الحرة:بعد انهيار الجناح الإيراني في سوريا إثر سقوطها بيد تنظيمات سنية، دب الحراك في الأحزاب السنية العراقية، التي شهدت نشاطا ملحوظا خلال الأسابيع الماضية، فهل نحن على مشارف مرحلة عراقية جديدة تتسم بعودة السنة إلى القيادة في العراق؟.
الزيارة الأخيرة التي قام بها، محمد الحلبوسي، رئيس حزب تقدم (أكبر الأحزاب السنية) إلى الولايات المتحدة (في 4 ديسمبر 2024)، تركت خلفها موجة من التساؤلات لدى المراقبين، لاسيما توقيت هذه الزيارة ومصادفتها مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، و لقاءات الحلبوسي، بشخصيات مؤثرة في أميركا.
ثم أعقبتها اجتماعات عديدة لعل أبرزها اجتماع نخبة من القيادات السنية في مقر (تقدم)، 21 ديسمبر، وإصدار بيان طالبوا فيه بتطبيق ورقة الاتفاق السياسي، التي تضم تشريعات عديدة، منها قانون العفو العام.
من جهة أخرى قام، خميس الخنجر، رئيس تحالف (عزم) السني بلقاءات عديدة، منها اجتماعه، بمسعود بارزاني (في 7 ديسمبر الحالي)، ولقاء رئيس حزب (الحل)، جمال الكربولي، برئيس الإطار التنسيقي الشيعي، نوري المالكي (في 23 ديسمبر).
هذه التحركات قابلها قلق شيعي، تمثل بتوجيه قطعات الحشد الشعبي وتحشيدها على أطراف المحافظات ذات الأغلبية السنية، كالأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، وخلقت جوا مليئا بالقلق، وطرحت العديد من السيناريوهات على الساحة السياسية، بحسب، روميو هكاري، رئيس حزب بيت النهرين، الذي أوضح لموقع "الحرة" أن ما حصل من توتر في العراق هو نتيجة طبيعية لما حصل في سوريا.
فالتحركات التي جرت في العراق خلال الأسابيع الماضية تعكس طموحات الأحزاب السنية العراقية، للحصول على المزيد من المكتسبات، لكنها برأي هكاري لن تصل إلى مرحلة الانقلابات على الحكومة.
وتعاني الأحزاب السنية من مشاكل عديدة مثل "الفساد والتشرذم" بحسب الأكاديمي، زيرفان أمين، من جامعة دهوك، مما يجعلها غير مؤهلة للاعتماد عليها في قيادة البلاد، مرجحا أن يكون لفلول حزب البعث المنحل وخلاياه النائمة دور أكبر في العراق، إذا كان هناك نية دولية لتغيير الواقع السياسي في العراق.
وكانت دول إقليمية مثل السعودية والأردن قد دعمت بعض الأحزاب والأطراف السنية خلال السنوات الماضية للحفاظ على موطئ قدم لهم في العراق، لكن هذه الدول قد فقدت الثقة بهذه الأحزاب، بسبب تراجع نفوذها السياسي على المشهد العراقي، بحسب أمين، واتجهت إلى حلفاء آخرين مثل التيار الصدري الشيعي الذي أثبت قوته على الداخل العراقي.
وتوقع أمين أن تلعب تركيا دورا في دعم الحركات السنية داخل العراق، للحفاظ على مصالحها الكبيرة، مؤكدا في الوقت ذاته أن الشارع العراقي ليس مؤهلا لقبول تيارات سنية جديدة، بسبب الأحزاب الدكتاتورية والتيارات المتطرفة التي ظهرت بينهم، بحسب قوله.
وبرزت الأحزاب السنية في العراق في أعقاب انهيار النظام البعثي عام 2003 بشكل خجول، تمثلت بالحزب الإسلامي الذي انبثق من جماعة الإخوان المسلمين في العراق، وسياسيين أمثال، طارق المشهداني، وعدنان الدليمي، إضافة الى تيارات وأحزاب قادها علمانيون مثل، عدنان الباججي، وسمير الصميدعي. لكن هذه الأحزاب لم تكن بمستوى التجربة السياسية التي تمتلكها الأحزاب الشيعية والكردية في العراق.
واستبعد رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، في حديثه مع موقع "الحرة" أن تزعزع تحركات الأحزاب السنية الواقع السياسي العراقي لأن الأطراف السنية منقسمة على بعضها، وهناك (صراع سُني - سُني) من أجل الاستحواذ على المناصب السياسية.
ولمح الموسوي إلى أن هذه التحركات قد تصب في خانة الضغوطات الدولية والأميركية على الحكومة العراقية، للتوجه لحلّ الفصائل المسلحة ومن ضمنها الحشد الشعبي، مضيفا "هذه الفصائل من الصعوبة بمكان تفكيكها بالقوة، لذا فإن أفضل وسيلة لحلها هي الحوار والدبلوماسية والضغوطات الدولية".
وفي مناسبات عديدة طالب السنة بإنشاء إقليم خاص بهم، لا سيما بعد الضغوطات والتهميش والطائفية التي تلظوا بنيرانها، بعد عام 2003، ومن القيادات السنية التي طالبت بذلك خلال السنوات الماضية، أسامة النجيفي (سنة 2011)، عندما كان رئيسا لمجلس النواب العراقي.
وكانت هناك ثمة محاولات أخرى لإنشاء أقاليم في الأنبار والموصل وصلاح الدين، لكنها لم تجد لها طريقا للنجاح، وكما يقول رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية "يبقى الإقليم السني حلما مشروعا للأحزاب السنية في العراق".
إنشاء إقليم سني يندرج ضمن مطالب الأحزاب السنية وليس مطلبا جماهيريا، بحسب الموسوي، الذي استبعد فكرة سعي السُّنة خلال تحركاتهم الأخيرة، لتشكيل إقليم سني في المحافظات الوسطى، مضيفا أن صراعاتها الداخلية "وتنافسها الشديد على سيادة المشهد السني في العراق" يمنعها من التوجه لتشكيل إقليم سني فضلا عن أن الأمر يحتاج إلى دعم دولي ومالي كبير، بحسب تعبيره.
الخارطة الجغرافية للسنة في العراق، تظهر انتشارهم في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وتكريت، عانت هذه المحافظات من مشاكل عديدة بسبب التنظيمات الإرهابية التي ظهرت فيها والأحداث الساخنة التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة، أبرزها ظهور تنظيم القاعدة سنة 2003 بقيادة، أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل بغارة أميركية عام 2006، وبعدها سيطرة تنظيم (داعش) بقيادة، أبو بكر البغدادي، على هذه المدن بالكامل عام 2014، وما أعقبها من حروب ودمار، أدت إلى انهيار البنية التحتية لهذه المحافظات، فضلا عن تهجير سكانها.
الواقع الخدمي المزري للمدن السنية، انعكس على شكل أحزابها التي اعتمدت على العشائر مصدرا لها لتأييدها وكسب المقاعد في مجالس المحافظات ومجلس النواب، مما جعل للعشائر سطوتها وقوتها في هذه المدن، لذلك ليس غريبا رؤية رؤساء الأحزاب السنية وهم يترددون باستمرار على مضافات شيوخ العشائر في هذه المناطق لكسب ودهم.
وذكر الخبير الأمني، ماهر عبد جودة، لموقع "الحرة" أن القلق الذي انتاب الشيعة بعد انهيار نظام الأسد في سوريا أمر طبيعي، ويرى أن تجميع قوات الحشد الشعبي في الأنبار ونينوى وصلاح الدين "ضرورة" لوجود آلاف من عناصر تنظيم داعش على مقربة من العراق داخل سوريا، ناهيك عن وجود حزب البعث الذي يحاول "تسويق نفسه" من جديد في تلك المناطق.
التجارب التي مرت بها غزة ولبنان وسوريا، فرضت على العراقيين بكل مكوناتهم أن يتكاتفوا، بحسب جودة، مؤكدا أن الحكومة عازمة على تجريد الفصائل من سلاحها، وجددت مطالبتها ببقاء القوات الأميركية في العراق. معتقدا أن تحركات القوى السنية أيضا تصب في هذا المجال.
وانتقد الكاتب والصحفي، سامان نوح، الأحزاب السنية في كونها "تفتقر إلى الخبرة الحزبية والسياسية" واصفا بأن لها "تيارات جماهيرية ضعيفة" مما يجعل المشهد السني بالعراق معرضا لانقلابات وتغييرات مستمرة.
وهو يرى أن تحركات الأطراف السنية هي محاولات للبحث عن مكاسب داخل البلد، مثل تشريع بعض القوانين مثل قانون العفو العام مؤكدا أنها لا تملك القدرة على إحداث تأثير قوي يغير المشهد العراقي أو الإقليمي فهي ما زالت قوى "ضعيفة" برأيه.
سعي السنة للسيطرة على الحكم في العراق هو من قبيل "الأحلام غير القابلة للتحقيق" بحسب نوح لأنها ما زالت ضعيفة أمام المكونات الأخرى "فهم لا يمتلكون السلاح الخاص بهم ومدنهم مدمرة".
وذكر نوح لموقع "الحرة" أن القوى السنية في العراق ليست مصدر القلق لدى الشيعة، وإنما القلق يكمن في أن "يتم إطلاق سراح عناصر داعش المعتقلين في سجون سوريا وعددهم يفوق 9 آلاف عنصر" وهؤلاء يشكلون خطرا على العراق.
وفسر نوح وجود قوات الحشد الشعبي في هذه المناطق السنية بشكل كثيف بأنها "رسالة للجماعات السنية" تبين لهم أن التنسيق مع الدول الخارجية لزعزعة الأمن الداخلي في العراق، من شأنه توجيه ضربات قوية للمكون السني.
في حين يرى رئيس المعهد العراقي لدعم الديمقراطية، مؤيد سالم، أن هذا التحشيد جاء "تحسبا لتسلل أي تنظيمات متطرفة من سوريا إلى العراق" لا سيما أن الواصلين إلى الحكم كان البعض منهم "منتمين" لتنظيم داعش.
مؤكدا في الوقت نفسه أن فلول تنظيم داعش الموجودة في العراق لا تمتلك القوة التي تؤهلها للقيام بما قامت به من قبل حتى لو دعمتها تيارات سنية، لأن عديدها لا يتجاوز ألف عنصر بأعلى تقدير، بحسب قوله والجيش العراقي حاليا متماسك وهناك تفاهم بين جميع القيادات العسكرية.
701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع