من غزّة إلى لبنان وصولاً لسوريا.. هكذا خسر أخطبوط إيران أهمَّ أذرعه بالمنطقة

إرم نيوز:إيران.. الأخطبوط الذي فقد أهمّ أذرعه في خريطة الشرق الأوسط، فيما يبدو نظام مرشد إيران علي خامنئي منهكاً عقب حروب قضت على أهم الأذرع التي استثمر فيها، تدريباً تسليحاً وتمويلاً. فماذا حلَّ بـ"إمبراطورية أذرع" خامنئي؟

على مدى عقود مضت، بنى خامنئي شبكة معقّدة في جغرافيا المنطقة، عسكرياً وسياسياً، لتبرز إيران كـ"إمبراطورية" امتدت إلى أبعد من حدودها الوطنية من خلال شبكة من الوكلاء، وليمتزج طموح خامنئي الإيديولوجي بالدين الذي عمل على توظيفه لتثبيت المشروع والمضي به قدماً، حتّى بلغ ذروته في كل من غزّة والعراق وسوريا ولبنان.

السابع من أكتوبر العام 2023 كان محطّة مفصلية غيّرت وجه الشرق الأوسط، لاسيّما لناحية تركيبات أذرع إيران وميليشياتها في المنطقة، إذ يوجد مع بعضها ارتباط إيديولوجي، فيما تتشارك كلّ الأذرع بالمموِل نفسه ليؤمّنَ خامنئي بذلك خطّاً في الشرق الأوسط يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت وصولاً إلى غزّة.

1- خسارة ايران لذراع حماس
أكثر من عام على عملية طوفان الأقصى، ويمكن اختصار النتيجة بالنقاط التالية: تدمير قطاع غزّة، مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، القضاء على أبرز قادة حركة حماس، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية والقيادي يحيى السنوار، وبالتالي الفشل في تحقيق هدف واحد من أهداف العملية التي تمّ الترويج لها.

يقول الصحافي الإيراني الاإستقصائي مجتبى بورمحسن لـ "إرم نيوز"، إنّ "حماس تقع على الخط الأوّل لما يُعرف بجبهة المقاومة، لكنّها اليوم باتت ضعيفة إلى حدّ أنّها تعجز حتّى عن إيجاد قائد جديد لها وتدير أمورها عبر لجنة مؤقتة، ما يمثّل مشكلة في حضور إيران هناك".

2- خسارة إيران لذراع حزب الله
حرب الإسناد نصرة لحركة حماس التي بادر إليها حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023، انزلقت إلى حرب شاملة مدمّرة، فتلقى الحزب ضربات قاسية بدءاً من عملية أجهزة البيجر وصولاً إلى اغتيال قيادات رفيعة المستوى في الحزب، وعلى رأسهم حسن نصرالله، لتخسر بذلك إيران أهم أذرعها في لبنان.

يشير بورمحسن إلى أنّ "حزب الله يُعد أخطر وأهم جماعات حرب الوكالة التابعة لإيران، التي صنعت ذلك الحزب وقامت باستغلاله طيلة هذه السنوات، وجعلت منه كما تُسميه عمقاً إستراتيجياً، لكن ما حدث يجعلنا نقول إنّ حزب الله بات تقريباً منزوع السلاح، وإذا أراد تنفيذ وقف إطار النار المقترح من قبل الولايات المتحدة، فسيكون في الواقع منزوع السلاح بشكل كامل عند الحدود وبالقرب من نهر الليطاني".

تدمير الهرم الثلاثي
ويشدّد على أنّ "ما حدث مع حسن نصر الله وهاشم صفي الدين يعني عملياً تدمير الهرم الثلاثي لقادته العسكريين بشكل كامل، ما يعني أنّه لم يبقَ من الحزب سوى اسمه وشعاره"، مستبعداً إعادة بناء حزب الله نفسه في فترة زمنية قصيرة.

3- خسارة إيران سوريا
وسط كلّ ذلك والحرب التي شلّت كلّاً من حماس وحزب الله لم تحرّك إيران ساكناً وتوقفت عن اتخاذ أيّ خطوات عملية ضدّ إسرائيل فاكتفى خامنئي عقب هجوم أكتوبر بمدح حماس قائلاً سأقبّل أيدي أولئك الذين خططوا للهجمات وذلك ما فُسّر على أنه تأكيد خطير على الجهاد العالمي.

لكن وإنْ كانت ضربات طهران محدودة ومدروسة تجنّباً لحرب كبرى مع تل أبيب إلّا أنّ موقف النظام السوري أتى بما لا يتناسب مع كون سوريا أحد أركان محور المقاومة فتنصل من حلفائه الذين دفعوا ثمنًا باهظًا في سبيل بقاء بشار الأسد على كرسي الرئاسة لاسيما حزب الله ومن خلفه إيران.

عقب تلقّي الضربتين الكبيرتين في كلّ من غزّة ولبنان أتت الضربة الأكبر لخامنئي من بوابة سوريا التي سقط فيها النظام خلال أيّام ليخرج أفراد السلك الدبلوماسي الإيراني من سوريا على عجل وكذلك قادة فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى جميع العاملين الإيرانيين هناك عاجزين عن مساعدة الأسد وإبقائه في السلطة أمام زحف الفصائل المسلحة باتجاه العاصمة دمشق.

وهنا يوضح بورمحسن أنّ "نصر الله قال ذات مرّة في تصريحات نقلاً عن خامنئي، إنّ الأخير أبلغه أنّ سوريا هي عمود خيمة جبهة المقاومة، وإذا فقدنا سوريا فلن يكون لدينا فلسطين ولا لبنان، وبناءً على ذلك، فإنّ سوريا كانت مهمّة للغاية بالنسبة لإيران طيلة تلك السنوات".

وتابع: "لقد أنفقت إيران أموالًا كثيرة على سوريا لأنّها تُعد أهم معابر نقل الأسلحة والأموال، وبالتالي فإنّ إيران تستفيد من نظام الأسد عبر 3 أمور:

- بيع النفط المحظور طبقاً للعقوبات في السوق السوداء.

- عمليات غسل الأموال وكيف تدير تلك العمليات وإعادة نقل الأموال المغسولة إلى إيران، وهي في الواقع الأموال التي تأتي من عمليات بيع النفط الإيراني في السوق السوداء .

- والأهم عمليات نقل الأسلحة".

وأضاف: "أيّ سلاح تريد إيران أن ترسله إلى جبهة المقاومة يكون عن طريق سوريا، وبالإضافة إلى ذلك، فطهران تمتلك قاعدة إطلاق صواريخ تحت الأرض في سوريا، وتحديداً في مدينة مصياف الواقعة تقريباً في شمال سوريا، وهي القاعدة التي أقدمت إسرائيل على تدميرها خلال الأيّام الأخيرة بعدما هاجمتها منذ 3 أشهر".

"معركة خاسرة"
كانت عائلة الأسد الحليف الرئيس لإيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية العام 1979، وكذلك منذ ثورة 2011، فقد ساندت طهران بدورها نظام الأسد، لكنّ سقوطه اليوم وتفكيك محور إيران يعيدان ترتيب الأوراق الجيوسياسية من جديد في المنطقة.

لا شكّ أنّ إيران اليوم محرجة أمام جمهورها، وربّما ذلك ما استدعى خروج مرشدها علي خامنئي - رغم وضعه الصحي الثقيل - ليطمئن أنّ إيران "تزداد قوّة" علّه يرفع من معنويات المحور الذي بات الجزء الكبير منه على الصعيد الشعبي يدرك أن المعركة كانت منذ البداية خاسرة.

مشاهد اقتحام سفارة إيران في دمشق شكّلت منعطفاً سياسياً جديداً ونقطة تحوّل مهمّة، ليجد نظام خامنئي نفسه محاصراً اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، فيما بدت ملامح ذلك واضحةً مَعَ تغيّر لهجة طهران قبل ساعات من سقوط دمشق، إذ دعت الحكومة السورية وجماعات المعارضة إلى بدء المفاوضات.

مع تهالك كلّ من حزب الله وحماس وخروج الأسد من معادلة محور الممانعة أو المقاومة، تبقّى لإيران كلّ من الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، وقد تراجعا خطوات إلى الوراء تجنّباً لمصير حزب الله وحماس، لكن لا شيء يعد مضموناً في رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد.

"طريق القدس"

على مرّ العقود الماضية كان نظام خامنئي يروّج لمعاركه بحجة أنها تصبّ في مصلحة تحرير القدس، وقد استثمر في سبيل ما سُمّي بالهلال الشيعي في الشرق الأوسط، وللمفارقة أنّ كثيرين سقطوا على مفارق عديدة إلّا طريق القدس المزعومة، مشهد يستدعي مقارنة تاريخية للفيلسوف الإيراني الهولندي إليان التي قالها في سياق انتقاده لطموحات خامنئي الإمبراطورية.

"كما احتاج هتلر إلى اليهود باعتبارهم عدواً مطلقاً، فإنّ أمة خامنئي لا يمكن أن توجد دون عدو، مشبهاً تكتيكات خامنئي بتكتيكات الأنظمة الشمولية السابقة. إنّ مفهوم العدو المطلق هذا ضروري لدعم الإمبراطورية الإيديولوجية، وتغذية إمبراطورية وهمية يغذيها بناء عدو وهمي.

شعارات إيران مجرّد شعارات
في المحصلة، تحاول إيران التقاط أنفاسها بعد كلّ تلك الصفعات، فيما ترى أنّ حلمها بدأ يتلاشى، فيما تتمسك شخصيات مثل نجل خامنئي بالرؤية الإمبراطورية نفسها، ما يعني استمرار طموحات نظام خامنئي العابرة لحدود إيران الوطنية، حتى بعد رحيل خامنئي في نهاية المطاف، إلّا إذا اختار الغرب أن يتصرف بحزم لدعم المنشقين الإيرانيين، دون إغفال الحسابات النووية، لتبقى شعارات تحرير القدس التي يتم الترويج لها بشكل مستمر مجرّد شعارات، في وقت تؤكّد كلّ المؤشرات صعوبة دخول إيران في حرب إقليمية كبرى في الوقت القريب، ما لم تهاجم إسرائيل إيران بشكل مباشر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع