تعاني البصرة العراقية أزمة طاقة حادة، سببها تقادم المحطات، وتجاوزات المواطنين على الشبكة المتهالكة، وفساد المشاريع، وجشع اصحاب المولدات الكهربائية، ما ينذر بغضب شعبي قد يتفجر فجأة على أبواب الصيف.
إيلاف/ ورود صالح/البصرة: تنذر الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، بالترافق مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الـ 50 درجة مئوية في البصرة، ثاني اكبر مدن العراق التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة، بتفجر الغضب الشعبي ضد السلطات.
ويقول أحمد حسين، الموظف في شركة النفط، إن الوعود السياسية حبر على ورق، وما يحصل في بداية كل صيف يثبت أن الحكومة، محلية كانت أم مركزية، لا تهتم بمصالح المواطنين، مشيرًا إلى أن تغيير مسؤولي الحكومات المحلية هو بالوجوه فقط، فيما تبقى الانجازات المعطلة رمزًا مستدامًا.
اضاف حسين: "هذه الحكومات اما تختبر صبر المواطن أو تتعمد احتقاره بفعلها هذا، لأنها لم تلمس ردود فعل شعبية مناسبة لاخفاقاتها المتتالية". ونوّه بأن التظاهرات التي خرجت في العام الماضي، احتجاجًا على تردي الطاقة الكهربائية، التي رفع فيها اهالي البصرة نعشًا كتب عليه الكهرباء كرمز إلى فقدانها داخل المنازل ومراكز العمل، لم تستمر وأنفضت من دون أن تجد الحكومة المحلية حلًا جذريًا للمسألة.
حرارة وجشع
يقول عبدالزهرة كاظم، وهو عسكري متقاعد، إن ملف الطاقة الكهربائية في المحافظات الجنوبية بات مصدرًا لسرقة المواطن، إذ يقوم أصحاب المولدات الكهربائية باستغلال الاهالي، من خلال رفع الأسعار صيفًا وشتاءً، "فصاحب المولد الكهربائي في كل منطقة يتعامل مع الاهالي من منطلق الكسب غير المشروع، بسبب غياب الرقابة ورداءة الطاقة المزودة من الحكومة، فأقل ما يمكن أن يسحب كل منزل هو ثلاثة أمبيرات مقابل تسعة دولارات على مدى أشهر السنة، حتى وإن لم يتم استخدام هذه الامبيرات المسحوبة في الشتاء، بسبب تهديد صاحب المولد بقطع التيار عن المواطن".
وقال إن اصحاب المولدات يتبعون نهجًا مماثلًا للحكومة المحلية في التشغيل والاطفاء، حيث يعمل المولد الكهربائي ثلاث ساعات مقابل ساعة توقف عن التغذية مهما كانت الظروف، "والبديل المادي للامبير الواحد يرتفع إلى نحو 18 دولارًا مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب شهر رمضان".
ويشير رائد جواد، وهو مدرس يعمل في القطاع الخاص، إلى أن معظم الاهالي يعمدون إلى شراء مولدات صغيرة، بالاضافة إلى الخط العام للكهرباء والخط الخاص المسحوب من المولدات التجارية، لكي يستطيعوا احتمال قيض الصيف، فيما يغادر البعض المحافظة مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة. وحذر من أن مواطني البصرة على وشك الانفجار إذا لم تجد الحكومة المحلية أو وزارة الكهرباء حلًا لهذه المشكلة، مع ارتفاع درجات الحرارة هذه الايام ونسبة الرطوبة ايضًا.
فساد ومحاصصة
اكد جواد البزوني، النائب من محافظة البصرة، لـ"ايلاف" إن مدخول البترودولار يبلغ سنويًا مليارين ونصف مليار دولار، "إلا أن الاستثمار الصحيح للاموال مفقود، مع وجود فساد مالي ومحاصصة واهدار لحقوق المواطن وغياب لترتيب الأولويات المناسبة".
واتهم البزوني مسؤولي المحافظة بالعزوف عن تنمية بنيتها التحتية، "فقد وجهوا طاقاتهم نحو البنى الفوقية، فمثلًا، الشركة المنفذة لمدينة البصرة الرياضية، وحال وصولها إلى التشطيبات النهائية، أوكل اليها من قبل الحكومة المحلية مشروع بناء اكثر من عشرة جسور في عموم البصرة، على الرغم من أن الاختناقات المرورية لا تمثل مشكلة ملحة كملف الكهرباء أو الصرف الصحي أو مياه الشرب، التي ما زالت بحاجة لحلول".
واشار البزوني إلى أن هذه الاخفاقات ابعدت المحافظ المنتهية ولايته خلف عبدالصمد عن تولي منصب المحافظ للمرة الثانية.
شبكات داخلية قديمة
وقال مهندس مختص في الطاقة الكهربائية رفض الكشف عن اسمه إن تزويد المناطق يتم عبر نظام البرمجة، الذي يتيح وصول الكهرباء إلى الاهالي ساعتين مقابل وقفها ساعتين ايضًا، "إلا أن ضعف الشبكة الداخلية الكهربائية يسبب حملًا زائدًا، ما يؤدي إلى انقطاع التيار كل خمس دقائق تقريبًا على مدى ساعتي التشغيل، اضافة إلى أن زيادة التعداد السكاني مع بقاء التيار المزود تقريبًا بنفس الوتيرة تؤدي الى قطع التيار بشكل متزايد في جميع مناطق المحافظة، ما يقود الاهالي في احيان كثيرة إلى فصل التيار الرئيس واعتماد الخطوط الداعمة من المولدات الخاصة".
اضاف أن المحطات العاملة في البصرة من نوع المحطات الغازية، وتتصف بكفاءة رديئة وانتاجية قليلة مقارنة بمحطات الديزل. واوضح أن الربط المباشر على اعمدة الكهرباء من قبل المتجاوزين على الاراضي والمؤسسات الحكومية يسبب إضعاف القدرة التوصيلية للكهرباء.
وقال أيضًا إن مديرية توزيع كهرباء محافظة البصرة اعلنت عن عزمها تنفيذ حملة كبرى لرفع التجاوزات عن الشبكة الوطنية لأنها اثقلت الشبكة، واثرت بشكل كبير على ادائها، "إلا أن هذه الحملات، وان تم تنفيذها، فلن تكون بشكل صحيح وشامل".
تلكؤ مستمر
قال الصحافي فلاح الغزي إن مشكلة البصرة تكمن في أنها محافظة سريعة النمو السكاني، "فهي من المحافظات العراقية الجاذبة للطاقة البشرية مع سرعة النمو في سكانها الاصليين وحركة انشقاق العوائل وتكوين عوائل جديدة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على الخدمات المقدمة لمواطنيها".
واشار إلى أن أهم المعضلات التي تعاني منها المحافظة هي مشكلة الكهرباء، فالصناعات في المدينة والمنشآت الحكومية تأخذ من حصة المحافظة من الكهرباء، بالاضافة إلى أن المشروعات التي تنفذها الحكومة المحلية في مجال الكهرباء متلكئة، ولا تفي بالغرض، لكن المشكلة الاهم هي أن منظومات التوزيع ونقل الطاقة الكهربائية بسبب قدمها والتجاوزات عليها سببت زيادة ملحوظة في انقطاعات التيار في الفترة الاخيرة.
773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع