الحياة/قيس قاسم:بعد دقائق من تفجيرات بوسطن الأخيرة، حضر رجال من مكتب التحقيقات الفيديرالية «أف بي آي» وطوّقوا المنطقة وأخذوا عينات من المواد المتفجرة ومن الأجزاء المتناثرة وغادروا المكان. إلى أين يذهبون بتلك العينات؟
سؤال قاد مراسلو التلفزيون السويدي إلى مختبرات الوكالة السرية في كوانتيكو التابعة لولاية فرجينيا، وبعد إلحاح وبضـــغط من الحـــدث، سُمح لهم بدخول أقسام منها، ما عدّه البرنامج خرقاً استثنائياً في قواعد الوكالة التي لم تسمح كثيراً بإجراء مقابلات صحافية منذ أن بدأت بتغيير طبيعة عملها وتوسيع دورها التقليدي من ملاحقة العصابات وتأهيل الجواسيس السريين إلى التركيز أكثر فأكثر على مكافحة الإرهاب، عبر استخدامها لآخر البحوث والتقنيات العلمية للكشف عن طبيعة الأسلحة المســـتخدمة في العمليات الإرهابية وطريقة صنعها والتعرف إلى منفذيها. ووفق مسؤولين فيها التقاهم البرنامج صارت البحوث تشكل نحو 90 في المئة من عملهم والبقية للمهمات التقليدية المناطة بهم.
العلم والإرهاب
منذ ثلاثينات القرن العشرين ودور الوكالة مشهود له في ملاحقة المجرمين ومساعدة الشرطة المحلية في جمع الأدلة الجنائية الكافية لإدانتهم في المحاكم. وخلال تلك السنوات الطويلة طوّرت من أساليب بحثها المسنود إلى المعارف العلمية التي أُعدت كركن أساس في عملهم، وبخاصة في مجال كشف البصمات الوراثية «دي أن أي»، لكنها ظلت في نطاق محدود، حتى أحداث «سبتمبر 2001» التي غيّرت الكثير من تفكير المؤسسات الأمنية الأميركية وحوّلت فروعاً كثيرة من عملها إلى مجالات أخرى جديدة، كما حدث مع الوكالة نفسها. فبدلاً من الاكتفاء بتدريب رماة سلاح مهرة، صارت مهمة الحصول على باحثين بيولوجيين وكيماويين أكثر أهمية لهم، كما يقول كريستيان هاسل، مدير المختبر الكيماوي الذي يفخر بـ»أنهم السباقون في استخدام وتطوير المعارف العلمية وتحول مؤسستهم إلى ملتقى لكل المعنين في الكشف عن الجرائم الإرهابية، ليس في الولايات المتحدة، بل وفي العالم كله. فما سيتوصلون إليه عبر تحليلهم للعينات المأخوذة من موقع الجريمة سيساعد كل الأطراف على جمع الخيوط الموصلة لمرتكبيها.
مراقبة
الأمر يتسع كما عرضه البرنامج إلى أبعد من دراسة الأسلحة المستخدمة إلى تلك المتوقع استخدامها كالبيولوجية والكيماوية، وأهم من كل هذا إناطة مهــــمة «مراقــبة الإرهاب» بمؤسستهم التي توظف عشرات الآلاف لمساعدة الشرطة في بلدان أخرى، فمهمتهم تحولت إلى منع الجرائم قبل حدوثها وليس مطاردة المشـــكوك فيهم بعد تنفيذها.
وعلى مستوى التعاون الدولي يورد برنامج «مكافحة الإرهاب أكثر سرية» تجربة الأجهزة الأمنية السويدية مع الوكالة التي طلبت منها مساعدتها، خلال التفجير الانتحاري الذي قاده شاب عراقي الأصل في العاصمة استوكهولم عام 2010، للكشف عن تفاصيله التقنية عبر خبرائها الذين وصلوا إلى مكان الحادث على وجه السرعة. ولا يخفي مدير مختبراتها قدراتهم حين يقول: «نستطيع جمع أدق التفاصيل المتعلقة بأي قنبلة تصنع خارج الولايات المتحدة، وبفضل شبكة العمل الواسعة نستطيع الاقتراب من معرفة المواد المستخدمة في صنعها وحتى المكان الذي اشترى منه صناعها موادها الأولية.
التغير الأخطر الذي أحدثته تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) على المؤسسة يتمثل في إحاطة نتائج بحوثها بسرية تامة على عكس ما كانت تقوم به في السابق، ومنذ الستينات، حيث كانت تنشرها في مجلات علمية مختصة يمكن للعلماء والعامة الاطلاع عليها والاستفادة منها في مجال دراسة عالم الجريمة. ولا يخفي مدير المختبرات ذلك، إذ يعلن صراحة لمعدي البرنامج انهم لا يكشفون كل أوراقهم على الطاولة وأن جولاتهم كفريق عمل تلفزيوني داخل أروقة المختبرات لم تكن إلا في مساحة ضيقة وفي الأقسام الأقل سرية منها، لأن البقية ممنوع التصوير فيها على الإطلاق.
يخرج البرنامج باستنتاج أن الانغلاق هو وجه المؤسسات الأمنية الأميركية المقبلة، وأن تركيزها سينصب على العلوم بالدرجة الأولى وشعارها المعلن اليوم يدل على متنها: «العالم يتغير كثيراً وسيتغير بالضرورة عملنا».
534 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع