البرلمان العراقي ومشكلة مزدوجي الجنسية

   

العباسية/وارد بدر السالم:معركة سياسية قريبة يتوقع أن يشهدها البرلمان العراقي بشأن مشروع أقرّه مجلس الوزراء في 16 تموز/ يوليو الماضي، يقضي بإسقاط الجنسية الثانية عن أي مسؤول عراقي كي يحتفظ بمنصبه،

وحصر المسؤولين السياسيين والحكوميين في هذا «الخانق» لمنعهم من الجمع بين جنسيتين. وهو أمر تنبّه له العامّة من الناس حينما رأوا أن أغلب سياسيي مرحلة ما بعد 2003 هم ممن يحملون الجنسيات الأجنبية. وقد باتت الشكوك تحوم حول هؤلاء السياسيين الذين تسلموا مناصب رفيعة، ثم أثبتت وقائع لاحقة تلك الشكوك، حينما تسرّب وزراء وبرلمانيون الى الخارج بحقائب دولارية ضخمة، أو ارتكبوا أعمالاً مخلة بالأمن الوطني العراقي وهربوا تحت غطاء الجنسية الثانية، أو عقدوا صفقاتٍ مشبوهة تضر بالمال العام أو الأمن الداخلي.

 

المشروع الوزاري لا يخلو من إثارة، ومن المتوقع أن يُحدث ردود فعل برلمانية وشداً وجذباً مع الكتل النيابية وأحزابها الكثيرة إذا أصرّت بعض الكتل على عدم تمرير المشروع، إذ إنّ معظم البرلمانيين والوزراء ومَن هم في الدرجات الخاصة هم من حملة الجنسية الثانية.

 

وكان الناطق باسم رئيس الحكومة علي الموسوي قال في حينه بما معناه إن المشروع المُقَر من مجلس الوزراء قد أصبح في ملعب البرلمان وإن الخيار مفتوح للمسؤول بين أن يحتفظ بجنسيته غير العراقية أو أن يتخلى عن منصبه، مراعياً بذلك الدستور القاضي بحق العراقي الجمع بين جنسيتين (المادة 18 الفقرة 4)، لكنه في الوقت ذاته، طالب الذي يريد أن يترشح إلى منصب سيادي رفيع بضرورة إسقاط جنسيته المكتسبة من بلد أجنبي.

 

لمسنا صدى هذا المشروع عند شرائح واسعة من الناس ومن طبقات مختلفة، الذين يؤكدون ضرورة «وطنية» المسؤولين العراقيين الذين تسلموا الحكم والسلطة بعد 2003، فللسنوات الماضية حكايات قاسية لا ينساها العراقيون، كما حصل مع وزير الدفاع السابق حازم الشعلان (ذي الجنسية البريطانية) المتهم بعمليات اختلاس من ميزانية وزارة الدفاع تقدر بـ 800 مليون دولار أميركي، وضلوعه في صفقة شراء أسلحة فاسدة، فحكم عليه غيابياً بالسجن سبع سنوات، ومثله وزير الكهرباء السابق أيهم السامرائي (ذو الجنسية الأميركية) المطلوب للقضاء العراقي بتهمة فساد واختلاس الأموال... وآخرون غيرهما ممن تخندقوا وراء جنسياتهم الثانية على حساب الوطنية العراقية وجوهرها الذي يسعى البعض لتثبيته بعيداً عن مرتزقة السياسة الذين وجدوا في المال العراقي السائب غنائم مباحة لهم. وهؤلاء لا يستطيع القضاء العراقي ملاحقتهم بوصفهم رعايا بلدان غربية قوية.

 

المشروع جريء في بنيته المباشرة فيما لو تحالفت بعض الكتل ذات العدد المهيمن في البرلمان لتمريره، بينما يرى كثر من المحللين أن المشروع سيواجه عراقيل كبيرة على أساس أن أغلب البرلمانيين يحملون الجنسية الثانية. بل إن رؤساء البرلمان المتعاقبين ـ محمود المشهداني وأياد السامرائي والنجيفي ـ هم من حملة الجنسية الأجنبية.

 

نواب الجنسية الواحدة سيواجهون نظراءهم بقوة، ونواب الجنسيتين لديهم حجج كثيرة في درء هذا المشروع وعدم التصويت عليه، ليس أولها ولا آخِرها إنهم عاشوا سنواتٍ طويلة في دول الاغتراب بحجة السعي لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وبالتالي فالجنسية الثانية التي اكتسبوها تُعدّ تحصيلَ حاصلٍ وثمناً لابتعادهم القسري عن الوطن، ويعدّون هذا الإجراء تهميشاً لهم واستبعاداً لكفاءاتهم السياسية.

 

 فيما يرى نواب الجنسية الواحدة أنه لم يعد هناك سبب ليكونوا «مزدوجي الحالة»، فالنظام السابق اسقطته الولايات المتحدة الامريكية، وسلمت السلطة بيد من كانت معارضته التي يقودها الآن حزب الدعوة الإسلامي ومَن معه من المناصرين من الكتل والأحزاب الأخرى. أما نواب هذه الجنسيات الخارجية فسيبحثون عن مخارجَ قانونيةٍ لتلافي هذا الخانق.

 

لقد جاء مركب الطائفية بهؤلاء النواب جميعهم الى رواق البرلمان، ولعل مقولة أحدهم، «نحن سياسيو الصدفة» تمثلهم خير تمثيل. ويتوقع العراقيون مشاحنات ومناكفات ستخرج عن أطوارها المعتادة في برلمان عدائي طائفي موزّع على هذا الأساس.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع