الفنان الكبير / فاضل عواد وأمسية استثنائيَّة

   

إيلاف/ عبدالجبار العتابي:استضاف الملتقى الإذاعي والتلفزيوني في العراق، الفنان فاضل عواد الذي أطرب الحضور بصوته الشجي وأغانيه الطربية.

بغداد: في أمسية مميزة فعلاً تألق المطرب فاضل عواد في القاعة التي أمتلأت بالمعجبين وعشاق الغناء السبعيني، فأطلق صوته مرغمًا ففاض حنينًا وطربًا، وكان من السهل ان تجد ان عمره الذي تجاوز السبعين عامًا قد ترك اثرًا على صوته لاسيما انه مبتعد عن الغناء منذ وقت طويل، لكنه في مشاعر الحاضرين كان ذلك الصوت الذي اطربهم بالعشرات من الاغاني التي تمثل ذاكرة جمعية للمجتمع العراقي.

كانت استضافته من قبل ملتقى الثلاثاء الإذاعي والتلفزيوني، احتفاءً به واعتزازًا بمسيرته الابداعية وربما هي فرصة ليخرج من عزلته، فجاء ليقرأ شعرًا، وليتحدث عن كتابه الذي صدر له أخيرًا عن (العروض) وبحور الشعر.

وقال: "اريدكم ان تعرفوا الوجه الاخر مني، انا شاعر فصيح وشاعر شعبي، درست البلاغة لمدة عشر سنوات في ليبيا، وطوالها تلك الأعوام وجدت ان في كتب العروض الكثيرة من يتمثلون بالشعر الجاهلي الصعب جدًا، وبالفعل راح يتحدث، الا ان الحضور لم يجدوا فيما يقوله ما أتوا لاجله، كانوا يستمعون الى ما يقوله من باب الانتظار، ولكن امد الانتظار طال ومازال فاضل عواد يقرأ الشعر ويتحدث في العروض، طالبه الجمهور بالغناء".

وأضاف: "قال منذ 20 سنة لم أغن ولم اجر اي تمرين"، لكن الجمهور الذي غصت به قاعة الجواهري في اتحاد الادباء كان له رأي آخر، أصر على ان يغني فاضل عواد، كان يحاول الاعتذار بطريقة او اخرى بحجة وبأخرى لكنه في النهاية رضخ، طابت نفسه فغنى فعلاً، وغنى معه الجمهور.

وعلى حد قول الزميلة أسماء عبيد: "نعم هي كذلك امسية استثنائية اليوم كان مختلفًا بكل المقاييس، القاعة غصت عن بكرة أبيها والكل يغني معه، في البدء قال عواد لن أغني وجهزت أغانيه على حاسوبي وشغلتها ولكن تحت ضغط الطلبات غنى وأطربنا جميعًا والبعض بكى تأثر".

وبعد ان حيا الجمهور تحدث عن الشعر والعروض ورحلته في ليبيا والشعر الجاهلي وعن كتابه الذي طبعه في الاردن من دون أي حقوق، وعن حقيبته التي سرقها اللصوص وفيها تاريخ مسيرته الفنية الحافلة بالكامل، الى ان استذكر شيئًا من مسيرته قائلاً: "اول من وصل الى اميركا من المطربين انا والمرحومة لميعة توفيق سنة 1972، انا غنيت في شيكاغو ويديترويت وكاليفورنيا، وفي 1976 ذهبت الى اميركا ايضًا، اذكر وقتها ان احد الموسيقيين معنا، لاطلب اللجوء الى كندا، فقال لي: (ابو العباس انت وين رايح لبغداد)، وبغداد عام 1972 كانت عظيمة في كل شيء، قالوا لي ابق هنا وسنعطيك ما تريد، وقالوا نعطيك راتبًا، فقلت لا اريد، قال: ماذا تريد اذن ؟ قلت اريد علاوي الحلة (احد مناطق بغداد الشعبية) اريد اول ما اصل اليها آكل (باقلاء بالدهن)، انا في اي مكان من الارض لا اعيش، فقط اعطوني دكة في الكرخ في الكاظمية في باب الشيخ افضل من اميركا، ولهذا عندي كلمة اقول فيها (حبل العراق ولا حرير الغربة).

واضاف: "لست من مواليد مدينة الحرية كما يكتب البعض، فهل كانت هذه المدينة موجودة عام 1942؟ بل انها صارت بعد عام 1959 لوجود الصراع السياسي في المحلات، وربما كانت هناك تيارات سياسية، فكل الذي خرجوا من المدن المتقاتلة ذهبوا الى مدينة الحرية، انا في الحقيقة من مواليد منطقة الفحامة بالكرخ عام 1942".

ثم امام رغبة الجمهور غنى اغنية (جلمة حبيبي انتهت شختار الك جلمة / وانت بحلاتك شعر وبمشيك نغمة) ، ثم اشار الى اغنية له، قائلاً: اعزائي هناك اغنية جميلة جدًا ولكن الناس لم يسمعوها جيدًا بعنوان (قصة طالبة) كتبها الشاعر عادل محسن، وهي اول اغنية له ولحنها المبدع عباس غيلان، وهي اجمل من اغنية لاخبر (ما اقول لك شقررت / غلطة وعليها اندمت/ انا من الاول قلت ما راضي ، بس قلت تعوضني عن ماضي، وماضي وحاضر خسرت)

    

 http://www.youtube.com/watch?v=dxEnDiOeYe4

ثم غنى (حاسبينك) فجعل القاعة تهدأ وتسكن، وليس سوى صوته والاصغاء وهزات الرؤوس، ومع المقطع الثاني الذي صدح فيه بالقول (عاشقين احنه وهوينا، ومثل ما ردنا لقينا) ارتفعت الاصوات مرددة معه حتى شملت كل من في القاعة، وتواصل الغناء الجماعي مع الاغنية ترافقها كلمات (الله..) وتنهدات عالية، ومن ثم بكاء لاسيما مع كلمات (دنيا حلوة / ناس حلوة / والوطن باسم سعيد)، ثم اردفها بأغنية (اتنه.. اتنه) فتعالت الاصوات والتصفيق، لكنه فاجأ الجميع بأغنية عبد الوهاب (يا وابور قل رايح على فين) فغنى منها مقطعا فأطرب السامعين، وتحول الى اغنية اسمهان (انا اللي استاهل كل اللي جرالي)، ثم غنى اغنيته (اشقر بشامة/ يا بو ابتسامة)، ثم بناء على طلبات المستمعين غنى اغنية (صوت السهارى) قائلا انه سيقلد عوض دوخي في غنائها، ثم غنى مقطعا من اغنية (جيت يا اهل الهوى اشتكي من الهوى) لزهور حسين ، ثم بناء على طلب احد الحاضرين غنى اغنية دلال شمالي ( سنتين اوديلك خبر ) كلمات زامل سعيد فتاح والحان طالب القره غولي.

إلى ذلك تحدث عنه المذيع الرائد خالد العيداني: عرفته منذ عام 1957 حينما قدمنا معًا الى مدرسة السكك الحديدية بصفة تلاميذ صناعة، وكان انذاك العمر متوسط بيننا ما بين 16 و17 سنة، منذ ذلك الوقت وانا اعرفه، وحين تخرج كان الاول على مدارس الكاظمية، وكنا في السكك الحديد نتقاسم الخبزة والتمر والفراش، نحو 7 سنوات نحن معًا في ايام السكك كان يدندن ببعض اغنيات عبد الحليم حافظ وفي ذلك الوقت دفعناه دفعا للمشاركة في برنامج (ركن الهواة) الذي كان يقدمه المرحوم كمال عاكف عام 1963 وغنى في البرنامج اغنية (اهلا وسهلا) ، الى ان افترقنا واجتمعنا ثانية في الاذاعة والتلفزيون ،هو مطرب وانا مذيع ، واذكر انه قال لي بالحرف الواحد : (من يصدق اننا نحن الاثنان كنا في قسم الخراطة في الشالجية والان انت مذيع وانا مطرب، فهذا صعب ان يكون).

اما الشاعر رياض النعماني فقال عنه: فاضل عواد ومجموعة من المطربين كانوا يعبرون عن الصعود في الحياة العراقية وارتفاعها ونهضتها، الحياة العراقية نهضت نهاية الاربعينيات واستمرت الى الانكسار الكبير ومن ثم الترهيب في منتصف الستينيات ومن ثم من الانحباس الى الهبوب العالي الذي مثلته فترة السبعينيات بالغناء والمسرح والشعر، فكان دور هذه المجموعة حضاريًا كبيرًا، فهم امتداد للدور الذي مثله السياب والشعر الفصيح، وظفر النواب بالشعر العامي، والمسرح والموسيقى والنحت العظيم الذي تمثل بجواد سليم، ومن حق العراقيين ان يقولوا لدينا مطربان اثنان بمواجهة المصريين والمغاربة هما فاضل عواد ومائدة نزهت، لانهما قدما الاغنية العراقية بطريقة عالية جدا وعميقة جدا.

فيما قال عنه الشاعر محمد جبار حسن: صوت فاضل عواد جدير بأن يدرس لمن يريد ان يدرس الغناء، صوت مصقول مدرب خالي من النبرات الكثيرة التي يمتلكها بعض المغنين الذي يتلفظون يطريقة غجرية، فاضل عواد رمز من رموز نقاء اللفظ السليم المثقف الواعي، فاضل عواد مطرب امتياز، وجدير بالاجيال التي تريد ان تحافظ على الاصالة للاغنية العراقية ان تتعلم من غناء فاضل عواد.

اما المخرج المعروف جمال محمد فقال: كثر الحديث عن اغنية (حاسبينك)، انا ولفتها سنة 2001 من دون علم الدكتور فاضل عواد، وهذه الاغنية عملتها نسختين، الاولى التي تظهر الان في قناة العراقية وغيرها، والثانية ما اراده المدير العام وفق رؤية ساسية كانت موجهة من قبله، واغنية (حاسبينك) نابعة من ضمير الفنان العراقي شاعرا وملحنا ومطربا، وانا اعتبر الدكتور فاضل عواد اسدا امام المايكوروفون لانه متمكن جدا في الغناء الحي (الارتجالي) وهذه الصفة يتصف بها بعض المطربين، فكثير منهم وانا عاصرت الاغنية العراقية لمدة 42 سنة اكثرهم على عشر ثواني يعيد ليؤدي كلمة او كلمتين لان من الصعب عليه ان يغني، بينما فاضل كما اتذكره في 31 / 12 / 1978 في رأس السنة غنى اغنية (هلوا واحنه نهل) على الهواء مباشرة.

في الاخير تحدث نقيب الفنانين صباح المندلاوي قائلاً: في رحلتي الطويلة مع شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري لم اسمعه يغن الا بأغنية (لا خبر) لفاضل عواد، فكان يحبها جدًا.

http://www.youtube.com/watch?v=in9PqICk4Q4

                   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

924 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع