء الذهب، وهو اول من استخدم الأحماض في فصل الذهب عن الفضة، وهو مكتشف حامض الهايدروليك وحامض النتريك وحامض الكبريتيك، وفي الطب برز ابو بكر الرازي جالينوس العرب وابن النفيس وابن سينا وابن البيطار، وفي الصيدلة ابو القاسم الزهراوي الطبري وابن زهر وموسى بن العازر وابن الوافد الادريسي والبغدادي.

 

في العمارة كون العباسيون هندستهم بتوافق مع البيئة الطبيعية المحيطة  بهم، وما بناء مدينة بغداد والجامعة المستنصرية ومعاهد المعرفة الا دليلاُ على براعتهم المعمارية، كما كان لهم طرازهم الخاص من القباب وطوروا المنارات الإسلامية والأموية، وللطراز العباسي أيضا شكل فريد من الأعمدة، والدعامات وزخارف ما بين الدعامات على شكل قباب في المساجد الكبيرة، وأفضل الأمثلة للطراز العباسي في المساجد المسجد الجامع في سامراء ومسجد الريقة ومسجد أبي ضلف.
نمت في ظل الدولة العباسية المدارس الإقليمية، فتطورت حركة التدوين،  تدوين التراث الإسلامي العربي كله، واكتسبت العلوم الإسلامية صفة الوضوح والأصالة والعمق، والإفادة من التراث البشري الإنساني القديم، واكتملت حركة الترجمة والتمثُّل والشرح لعلوم الأمم الأخرى كالإغريق والهنود والفرس والصينيين.
اهتم الخلفاء والسلاطين المسلمون بإقامة المكتبات العامة للناس، وكانوا يتباهون بما يجمعون فيها من كتب مخطوطة ومنسوخة، وينفقون عليها ببذخ شديد لتنميتها وتضمينها بالمخطوطات التي لا توجد في أي قطر سواها، حتى يأتي الناس إليها من كل مكان، للقراءة والاطلاع كانت هناك مكتبات عامة وخاصة هنا وهناك، لكن من عمق التاريخ إلى شمس العرب الساطعة رحلة لمكتبات متواصلة نجوب بين أرجائها، فانتشرت خزائن الكتب في أقطار العالم الإسلامي من سمرقند وفاس إلى بخارى وقرطبة، كانت المكتبات تقام في أبنية جميلة تشرح صدور المترددين عليها، وكان بها حجرات متعددة تربط بينها أروقة فسيحة وكان بكل مكتبة عدد من النساخين والمترجمين والمجلدين، بالإضافة إلى عدد من المناولين الذين يحضرون الكتب للقارئ، وقد أطلق عليهم اسم الخدم تميزًا لهم عن الفراشين الذين يقومون بتنظيف فراش وأثاث المكتبة، وقد زودت المكتبات الكبرى بكل ما يحتاج إليه الباحثون والمطلعون من أدوات كتابية مثل الأقلام والأحبار والأوراق، بل زودت أيضاً بالمياه الباردة لراحة الباحثين والمراجعين والناسخين والمترجمين، بل رتب فيها معلمون يدرسون للناس المعرفة والعلوم، وكان يجتمع في هذه المكتبات صفوة العلماء والأدباء وتقام فيها الندوات والمناظرات.
بيت الحكمة وهو أول مجمع علمي ومعه مرصد ومكتبة جامعة وهيئة للترجمة، ويعد بيت الحكمة أو خزانة الحكمة في بغداد رمزاً لازدهار المكتبات العربية الإسلامية، يذكر المؤرخ المشهور القلقشندي عنها: (إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن، إحداها خزانة العباسيين ببغداد، فكان بها من الكتب ما لا يحصى ولا يقوم عليه نفاسة) ،وصل إلى أوج نشاطه العلمي في التصنيف والترجمة في عهد المأمون الذي أولاه عناية فائقة، ووهبه كثيرا من ماله ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة قيم يدير شئونه، ولقد بلغ من اهتمام المأمون وولعه بجمع الكتب أنه أصر أن يكون أحد شروط الصلح مع الإمبراطور الرومي ثيوفيلوس تسليم محتويات إحدى المكتبات في القسطنطينية فنقلها إلى مكتبة بغداد فوق مئة بعير، ويروى أيضاً أن الخليفة الحاكم صاحب الأندلس كان يبعث مندوبين عنه إلى جميع البلدان، يفتشون عن المخطوطات النادرة، ويدفعون مبالغ طائلة مقابل شرائها أو نسخه ويختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات، وقيل أيضاً إن فهرست مكتبته في قرطبة تألف من 44 كراسة بكل منها عشرون ورقة وقد قيل أيضاً إن غرناطة لما سقطت كآخر معاقل المسلمين في الأندلس ألقى المتطرفون الصليبيون الأسبان من جماعات محاكم التفتيش مئات الأطنان من المخطوطات العربية في النهر الذي تقع عليه المدينة، حتى أزرق لون مائه من شدة أحبار هذه المخطوطات، ويتساءل المستشرقون الإسبان اليوم عما تكون عليه الدراسات الثقافية في أسبانيا وغرب أوروبا، لو لم يقدم رجال محاكم التفتيش على هذه الجريمة الشنعاء، صحيح إن الندم لا يفيد صاحبه، ولكنه يمثل يقظة الضمير الأوروبي وندمه على جرائمه التي ارتكبها في حق الحضارة الإسلامية رغم فضلها عليه وعلى حضارته، وضم بيت الحكمة إلى جانب المترجمين النساخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، والمجلدين وغيرهم من العاملين، نال بيت الحكمة اهتمام المعاصرين ومنهم جوثاثان ليونز الذي اعتبره من الركائز التي أسس الغرب حضارته على تراثه،

 

أما كوركيس عواد فقال عنه: «لا شك أن خزانة بيت الحكمة ببغداد من أعظم خزائن الكتب في الإسلام على اختلاف عصوره ودوله، لأنها حوت من الأسفار العتيقة كل جليل نفيس، ولم تكن كتبها إلا نتاج ثقافات شرقية وعربية مختلفة، العربية والفارسية والسريانية واليونانية. ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتار بغداد وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها وأمضت آثاره، كانت بغداد مركزا هاما للعلوم والاداب والفنون، يهرع اليه العلماء وطلاب العلم من مختلف الدول للتزود بالثقافة الاسلامية التي كانت تتمثل فيها باجلى معانيها،  كانت تلك المدينة غنية بعلمائها وادبائها وفلاسفتها وشعرائها وكان كل هؤلاء بمثابة اساتذة وقادة لرجال العلم والادب في مختلف انحاء الشرق الاسلامي، ولما حلت النكبة ببغداد على ايدي المغول، جاء عصر الظلام، فقد قتل آلاف من العلماء والشعراء وشرد من شرد، فلجأوا الى مصر والشام وغيرهما من البقاع، واحرقت المكتبات وخربت المدارس والمعاهد وقضي على الاثار الاسلامية التي تعب الفنانون في ابداعها كل هذا التراث المجيد قد اصبح في التراب اثرا بعد عين، ان سقوط بغداد وغيرها من مدن العلم والادب كان حقا جناية كبرى في حق الحضارة الانسانية،  واذا كان لهذا الحادث الجلل تاثيره العميق في نفوس المسلمين فكيف كان وقعه في نفوس الشعراء والادباء وكان من بين تلك المراثي ما قالها تاج الدين اسماعيل، هي:
اسائل الدمع عن بغداد اخبارا   فما وقوفك والأحباب قد ساروا
تاج الخلافة والربع الذي شرفت   به المعالم قد عافاه افقارا
اضحى لعطف البلى في ربعه أئر     وللدموع على الآثار آثارا
وخلاصة القول أن بلاد الرافدين حملت مشعل العلم والحضارة دهراً طويلاً وتعهدته بالرعاية حتى تسلمت منها شعوب أخرى، نقلته بدورها إلى بقية أرجاء العالم
دخل العراق نفق الظلام وبه غابت جامعاته ومراكزه التنويرية وابتدأ الجهل يأخذ طريقه ونمت الامية لشرائعه الاجتماعية وغابت المعرفة عن الكثيرين، ولم تبقى غيرالكتاتيب لتعليم  مبادىء اللغة من القرآن الكريم، وفي الحقبة العثمانية جرى أهمال لولايات العراق الثلاث بغداد والبصرة والموصل، ولم تكن هناك مدارس تذكر الا بعدد الاصابع، العوائل الميسورة كانت ترسل ابنائها للتعلم او الخدمة العسكرية في الأستانة واستمر نفق الظلام حتى بداية الحرب العالمية الاولة ومن بعدها نشوء المملكة العراقية وبدأ النفق يرى بصيصا من النور، لقد تميز جيل التأسيس بولادة مجتمع جديد وولادة دولة حديثة ذات نزوع قومي ووطني ليبرالي ومحاولة تشكيل نخبة سياسية واجتماعية طليعية تقود البلاد نحو التوحيد والاستقرار وتشارك في نشر الوعي والروح الوطنية وبناء منظمات اجتماعية وثقافية وتربوية وعلمية.

               

اعتمد الملك فيصل على نخبة من المدنيين والعسكريين ومجموعة من المثقفين الذين كانوا من بقايا النخبة العراقية  العثمانية السابقة التي شاركت في مجلس المبعوثان في الاستانة، وفيها كانت بدايات الاهتمام بالتعليم والعلم في العراق من خلال تشكيل لجنة لدراسة واقع المعارف في العراق وسبل تطويرها وانتشارها بين العراقيين، وحينها أدركت وزارة المعارف ان أي محاولة لبناء كيان التعليم العالي في العراق يبقى ناقصاً وغير ذات جدوى إذا لم تتوافر الملاكات التدريسية من حملة الشهادات العليا في حقول العلوم المختلفة لذلك اقترحت على مجلس الوزراء في 11 تموز 1921 إرسال عدد محدود من الطلاب للدراسة خارج العراق الذي وافق بدوره على مقترح وزارة المعارف وقرر إيفاد عشرة مرشحين وهي أول بعثة دراسية حكومية ثم توالت بعد ذلك إرسال البعثات العلمية الى خارج العراق، ورجع العراق يتطلع الى مواكبة العلم والمعرفة وبوتيرة تصاعدية ومعقولة، للنهوض مستندين الى المعين الذي تولد منذ بداية الحكم الوطني في عشرينات القرن المنصرم لا بل الى جضاراته منذ فجر التأريخ، وتولدت القناعة بان تقدم الشعوب و تطورها لا ياتي الا من خلال ارساء قاعدة رصينة للعلم والبحث و التكنولوجيا، و من خلال تآهيل مهنيين كفوئين و مهندسين متمرسين و علماء مفكرين، فلقد سعى المسؤولون منذ مطلع الحكم الوطني، على الرغم من قلة الموارد المالية، للتوسع في انشاء المدارس و تأسيس الكليات التخصصية و رفد الصناعة و الزراعة و الخدمات العامة بوسائل الفحص و التحليل و السيطرة النوعية و كذلك اعتماد الاسس العلمية في تقييم النجاحات و الاخفاقات.
و على اثرالزيادة الاولى للدخل الوطني مطلع الخمسينيات تأسس مجلس الاعمار فأضطلع بتنفيذ مشاريع عملاقة مثل السدود و الاسكان و طرق المواصلات، كانت البداية الفعلية للمشروع النووي العراقي مع الاعلان عن «برنامج الذرة من أجل السلام» الذي اطلقه رئيس الولايات المتحدة ايزنهاور وذلك في العام 1953 ، وقد استلم العراق اولى التقارير والدراسات البحثية الامريكية عن الطاقة الذرية في العام 1954،

         

وقد عهدت حكومة الملك فيصل الثاني الى مجلس الاعمار العراقي، المختص في اعمار العراق بما في ذلك علميا وتكنولوجيا الى متابعة تلك الدراسات والابحاث، وكان يرأس المجلس رئيس الوزراء  نوري السعيد في حين كان يرأس اللجنة العلمية والتكنولوجية في مجلس الاعمار الدكتور ضياء جعفر والذي عهد إليه تأسيس لجنة الطاقة الذرية العراقية، وكان عمل اللجنة يهدف الى تحقيق قاعدة علمية وتكنولوجية للانعتاق من التبعية الكاملة للغرب، وذلك بالتعاون مع المؤسسات العلمية والجهات الحكومية ذات العلاقة كوزارات الصحة والتعليم والدفاع والزراعة، وكان من اهم برامج لجنة الطاقة الذرية العراقية تدريب الكوادر العراقية واكسابهم الخبرات النظرية والعملية للامساك بناصية التكنولوجيا النووية، ولذا ارسلت عددا من الطلاب الى امريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية والاتحاد السوفييتي السابق، في ذلك الوقت من العهد الملكي حصل العراق على وعد من ادارة واشنطن بإنشاء مفاعل نووي للأبحاث في العراق بقدرة (5 ميجا واط حراري)، كونها كانت عضوا في حلف بغداد الا ان العرض سحب بعد الثورة على النظام الملكي،

        

قامت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم في اواخر العام 1959 بعقد اتفاق مع الاتحاد السوفييتي السابق يشتمل على معونة صناعية وزراعية بموجبها انشأ السوفييت عددا من المصانع في العراق وتضمنت الاتفاقية انشاء مفاعل نووي للأبحاث بقدرة( 2 ميجا واط حراري)، جرى تطويره في بداية السبعينات واصبحت قدرته 5 ميكاواط.

                

في عهد الرئيس احمد حسن البكر جرى تأمميم النفط من الشركات الأحتكارية، وفي ضوء الزيادة المالية للدخل الوطني اوائل السبعينيات استحدثت طفرة نوعية في التصنيع و التعليم و البحث العلمي و التكنولوجي والعمراني والصحي والفني، و كان من احد ثمارها بناء مفاعل نووي لفحص المواد بمعونة تكنولوجية فرنسية و بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الا ان المفاعل تم تدميره بالكامل عشية تشغيله التجريبي في حزيران1981 بغارة غادرة.
حصل العراق على المرتبة الأولى في خلوه من الأمية بشهادة منظمة اليونسكو في سبعينيات القرن الماضي، وكانت مدارسه وجامعاته ومراكز ابحاثه ومراكز التصنيع التكنولوجي نهضوية تشع منها مشاعل العلم والمعرفة، ولكن بسبب أحداث عام 1991، لم تكتف قوى الشر من التدمير الكبير الذي  الحقته بالعراق فآعقبته بحصار ظالم لم يشهد التاريخ المعاصر مثيله دام اكثر من اثني عشر عاما افقر البلد و اهله، و هم ذوي النعمة و اليسار، أثر على العملية التربوية والتعليمية والبحثية والتصنيعية وأزدادت الأمية وأستمرت بعد الأحتلال وبتسارع كبير وخاصة بعد أغتيال وتشريد وهجرة الكفاءات، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع