الحرة / خاص - واشنطن:تنقسم مواقف العراقيين إزاء ما شهدته في البلاد في الأول من أكتوبر عام 2019، حين انطلقت التظاهرات الأكبر والأطول زمنا في تاريخ البلاد، فمنهم من يستذكرها باعتزاز وألم في آن معا، ومنهم من يحمل المتظاهرين مسؤولية "الخراب" كما يصفه البعض.
الأسباب متعددة بتعدد من تسأله من العراقيين عما جرى في التظاهرات، لكن كثيرين في العراق يقرون تظاهرات تشرين – أكتوبر، ليس على الصعيد السياسي فحسب، ولكن أيضا على الصعيد الاجتماعي.
التظاهرات
انطلقت تظاهرات فاجأت الكثيرين يوم الأول من أكتوبر عام 2019 في ساحة التحرير ببغداد، الساحة نفسها كانت مركزا لكثير من التظاهرات الحاشدة في الأعوام السابقة، لكن أبرز اختلاف لتظاهرات تشرين أنها لم تكن بدعوة من أي جهة سياسية كبيرة، أو حتى من المعارضين المدنيين التقليديين الذين قادوا تظاهرات في السابق.
خرج المتظاهرون بمطالب بسيطة منها التعيينات والخدمات ومكافحة الفساد، لكن قوات مكافحة الشغب العراقية تعاملت مع التظاهرات بـ "عنف كبير" وفق تقارير حقوقية وشهادات، وقتل أكثر من 100 شخص خلال الأيام العشرة الأولى من التظاهرات فيما أصيب 4 آلاف.
ويقول، علي مرتضى، أحد المشاركين في الأيام الأولى للتظاهرات لموقع "الحرة" إن "الرصاص الحي كان ينهال علينا مثل المطر، والقوات الأمنية كانت تتعمد استهداف رؤوس المتظاهرين بالقنابل الدخانية".
تجمع مئات المحتجين الأحد في ساحة التحرير بوسط بغداد لليوم الرابع على التوالي، في تحد جديد بعد ليلة طويلة من التظاهرات التي يقوم بها مطالبون ب"إسقاط النظام" استخدمت القوات الأمنية لتفريقها الغاز المسيل للدموع.
أدت التظاهرات بعدها إلى جملة تحقيقات بشأن سلوك القوات الأمنية، وشهدت إدانة بعض الضباط باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
عاد المتظاهرون إلى الساحة يوم 25 أكتوبر بدعوة من جميع الفعاليات المدنية المعارضة تقريبا في العراق، وكانت بغداد والناصرية جنوبي البلاد مركزا للتظاهرات، مع آلاف من المتظاهرين في أغلب المدن العراقية الكبرى جنوب ووسط البلاد.
"
بعد عدة أشهر من التحقيقات، حكمت محكمة استئناف ذي قار، بالسجن المؤبد على الضابط في قوات الرد السريع العراقية، المقدم عمر نزار، وفقا لوكالة السومرية نيوز العراقية، منهية نحو 3 سنوات من المطالبات بسجنه.
ورفعت آخر خيمة للمعتصمين في الناصرية بعد أكثر من عامين من الاحتجاج، التي رافقها تحولات كبيرة في المطالب، وشهدت إسقاط حكومة، عادل عبد المهدي، والدعوة لانتخابات مبكرة، ومقتل نحو 800 متظاهر وإصابة 30 ألفا، وفقا لإحصاءات متعددة، و500 وفقا إحصائية حكومية، خلال عدد من الاشتباكات الكبيرة منها اشتباكات جسر الجمهورية في بغداد، واشتباكات السنك بين فصائل مسلحة والمتظاهرين، واشتباكات النجف بين مسلحي التيار الصدري ومتظاهرين، واشتباكات الحبوبي بين الصدريين والمتظاهرين أيضا، وما عرف بمجزرة جسر الزيتون التي أدين على إثرها قائد قوة الدعم السريع، عمر نزار، باستهداف المتظاهرين وحكم بالسجن المؤبد مؤخرا.
"التغيير الذي لم يحدث"
يقول المتظاهر والصحفي العراقي، سجاد حسين، وهو من بين المتظاهرين الذين شاركوا في الاحتجاجات طوال فترة بقائها في ساحة التحرير في بغداد إن "الخطأ الذي وقع فيه المتظاهرون، كان الفشل بتقدير مدى قوتهم، وبناء تصورات غير واقعية عن إمكانية التغيير الذي يستطيعون تحقيقه والفترة الزمنية التي يمكن تحقيقه بها".
ويضيف حسين لموقع "الحرة" أن "تحول التظاهرات إلى اعتصامات أفقدها الكثير من زخمها وشدتها، كما إن عدم وجود رؤية موحدة للمتظاهرين أو واجهة تحدد الأهداف التي يريدونها وتوحد نشاطهم، جعل من الممكن الالتفاف على مطالبهم".
نتيجة التظاهرات وصل عدد قياسي من الأعضاءالمستقلين إلى البرلمان العراقي الجديد، أغلبهم كان من ناشطي التظاهرات أو قياداتها في محافظات مثل الناصرية والنجف، لكن حسين يعتقد أن صعود "شخصيات هزيلة وصلت للبرلمان بناء على أحلام وردية أثبتت فشلها يوما بعد الآخر".
"التغيير الذي تحقق"
ويقول متظاهر آخر هو، محمد العبودي، إن من الصعب حدوث تغيير حقيقي في العراق بوجود "السلاح المنفلت، والمال السياسي"، ويضيف لموقع "الحرة" أن "بناء الدولة في العراق، وتجذر الأحزاب الحاكمة في مفاصل الدولة يحول دون التغيير الذي طمح له المتظاهرون".
لكنه يعتقد أن "تشرين حققت تغييرا كبيرا في منهجية السلطة، وأثرت تأثيرا ملموسا على سياسة الأحزاب المتنفذة، وأثرت أيضا على سلوكيات فصائلها المسلحة كذلك".
لكنه يتفق أن المتظاهرين "عانوا من مشكلة التنظيم، واختراقات الجماعات المسلحة لساحات التظاهر".
ويقول، حسين الغرابي، أمين عام حزب البيت الوطني العراقي، وهو من الأحزاب التي نتجت عن التظاهرات، إن تظاهرات تشرين "تأسيس للقادم، فلقد أنجزت مهمة عظيمة بتغيير إجتماعي كبير يتمثل بالشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والحقوق والحريات".
ويعتقد الغرابي أن "التغيير الإجتماعي كان أهم منتجات تشرين"، مضيفا قوله: "لنا في دور المرأة الكبير الذي حصل مجتمعيا، وفي دور الشباب المفتقد سابقا خير دليل".
كما أنه يشير إلى تغييرات أخرى عملية مثل "استقالة حكومة المحاصصة وتغيير مفوضية الانتخابات، وتغيير قانون الإنتخابات وفرض إنتخابات مبكرة، وتراجع حظوظ أحزاب المليشيات والفساد".
المعاناة الباقية
المطالب التي خرجت من أجلها التظاهرات لا تزال باقية، حيث تشكل معاناة لحياة العراقيين الذين يعيشون ظروفا صعبة بسبب انقطاع الكهرباء والماء، وارتفاع مستويات البطالة بين الشباب، إلى جانب الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة ويعطل الإصلاح، وفق تقارير منظمات دولية ومحلية. كما أن سلاح الميليشيات يشكل تهديدا للحريات في البلاد التي شهدت عمليات اغتيالات خطيرة طالت ناشطين ومحللين سياسيين، فيما يفلت الفاعلون غالبا من العقاب.
وفي ظل دعوات لمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، تنقسم الأحزاب والقوى السياسية المنبثقة عن احتجاجات تشرين، حول المشاركة في الانتخابات المقررة في 18 ديسمبر المقبل.
وحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فإن قرابة 70 حزبا وتحالفا سياسيا وأكثر من 6 آلاف مرشح سيتنافسون على مقاعد مجالس المحافظات في الانتخابات المحلية، والتي سيتمخض عنها تشكيل الإدارات المحلية، وذلك بعد قرابة 13 عاما عن أول انتخابات أُجريت في المحافظات.
وتشارك الحركة المدنية الوطنية في انتخابات مجالس المحافظات ضمن تحالف "قيم المدني" والذي يضم 9 أحزاب من قوى التغيير الديمقراطي.
وتلك الأحزاب هي "الشيوعي العراقي، والتيار الاجتماعي، والحركة المدنية الوطنية، والتيار الديمقراطي، وحركة نازل آخذ حقي، والبيت الوطني، وحركة المثقف العراقي، وحزب الريادة العراقي"، فضلا عن كتلة وطن النيابية.
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع