انتباه رجاء .... في العراق ستة ملايين موظف مدة عملهم اليومي 17 دقيقة فقط !

    

بغداد/ قيس عيدان :حينما أردت كتابة تحقيق عن الروتين في مؤسسات الدولة وعدم احترام موظفي تلك المؤسسات للوقت خلال إنجاز معاملات المراجعين، أقول حينما أردت ذلك قفز إلى ذهني خبر سيشكل صدمة للعديد من القراء ....

يقول الخبر ان وزارة التخطيط قد أكدت أن نسبة التضخم في عديد الموظفين الحكوميين بلغت 300 %، إذ تجاوز عديد من يتسلمون رواتب شهرية من الدولة 6 ملايين شخص، وهو مايعادل ثلاثة أضعاف الحاجة الفعلية، الأمر الذي بات يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة. في حين أوضح الخبير الاقتصادي ماجد الصوري أن "96 % من الموظفين الحكوميين غير منتجين مايشكل عبئاً كبيراً على الدولة، وأن إجمالي مدة العمل الفعلي لأولئك الموظفين خلال ساعات الدوام الرسمي لا تتجاوز 17 دقيقة من مجموع ست ساعات"،
إذن ..... نكتب اليوم عن الروتين في مؤسسات الدولة ، لنتعرف على معاناة المواطنين خلال مراجعاتهم لتلك المؤسسات ولنبدأ القراءة ...

أعذار مألوفة
أي مراجع لمؤسسات الدولة غالبا ما يسمع هذه الأعذار خلال مراجعته : راجعنا بعد شهر ،أو الموظف المختص غير موجود ، أو هناك نقص في الأوراق والمستمسكات ، أو ربما نسمع مفردة أن المعاملة عند التوقيع ، وربما المدير العام أو الوزير أو المسؤول الأول في الدائرة في إيفاد . و ربما نسمع مفردات أخرى لم نسمعها أبدا مثل، ننتظر صحة الصدور ،أو الدسك الخاص بالمعاملة لم يصل حتى الآن .وهذا حديث الذين لديهم معاملة تحويل أرقام السيارات . فيما يعيش العديد من المواطنين بآمال وأحلام ،مثل الحصول على قرض لبناء دار سكن أو غيرها من الحاجات الضرورية . فيما يرى العديد من المختصين والمعنيين أن الوقت يعد من اهم الركائز الأساسية لتنظيم الحياة اليومية والمستقبلية وان هذا الأسلوب القديم في إنجاز المعاملات يعد من أخطر الأمراض النفسية التي توثر على حياة الفرد حسب أراء أطباء علم النفس .
المدى استطلعت آراء العديد من المختصين والموظفين والمواطنين لبيان رأيهم بشأن ( الإدارة والوقت ) وحجم الخدمات المقدمة من الموظف الحكومي للمواطن قياساً وحجم الخدمات الإدارية المقدمة في دول الجوار والعالم اجمع .
انتشار ظاهرة الوساطة والمحسوبية والرشوة والاختلاس
المهندس محمد سلمان يشير لـ ( المدى ) إلى أن أغلب الموظفين في المواقع الإدارية يميلون إلى وجود مسؤول لتنظيم العمل ويتم الاعتماد عليه في الأمور كافة وهو من الرواسب التي كانت قائمة في ظل الأنظمة الإدارية التقليدية .فالاتكالية والتكاسل والاعتماد على الغير من الأمور التي لا يمكن التخلص منها بسهولة وهذا يحتاج إلى فترة زمنية مصاحبة للتوجيه والإرشاد المستمر ويترتب على هذه المشاكل جملة من السلبيات الثانوية ،منها السيطرة المفروضة من قبل شخص معين على تمشية المعاملات وعدم الاعتماد على الغير والاتكالية في كافة الأمور وانتشار ظواهر اجتماعية خطرة في العمل الوظيفي ،كالوساطة والمحسوبية والرشوة والاختلاس والتسلط من قبل فرد أو فئة محدودة.
سلمان كشف أن ثمة مشاكل قانونية تعترض تطبيق الإدارة بشكل عام تتمثل في عدم وجود تنظيم قانوني في شكل قواعد عامة لممارسة الإدارة وعدم التنسيق بين الإدارة والقوانين . كما أن هناك الكثير من قواعد قانون الخدمة المنظمة للوظيفة العامة التي لا تنسجم مع الواقع الحديث كما هو الحال في ترتيب الوظائف وتقارير الكفاءة وعدم وجود حوافز مادية أو معنوية للعمل الإداري، وضعف الجزاء التأديبي، وكذلك الجهل بالقانون وعدم معرفة آليات تطبيقه ومحاولة التهرب من المسؤولية بإلقائها على عاتق الغير.


الخوف من ضياع الوظيفة وفقدان امتيازاتها
الدكتور رعد الدهلكي من وزارة العمل يوضح لـ ( المدى ) : يُعد الوقت أحد الموارد المتاحة للإدارة لذا تقع عليها مسؤولية تحقيق الاستثمار الأفضل لوقت العمل إذا ما أرادت أن تضمن لنفسها الاستمرار والنمو والتطور نظراً لما للوقت من أهمية خاصة في عصرنا الحالي الذي سُمي بعصر السرعة ،فإن كفاءة الإدارة تقاس وفقاً لهذا المعيار لا بل أضحى المعيار المميز بين الدول المتقدمة والنامية حيث نجد أن العديد من الدول تعمد إلى تطبيق الأنظمة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال الوظيفي بغية ضمان الكفاءة والسرعة في إنجاز المهام الموكلة إليها.
الدهلكي بين أن مفهوم الوقت في مجال العمل الوظيفي له أهمية خاصة ،إذ من خلاله يمكن تحديد مستوى إنجاز الإدارة وأدائها في العمل من خلال المقارنة ما بين فترة وأخرى في مستوى الأداء ،كما أن له أهمية في أرشفة وتوثيق أعمال دوائر الدولة والمحافظة على الوقت واستغلاله بالشكل الأمثل لهو دليل على كفاءة الأداء والشعور بالمسؤولية تجاه العمل الوظيفي والتفاني فيه لابل أنه أحد أهم المؤشرات المعتمدة في تقويم الموظف كون بقية العناصر تعتمد عليه وترتبط فيه من حيث الأثر والمنطق وعدم اتباع الأساليب العلمية في إدارة الوقت ومتابعة الأعمال التي يتعين على الموظف القيام بها وانعدام التمييز بين المهم والأهم والخوف من ضياع الوظيفة وفقدان امتيازاتها حيث يكون سبباً في مضاعفة الجهد ،وعند عدم بلوغ الغايات المنشودة يصاب الموظف بالإحباط وعدم الرغبة في العمل، أو البحث عن أعمال أخرى وعدم استغلال وقت عمله بالشكل الصحيح. وجود مشاكل شخصية لدى الموظف مما يسبب له شرودا ذهنيا وقلقا مستمرا وعدم القدرة على توظيف الوقت بفاعلية وكفاءة، أو وجود حالة حاله نفسية لدى بعض الموظفين ممن يتعاملون مع المواطنين فيشعرون بالراحة والسعادة عندما يؤخرون المعاملات.


عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب
الدكتور عمار عباس من دائرة مدينة الطب يبن لـ (المدى ) : يترتب على الموظف استغلال أوقات العمل بالشكل الصحيح للحصول على فوائد عدة تتمثل بحصوله على الراتب المقرر له من دون استقطاع أو عقوبات نتيجة للتأخر أو التغيب عن أوقات العمل ورضا الرؤساء الإداريين عنه حيث يُعد عنصر المواظبة والالتزام بالوقت والعمل من أهم سمات الموظف الملتزم الحريص وفقاً لما يؤكده خبراء علم النفس ومن أهم عناصر تقويم أداء الموظف كما يكسبه الخبرة والمعرفة الإدارية. فكم من موظف قضى حياته في الوظيفة لم يكسب من مهارتها سوى كيفية تسلمه لراتبه الذي يتقاضاه في مواقيت معينة ،كما إن الموظف الملتزم يمكن الاعتماد عليه في مهام أخرى تتطلبها طبيعة عمله أو تبوّء المناصب العليا والترقي في وظيفته فضلاً عن إمكانية تشغيله ساعات عمل إضافية وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة ،وعلى النقيض من ذلك يترتب على عدم استغلال وقت العمل بالشكل الصحيح والإخفاق في إدارته العديد من النتائج السلبية بأن التسيب الإداري ظاهرة من الظواهر التي تبرز في أغلب الإدارات الحكومية ويمكن تعريفه بأنه إهمال الموظف للواجبات المنوطة به المنصوص عليها في القوانين والتعليمات والقرارات التي تنظم الوظيفة العامة بشكل يؤدي إلى مردود سلبي على الإنتاجية وسير العمل .


تسرّب الموظفين أثناء الدوام الرسمي
الدكتور عمار أشار إلى تفاقم ظاهرة التسيب الإداري وارتفاع معدلات ترك الموظفين لأماكن العمل أثناء ساعات الدوام الرسمي بسبب اضطرارهم للخروج إلى الأسواق لتلبية حاجاتهم الضرورية التي تلزمهم وكذلك عدم بقاء الأفراد ذوي المراكز العليا والمهمة في مناصبهم لفترة تمكنهم من إثبات وجودهم وخبرتهم وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ان كل ذلك ناتج عن أسباب عدة ،كسوء التنظيم الإداري وضعف الإدارة وعدم قدرتها على استثمار طاقات الموظف وقابلياته في العمل الوظيفي وعدم تفهم بعض المواقف والظروف التي يمر بها بعض الموظفين التي تتخذ مظاهر وصوراً عدة ،كالغياب وتضخم الموارد البشرية العاملة في دوائر الدولة ومؤسساتها العامة . إن كل ذلك يقود بشكل لا مراء منه إلى ضعف إنتاجية الموظف والإدارة على حد سواء مخلّفة آثارا اقتصادية واجتماعية وإدارية واضحة في العمل الوظيفي. مبيناً أنه اتضح لنا موقف تشريعات الخدمة المدنية العراقية والمقارنة من معالجتها لحالة التزام الموظف بمواعيد العمل الرسمية من خلال تأكيدها على ضرورات التزام الموظف بمواعيد العمل الرسمي والعوامل المؤثرة في التزامه بإدارة وقت العمل الرسمي.


رفع الأعمال إلى المسؤول الأعلى عنهم تخلصاً من المسؤولية
مؤيد عبد الواحد وهو مدير تنفيذي لإحدى منظمات المجتمع المدني قال: إن من أهم العوامل التي تحقق كفاءة الأداء الإدارية في البلاد هي كفاءة الموظفين التنفيذيين ومستوياتهم المختلفة ،أي من كان مستواه في سلم الدرجات الوظيفية أو من كان في درجات الوظيفية حسب أحكام قانون الخدمة المدنية والملاك أو حسب المواقع أو المسؤوليات الوظيفية الإدارية الرسمية التي يشغلها أو تلك التي كلف بإدارتها أو وكالة . عبد الواحد بين لـ ( المدى ) أن المستوى العلمي المناسب لمن يشغلون هذه الوظائف ورغبتهم في العمل لا بل شغفهم فيه يدفعهم بلا شك للعمل بحرص ودقة كبيرين فيؤدي ذلك إلى زيادة خبرتهم العملية أيضاً وتنعكس بصورة مباشرة على مستوى أدائهم وأداء مؤسساتهم عموماً ذلك لأن مثل هؤلاء الموظفين يؤدون أعمالهم بمسؤولية تامة ويتحملون دون خوف أو شك النتائج الناجحة عنها ,كما يتحاشون رفع الأعمال التي تقع ضمن مسؤولياتهم إلى المسؤول الأعلى عنهم تخلصاً من المسؤولية .


تنفيذ أعمالهم بكفاءة عالية جداً
عبد الواحد أشار إلى أن الثقة بالنفس التي تتولد لدى الموظف ستجعل له روح المبادرة للقيام بما يتطلب لتنفيذ أعمالهم بكفاءة عالية جداً ،وبنفس الوقت يمكنهم تفهم التوجيهات الصادرة لهم عن المسؤول الأعلى بسرعة كبيرة تعفيه من الخوض في التفاصيل والجزئيات اللازمة لتنفيذها كما أنهم لا يرفعون مطالعاتهم إلى ما فوق مختصرة أو غامضة غير مفهومة ومختومة بجملة للتفضل بالتنسيب أو التفضل بالتوجيه بل تكون واضحة ومركزه مفهومة ومسببه معروض فيها رأيهم الرسمي لمساعدة رؤسائهم في اتخاذ القرار المناسب والصحيح .
عبد الواحد رأى أن كفاءة الموظفين التابعين لإدارة المسؤول الأعلى ستخلف لديه الثقة لاتخاذ قراراته في ضوء مطالعاتهم وآرائهم فتحقق له تلك القرارات كفاءة وتميزاً في الإدارة والأداء , فالمسؤول الأعلى الذي لم يكلف بمسؤولية إدارة أي وحده أن لم يكن مؤهلا لها ينبغي أن يتحقق من كفاءة الموظفين في المستويات الدنيا التابعين له , إن كانوا أكفاء ومثابرين ومتميزين في العمل , كان عليه أن يزيد من ثقته واحترامه لهم وأن لم يكونوا كذلك فإن من أهم مسؤولياته إما تغييرهم وإما رفع كفاءتهم ،وبعكسه فإن آثار ذلك ستنعكس على أدائه وإدارته التي لا يتوقع أن تكون متميزة .


سوء في الإدارة وتحميل المواطن أعباءً مالية ونفسية
الطالب زيد الرومي طالب في كلية المنصور يتساءل من المسؤول عن الوضع القائم بتبديل أرقام السيارات وما حاصل فيها من مشاكل أمنية أو مشاكل مالية بين المواطنين التي استمرت عشر سنوات ،إذ لم تبادر الحكومة إلى حل هذه القضية ، هل الإدارة أم التوقيت أم الموظف المختص أم الموظف الأعلى .جميع هذه التساؤلات تطرح على الجميع ونجزم أن عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب هو السبب . زيد يؤكد لـ ( المدى ) اطلعت على تقرير هيئة النزاهة الذي يشير إلى تلقيها شكاوى من مراجعي دوائر المرور في بغداد وهي تتهم بعض منتسبي تلك الدوائر بـاختلاق ذرائع ومعوقات مختلفة لابتزازهم خلال ترويج معاملات تسجيل سياراتهم . والتقرير يؤكد أن عدد المواطنين أكدوا عند التقائهم فريق استقصاء من هيئة النزاهة خلال رصده لواقع الأداء في مديرية المرور العامة وعدد من مواقعها في العاصمة ان حالات الابتزاز وتعاطي الرشوة باتت من الظواهر الواضحة في جميع مواقع تسجيل السيارات .
وزيد ... هو نموذج واضح يبين لنا أن هناك سوءاً في الإدارة والوقت وتحميل المواطن أعباء مالية ونفسية وهذا مالم نشاهده في مجتمعات دول العالم أجمع
بقي أن أقول : إني وخلال إجراء لقاءاتي هذه كنت أتساءل أين أصبح مشروع الحكومة الإلكترونية ، تلك التي بشرتنا بها وزارة العلوم والتكنولوجيا إذ مرت عشر سنوات على تلك ( البشارة ) ونحن مع المراجعين لم نزل نسمع عبارة ( تعال باجر ) في إشارة واضحة اللي معاناة المراجعين من إهمال الموظفين .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع