جانب من مكتبة الطفل في بغداد حيث يبدو بعض أرففها فارغا
بغداد: أفراح شوقي «الشرق الأوسط» - لم يتبق من ذاكرة مكتبة الطفل العربي في العاصمة العراقية بغداد، إحدى أقدم وأهم المكتبات في الوطن العربي، (افتتحت عام 1969)، إلا أطلالها، وذكريات روادها وأحاديثهم عنها، إذ طالها النسيان والإهمال بعد عام 2003، وغاب الطفل عنها، وتحول مقرها لمؤسسة حكومية، في وقت عجز المعنيون عن إعادة الحياة إليها.
خلال زيارتي للمكان، كان الصمت وحده هو المخيم على قاعة المكتبة، ولم يكن صمت القراءة المعتاد، بل كان صمت الفراغ، إذ خلت المكتبة من أي طفل، عدا بعض موظفات يقلبن سجلات ودفاتر إدارية، فيما بدت معظم رفوفها فارغة وموحشة، والممتلئ منها علته علامات الشيخوخة، عبر كتب قديمة وممزقة أيضا لا تستطيع إغراء الطفل بتصفحها أصلا! مديرة الدار فريال فوزي، تولت إدارة المكتبة، منذ عام 2006 وحتى اليوم، قدمت لنا شيئا عن تاريخ المكتبة: «تأسست مكتبة الطفل سنة 1969 وكانت تابعة للإدارة المحلية، ثم جرى إلحاقها بوزارة الثقافة (دار ثقافة الأطفال) سنة 1999، وقد أصبحت هي الموقع البديل لدار ثقافة الأطفال منذ عام 2003 بعد التدمير الذي طال بنايتها الأصلية في بناية وزارة الإعلام المنحلة، الأمر الذي سبب تضييقا لقاعاتها وتقليصها إلى قاعة واحدة مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي (الإدارة ومكتبة الوزارة ومكتبة الطفل والذي يحوي على الأرشيف الصحافي أيضا)». وهي عموما لا تتسع لأكثر من خمسين طفلا، (المقاعد التي بدت في القاعة لم تتعد أصلا 30 كرسيا).. وواصلت قائلة: «كان هناك دار عرض سينمائي ومسرحي ومرسم وكافتيريا وحديقة كبيرة ملحقة بالمكتبة، لكن جرى البناء فوقها لتصبح مكاتب للعاملين في الدار».
وعن عدد الكتب الموجودة في المكتبة اليوم، قالت: «سبق أن فقدنا الكثير من الكتب والمطبوعات خلال الاجتياح الأميركي في 2003، وتعرضت المكتبة للتدمير والنهب والحرق، ولدينا الآن نحو 1500 كتاب أجنبي مخصص للصغار، و5400 كتاب عراقي وعربي، معظمها إهداء من جهات عدة أو من إصدارات الدار القديمة، بسبب عدم وجود تخصيص للمكتبة من إصدارات الدار الحديثة، وتم تخصيص فقط مبلغ 250 ألف دينار لشراء الكتب من الخارج، في ميزانية العام الحالي!».
وتفيض بامتعاض: «من الطبيعي أن أقدم وأهم مكتبة في بغداد لا يمكن مقارنتها اليوم بأبسط مكتبة عربية في دولة مجاورة».
هي شكت أيضا من غياب وسائل تشجيع الطفل على القراءة نتيجة غياب دور المدرسة، وضعف دور الأهل بالإضافة إلى انتشار القنوات الفضائية ووسائل الإنترنت التي صارت بديلا محببا للطفل وهي تعرض أفلاما وبرامج مثيرة بشكل يسحب انتباهه لها أكثر من قراءة كتاب في مكتبة بعيدة عن بيته.. كنا نستقبل زيارات دورية لطلبة المدارس، لكن الآن هناك ضعفا واضحا بسبب الصعوبات الأمنية وقرب المكتبة من حوادث التفجيرات التي حصلت أكثر من مرة في بغداد خلال الفترة الماضية.
وتقول المعلمة دلال الحمداني مدرسة بلاد العرب في بغداد: «خطورة موقع المكتبة، من ناحية قربه من المنطقة الخضراء، وزيادة عدد الانفجارات والحوادث الأمنية، هي أسباب مهمة وراء عزوف العائلة العراقية عن ارتياد المكتبة مع صغارها، علاوة على إهمال المكتبة وعدم رفدها بالجديد والممتع من الكتب والإصدارات الحديثة، وغياب عرض الأفلام السينمائية المخصصة للصغار كما في السابق».
أما الكاتب شفيق مهدي أحد أبرز وأهم كتاب الطفل في العراق فقال: «من المؤسف أن المكتبة تراجعت في السنوات الأخيرة من عهد النظام السابق، بعد سلسلة الحروب والحصار الاقتصادي الذي مرت به البلاد، وتواصل تراجعها بعد عام 2003 وتعرضها للحرق والسرقة من قبل عصابات تخريبية».
وأضاف: «اليوم ما زالت العائلات تخشى إرسال أبناءها لأجل القراءة فيها بسبب سوء الأوضاع الأمنية، وهو السبب ذاته الذي أبعد إدارات المدارس عن تنظيم رحلات إلى المكتبة كما السابق، ناهيك عن افتقار الدار لأحدث الإصدارات والمطبوعات الخاصة بالطفل، حتى صار عدد موظفيها أكثر من عدد الكتب التي على الرفوف.. إننا نحتاج إلى حملة توعية في المدارس لأهمية القراءة، وإقامة دورات للمطالعة في العطل الصيفية، وزيادة الاهتمام بالكتب والمطبوعات الجديدة».
792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع